الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قالَ اللَّهُ إنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكم فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكم فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذابًا لا أُعَذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ﴾ . وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ ابْنُ عامِرٍ وعاصِمٌ ونافِعٌ ﴿مُنَزِّلُها﴾ بِالتَّشْدِيدِ، والباقُونَ بِالتَّخْفِيفِ وهُما لُغَتانِ (نَزَلَ وأنْزَلَ) وقِيلَ: بِالتَّشْدِيدِ؛ أيْ مُنَزِّلُها مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى، وبِالتَّخْفِيفِ مَرَّةً واحِدَةً. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ﴾ أيْ بَعْدَ إنْزالِ المائِدَةِ ﴿فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذابًا لا أُعَذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يَعْنِي مَسْخَهم خَنازِيرَ، وقِيلَ: قِرَدَةً، وقِيلَ: جِنْسًا مِنَ العَذابِ لا يُعَذَّبُ بِهِ غَيْرُهم. قالَ الزَّجّاجُ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ العَذابُ مُعَجَّلًا لَهم في الدُّنْيا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُؤَخَّرًا إلى الآخِرَةِ، وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ العالَمِينَ﴾ يَعْنِي عالَمِي زَمانِهِمْ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قِيلَ: إنَّهم سَألُوا عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ هَذا السُّؤالَ عِنْدَ نُزُولِهِمْ في مَفازَةٍ عَلى غَيْرِ ماءٍ ولا طَعامٍ، ولِذَلِكَ قالُوا: نُرِيدُ أنْ نَأْكُلَ مِنها. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا في أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ هَلْ سَألَ المائِدَةَ لِنَفْسِهِ أوْ سَألَها لِقَوْمِهِ وإنْ كانَ قَدْ أضافَها إلى نَفْسِهِ في الظّاهِرِ، وكِلاهُما مُحْتَمَلٌ واللَّهُ أعْلَمُ. المَسْألَةُ الخامِسَةُ: اخْتَلَفُوا في أنَّهُ هَلْ نَزَلَتِ المائِدَةُ ؟ فَقالَ الحَسَنُ ومُجاهِدٌ: ما نَزَلَتْ، واحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ القَوْمَ لَمّا سَمِعُوا قَوْلَهُ: ﴿أُعَذِّبُهُ عَذابًا لا أُعَذِّبُهُ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ﴾ اسْتَغْفَرُوا وقالُوا لا نُرِيدُها. والثّانِي: أنَّهُ [لَمّا] وصَفَ المائِدَةَ بِكَوْنِها عِيدًا، [فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ] لَبَقِيَ ذَلِكَ العِيدُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. وقالَ الجُمْهُورُ الأعْظَمُ مِنَ المُفَسِّرِينَ: إنَّها نَزَلَتْ [لِأنَّهُ تَعالى قالَ]: ﴿إنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ﴾ وهَذا وعْدٌ بِالإنْزالِ جَزْمًا مِن غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلى شَرْطٍ، فَوَجَبَ حُصُولُ هَذا النُّزُولِ. والجَوابُ عَنِ الأوَّلِ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكم فَإنِّي أُعَذِّبُهُ﴾ شَرْطٌ وجَزاءٌ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ﴾ . والجَوابُ عَنِ الثّانِي أنَّ يَوْمَ نُزُولِها كانَ عِيدًا لَهم ولِمَن بَعْدَهم مِمَّنْ كانَ عَلى شَرْعِهِمْ. المَسْألَةُ السّادِسَةُ: رُوِيَ أنَّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا أرادَ الدُّعاءَ لَبِسَ صُوفًا، ثُمَّ قالَ: ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنا أنْزِلْ عَلَيْنا﴾ فَنَزَلَتْ سُفْرَةٌ حَمْراءُ بَيْنَ غَمامَتَيْنِ غَمامَةٌ فَوْقَها وأُخْرى تَحْتَها، وهم يَنْظُرُونَ إلَيْها حَتّى سَقَطَتْ بَيْنَ أيْدِيهِمْ فَبَكى عَلَيْهِ السَّلامُ وقالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الشّاكِرِينَ اللَّهُمَّ اجْعَلْها رَحْمَةً ولا تَجْعَلْها مُثْلَةً وعُقُوبَةً، وقالَ لَهم: (p-١١١)لِيَقُمْ أحْسَنُكم عَمَلًا يَكْشِفُ عَنْها ويَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها ويَأْكُلُ مِنها. فَقالَ شَمْعُونُ رَأْسُ الحَوارِيِّينَ: أنْتَ أوْلى بِذَلِكَ، فَقامَ عِيسى وتَوَضَّأ وصَلّى وبَكى ثُمَّ كَشَفَ المِندِيلَ، وقالَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الرّازِقِينَ، فَإذا سَمَكَةٌ مَشْوِيَّةٌ بِلا شَوْكٍ ولا فُلُوسٍ تَسِيلُ دَسَمًا، وعِنْدَ رَأْسِها مِلْحٌ وعِنْدَ ذَنَبِها خَلٌّ، وحَوْلَها مِن ألْوانِ البُقُولِ ما خَلا الكُرّاثَ، وإذا خَمْسَةُ أرْغِفَةٍ عَلى واحِدٍ مِنها زَيْتُونٌ، وعَلى الثّانِي عَسَلٌ، وعَلى الثّالِثِ سَمْنٌ، وعَلى الرّابِعِ جُبْنٌ، وعَلى الخامِسِ قَدِيدٌ، فَقالَ شَمْعُونُ: يا رُوحَ اللَّهِ أمِن طَعامِ الدُّنْيا أمْ مِن طَعامِ الآخِرَةِ ؟ فَقالَ: لَيْسَ مِنهُما ولَكِنَّهُ شَيْءٌ اخْتَرَعَهُ اللَّهُ بِالقُدْرَةِ العالِيَةِ، كُلُوا ما سَألْتُمْ واشْكُرُوا يُمْدِدْكُمُ اللَّهُ ويَزِدْكم مِن فَضْلِهِ، فَقالَ الحَوارِيُّونَ: يا رُوحَ اللَّهِ لَوْ أرَيْتَنا مِن هَذِهِ الآيَةِ آيَةً أُخْرى، فَقالَ يا سَمَكَةُ احْيَيْ بِإذْنِ اللَّهِ، فاضْطَرَبَتْ، ثُمَّ قالَ لَها: عُودِي كَما كُنْتِ، فَعادَتْ مَشْوِيَّةً، ثُمَّ طارَتِ المائِدَةُ، ثُمَّ عَصَوْا مِن بَعْدِها، فَمُسِخُوا قِرَدَةً وخَنازِيرَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب