الباحث القرآني
(p-٩٢)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ والَّذِينَ مَعَهُ أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهم تَراهم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْوانًا﴾ .
تَأْكِيدًا لِبَيانِ صِدْقِ اللَّهِ في رَسُولِهِ الرُّؤْيا، وذَلِكَ لِأنَّهُ لَمّا كانَ مُرْسِلًا لِرَسُولِهِ لِيَهْدِيَ، لا يُرِيدُ ما لا يَكُونُ مُهْدِيًا لِلنّاسِ فَيَظْهَرُ خِلافُهُ، فَيَقَعُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلضَّلالِ، ويَحْتَمِلُ وُجُوهًا أقْوى مِن ذَلِكَ، وهو أنَّ الرُّؤْيا بِحَيْثُ تُوافِقُ الواقِعَ لِغَيْرِ الرُّسُلِ، لَكِنَّ رُؤْيَةَ الأشْياءِ قَبْلَ وُقُوعِها في اليَقَظَةِ لا تَقَعُ لِكُلِّ أحَدٍ، فَقالَ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى﴾ وحَكى لَهُ ما سَيَكُونُ في اليَقَظَةِ، ولا يَبْعُدُ مِن أنْ يُرِيَهُ في المَنامِ ما يَقَعُ فَلا اسْتِبْعادَ في صِدْقِ رُؤْياهُ، وفِيها أيْضًا بَيانُ وُقُوعِ الفَتْحِ ودُخُولِ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أيْ مَن يُقَوِّيهِ عَلى الأدْيانِ لا يُسْتَبْعَدُ مِنهُ فَتْحُ مَكَّةَ لَهُ و(الهُدى) يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هو القُرْآنَ كَما قالَ تَعالى: ﴿أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٥] وعَلى هَذا ﴿دِينَ الحَقِّ﴾ هو ما فِيهِ مِنَ الأُصُولِ والفُرُوعِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الهُدى هو المُعْجِزَةُ، أيْ أرْسَلَهُ بِالحَقِّ أيْ مَعَ الحَقِّ إشارَةً إلى ما شَرَعَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الهُدى هو الأُصُولَ و﴿دِينَ الحَقِّ﴾ هو الأحْكامَ، وذَلِكَ لِأنَّ مِنَ الرُّسُلِ مَن لَمْ يَكُنْ لَهُ أحْكامٌ بَلْ بَيَّنَ الأُصُولَ فَحَسْبُ، والألِفُ واللّامُ في (الهُدى) يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لِلِاسْتِغْراقِ أيْ كُلُّ ما هو هُدًى، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ هُدى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشاءُ﴾ [الزمر: ٢٣] وهو إمّا القُرْآنُ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ﴾ [الزمر: ٢٣] إلى أنْ قالَ: ﴿ذَلِكَ هُدى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشاءُ﴾ [الزمر: ٢٣]، وإمّا ما اتَّفَقَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] والكُلُّ مِن بابٍ واحِدٍ؛ لِأنَّ ما في القُرْآنِ مُوافِقٌ لِما اتَّفَقَ عَلَيْهِ الأنْبِياءُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ودِينِ الحَقِّ﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ الحَقُّ اسْمَ اللَّهِ تَعالى فَيَكُونُ كَأنَّهُ قالَ: بِالهُدى ودِينِ اللَّهِ.
وثانِيها: أنْ يَكُونَ الحَقُّ نَقِيضَ الباطِلِ، فَيَكُونُ كَأنَّهُ قالَ: ودِينِ الأمْرِ الحَقِّ.
وثالِثُها: أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ الِانْقِيادَ إلى الحَقِّ والتِزامَهُ ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ أيْ أرْسَلَهُ بِالهُدى وهو المُعْجِزُ عَلى أحَدِ الوُجُوهِ ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أيْ جِنْسِ الدِّينِ، فَيَنْسَخُ الأدْيانَ دُونَ دِينِهِ، وأكْثَرُ المُفَسِّرِينَ عَلى أنَّ الهاءَ في قَوْلِهِ: ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ راجِعَةٌ إلى الرَّسُولِ، والأظْهَرُ أنَّهُ راجِعٌ إلى دِينِ الحَقِّ، أيْ أرْسَلَ الرَّسُولَ بِالدِّينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ، أيْ لِيُظْهِرَ الدِّينَ الحَقَّ عَلى الأدْيانِ، وعَلى هَذا فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الفاعِلُ لِلْإظْهارِ هو اللَّهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هو النَّبِيَّ أيْ لِيُظْهِرَ النَّبِيُّ دِينَ الحَقِّ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ أيْ في أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وهَذا مِمّا يُسَلِّي قَلْبَ المُؤْمِنِينَ فَإنَّهم تَأذَّوْا مِن رَدِّ الكُفّارِ عَلَيْهِمُ العَهْدَ المَكْتُوبَ، وقالُوا: لا نَعْلَمُ أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَلا تَكْتُبُوا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، بَلِ اكْتُبُوا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقالَ تَعالى: ﴿وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ في أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وفِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ، وهو أنَّ قَوْلَ اللَّهِ مَعَ أنَّهُ كافٍ في كُلِّ شَيْءٍ، لَكِنَّهُ في الرِّسالَةِ أظْهَرُ كِفايَةً؛ لِأنَّ (p-٩٣)الرَّسُولَ لا يَكُونُ إلّا بِقَوْلِ المُرْسِلِ، فَإذا قالَ مَلِكٌ: هَذا رَسُولِي، لَوْ أنْكَرَ كُلُّ مَن في الدُّنْيا أنَّهُ رَسُولٌ فَلا يُفِيدُ إنْكارُهم، فَقالَ تَعالى أيُّ خَلَلٍ في رِسالَتِهِ بِإنْكارِهِمْ مَعَ تَصْدِيقِي إيّاهُ بِأنَّهُ رَسُولِي، وقَوْلُهُ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هو مُحَمَّدٌ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿أرْسَلَ رَسُولَهُ﴾ ورَسُولُ اللَّهِ عَطْفُ بَيانٍ.
وثانِيها: أنَّ مُحَمَّدًا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ رَسُولُ اللَّهِ وهَذا تَأْكِيدٌ لِما تَقَدَّمَ؛ لِأنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ﴾ ولا تَتَوَقَّفُ رِسالَتُهُ إلّا عَلى شَهادَتِهِ، وقَدْ شَهِدَ لَهُ بِها مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِن غَيْرِ نَكِيرٍ، وثالِثُها: وهو مُسْتَنْبَطٌ وهو أنْ يُقالَ: ﴿مُحَمَّدٌ﴾ مُبْتَدَأٌ و﴿رَسُولُ اللَّهِ﴾ عَطْفُ بَيانٍ سِيقَ لِلْمَدْحِ لا لِلتَّمْيِيزِ ﴿والَّذِينَ مَعَهُ﴾ عَطْفٌ عَلى: مُحَمَّدٌ، وقَوْلُهُ: ﴿أشِدّاءُ﴾ خَبَرُهُ، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿والَّذِينَ مَعَهُ﴾ جَمِيعُهم ﴿أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ لِأنَّ وصْفَ الشِّدَّةِ والرَّحْمَةِ وُجِدَ في جَمِيعِهِمْ، أمّا في المُؤْمِنِينَ فَكَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ﴾ [المائدة: ٥٤] وأمّا في حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ فَكَما في قَوْلِهِ: ﴿واغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] وقالَ في حَقِّهِ: ﴿بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨] وعَلى هَذا قَوْلُهُ: ﴿تَراهُمْ﴾ لا يَكُونُ خِطابًا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بَلْ يَكُونُ عامًّا أُخْرِجَ مَخْرَجَ الخَطّابِ تَقْدِيرُهُ: أيُّها السّامِعُ كائِنًا مَن كانَ، كَما قُلْنا: إنَّ الواعِظَ يَقُولُ انْتَبِهْ قَبْلَ أنْ يَقَعَ الِانْتِباهُ، ولا يُرِيدُ بِهِ واحِدًا بِعَيْنِهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ورِضْوانًا﴾ لِتَمْيِيزِ رُكُوعِهِمْ وسُجُودِهِمْ عَنْ رُكُوعِ الكُفّارِ وسُجُودِهِمْ، ورُكُوعِ المُرائِي وسُجُودِهِ، فَإنَّهُ لا يَبْتَغِي بِهِ ذَلِكَ. وفِيهِ إشارَةٌ إلى مَعْنًى لَطِيفٍ وهو أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: الرّاكِعُونَ والسّاجِدُونَ ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهم ويَزِيدُهم مِن فَضْلِهِ﴾ [النساء: ١٧٣] وقالَ: الرّاكِعُ يَبْتَغِي الفَضْلَ ولَمْ يَذْكُرِ الأجْرَ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى إذا قالَ لَكم أجْرٌ كانَ ذَلِكَ مِنهُ تَفَضُّلًا، وإشارَةً إلى أنَّ عَمَلَكم جاءَ عَلى ما طَلَبَ اللَّهُ مِنكم؛ لِأنَّ الأُجْرَةَ لا تُسْتَحَقُّ إلّا عَلى العَمَلِ المُوافِقِ لِلطَّلَبِ مِنَ المالِكِ، والمُؤْمِنُ إذا قالَ أنا أبْتَغِي فَضْلَكَ يَكُونُ مِنهُ اعْتِرافًا بِالتَّقْصِيرِ فَقالَ: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ﴾ ولَمْ يَقُلْ أجْرًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سِيماهم في وُجُوهِهِمْ مِن أثَرِ السُّجُودِ﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُها: أنَّ ذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: ١٠٦] وقالَ تَعالى: ﴿نُورُهم يَسْعى﴾ [التحريم: ٨] وعَلى هَذا فَنَقُولُ: نُورُهم في وُجُوهِهِمْ بِسَبَبِ تَوَجُّهِهِمْ نَحْوَ الحَقِّ كَما قالَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ [الأنعام: ٧٩] ومَن يُحاذِي الشَّمْسَ يَقَعُ شُعاعُها عَلى وجْهِهِ، فَيَتَبَيَّنُ عَلى وجْهِهِ النُّورَ مُنْبَسِطًا، مَعَ أنَّ الشَّمْسَ لَها نُورٌ عارِضِيٌّ يَقْبَلُ الزَّوالَ، واللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ فَمَن يَتَوَجَّهُ إلى وجْهِهِ يَظْهَرُ في وجْهِهِ نُورٌ يُبْهِرُ الأنْوارَ.
وثانِيهُما: أنَّ ذَلِكَ في الدُّنْيا وفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ ما يَظْهَرُ في الجِباهِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ السُّجُودِ.
والثّانِي: ما يُظْهِرُهُ اللَّهُ تَعالى في وُجُوهِ السّاجِدِينَ لَيْلًا مِنَ الحُسْنِ نَهارًا، وهَذا مُحَقَّقٌ لِمَن يَعْقِلُ فَإنَّ رَجُلَيْنِ يَسْهَرانِ بِاللَّيْلِ، أحَدُهُما قَدِ اشْتَغَلَ بِالشَّرابِ واللَّعِبِ، والآخَرُ قَدِ اشْتَغَلَ بِالصَّلاةِ والقِراءَةِ واسْتِفادَةِ العِلْمِ، فَكُلُّ أحَدٍ في اليَوْمِ الثّانِي يُفَرِّقُ بَيْنَ السّاهِرِ في الشُّرْبِ واللَّعِبِ، وبَيْنَ السّاهِرِ في الذِّكْرِ والشُّكْرِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهم في التَّوْراةِ﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ مَذْكُورَةٍ: أحَدُها: أنْ يَكُونَ (ذَلِكَ) مُبْتَدَأً، و﴿مَثَلُهم في التَّوْراةِ ومَثَلُهم في الإنْجِيلِ﴾ خَبَرًا لَهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ، ومَثَلُهم في التَّوْراةِ، ومَثَلُهم في الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ.
وثانِيها: أنْ يَكُونَ خَبَرُ ذَلِكَ هو قَوْلُهُ: ﴿مَثَلُهم في التَّوْراةِ﴾، وقَوْلُهُ: ﴿ومَثَلُهم في الإنْجِيلِ﴾ مُبْتَدَأٌ وخَبَرُهُ كَزَرْعٍ. وثالِثُها: أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إشارَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أُوضِحَتْ (p-٩٤)بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَزَرْعٍ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ الأمْرَ أنَّ دابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ [الحجر: ٦٦]، وفِيهِ وجْهٌ رابِعٌ: وهو أنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا لَهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: هَذا الظّاهِرُ في وُجُوهِهِمْ ذَلِكَ يُقالُ ظَهَرَ في وجْهِهِ أثَرُ الضَّرْبِ، فَنَقُولُ: أيْ واللَّهِ ذَلِكَ أيْ هَذا ذَلِكَ الظّاهِرُ، أوِ الظّاهِرُ الَّذِي تَقُولُهُ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَثَلُهم في الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ فَآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ﴾ .
أيْ وُصِفُوا في الكِتابَيْنِ بِهِ ومُثِّلُوا بِذَلِكَ، وإنَّما جُعِلُوا كالزَّرْعِ؛ لِأنَّهُ أوَّلُ ما يَخْرُجُ يَكُونُ ضَعِيفًا ولَهُ نُمُوٌّ إلى حَدِّ الكَمالِ، فَكَذَلِكَ المُؤْمِنُونَ، والشَّطْءُ: الفَرْخُ، و﴿فَآزَرَهُ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ أخْرَجَ الشَّطْءَ وآزَرَ الشَّطْءَ، وهو أقْوى وأظْهَرُ، والكَلامُ يَتِمُّ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿يُعْجِبُ الزُّرّاعَ﴾ .
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ﴾ أيْ تَنْمِيَةُ اللَّهِ ذَلِكَ لِيَغِيظَ أوْ يَكُونُ الفِعْلَ المُعَلَّلَ هو.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ أيْ وعَدَ ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ﴾ يُقالُ: رَغْمًا لِأنْفِكَ أنْعَمَ عَلَيْهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنهم مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا﴾ لِبَيانِ الجِنْسِ لا لِلتَّبْعِيضِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: هو لِلتَّبْعِيضِ، ومَعْناهُ: لِيَغِيظَ الكُفّارَ والَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ لَهُمُ الأجْرُ العَظِيمُ، والعَظِيمُ والمَغْفِرَةُ قَدْ تَقَدَّمَ مِرارًا، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ. وهَهُنا لَطِيفَةٌ وهو أنَّهُ تَعالى قالَ في حَقِّ الرّاكِعِينَ والسّاجِدِينَ إنَّهم ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ﴾ وقالَ: لَهم أجْرٌ، ولَمْ يَقُلْ لَهم ما يَطْلُبُونَهُ مِن ذَلِكَ الفَضْلِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ المُؤْمِنَ عِنْدَ العَمَلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلى عَمَلِهِ ولَمْ يَجْعَلْ لَهُ أجْرًا يَعْتَدُّ بِهِ، فَقالَ: لا أبْتَغِي إلّا فَضْلَكَ، فَإنَّ عَمَلِي نَزْرٌ لا يَكُونُ لَهُ أجْرٌ، واللَّهُ تَعالى آتاهُ ما آتاهُ مِنَ الفَضْلِ، وسَمّاهُ أجْرًا إشارَةً إلى قَبُولِ عَمَلِهِ ووَقْعِهِ المَوْقِعَ، وعَدَمُ كَوْنِهِ عِنْدَ اللَّهِ نَزْرًا لا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ المُؤْمِنُ أجْرًا، وقَدْ عُلِمَ بِما ذَكَرْنا مِرارًا أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ لِبَيانِ تَرَتُّبِ المَغْفِرَةِ عَلى الإيمانِ فَإنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يُغْفَرُ لَهُ كَما قالَ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] والأجْرُ العَظِيمُ عَلى العَمَلِ الصّالِحِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الخَمِيسِ السّابِعَ عَشَرَ مِن شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وسِتِّمِائَةٍ مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، عَلى صاحِبِها أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ، وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
{"ayahs_start":28,"ayahs":["هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا","مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥۤ أَشِدَّاۤءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَاۤءُ بَیۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعࣰا سُجَّدࣰا یَبۡتَغُونَ فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَ ٰنࣰاۖ سِیمَاهُمۡ فِی وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَ ٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِی ٱلۡإِنجِیلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ یُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةࣰ وَأَجۡرًا عَظِیمَۢا"],"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق