الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وجاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ .
(p-١٢٣)إرْشادًا لِلْأعْرابِ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا إلى حَقِيقَةِ الإيمانِ، فَقالَ: إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الإيمانَ فالمُؤْمِنُونَ مَن آمَنَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا، يَعْنِي أيْقَنُوا بِأنَّ الإيمانَ إيقانٌ، و”ثُمَّ“ لِلتَّراخِي في الحِكايَةِ، كَأنَّهُ يَقُولُ: آمَنُوا، ثُمَّ أقُولُ شَيْئًا آخَرَ: لَمْ يَرْتابُوا، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: هو لِلتَّراخِي في الفِعْلِ، تَقْدِيرُهُ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا فِيما قالَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الحَشْرِ والنَّشْرِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وجاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ﴾ يُحَقِّقُ ذَلِكَ، أيْ أيْقَنُوا أنَّ بَعْدَ هَذِهِ الدّارِ دارًا، فَجاهَدُوا طالِبِينَ العُقْبى، وقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ في إيمانِهِمْ، لا الأعْرابُ الَّذِينَ قالُوا قَوْلًا ولَمْ يُخْلِصُوا عَمَلًا.
﴿قُلْ أتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكم واللَّهُ يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ .
فَإنَّهُ عالِمٌ بِهِ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ الدِّينَ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وأنْتُمْ أظْهَرْتُمُوهُ لَنا لا لِلَّهِ، فَلا يَقْبَلُ مِنكم ذَلِكَ.
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكم أنْ هَداكم لِلْإيمانِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ .
يُقَرِّرُ ذَلِكَ ويُبَيِّنُ أنَّ إسْلامَهم لِمْ يَكُنْ لِلَّهِ، وفِيهِ لَطائِفُ: الأُولى: في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ﴾ زِيادَةُ بَيانٍ لِقَبِيحِ فِعْلِهِمْ؛ وذَلِكَ لِأنَّ الإيمانَ لَهُ شَرَفانِ، أحَدُهُما: بِالنِّسْبَةِ إلى اللَّهِ تَعالى وهو تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنِ الشِّرْكِ وتَوْحِيدُهُ في العَظَمَةِ، وثانِيهِما: بِالنِّسْبَةِ إلى المُؤْمِنِ فَإنَّهُ يُنَزِّهُ النَّفْسَ عَنِ الجَهْلِ ويُزَيِّنُها بِالحَقِّ والصِّدْقِ، فَهم لا يَطْلُبُونَ بِإسْلامِهِمْ جانِبَ اللَّهِ، ولا يَطْلُبُونَ شَرَفَ أنْفُسِهِمْ بَلْ مَنُّوا، ولَوْ عَلِمُوا أنَّ فِيهِ شَرَفَهم لَما مَنُّوا بِهِ بَلْ شَكَرُوا.
اللَّطِيفَةُ الثّانِيَةُ: قالَ: ﴿قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ﴾ أيِ الَّذِي عِنْدَكم إسْلامٌ؛ ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾ ولَمْ يَقُلْ: لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ أسْلَمْتُمْ لِئَلّا يَكُونَ تَصْدِيقًا لَهم في الإسْلامِ أيْضًا كَما لَمْ يَصْدُقُوا في الإيمانِ، فَإنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَجُزْ أنْ يَصْدُقُوا في إسْلامِهِمْ، والإسْلامُ هو الِانْقِيادُ، وقَدْ وُجِدَ مِنهم قَوْلًا وفِعْلًا وإنْ لَمْ يُوجَدِ اعْتِقادًا وعِلْمًا، وذَلِكَ القَدْرُ كافٍ في صِدْقِهِمْ ؟ نَقُولُ: التَّكْذِيبُ يَقَعُ عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ لا يُوجَدَ نَفْسُ المُخْبَرِ عَنْهُ.
وثانِيهِما: أنْ لا يُوجَدَ كَما أخْبَرَ في نَفْسِهِ فَقَدْ يَقُولُ: ما جِئْتَنا بَلْ جاءَتْ بِكَ الحاجَّةُ، فاللَّهُ تَعالى كَذَّبَهم في قَوْلِهِمْ آمَنّا عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ، أيْ ما آمَنتُمْ أصْلًا، ولَمْ يَصْدُقُوا في الإسْلامِ عَلى الوَجْهِ الثّانِي، فَإنَّهُمُ انْقادُوا لِلْحاجَةِ وأخْذِ الصَّدَقَةِ.
اللَّطِيفَةُ الثّالِثَةُ: قالَ: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ يَعْنِي لا مِنَّةَ لَكم، ومَعَ ذَلِكَ لا تُسْلِمُونَ رَأْسًا بِرَأْسٍ بِحَيْثُ لا يَكُونُ لَكم عَلَيْنا ولا لَنا عَلَيْكم مِنَّةٌ، بَلِ المِنَّةُ عَلَيْكم، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ حُسْنُ أدَبٍ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: لا تَمُنُّوا عَلَيَّ بَلْ لِيَ المِنَّةُ عَلَيْكم حَيْثُ بَيَّنَتْ لَكُمُ الطَّرِيقَ المُسْتَقِيمَ، ثُمَّ في مُقابَلَةِ هَذا الأدَبِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] .
اللَّطِيفَةُ الرّابِعَةُ: لَمْ يَقُلْ: يَمُنُّ عَلَيْكم أنْ أسْلَمْتُمْ بَلْ قالَ: ﴿أنْ هَداكم لِلْإيمانِ﴾ لِأنَّ إسْلامَهم كانَ ضَلالًا حَيْثُ كانَ نِفاقًا فَما مَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالهِدايَةِ إلى الإيمانِ مَعَ أنَّهُ بَيَّنَ أنَّهم لَمْ يُؤْمِنُوا ؟ نَقُولُ: (p-١٢٤)الجَوابُ عَنْهُ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ تَعالى لَمْ يَقُلْ: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكم أنْ رَزَقَكُمُ الإيمانَ، بَلْ قالَ: ﴿أنْ هَداكم لِلْإيمانِ﴾ وإرْسالُ الرُّسُلِ بِالآياتِ البَيِّناتِ هِدايَةٌ.
ثانِيها: هو أنَّهُ تَعالى يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِما زَعَمُوا، فَكَأنَّهُ قالَ: أنْتُمْ قُلْتُمْ آمَنّا، فَذَلِكَ نِعْمَةٌ في حَقِّكم، حَيْثُ تَخَلَّصْتُمْ مِنَ النّارِ، فَقالَ: هُداكم في زَعْمِكم.
ثالِثُها: وهو الأصَحُّ، هو أنَّ اللَّهَ تَعالى بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ شَرْطًا فَقالَ: ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ .
{"ayahs_start":15,"ayahs":["إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ","قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِینِكُمۡ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ","یَمُنُّونَ عَلَیۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُوا۟ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا۟ عَلَیَّ إِسۡلَـٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ یَمُنُّ عَلَیۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِیمَـٰنِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"],"ayah":"إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











