الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ما عَلى الرَّسُولِ إلّا البَلاغُ واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ﴾ واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قَدَّمَ التَّرْهِيبَ والتَّرْغِيبَ بِقَوْلِهِ: ﴿أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ وأنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أتْبَعَهُ بِالتَّكْلِيفِ بِقَوْلِهِ: ﴿ما عَلى الرَّسُولِ إلّا البَلاغُ﴾ يَعْنِي أنَّهُ كانَ مُكَلَّفًا بِالتَّبْلِيغِ فَلَمّا بَلَّغَ خَرَجَ عَنِ العُهْدَةِ وبَقِيَ الأمْرُ مِن جانِبِكم وأنا عالِمٌ بِما تُبْدُونَ (p-٨٦)وبِما تَكْتُمُونَ، فَإنْ خالَفْتُمْ فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ، وإنْ أطَعْتُمْ فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الخَبِيثُ والطَّيِّبُ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا زَجَرَ عَنِ المَعْصِيَةِ ورَغَّبَ في الطّاعَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿اعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ وأنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ثُمَّ أتْبَعَهُ بِالتَّكْلِيفِ بِقَوْلِهِ: ﴿ما عَلى الرَّسُولِ إلّا البَلاغُ﴾ ثُمَّ أتْبَعَهُ بِالتَّرْغِيبِ في الطّاعَةِ والتَّنْفِيرِ عَنِ المَعْصِيَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما تَكْتُمُونَ﴾ أتْبَعَهُ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ التَّرْغِيبِ في الطّاعَةِ والتَّنْفِيرِ عَنِ المَعْصِيَةِ فَقالَ: ﴿قُلْ لا يَسْتَوِي الخَبِيثُ والطَّيِّبُ﴾ وذَلِكَ لِأنَّ الخَبِيثَ والطَّيِّبَ قِسْمانِ، أحَدُهُما: الَّذِي يَكُونُ جُسْمانِيًّا، وهو ظاهِرٌ لِكُلِّ أحَدٍ.
والثّانِي: الَّذِي يَكُونُ رُوحانِيًّا، وأخْبَثُ الخَبائِثِ الرُّوحانِيَّةِ الجَهْلُ والمَعْصِيَةُ، وأطْيَبُ الطَّيِّباتِ الرُّوحانِيَّةِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعالى وطاعَةُ اللَّهِ تَعالى، وذَلِكَ لِأنَّ الجِسْمَ الَّذِي يَلْتَصِقُ بِهِ شَيْءٌ مِنَ النَّجاساتِ يَصِيرُ مُسْتَقْذَرًا عِنْدَ أرْبابِ الطِّباعِ السَّلِيمَةِ، فَكَذَلِكَ الأرْواحُ المَوْصُوفَةُ بِالجَهْلِ بِاللَّهِ والإعْراضِ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ تَعالى تَصِيرُ مُسْتَقْذَرَةً عِنْدَ الأرْواحِ الكامِلَةِ المُقَدَّسَةِ.
وأمّا الأرْواحُ العارِفَةُ بِاللَّهِ تَعالى المُواظِبَةُ عَلى خِدْمَةِ اللَّهِ تَعالى، فَإنَّها تَصِيرُ مُشْرِقَةً بِأنْوارِ المَعارِفِ الإلَهِيَّةِ، مُبْتَهِجَةً بِالقُرْبِ مِنَ الأرْواحِ المُقَدَّسَةِ الطّاهِرَةِ، وكَما أنَّ الخَبِيثَ والطَّيِّبَ في عالَمِ الجُسْمانِيّاتِ لا يَسْتَوِيانِ، فَكَذَلِكَ في عالَمِ الرُّوحانِيّاتِ لا يَسْتَوِيانِ، بَلِ المُبايَنَةُ بَيْنَهُما في عالَمِ الرُّوحانِيّاتِ أشَدُّ؛ لِأنَّ مَضَرَّةَ خُبْثِ الخَبِيثِ الجُسْمانِيِّ شَيْءٌ قَلِيلٌ، ومَنفَعَتَهُ طَيِّبَةٌ مُخْتَصَرَةٌ، وأمّا خُبْثُ الخَبِيثِ الرُّوحانِيِّ فَمَضَرَّتُهُ عَظِيمَةٌ دائِمَةٌ أبَدِيَّةٌ، وطَيِّبُ الطَّيِّبِ الرُّوحانِيِّ فَمَنفَعَتُهُ عَظِيمَةٌ دائِمَةٌ أبَدِيَّةٌ، وهو القُرْبُ مِن جِوارِ رَبِّ العالَمِينَ، والِانْخِراطُ في زُمْرَةِ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، والمُرافَقَةُ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ، فَكانَ هَذا مِن أعْظَمِ وُجُوهِ التَّرْغِيبِ في الطّاعَةِ والتَّنْفِيرِ عَنِ المَعْصِيَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ﴾ يَعْنِي أنَّ الَّذِي يَكُونُ خَبِيثًا في عالَمِ الرُّوحانِيّاتِ قَدْ يَكُونُ طَيِّبًا في عالَمِ الجُسْمانِيّاتِ، ويَكُونُ كَثِيرَ المِقْدارِ، وعَظِيمَ اللَّذَّةِ، إلّا أنَّهُ مَعَ كَثْرَةِ مِقْدارِهِ ولَذاذَةِ مُتَناوَلِهِ وقُرْبِ وِجْدانِهِ، سَبَبٌ لِلْحِرْمانِ مِنَ السَّعاداتِ الباقِيَةِ الأبَدِيَّةِ السَّرْمَدِيَّةِ، الَّتِي إلَيْها الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿والباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [الكَهْفِ: ٤٦] وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ فالخَبِيثُ ولَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَتُهُ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ مُساوِيًا لِلطَّيِّبِ الَّذِي هو المَعْرِفَةُ والمَحَبَّةُ والطّاعَةُ والِابْتِهاجُ بِالسَّعاداتِ الرُّوحانِيَّةِ والكَراماتِ الرَّبّانِيَّةِ.
ولَمّا ذَكَرَ تَعالى هَذِهِ التَّرْغِيباتِ الكَثِيرَةَ في الطّاعَةِ، والتَّحْذِيراتِ مِنَ المَعْصِيَةِ، أتْبَعَها بِوَجْهٍ آخَرَ يُؤَكِّدُها، فَقالَ تَعالى: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ ياأُولِي الألْبابِ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ أيْ فاتَّقُوا اللَّهَ بَعْدَ هَذِهِ البَياناتِ الجَلِيَّةِ والتَّعْرِيفاتِ القَوِيَّةِ، ولا تُقْدِمُوا عَلى مُخالَفَتِهِ لَعَلَّكم تَصِيرُونَ فائِزِينَ بِالمَطالِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ والدِّينِيَّةِ العاجِلَةِ والآجِلَةِ.
{"ayahs_start":99,"ayahs":["مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ","قُل لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡخَبِیثُ وَٱلطَّیِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِیثِۚ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"],"ayah":"قُل لَّا یَسۡتَوِی ٱلۡخَبِیثُ وَٱلطَّیِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِیثِۚ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق