الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ إنَّهم لَمَعَكم حَبِطَتْ أعْمالُهم فَأصْبَحُوا خاسِرِينَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ وابْنُ عامِرٍ (يَقُولُ) بِغَيْرِ واوِ، وكَذَلِكَ هي في مَصاحِفِ أهْلِ الحِجازِ والشّامِ، والباقُونَ بِالواوِ، وكَذَلِكَ هي في مَصاحِفِ أهْلِ العِراقِ. قالَ الواحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وحَدْفُ الواوِ هَهُنا كَإثْباتِها؛ وذَلِكَ لِأنَّ في الجُمْلَةِ المَعْطُوفَةِ ذِكْرًا مِنَ المَعْطُوفِ عَلَيْها، فَإنَّ المَوْصُوفَ بِقَوْلِهِ: ﴿يُسارِعُونَ فِيهِمْ﴾ هُمُ الَّذِينَ قالَ فِيهِمُ المُؤْمِنُونَ ﴿أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾ فَلَمّا حَصَلَ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الجُمْلَتَيْنِ ذِكْرٌ مِنَ الأُخْرى حَسُنَ العَطْفُ بِالواوِ وبِغَيْرِ الواوِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهم كَلْبُهم ويَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهم كَلْبُهُمْ﴾ [الكَهْفِ: ٢٢] لَمّا كانَ في كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الجُمْلَتَيْنِ ذِكْرُ ما تَقَدَّمَ أغْنى ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ الواوِ، ثُمَّ قالَ: ﴿ويَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهُمْ﴾ [الكَهْفِ: ٢٢] فَأدْخَلَ الواوَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ حَذْفَ الواوِ وذِكْرَها جائِزٌ، وقالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ حَذْفُ الواوِ عَلى تَقْدِيرِ أنَّهُ جَوابُ قائِلٍ يَقُولُ: فَماذا يَقُولُ المُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ ؟ فَقِيلَ: يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا، واخْتَلَفُوا في قِراءَةِ هَذِهِ الآيَةِ مِن وجْهٍ آخَرَ، فَقَرَأ أبُو عَمْرٍو (ويَقُولَ الَّذِينَ آمَنُوا) نَصْبًا عَلى مَعْنى: وعَسى أنْ يَقُولَ الَّذِينَ آمَنُوا، وأمّا مَن رَفَعَ فَإنَّهُ جَعَلَ الواوَ لِعَطْفِ جُمْلَةٍ عَلى جُمْلَةٍ، ويَدُلُّ عَلى قِراءَةِ الرَّفْعِ قِراءَةُ مَن حَذَفَ الواوَ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الفائِدَةُ في أنَّ المُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ هَذا القَوْلَ هو أنَّهم يَتَعَجَّبُونَ مِن حالِ المُنافِقِينَ عِنْدَما أظْهَرُوا المَيْلَ إلى مُوالاةِ اليَهُودِ والنَّصارى، وقالُوا: إنَّهم يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ أنَّهم مَعَنا ومِن أنْصارِنا (p-١٧)فالآنَ كَيْفَ صارُوا مُوالِينَ لِأعْدائِنا مُحِبِّينَ لِلِاخْتِلاطِ بِهِمْ والِاعْتِضادِ بِهِمْ ؟ المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ ﴿حَبِطَتْ أعْمالُهُمْ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ المُؤْمِنِينَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى، والمَعْنى ذَهَبَ ما أظْهَرُوهُ مِنَ الإيمانِ، وبَطَلَ كُلُّ خَيْرٍ عَمِلُوهُ لِأجْلِ أنَّهُمُ الآنَ أظْهَرُوا مُوالاةَ اليَهُودِ والنَّصارى، فَأصْبَحُوا خاسِرِينَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَإنَّهُ لَمّا بَطَلَتْ أعْمالُهم بَقِيَتْ عَلَيْهِمُ المَشَقَّةُ في الإتْيانِ بِتِلْكَ الأعْمالِ، ولَمْ يَحْصُلْ لَهم شَيْءٌ مِن ثَمَراتِها ومَنافِعِها، بَلِ اسْتَحَقُّوا اللَّعْنَ في الدُّنْيا والعِقابَ في الآخِرَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب