الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكم رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكم كَثِيرًا مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتابِ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾(p-١٥٠)
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنِ اليَهُودِ وعَنِ النَّصارى نَقْضَهُمُ العَهْدَ وتَرْكَهم ما أُمِرُوا بِهِ، دَعاهم عَقِيبَ ذَلِكَ إلى الإيمانِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَقالَ: ﴿ياأهْلَ الكِتابِ﴾ والمُرادُ بِأهْلِ الكِتابِ اليَهُودُ والنَّصارى، وإنَّما وحَّدَ الكِتابَ؛ لِأنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الجِنْسِ، ثُمَّ وصَفَ الرَّسُولَ بِأمْرَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ يُبَيِّنُ لَهم كَثِيرًا مِمّا كانُوا يُخْفُونَ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أخْفَوْا صِفَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وأخْفَوْا أمْرَ الرَّجْمِ، ثُمَّ إنَّ الرَّسُولَ ﷺ بَيَّنَ ذَلِكَ لَهم؛ وهَذا مُعْجِزٌ لِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يَقْرَأْ كِتابًا ولَمْ يَتَعَلَّمْ عِلْمًا مِن أحَدٍ، فَلَمّا أخْبَرَهم بِأسْرارِ ما في كِتابِهِمْ كانَ ذَلِكَ إخْبارًا عَنِ الغَيْبِ فَيَكُونُ مُعْجِزًا.
والوَصْفُ الثّانِي لِلرَّسُولِ: قَوْلُهُ ﴿ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ أيْ لا يُظْهِرُ كَثِيرًا مِمّا تَكْتُمُونَهُ أنْتُمْ، وإنَّما لَمْ يُظْهِرْهُ؛ لِأنَّهُ لا حاجَةَ إلى إظْهارِهِ في الدِّينِ، والفائِدَةُ في ذِكْرِ ذَلِكَ أنَّهم يَعْلَمُونَ كَوْنَ الرَّسُولِ عالِمًا بِكُلِّ ما يُخْفُونَهُ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ داعِيًا لَهم إلى تَرْكِ الإخْفاءِ لِئَلّا يَفْتَضِحُوا.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قَدْ جاءَكم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وكِتابٌ مُبِينٌ﴾ وفِيهِ أقْوالٌ:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ بِالنُّورِ مُحَمَّدٌ، وبِالكِتابِ القُرْآنُ.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالنُّورِ الإسْلامُ، وبِالكِتابِ القُرْآنُ.
الثّالِثُ: النُّورُ والكِتابُ هو القُرْآنُ، وهَذا ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ العَطْفَ يُوجِبُ المُغايَرَةَ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وتَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ والإسْلامِ والقُرْآنِ بِالنُّورِ ظاهِرَةٌ؛ لِأنَّ النُّورَ الظّاهِرَ هو الَّذِي يَتَقَوّى بِهِ البَصَرُ عَلى إدْراكِ الأشْياءِ الظّاهِرَةِ، والنُّورُ الباطِنُ أيْضًا هو الَّذِي تَتَقَوّى بِهِ البَصِيرَةُ عَلى إدْراكِ الحَقائِقِ والمَعْقُولاتِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ﴾ أيْ بِالكِتابِ المُبِينِ ﴿مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ﴾ مَن كانَ مَطْلُوبُهُ مِن طَلَبِ الدِّينَ اتِّباعَ الدِّينِ الَّذِي يَرْتَضِيهِ اللَّهُ تَعالى، فَأمّا مَن كانَ مَطْلُوبُهُ مِن دِينِهِ تَقْرِيرَ ما ألِفَهُ ونَشَأ عَلَيْهِ وأخَذَهُ مِن أسْلافِهِ مَعَ تَرْكِ النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ، فَمَن كانَ كَذَلِكَ فَهو غَيْرُ مُتَّبِعٍ رِضْوانَ اللَّهِ تَعالى.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿سُبُلَ السَّلامِ﴾ أيْ: طُرُقَ السَّلامَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى حَذْفِ المُضافِ، أيْ سُبُلَ دارِ السَّلامِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعْمالَهُمْ﴾ ﴿سَيَهْدِيهِمْ﴾ (مُحَمَّدٍ: ٥) لَيْسَ المُرادُ هِدايَةَ الإسْلامِ، بَلِ الهِدايَةُ إلى طَرِيقِ الجَنَّةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿ويُخْرِجُهم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذْنِهِ﴾ أيْ مِن ظُلُماتِ الكُفْرِ إلى نُورِ الإيمانِ، وذَلِكَ أنَّ الكُفْرَ يَتَحَيَّرُ فِيهِ صاحِبُهُ كَما يَتَحَيَّرُ في الظَّلامِ، ويَهْتَدِي بِالإيمانِ إلى طُرُقِ الجَنَّةِ كَما يَهْتَدِي بِالنُّورِ، وقَوْلُهُ (بِإذْنِهِ) أيْ بِتَوْفِيقِهِ، والباءُ تَتَعَلَّقُ بِالِاتِّباعِ أيِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ بِإذْنِهِ، ولا يَجُوزُ أنْ تَتَعَلَّقَ بِالهِدايَةِ ولا بِالإخْراجِ؛ لِأنَّهُ لا مَعْنى لَهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ لا يَتَّبِعُ رِضْوانَ اللَّهِ إلّا مَن أرادَ اللَّهُ مِنهُ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَهْدِيهِمْ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وهو الدِّينُ الحَقُّ؛ لِأنَّ الحَقَّ واحِدٌ لِذاتِهِ، ومُتَّفِقٌ مِن جَمِيعِ جِهاتِهِ، وأمّا الباطِلُ فَفِيهِ كَثْرَةٌ، وكُلُّها مُعْوَجَّةٌ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ قَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَكُمۡ كَثِیرࣰا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲۚ قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورࣱ وَكِتَـٰبࣱ مُّبِینࣱ","یَهۡدِی بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَ ٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَیُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَیَهۡدِیهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"],"ayah":"یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ قَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَكُمۡ كَثِیرࣰا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲۚ قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورࣱ وَكِتَـٰبࣱ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق