الباحث القرآني

(p-١٥٧)ثُمَّ أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم أنَّهم ﴿قالُوا يامُوسى إنَّ فِيها قَوْمًا جَبّارِينَ﴾ وفي تَفْسِيرِ الجَبّارِينَ وجْهانِ: الأوَّلُ: الجَبّارُ فَعّالٌ مِن جَبَرَهُ عَلى الأمْرِ بِمَعْنى أجْبَرَهُ عَلَيْهِ، وهو العاتِي الَّذِي يُجْبِرُ النّاسَ عَلى ما يُرِيدُ، وهَذا هو اخْتِيارُ الفَرّاءِ والزَّجّاجِ. قالَ الفَرّاءُ: لَمْ أسْمَعْ فَعّالًا مِن أفْعَلَ إلّا في حَرْفَيْنِ وهُما: جَبّارٌ مِن أجْبَرَ، ودَرّاكٌ مِن أدْرَكَ. والثّانِي: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِمْ نَخْلَةٌ جَبّارَةٌ إذا كانَتْ طَوِيلَةً مُرْتَفِعَةً لا تَصِلُ الأيْدِي إلَيْها، ويُقالُ: رَجُلٌ جَبّارٌ إذا كانَ طَوِيلًا عَظِيمًا قَوِيًّا، تَشْبِيهًا بِالجَبّارِ مِنَ النَّخْلِ، والقَوْمُ كانُوا في غايَةِ القُوَّةِ وعِظَمِ الأجْسامِ بِحَيْثُ كانَتْ أيْدِي قَوْمِ مُوسى ما كانَتْ تَصِلُ إلَيْهِمْ، فَسَمَّوْهم جَبّارِينَ لِهَذا المَعْنى. ثُمَّ قالَ القَوْمُ: ﴿وإنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنها فَإنْ يَخْرُجُوا مِنها فَإنّا داخِلُونَ﴾ وإنَّما قالُوا هَذا عَلى سَبِيلِ الِاسْتِبْعادِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ﴾ (الأعْرافِ: ٤٠) . * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البابَ فَإذا دَخَلْتُمُوهُ فَإنَّكم غالِبُونَ وعَلى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: هَذانِ الرَّجُلانِ هُما يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وكالِبُ بْنُ يُوفِنا، وكانا مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ اللَّهَ وأنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما بِالهِدايَةِ والثِّقَةِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعالى والِاعْتِمادِ عَلى نُصْرَةِ اللَّهِ. قالَ القَفّالُ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُهم بَنُو إسْرائِيلَ وهُمُ الجَبّارُونَ، وهُما رَجُلانِ مِنهم أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما بِالإيمانِ فَآمَنا، وقالا هَذا القَوْلَ لِقَوْمِ مُوسى تَشْجِيعًا لَهم عَلى قِتالِهِمْ، وقِراءَةُ مَن قَرَأ (يُخافُونَ) بِالضَّمِّ شاهِدَةٌ لِهَذا الوَجْهِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في قَوْلِهِ: ﴿أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما﴾ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ ﴿رَجُلانِ﴾ . والثّانِي: أنَّهُ اعْتِراضٌ وقَعَ في البَيْنِ يُؤَكِّدُ ما هو المَقْصُودُ مِنَ الكَلامِ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البابَ﴾ مُبالَغَةٌ في الوَعْدِ بِالنَّصْرِ والظَّفَرِ، كَأنَّهُ قالَ: مَتى دَخَلْتُمْ بابَ بَلَدِهِمُ انْهَزَمُوا ولا يَبْقى مِنهم نافِخُ نارٍ ولا ساكِنُ دارٍ، فَلا تَخافُوهم. واللَّهُ أعْلَمُ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: إنَّما جَزَمَ هَذانِ الرَّجُلانِ في قَوْلِهِما: ﴿فَإذا دَخَلْتُمُوهُ فَإنَّكم غالِبُونَ﴾ لِأنَّهُما كانا جازِمَيْنِ بِنُبُوَّةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمّا أخْبَرَهم مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنَّ اللَّهَ قالَ: ﴿ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ (المائِدَةِ: ٢١) لا جَرَمَ قَطَعا بِأنَّ النُّصْرَةَ لَهم والغَلَبَةَ حاصِلَةٌ في جانِبِهِمْ، ولِذَلِكَ خَتَمُوا كَلامَهم بِقَوْلِهِمْ ﴿وعَلى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يَعْنِي لَمّا وعَدَكُمُ اللَّهُ تَعالى النَّصْرَ فَلا يَنْبَغِي أنْ تَصِيرُوا خائِفِينَ مِن شِدَّةِ قُوَّتِهِمْ وعِظَمِ أجْسامِهِمْ، بَلْ تَوَكَّلُوا عَلى اللَّهِ في حُصُولِ هَذا النَّصْرِ لَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مُقِرِّينَ بِوُجُودِ الإلَهِ القادِرِ ومُؤْمِنِينَ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب