الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ بَعْضَ التَّكالِيفِ والشَّرائِعِ، وكانَ قَدْ عَلِمَ مِن بَعْضِ النّاسِ كَوْنَهم مُتَسارِعِينَ إلى الكُفْرِ لا جَرَمَ صَبَّرَ رَسُولَهُ عَلى تَحَمُّلِ ذَلِكَ، وأمَرَهُ بِأنْ لا يَحْزَنَ لِأجْلِ ذَلِكَ، فَقالَ: ﴿ياأيُّها الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى خاطَبَ مُحَمَّدًا ﷺ بِقَوْلِهِ: يا أيُّها النَّبِيُّ في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ، وما خاطَبَهُ (p-١٨٣)بِقَوْلِهِ: يا أيُّها الرَّسُولُ إلّا في مَوْضِعَيْنِ: أحَدُهُما: هَهُنا. والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿ياأيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ (المائِدَةِ: ٦٧) وهَذا الخِطابُ لا شَكَّ أنَّهُ خِطابُ تَشْرِيفٍ وتَعْظِيمٍ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قُرِئَ (لا يُحْزِنْكَ) بِضَمِّ الياءِ، و(يُسْرِعُونَ)، والمَعْنى لا تَهْتَمَّ ولا تُبالِ بِمُسارَعَةِ المُنافِقِينَ في الكُفْرِ؛ وذَلِكَ بِسَبَبِ احْتِيالِهِمْ في اسْتِخْراجِ وُجُوهِ الكَيْدِ والمَكْرِ في حَقِّ المُسْلِمِينَ وفي مُبالَغَتِهِمْ في مُوالاةِ المُشْرِكِينَ فَإنِّي ناصِرُكَ عَلَيْهِمْ وكافِيكَ شَرَّهم. يُقالُ: أسْرَعَ فِيهِ الشَّيْبُ وأسْرَعَ فِيهِ الفَسادُ بِمَعْنى وقَعَ فِيهِ سَرِيعًا، فَكَذَلِكَ مُسارَعَتُهم في الكُفْرِ عِبارَةٌ عَنْ إلْقائِهِمْ أنْفُسَهم فِيهِ عَلى أسْرَعِ الوُجُوهِ مَتى وجَدُوا فِيهِ فُرْصَةً، وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ فِيهِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: مِنَ الَّذِينَ قالُوا بِأفْواهِهِمْ آمَنّا ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهم ولا شَكَّ أنَّ هَؤُلاءِ هُمُ المُنافِقُونَ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: ذَكَرَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ هَهُنا وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ الكَلامَ إنَّما يَتِمُّ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ الَّذِينَ هادُوا﴾ ثُمَّ يُبْتَدَأُ الكَلامُ مِن قَوْلِهِ: ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ وتَقْدِيرُ الكَلامِ: لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ في الكُفْرِ مِنَ المُنافِقِينَ ومِنَ اليَهُودِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وصَفَ الكُلَّ بِكَوْنِهِمْ سَمّاعِينَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ. الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ الكَلامَ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ مِن قَوْلِهِ ﴿ومِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَقَوْلُهُ ﴿سَمّاعُونَ﴾ صِفَةُ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: ومِنَ الَّذِينَ هادُوا قَوْمٌ سَمّاعُونَ. وقِيلَ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، يَعْنِي هم سَمّاعُونَ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ذَكَرَ الزَّجّاجُ في قَوْلِهِ ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ مَعْناهُ قابِلُونَ لِلْكَذِبِ، والسَّمْعُ يُسْتَعْمَلُ ويُرادُ مِنهُ القَبُولُ، كَما يُقالُ: لا تَسْمَعْ مِن فُلانٍ أيْ لا تَقْبَلْ مِنهُ، ومِنهُ ”سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ“، وذَلِكَ الكَذِبُ الَّذِي يَقْبَلُونَهُ هو ما يَقُولُهُ رُؤَساؤُهم مِنَ الأكاذِيبِ في دِينِ اللَّهِ تَعالى في تَحْرِيفِ التَّوْراةِ، وفي الطَّعْنِ في مُحَمَّدٍ ﷺ . والوَجْهُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ نَفْسُ السَّماعِ، واللّامُ في قَوْلِهِ ﴿لِلْكَذِبِ﴾ لامُ كَيْ، أيْ يَسْمَعُونَ مِنكَ لِكَيْ يَكْذِبُوا عَلَيْكَ. وأمّا قَوْلُهُ ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ فالمَعْنى أنَّهم أعْيُنٌ وجَواسِيسُ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ولَمْ يَحْضُرُوا عِنْدَكَ لِيَنْقُلُوا إلَيْهِمْ أخْبارَكَ، فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ قَوْلُهُ ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ أيْ سَمّاعُونَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِأجْلِ أنْ يَكْذِبُوا عَلَيْهِ بِأنْ يَمْزُجُوا ما سَمِعُوا مِنهُ بِالزِّيادَةِ والنُّقْصانِ والتَّبْدِيلِ والتَّغْيِيرِ، سَمّاعُونَ مِن رَسُولِ اللَّهِ لِأجْلِ قَوْمٍ آخَرِينَ مِنَ اليَهُودِ، وهم عُيُونٌ لِيُبَلِّغُوهم ما سَمِعُوا مِنهُ. ثُمَّ إنَّهُ تَعالى وصَفَ هَؤُلاءِ اليَهُودَ بِصِفَةٍ أُخْرى فَقالَ ﴿يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾ أيْ مِن بَعْدِ أنْ وضَعَهُ اللَّهُ مَواضِعَهُ، أيْ فَرَضَ فُرُوضَهُ وأحَلَّ حَلالَهُ وحَرَّمَ حَرامَهُ. قالَ المُفَسِّرُونَ: «إنَّ رَجُلًا وامْرَأةً مِن أشْرافِ أهْلِ خَيْبَرَ زَنَيا، وكانَ حَدُّ الزِّنا في التَّوْراةِ الرَّجْمَ، فَكَرِهَتِ اليَهُودُ رَجْمَهُما لِشَرَفِهِما، فَأرْسَلُوا قَوْمًا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِيَسْألُوهُ عَنْ حُكْمِهِ في الزّانِيَيْنِ إذا أُحْصِنا، وقالُوا: إنْ أمَرَكم بِالجَلْدِ فاقْبَلُوا، وإنْ أمَرَكم بِالرَّجْمِ فاحْذَرُوا ولا تَقْبَلُوا، فَلَمّا سَألُوا الرَّسُولَ ﷺ عَنْ ذَلِكَ نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالرَّجْمِ فَأبَوْا أنْ يَأْخُذُوا بِهِ، فَقالَ لَهُ جِبْرِيلُ (p-١٨٤)عَلَيْهِ السَّلامُ: اجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَهم ”ابْنَ صُورِيا“ فَقالَ الرَّسُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ شابًّا أمْرَدَ أبْيَضَ أعْوَرَ يَسْكُنُ فَدَكَ يُقالُ لَهُ: ابْنُ صُورِيا ؟ قالُوا نَعَمْ وهو أعْلَمُ يَهُودِيٍّ عَلى وجْهِ الأرْضِ، فَرَضُوا بِهِ حَكَمًا، فَقالَ لَهُ الرَّسُولُ ﷺ: ”أنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي لا إلَهَ إلّا هو الَّذِي فَلَقَ البَحْرَ لِمُوسى ورَفَعَ فَوْقَكُمُ الطُّورَ وأنْجاكم وأغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ والَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكم كِتابَهُ وحَلالَهُ وحَرامَهُ هَلْ تَجِدُونَ فِيهِ الرَّجْمَ عَلى مَن أُحْصِنَ“ ؟ قالَ ابْنُ صُورِيا: نَعَمْ، فَوَثَبَتْ عَلَيْهِ سَفَلَةُ اليَهُودِ، فَقالَ: خِفْتُ إنْ كَذَّبْتُهُ أنْ يَنْزِلَ عَلَيْنا العَذابُ، ثُمَّ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أشْياءَ كانَ يَعْرِفُها مِن عَلاماتِهِ، فَقالابْنُ صُورِيا: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ العَرَبِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ المُرْسَلُونَ، ثُمَّ أمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالزّانِيَيْنِ فَرُجِما عِنْدَ بابِ مَسْجِدِهِ» . إذا عَرَفْتَ القِصَّةَ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: ﴿يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾ أيْ وضَعُوا الجَلْدَ مَكانَ الرَّجْمِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقُولُونَ إنْ أُوتِيتُمْ هَذا فَخُذُوهُ وإنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فاحْذَرُوا﴾ أيْ إنْ أمَرَكم مُحَمَّدٌ بِالجَلْدِ فاقْبَلُوا، وإنْ أمَرَكم بِالرَّجْمِ فَلا تَقْبَلُوا. واعْلَمْ أنَّ مَذْهَبَ الشّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ الثَّيِّبَ الذِّمِّيَّ يُرْجَمُ. قالَ: لِأنَّهُ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ أمَرَ بِرَجْمِهِ، فَإنْ كانَ الأمْرُ بِرَجْمِ الثَّيِّبِ الذِّمِّيِّ مِن دِينِ الرَّسُولِ فَقَدْ ثَبَتَ المَقْصُودُ، وإنْ كانَ إنَّما أمَرَ بِذَلِكَ بِناءً عَلى ما ثَبَتَ في شَرِيعَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وجَبَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا في دِينِنا، ويَدُلُّ عَلَيْهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا أفْتى عَلى وفْقِ شَرِيعَةِ التَّوْراةِ في هَذِهِ المَسْألَةِ كانَ الِاقْتِداءُ بِهِ في ذَلِكَ واجِبًا، لِقَوْلِهِ: (فاتَّبِعُوهُ) . والثّانِي: أنَّ ما كانَ ثابِتًا في شَرْعِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فالأصْلُ بَقاؤُهُ إلى طِرِّيانِ النّاسِخِ، ولَمْ يُوجَدْ في شَرْعِنا ما يَدُلُّ عَلى نَسْخِ هَذا الحُكْمِ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ باقِيًا، وبِهَذا الطَّرِيقِ أجْمَعَ العُلَماءُ عَلى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ (المائِدَةِ: ٤٥) حُكْمُهُ باقٍ في شَرْعِنا. ولَمّا شَرَحَ اللَّهُ تَعالى فَضائِحَ هَؤُلاءِ اليَهُودِ قالَ: ﴿ومَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ . واعْلَمْ أنَّ لَفْظَ الفِتْنَةِ مُحْتَمِلٌ لِجَمِيعِ أنْواعِ المَفاسِدِ؛ إلّا أنَّهُ لَمّا كانَ هَذا اللَّفْظُ مَذْكُورًا عَقِيبَ أنْواعِ كُفْرِهِمُ الَّتِي شَرَحَها اللَّهُ تَعالى وجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن هَذِهِ الفِتْنَةِ تِلْكَ الكُفْرِيّاتِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُها، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فالمُرادُ: ومَن يُرِدِ اللَّهُ كُفْرَهُ وضَلالَتَهُ فَلَنْ يَقْدِرَ أحَدٌ عَلى دَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُ. ثُمَّ أكَّدَ تَعالى هَذا فَقالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ . قالَ أصْحابُنا: دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى غَيْرُ مُرِيدٍ إسْلامَ الكافِرِ، وأنَّهُ لَمْ يُطَهِّرْ قَلْبَهُ مِنَ الشَّكِّ والشِّرْكِ، ولَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَآمَنَ، وهَذِهِ الآيَةُ مِن أشَدِّ الآياتِ عَلى القَدَرِيَّةِ. أمّا المُعْتَزِلَةُ فَإنَّهم ذَكَرُوا في تَفْسِيرِ الفِتْنَةِ وُجُوهًا: أحَدُها: أنَّ الفِتْنَةَ هي العَذابُ، قالَ تَعالى: ﴿عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ﴾ (الذّارِياتِ: ١٣) أيْ يُعَذَّبُونَ، فالمُرادُ هَهُنا: أنَّهُ يُرِيدُ عَذابَهُ لِكُفْرِهِ ونِفاقِهِ. وثانِيها: الفِتْنَةُ الفَضِيحَةُ، يَعْنِي ومَن يُرِدِ اللَّهُ فَضِيحَتَهُ. الثّالِثُ: فِتْنَتَهُ: إضْلالَهُ، والمُرادُ مِنَ الإضْلالِ الحُكْمُ بِضَلالِهِ وتَسْمِيَتِهِ ضالًّا. ورابِعُها: الفِتْنَةُ الِاخْتِبارُ، يَعْنِي مَن يُرِدِ اللَّهَ اخْتِبارَهُ فِيما يَبْتَلِيهِ مِنَ التَّكالِيفِ، ثُمَّ إنَّهُ يَتْرُكُها ولا يَقُومُ بِأدائِها فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ ثَوابًا ولا نَفْعًا. * * * وأمّا قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: أحَدُها: لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَمُدَّ قُلُوبَهم بِالألْطافِ؛ لِأنَّهُ تَعالى عَلِمَ أنَّهُ لا فائِدَةَ في تِلْكَ الألْطافِ لِأنَّها لا تَنْجَعُ في قُلُوبِهِمْ. وثانِيها: لَمْ يُرِدِ اللَّهُ (p-١٨٥)أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهم عَنِ الحَرَجِ والغَمِّ والوَحْشَةِ الدّالَّةِ عَلى كُفْرِهِمْ. وثالِثُها: أنَّ هَذا اسْتِعارَةٌ عَنْ سُقُوطِ وقْعِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، وأنَّهُ غَيْرُ مُلْتَفَتٍ إلَيْهِ بِسَبَبِ قُبْحِ أفْعالِهِ وسُوءِ أعْمالِهِ، والكَلامُ عَنْ هَذِهِ الوُجُوهِ قَدْ تَقَدَّمَ مِرارًا. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لَهم في الدُّنْيا خِزْيٌ﴾ وخِزْيُ المُنافِقِينَ هَتْكُ سِتْرِهِمْ بِاطِّلاعِ الرَّسُولِ ﷺ عَلى كَذِبِهِمْ وخَوْفِهِمْ مِنَ القَتْلِ، وخِزْيُ اليَهُودِ فَضِيحَتُهم بِظُهُورِ كَذِبِهِمْ في كِتْمانِ نَصِّ اللَّهِ تَعالى في إيجابِ الرَّجْمِ وأخْذِ الجِزْيَةِ مِنهم. ﴿ولَهم في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ وهو الخُلُودُ في النّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب