الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وآتَيْناهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدًى ونُورٌ ومُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وهُدًى ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾
قَفَيْتُهُ: مِثْلُ عَقَبْتُهُ إذا أتْبَعْتَهُ، ثُمَّ يُقالُ: عَقَّبْتُهُ بِفُلانٍ وقَفَّيْتُهُ بِهِ، فَتَعَدِّيهِ إلى الثّانِي بِزِيادَةِ الباءِ.
فَإنْ قِيلَ: فَأيْنَ المَفْعُولُ الأوَّلُ في الآيَةِ ؟
(p-٩)قُلْنا: هو مَحْذُوفٌ، والظَّرْفُ وهو قَوْلُهُ: ﴿عَلى آثارِهِمْ﴾ كالسّادِّ مَسَدَّهُ؛ لِأنَّهُ إذا قَفّى بِهِ عَلى أثَرِهِ فَقَدْ قَفّى بِهِ إيّاهُ، والضَّمِيرُ في (آثارِهِمْ) لِلنَّبِيِّينَ في قَوْلِهِ: ﴿يَحْكُمُ بِها النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا﴾ وهَهُنا سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى وصَفَ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ بِكَوْنِهِ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ، وإنَّما يَكُونُ كَذَلِكَ إذا كانَ عَمَلُهُ عَلى شَرِيعَةِ التَّوْراةِ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَإنَّ شَرِيعَةَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ كانَتْ مُغايِرَةً لِشَرِيعَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلِذَلِكَ قالَ في آخِرِ هَذِهِ الآيَةِ ﴿ولْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾ فَكَيْفَ طَرِيقُ الجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ ؟
والجَوابُ: مَعْنى كَوْنِ عِيسى مُصَدِّقًا لِلتَّوْراةِ أنَّهُ أقَرَّ بِأنَّهُ كِتابٌ مُنَزَّلٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وأنَّهُ كانَ حَقًّا واجِبَ العَمَلِ بِهِ قَبْلَ وُرُودِ النَّسْخِ.
السُّؤالُ الثّانِي: لِمَ كَرَّرَ قَوْلَهُ ﴿مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ ؟
والجَوابُ: لَيْسَ فِيهِ تَكْرارٌ؛ لِأنَّ في الأوَّلِ: أنَّ المَسِيحَ يُصَدِّقُ التَّوْراةَ، وفي الثّانِي: الإنْجِيلُ يُصَدِّقُ التَّوْراةَ.
السُّؤالُ الثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى وصَفَ الإنْجِيلَ بِصِفاتٍ خَمْسَةٍ فَقالَ: ﴿فِيهِ هُدًى ونُورٌ ومُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وهُدًى ومَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ وفِيهِ مُباحَثاتٌ ثَلاثَةٌ:
أحَدُها: ما الفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصِّفاتِ الخَمْسَةِ ؟ .
وثانِيها: لِمَ ذَكَرَ الهُدى مَرَّتَيْنِ ؟ .
وثالِثُها: لِمَ خَصَّصَهُ بِكَوْنِهِ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ؟ .
والجَوابُ عَلى الأوَّلِ: أنَّ الإنْجِيلَ هَدًى بِمَعْنى أنَّهُ اشْتَمَلَ عَلى الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى التَّوْحِيدِ والتَّنْزِيهِ، وبَراءَةِ اللَّهِ تَعالى عَنِ الصّاحِبَةِ والوَلَدِ والمِثْلِ والضِّدِّ، وعَلى النُّبُوَّةِ وعَلى المَعادِ، فَهَذا هو المُرادُ بِكَوْنِهِ هُدًى، وأمّا كَوْنُهُ نُورًا، فالمُرادُ بِهِ كَوْنُهُ بَيانًا لِلْأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ ولِتَفاصِيلِ التَّكالِيفِ، وأمّا كَوْنُهُ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى كَوْنِهِ مُبَشِّرًا بِمَبْعَثِ مُحَمَّدٍ ﷺ وبِمَقْدِمِهِ، وأمّا كَوْنُهُ هُدًى مَرَّةً أُخْرى فَلِأنَّ اشْتِمالَهُ عَلى البِشارَةِ بِمَجِيءِ مُحَمَّدٍ ﷺ سَبَبٌ لِاهْتِداءِ النّاسِ إلى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، ولَمّا كانَ أشَدُّ وُجُوهِ المُنازَعَةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وبَيْنَ اليَهُودِ والنَّصارى في ذَلِكَ لا جَرَمَ أعادَهُ اللَّهُ تَعالى مَرَّةً أُخْرى تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الإنْجِيلَ يَدُلُّ دَلالَةً ظاهِرَةً عَلى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَكانَ هُدًى في هَذِهِ المَسْألَةِ الَّتِي هي أشَدُّ المَسائِلِ احْتِياجًا إلى البَيانِ والتَّقْرِيرِ، وأمّا كَوْنُهُ مَوْعِظَةً فَلِاشْتِمالِ الإنْجِيلِ عَلى النَّصائِحِ والمَواعِظِ والزَّواجِرِ البَلِيغَةِ المُتَأكِّدَةِ وإنَّما خَصَّها بِالمُتَّقِينَ؛ لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِها، كَما في قَوْلِهِ ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ .
السُّؤالُ الرّابِعُ: قَوْلُهُ في صِفَةِ الإنْجِيلِ ﴿ومُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ عَطْفٌ عَلى ماذا ؟
الجَوابُ: أنَّهُ عَطْفٌ عَلى مَحَلِّ (فِيهِ هُدًى)، ومَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلى الحالِ، والتَّقْدِيرِ: وآتَيْناهُ الإنْجِيلَ حالَ كَوْنِهِ هُدًى ونُورًا ومُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ.
{"ayah":"وَقَفَّیۡنَا عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِم بِعِیسَى ٱبۡنِ مَرۡیَمَ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِۖ وَءَاتَیۡنَـٰهُ ٱلۡإِنجِیلَ فِیهِ هُدࣰى وَنُورࣱ وَمُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَهُدࣰى وَمَوۡعِظَةࣰ لِّلۡمُتَّقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق