الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ (لِيَحْكُمَ) بِكَسْرِ اللّامِ وفَتْحِ المِيمِ، جَعَلَ اللّامَ مُتَعَلِّقَةً بِقَوْلِهِ ﴿وآتَيْناهُ الإنْجِيلَ﴾ لِأنَّ إيتاءَ الإنْجِيلِ إنْزالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَكانَ المَعْنى آتَيْناهُ الإنْجِيلَ لِيَحْكُمَ، وأمّا الباقُونَ فَقَرَأُوا بِجَزْمِ اللّامِ والمِيمِ عَلى سَبِيلِ الأمْرِ، وفِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وقُلْنا لِيَحْكُمَ أهْلُ الإنْجِيلِ، فَيَكُونُ هَذا إخْبارًا عَمّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ في ذَلِكَ الوَقْتِ مِنَ الحُكْمِ بِما تَضَمَّنَهُ الإنْجِيلُ، ثُمَّ حَذَفَ القَوْلَ لِأنَّ ما قَبْلَهُ مِن قَوْلِهِ (وكَتَبْنا) (وقَفَّيْنا) يَدُلُّ عَلَيْهِ، وحَذْفُ القَوْلِ كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِن كُلِّ بابٍ﴾ ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الرَّعْدِ: ٢٣] أيْ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكم. والثّانِي: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (ولْيَحْكم) ابْتِداءَ أمْرٍ لِلنَّصارى بِالحُكْمِ بِما في الإنْجِيلِ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ جازَ أنْ يُؤْمَرُوا بِالحُكْمِ بِما في الإنْجِيلِ بَعْدَ نُزُولِ القُرْآنِ ؟ قُلْنا: الجَوابُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ لِيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وهو قَوْلُ الأصَمِّ. والثّانِي: ولْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مِمّا لَمْ يَصِرْ مَنسُوخًا بِالقُرْآنِ. والثّالِثُ: المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ولْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾ زَجْرُهم عَنْ تَحْرِيفِ ما في الإنْجِيلِ وتَغْيِيرِهِ مِثْلَ ما فَعَلَهُ اليَهُودُ مِن إخْفاءِ أحْكامِ التَّوْراةِ، فالمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: (ولْيَحْكم) أيْ ولْيُقِرَّ أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي أنْزَلَهُ اللَّهُ فِيهِ مِن غَيْرِ تَحْرِيفٍ ولا تَبْدِيلٍ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومَن لَمْ يَحْكم بِما أنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ، فَمِنهم مَن جَعَلَ هَذِهِ الثَّلاثَةَ، أعْنِي قَوْلَهُ: (الكافِرُونَ، الظّالِمُونَ، الفاسِقُونَ) صِفاتٍ لِمَوْصُوفٍ واحِدٍ. قالَ القَفّالُ: ولَيْسَ في إفْرادِ كُلِّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الثَّلاثَةِ بِلَفْظٍ ما يُوجِبُ القَدْحَ في المَعْنى، بَلْ هو كَما يُقالُ: مَن أطاعَ اللَّهَ فَهو المُؤْمِنُ، مَن أطاعَ اللَّهَ فَهو البَرُّ، مَن أطاعَ اللَّهَ فَهو المُتَّقِي؛ لِأنَّ كُلَّ ذَلِكَ صِفاتٌ مُخْتَلِفَةٌ حاصِلَةٌ لِمَوْصُوفٍ واحِدٍ. وقالَ آخَرُونَ: الأوَّلُ في الجاحِدِ، والثّانِي والثّالِثُ في المُقِرِّ التّارِكِ، وقالَ الأصَمُّ: الأوَّلُ والثّانِي في اليَهُودِ، والثّالِثُ في النَّصارى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب