الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أصْواتَهم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى﴾ . وفِيهِ الحَثُّ عَلى ما أرْشَدَهم إلَيْهِ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: ظاهِرٌ لِكُلِّ أحَدٍ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى﴾ وبَيانُهُ هو أنَّ مَن يُقَدِّمُ نَفْسَهُ ويَرْفَعُ صَوْتَهُ يُرِيدُ إكْرامَ نَفْسِهِ واحْتِرامَ شَخْصِهِ، فَقالَ تَعالى تَرْكُ هَذا الِاحْتِرامِ يَحْصُلُ بِهِ حَقِيقَةُ الِاحْتِرامِ، وبِالإعْراضِ عَنْ هَذا الإكْرامِ يَكْمُلُ الإكْرامُ؛ لِأنَّ بِهِ تَتَبَيَّنُ تَقْواكم، و﴿إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] ومِنَ القَبِيحِ أنْ يَدْخُلَ الإنْسانُ حَمّامًا فَيَتَخَيَّرُ لِنَفْسِهِ فِيهِ مَنصِبًا ويُفَوِّتُ بِسَبَبِهِ مَنصِبَهُ عِنْدَ السُّلْطانِ، ويُعَظِّمُ نَفْسَهُ في الخَلاءِ والمُسْتَراحِ وبِسَبَبِهِ يَهُونُ في الجَمْعِ العَظِيمِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى﴾ فِيهِ وُجُوهٌ: أحَدُها: امْتَحَنَها لِيَعْلَمَ مِنها التَّقْوى، فَإنَّ مَن يُعَظِّمُ واحِدًا مِن أبْناءِ جِنْسِهِ لِكَوْنِهِ رَسُولًا مُرْسَلًا يَكُونُ تَعْظِيمُهُ لِلْمُرْسِلِ أعْظَمَ وخَوْفُهُ مِنهُ أقْوى، وهَذا كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوبِ﴾ [الحج: ٣٢] أيْ تَعْظِيمُ أوامِرِ اللَّهِ مِن تَقْوى اللَّهِ فَكَذَلِكَ تَعْظِيمُ رَسُولِ اللَّهِ مِن تَقْواهُ. الثّانِي: امْتَحَنَ أيْ عَلِمَ وعَرَفَ؛ لِأنَّ الِامْتِحانَ تَعَرُّفُ الشَّيْءِ، فَيَجُوزُ اسْتِعْمالُهُ في مَعْناهُ، وعَلى هَذا فاللّامُ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: عَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهم صالِحَةً، أيْ كائِنَةً لِلتَّقْوى، كَما يَقُولُ القائِلُ: أنْتَ لِكَذا أيْ صالِحٌ أوْ كائِنٌ. الثّالِثُ: امْتَحَنَ: أيْ أخْلَصَ يُقالُ لِلذَّهَبِ: مُمْتَحَنٌ، أيْ مُخْلَصٌ في النّارِ وهَذِهِ الوُجُوهُ كُلُّها مَذْكُورَةٌ ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: مَعْناهُ امْتَحَنَها لِلتَّقْوى اللّامُ لِلتَّعْلِيلِ، وهو يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا يَجْرِي مَجْرى بَيانِ السَّبَبِ المُتَقَدِّمِ، كَما يَقُولُ القائِلُ: جِئْتُكَ لِإكْرامِكَ لِي أمْسِ، أيْ صارَ ذَلِكَ الإكْرامُ السّابِقُ سَبَبَ المَجِيءِ. وثانِيها: أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا يَجْرِي مَجْرى بَيانِ غايَةِ المَقْصُودِ المُتَوَقَّعِ الَّذِي يَكُونُ لاحِقًا لا سابِقًا، كَما يَقُولُ القائِلُ: جِئْتُكَ لِأداءِ الواجِبِ، فَإنْ قُلْنا بِالأوَّلِ فَتَحْقِيقُهُ هو أنَّ اللَّهَ عَلِمَ ما في قُلُوبِهِمْ مِن تَقْواهُ، وامْتَحَنَ قُلُوبَهم لِلتَّقْوى الَّتِي كانَتْ فِيها، ولَوْلا أنَّ قُلُوبَهم كانَتْ (p-١٠٠)مَمْلُوءَةً مِنَ التَّقْوى لَما أمَرَهم بِتَعْظِيمِ رَسُولِهِ وتَقْدِيمِ نَبِيِّهِ عَلى أنْفُسِهِمْ، بَلْ كانَ يَقُولُ لَهم: آمِنُوا بِرَسُولِي ولا تُؤْذُوهُ ولا تُكَذِّبُوهُ، فَإنَّ الكافِرَ أوَّلَ ما يُؤْمِنُ يُؤْمِنُ بِالِاعْتِرافِ بِكَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ صادِقًا، وبَيْنَ مَن قِيلَ لَهُ: لا تَسْتَهْزِئْ بِرَسُولِ اللَّهِ، ولا تُكَذِّبْهُ، ولا تُؤْذِهِ، وبَيْنَ مَن قِيلَ لَهُ: لا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عِنْدَهُ ولا تَجْعَلْ لِنَفْسِكَ وزْنًا بَيْنَ يَدَيْهِ، ولا تَجْهَرْ بِكَلامِكَ الصّادِقِ بَيْنَ يَدَيْهِ بَوْنٌ عَظِيمٌ. واعْلَمْ أنَّ بِقَدْرِ تَقْدِيمِكَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى نَفْسِكَ في الدُّنْيا يَكُونُ تَقْدِيمُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إيّاكَ في العُقْبى، فَإنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أحَدٌ الجَنَّةَ ما لَمْ يُدْخِلِ اللَّهُ أُمَّتَهُ المُتَّقِينَ الجَنَّةَ، فَإنْ قُلْنا بِالثّانِي فَتَحْقِيقُهُ هو أنَّ اللَّهَ تَعالى امْتَحَنَ قُلُوبَهم بِمَعْرِفَتِهِ ومَعْرِفَةِ رَسُولِهِ بِالتَّقْوى، أيْ لِيَرْزُقَهُمُ اللَّهُ التَّقْوى الَّتِي هي حَقُّ التُّقاةِ، وهي الَّتِي لا تَخْشى مَعَ خَشْيَةِ اللَّهِ أحَدًا، فَتَراهُ آمِنًا مِن كُلِّ مُخِيفٍ لا يَخافُ في الدُّنْيا بَخْسًا، ولا يَخافُ في الآخِرَةِ نَحْسًا، والنّاظِرُ العاقِلُ إذا عَلِمَ أنَّ بِالخَوْفِ مِنَ السُّلْطانِ يَأْمَنُ جَوْرَ الغِلْمانِ، وبِتَجَنُّبِ الأراذِلِ يَنْجُو مِن بَأْسِ السُّلْطانِ، فَيَجْعَلُ خَوْفَ السُّلْطانِ جُنَّةً، فَكَذَلِكَ العالِمُ لَوْ أمْعَنَ النَّظَرَ لَعَلِمَ أنَّ بِخَشْيَةِ اللَّهِ النَّجاةَ في الدّارَيْنِ، وبِالخَوْفِ مِن غَيْرِهِ الهَلاكَ فِيهِما، فَيَجْعَلُ خَشْيَةَ اللَّهِ جُنَّتَهُ الَّتِي يُحِسُّ بِها نَفْسَهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ﴾ . وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ المَغْفِرَةَ إزالَةُ السَّيِّئاتِ الَّتِي هي في الدُّنْيا لازِمَةٌ لِلنَّفْسِ، والأجْرُ العَظِيمُ إشارَةٌ إلى الحَياةِ الَّتِي هي بَعْدَ مُفارَقَةِ الدُّنْيا عَنِ النَّفْسِ، فَيُزِيلُ اللَّهُ عَنْهُ القَبائِحَ البَهِيمِيَّةَ ويُلْبِسُهُ المَحاسِنَ المَلَكِيَّةَ. ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ . بَيانًا لِحالِ مَن كانَ في مُقابَلَةِ مَن تَقَدَّمَ فَإنَّ الأوَّلَ غَضَّ صَوْتَهُ والآخَرَ رَفْعَهُ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ تَرْكٌ لِأدَبِ الحُضُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ وعَرْضُ الحاجَةِ عَلَيْهِ، وأمّا قَوْلُ القائِلِ لِلْمَلِكِ: يا فُلانُ مِن سُوءِ الأدَبِ، فَإنْ قُلْتَ: كُلُّ أحَدٍ يَقُولُ: يا اللَّهُ، مَعَ أنَّ اللَّهَ أكْبَرُ، نَقُولُ: النِّداءُ عَلى قِسْمَيْنِ: أحَدُهُما: لِتَنْبِيهِ المُنادى، وثانِيهِما: لِإظْهارِ حاجَةِ المُنادِي، مِثالُ الأوَّلِ: قَوْلُ القائِلِ لِرَفِيقِهِ أوْ غُلامِهِ: يا فُلانُ، ومِثالُ الثّانِي: قَوْلُ القائِلِ في النُّدْبَةِ: يا أمِيرَ المُؤْمِناهُ أوْ يا زَيْداهُ، ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إنْ كانَ زَيْدٌ بِالمَشْرِقِ لا تَنْبِيهَ فَإنَّهُ مُحالٌ، فَكَيْفَ يُنادِيهِ وهو مَيِّتٌ ؟ فَنَقُولُ: قَوْلُنا: يا اللَّهُ لِإظْهارِ حاجَةِ الأنْفُسِ لا لِتَنْبِيهِ المُنادى، وإنَّما كانَ في النِّداءِ الأمْرانِ جَمِيعًا؛ لِأنَّ المُنادِيَ لا يُنادِي إلّا لِحاجَةٍ في نَفْسِهِ يَعْرِضُها، ولا يُنادِي في الأكْثَرِ إلّا مُعْرِضًا أوْ غافِلًا، فَحَصَلَ في النِّداءِ الأمْرانِ، ونِداؤُهم كانَ لِلتَّنْبِيهِ، وهو سُوءُ أدَبٍ، وأمّا قَوْلُ أحَدِنا لِلْكَبِيرِ: يا سَيِّدِي ويا مَوْلايَ، فَهو جارٍ مَجْرى الوَصْفِ والإخْبارِ. الثّانِي: النِّداءُ مِن وراءِ الحُجُراتِ، فَإنَّ مَن يُنادِي غَيْرَهُ ولا حائِلَ بَيْنَهُما لا يُكَلِّفُهُ المَشْيَ والمَجِيءَ، بَلْ يُجِيبُهُ مِن مَكانِهِ ويُكَلِّمُهُ، ولا يَطْلُبُ المُنادِي إلّا لِالتِفاتِ المُنادى إلَيْهِ، ومَن يُنادِي غَيْرَهُ مِن وراءِ الحائِلِ فَكَأنَّهُ يُرِيدُ مِنهُ حُضُورَهُ، كَمَن يُنادِي صاحِبَ البُسْتانِ مِن خارِجِ البُسْتانِ. الثّالِثُ: قَوْلُهُ ﴿الحُجُراتِ﴾ إشارَةٌ إلى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ في خَلْوَتِهِ الَّتِي لا يَحْسُنُ في الأدَبِ إتْيانُ المُحْتاجِ إلَيْهِ في حاجَتِهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ، بَلِ الأحْسَنُ التَّأْخِيرُ وإنْ كانَ في ورْطَةِ الحاجَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ فِيهِ بَيانُ المَعايِبِ بِقَدْرِ ما في سُوءِ أدَبِهِمْ مِنَ القَبائِحِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ الكَلامَ مِن خَواصِّ الإنْسانِ، وهو أعْلى مَرْتَبَةً مِن غَيْرِهِ، ولَيْسَ لِمَن دُونَهُ كَلامٌ، لَكِنَّ النِّداءَ في المَعْنى كالتَّنْبِيهِ، وقَدْ يَحْصُلُ بِصَوْتٍ يُضْرَبُ شَيْءٌ عَلى شَيْءٍ، وفي الحَيَواناتِ العُجْمُ ما يَظْهَرُ (p-١٠١)لِكُلِّ أحَدٍ كالنِّداءِ، فَإنَّ الشّاةَ تَصِيحُ وتَطْلُبُ ولَدَها، وكَذَلِكَ غَيْرُها مِنَ الحَيَواناتِ، والسَّخْلَةُ كَذَلِكَ، فَكَأنَّ النِّداءَ حَصَلَ في المَعْنى لِغَيْرِ الآدَمِيِّ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى في حَقِّهِمْ: ﴿أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ﴾ يَعْنِي النِّداءَ الصّادِرَ مِنهم لَمّا لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِحُسْنِ الأدَبِ كانُوا فِيهِ خارِجِينَ عَنْ دَرَجَةِ مَن يَعْقِلُ، وكانَ نِداؤُهم كَصِياحٍ صَدَرَ مِن بَعْضِ الحَيَوانِ، وقَوْلُهُ تَعالى: (أكْثَرُهم) فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّ العَرَبَ تَذْكُرُ الأكْثَرَ وتُرِيدُ الكُلَّ، وإنَّما تَأْتِي بِالأكْثَرِ احْتِرازًا عَنِ الكَذِبِ واحْتِياطًا في الكَلامِ؛ لِأنَّ الكَذِبَ مِمّا يَحْبَطُ بِهِ عَمَلُ الإنْسانِ في بَعْضِ الأشْياءِ، فَيَقُولُ الأكْثَرَ وفي اعْتِقادِهِ الكُلُّ. ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى مَعَ إحاطَةِ عِلْمِهِ بِالأُمُورِ أتى بِما يُناسِبُ كَلامَهم، وفِيهِ إشارَةٌ إلى لَطِيفَةٍ، وهي أنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ: أنا مَعَ إحاطَةِ عِلْمِي بِكُلِّ شَيْءٍ جَرَيْتُ عَلى عادَتِكُمُ اسْتِحْسانًا لِتِلْكَ العادَةِ، وهي الِاحْتِرازُ عَنِ الكَذِبِ، فَلا تَتْرُكُوها، واجْعَلُوا اخْتِيارِي ذَلِكَ في كَلامِي دَلِيلًا قاطِعًا عَلى رِضائِي بِذَلِكَ. وثانِيهُما: أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّهم في أكْثَرِ أحْوالِهِمْ لا يَعْقِلُونَ، وتَحْقِيقُ هَذا هو أنَّ الإنْسانَ إذا اعْتَبَرَ مَعَ وصْفٍ ثُمَّ اعْتَبَرَ مَعَ وصْفٍ آخَرَ يَكُونُ المَجْمُوعُ الأوَّلُ غَيْرَ المَجْمُوعِ الثّانِي، مِثالُهُ الإنْسانُ يَكُونُ جاهِلًا وفَقِيرًا فَيَصِيرُ عالِمًا وغَنِيًّا، فَيُقالُ في العُرْفِ: زَيْدٌ لَيْسَ هو الَّذِي رَأيْتُهُ مِن قَبْلُ، بَلِ الآنَ عَلى أحْسَنِ حالٍ، فَيَجْعَلُهُ كَأنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ إشارَةً إلى ما ذَكَرْنا. إذا عُلِمَ هَذا فَهم في بَعْضِ الأحْوالِ إذا اعْتَبَرْتَهم مَعَ تِلْكَ الحالَةِ مُغايِرُونَ لِأنْفُسِهِمْ إذا اعْتَبَرْتَهم مَعَ غَيْرِها، فَقالَ تَعالى: (أكْثَرُهم) إشارَةً إلى ما ذَكَرْناهُ، وفِيهِ وجْهٌ ثالِثٌ، وهو أنْ يُقالَ: لَعَلَّ مِنهم مَن رَجَعَ عَنْ تِلْكَ الأهْواءِ، ومِنهم مَنِ اسْتَمَرَّ عَلى تِلْكَ العادَةِ الرَّدِيئَةِ، فَقالَ أكْثَرُهم إخْراجًا لِمَن نَدِمَ مِنهم عَنْهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب