الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجاهِلِيَّةِ فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وعَلى المُؤْمِنِينَ وألْزَمَهم كَلِمَةَ التَّقْوى وكانُوا أحَقَّ بِها وأهْلَها وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ . ”إذْ“ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا فَلا بُدَّ مِن فِعْلٍ يَقَعُ فِيهِ ويَكُونُ عامِلًا لَهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ، فَإنْ قُلْنا: إنَّهُ ظَرْفٌ فالفِعْلُ الواقِعُ فِيهِ يُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: هو مَذْكُورٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: هو مَفْهُومٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ، فَإنْ قُلْنا: هو مَذْكُورٌ فَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: هو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وصَدُّوكُمْ﴾ أيْ وصَدُّوكم حِينَ جَعَلُوا في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ.(p-٨٨) وثانِيها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَذَّبْنا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهُمْ﴾ أيْ لَعَذَّبْناهم حِينَ جَعَلُوا في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ. والثّانِي أقْرَبُ لِقُرْبِهِ لَفْظًا، وشَدَّةِ مُناسَبَتِهِ مَعْنًى؛ لِأنَّهم إذا جَعَلُوا في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ لا يَرْجِعُونَ إلى الِاسْتِسْلامِ والِانْقِيادِ، والمُؤْمِنُونَ لَمّا أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ لا يَتْرُكُونَ الِاجْتِهادَ في الجِهادِ واللَّهُ مَعَ المُؤْمِنِينَ فَيُعَذِّبُونَهم عَذابًا ألِيمًا أوْ غَيْرِ المُؤْمِنِينَ، وأمّا إنْ قُلْنا: إنَّ ذَلِكَ مَفْهُومٌ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: حَفِظَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ عَنْ أنْ يَطَئُوهم وهُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا الَّذِينَ جَعَلَ في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ. وثانِيها: أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكم إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ، وعَلى هَذا فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ﴾ تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ الإحْسانِ، وأمّا إنْ قُلْنا: إنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، فالعامِلُ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيرُهُ: اذْكُرْ، أيْ: اذْكُرْ ذَلِكَ الوَقْتَ، كَما تَقُولُ: أتَذْكُرُ إذْ قامَ زَيْدٌ، أيْ: أتَذْكُرُ وقْتَ قِيامِهِ، كَما تَقُولُ: أتَذْكُرُ زَيْدًا، وعَلى هَذا يَكُونُ الظَّرْفُ المُضافُ إلَيْهِ عامِلًا فِيهِ، وفِيهِ لَطائِفُ مَعْنَوِيَّةٌ ولَفْظِيَّةٌ: الأُولى: هو أنَّ اللَّهَ تَعالى أبانَ غايَةَ البَوْنِ بَيْنَ الكافِرِ والمُؤْمِنِ، فَأشارَ إلى ثَلاثَةِ أشْياءَ: أحَدُها: جَعَلَ ما لِلْكافِرِينَ بِجَعْلِهِمْ فَقالَ: ﴿إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجَعَلَ ما لِلْمُؤْمِنِينَ بِجَعْلِ اللَّهِ، فَقالَ: ﴿فَأنْزَلَ اللَّهُ﴾ وبَيْنَ الفاعِلَيْنِ ما لا يَخْفى. ثانِيها: جَعَلَ لِلْكافِرِينَ الحَمِيَّةَ، ولِلْمُؤْمِنِينَ السَّكِينَةَ، وبَيْنَ المَفْعُولَيْنِ تَفاوُتٌ عَلى ما سَنَذْكُرُهُ. ثالِثُها: أضافَ الحَمِيَّةَ إلى الجاهِلِيَّةِ، وأضافَ السَّكِينَةَ إلى نَفْسِهِ حَيْثُ قالَ: ﴿حَمِيَّةَ الجاهِلِيَّةِ﴾، وقالَ: ﴿سَكِينَتَهُ﴾، وبَيْنَ الإضافَتَيْنِ ما لا يُذْكَرُ. الثّانِيَةُ: زادَ المُؤْمِنِينَ خَيْرًا بَعْدَ حُصُولِ مُقابَلَةِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، فِعْلُهم بِفِعْلِ اللَّهِ، والحَمِيَّةُ بِالسَّكِينَةِ، والإضافَةُ إلى الجاهِلِيَّةِ بِالإضافَةِ إلى اللَّهِ تَعالى: ﴿وألْزَمَهم كَلِمَةَ التَّقْوى﴾ وسَنَذْكُرُ مَعْناهُ. وأمّا اللَّفْظِيَّةُ فَثَلاثُ لَطائِفَ: الأُولى: قالَ في حَقِّ الكافِرِ: (جَعَلَ ) وقالَ في حَقِّ المُؤْمِنِ: (أنْزَلَ) ولَمْ يَقُلْ خَلَقَ، ولا جَعَلَ سَكِينَتَهُ، إشارَةً إلى أنَّ الحَمِيَّةَ كانَتْ مَجْعُولَةً في الحالِ في العَرَضِ الَّذِي لا يَبْقى، وأمّا السَّكِينَةُ فَكانَتْ كالمَحْفُوظَةِ في خِزانَةِ الرَّحْمَةِ، مُعَدَّةً لِعِبادِهِ فَأنْزَلَها. الثّانِيَةُ: قالَ: الحَمِيَّةَ ثُمَّ أضافَها بِقَوْلِهِ: ﴿حَمِيَّةَ الجاهِلِيَّةِ﴾ لِأنَّ الحَمِيَّةَ في نَفْسِها صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ، وبِالإضافَةِ إلى الجاهِلِيَّةِ تَزْدادُ قُبْحًا، ولِلَحَمِيَّةِ في القُبْحِ دَرَجَةٌ لا يُعْتَبَرُ مَعَها قُبْحُ القَبائِحِ كالمُضافِ إلى الجاهِلِيَّةِ. وأمّا السَّكِينَةُ في نَفْسِها وإنْ كانَتْ حَسَنَةً لَكِنَّ الإضافَةَ إلى اللَّهِ فِيها مِنَ الحُسْنِ ما لا يَبْقى مَعَهُ لِحُسْنٍ اعْتِبارٌ، فَقالَ ﴿سَكِينَتَهُ﴾ اكْتِفاءً بِحُسْنِ الإضافَةِ. الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: (فَأنْزَلْ) بِالفاءِ لا بِالواوِ إشارَةٌ إلى أنَّ ذَلِكَ كالمُقابَلَةِ، تَقُولُ: أكْرَمَنِي فَأكْرَمْتُهُ، لِلْمُجازاةِ والمُقابَلَةِ، ولَوْ قُلْتَ: أكْرَمَنِي وأكْرَمْتُهُ لا يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ فِيهِ لَطِيفَةٌ: وهي أنَّ عِنْدَ اشْتِدادِ غَضَبِ أحَدِ العَدُوَّيْنِ فالعَدُوُّ الآخَرُ إمّا أنْ يَكُونَ ضَعِيفًا أوْ قَوِيًّا، فَإنْ كانَ ضَعِيفًا يَنْهَزِمُ ويَنْقَهِرُ، وإنْ كانَ قَوِيًّا فَيُورِثُ غَضَبُهُ فِيهِ غَضَبًا، وهَذا سَبَبُ قِيامِ الفِتَنِ والقِتالِ، فَقالَ في نَفْسِ الحَرَكَةِ عِنْدَ حَرَكَتِهِمْ: ما أقْدَمْنا وما انْهَزَمْنا. وقَوْلُهُ تَعالى: (فَأنْزَلَ اللَّهُ) بِالفاءِ يَدُلُّ، تَعَلُّقُ الإنْزالِ بِالفاءِ عَلى تَرْتِيبِهِ عَلى شَيْءٍ، نَقُولُ: فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: ما ذَكَرْنا مِن أنَّ ”إذْ“ ظَرْفٌ كَأنَّهُ قالَ: أحْسَنَ اللَّهُ ﴿إذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وقَوْلُهُ: (فَأنْزَلَ) تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ الإحْسانِ كَما يُقالُ: أكْرَمَنِي فَأعْطانِي لِتَفْسِيرِ الإكْرامِ. وثانِيهِما: أنْ تَكُونَ الفاءُ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ تَعَلُّقَ إنْزالِ السَّكِينَةِ بِجَعْلِهِمُ الحَمِيَّةَ في قُلُوبِهِمْ عَلى مَعْنى المُقابَلَةِ، تَقُولُ: أكْرَمَنِي فَأثْنَيْتُ عَلَيْهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونا فِعْلَيْنِ واقِعَيْنِ مِن غَيْرِ مُقابَلَةٍ، كَما تَقُولُ: جاءَنِي زَيْدٌ وخَرَجَ عَمْرٌو، وهو هُنا كَذَلِكَ لِأنَّهم لَمّا جَعَلُوا في قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ فالمُسْلِمُونَ عَلى مَجْرى العادَةِ لَوْ نَظَرْتَ إلَيْهِمْ لَزِمَ أنْ يُوجَدَ مِنهم أحَدُ الأمْرَيْنِ: إمّا إقْدامٌ، وإمّا (p-٨٩)انْهِزامٌ؛ لِأنَّ أحَدَ العَدُوَّيْنِ إذا اشْتَدَّ غَضَبُهُ فالعَدُوُّ الآخَرُ إنْ كانَ مِثْلَهُ في القُوَّةِ يَغْضَبُ أيْضًا وهَذا يُثِيرُ الفِتَنَ، وإنْ كانَ أضْعَفَ مِنهُ يَنْهَزِمُ أوْ يَنْقادُ لَهُ، فاللَّهُ تَعالى أنْزَلَ في مُقابَلَةِ حَمِيَّةِ الكافِرِينَ عَلى المُؤْمِنِينَ سَكِينَتَهُ حَتّى لَمْ يَغْضَبُوا ولَمْ يَنْهَزِمُوا بَلْ يَصْبِرُوا، وهو بَعِيدٌ في العادَةِ فَهو مِن فَضْلِ اللَّهِ تَعالى، قَوْلُهُ تَعالى: (﴿عَلى رَسُولِهِ وعَلى المُؤْمِنِينَ﴾ فَإنَّهُ هو الَّذِي أجابَ الكافِرِينَ إلى الصُّلْحِ، وكانَ في نَفْسِ المُؤْمِنِينَ أنْ لا يَرْجِعُوا إلّا بِأحَدِ الثَّلاثَةِ بِالنَّحْرِ في المَنحَرِ، وأبَوْا أنْ لا يَكْتُبُوا مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ وبِسْمِ اللَّهِ، فَلَمّا سَكَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَكَنَ المُؤْمِنُونَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وألْزَمَهم كَلِمَةَ التَّقْوى﴾ فِيهِ وُجُوهٌ، أظْهَرُها أنَّهُ قَوْلُ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَإنَّ بِها يَقَعُ الِاتِّقاءُ عَنِ الشِّرْكِ، وقِيلَ: هو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ومُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَإنَّ الكافِرِينَ أبَوْا ذَلِكَ والمُؤْمِنُونَ التَزَمُوهُ، وقِيلَ: هي الوَفاءُ بِالعَهْدِ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ، ونَحْنُ نُوَضِّحُ فِيهِ ما يَتَرَجَّحُ بِالدَّلِيلِ، فَنَقُولُ: ﴿وألْزَمَهُمْ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى النَّبِيِّ ﷺ والمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا، يَعْنِي ألْزَمَ النَّبِيَّ والمُؤْمِنِينَ كَلِمَةَ التَّقْوى، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ عائِدًا إلى المُؤْمِنِينَ فَحَسْبُ، فَإنْ قُلْنا: إنَّهُ عائِدٌ إلَيْهِما جَمِيعًا نَقُولُ: هو الأمْرُ بِالتَّقْوى، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ولا تُطِعِ الكافِرِينَ﴾ [الأحزاب: ١] وقالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢] والأمْرُ بِتَقْوى اللَّهِ حَتّى تُذْهِلَهُ تَقْواهُ عَنِ الِالتِفاتِ إلى ما سِوى اللَّهِ، كَما قالَ في حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿اتَّقِ اللَّهَ ولا تُطِعِ الكافِرِينَ﴾ [الأحزاب: ١] وقالَ تَعالى: ﴿وتَخْشى النّاسَ واللَّهُ أحَقُّ أنْ تَخْشاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧] ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ حالَ مَن صَدَّقَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ ويَخْشَوْنَهُ ولا يَخْشَوْنَ أحَدًا إلّا اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٣٩] أمّا في حَقِّ المُؤْمِنِينَ فَقالَ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢] وقالَ: ﴿فَلا تَخْشَوْهم واخْشَوْنِ﴾ [المائدة: ٣] وإنْ قُلْنا بِأنَّهُ راجِعٌ إلى المُؤْمِنِينَ فَهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: (واتَّقُوا اللَّهَ) وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ﴾ [الحجرات: ١] وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وألْزَمَهم كَلِمَةَ التَّقْوى﴾ عَلى هَذا مَعْنًى لَطِيفٌ، وهو أنَّهُ تَعالى إذا قالَ: (اتَّقُوا) يَكُونُ الأمْرُ وارِدًا، ثُمَّ إنَّ مِنَ النّاسِ مَن يَقْبَلُهُ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ ويَلْتَزِمُهُ ومِنهم مَن لا يَلْتَزِمُهُ، ومَنِ التَزَمَهُ فَقَدِ التَزَمَهُ بِإلْزامِ اللَّهِ إيّاهُ، فَكَأنَّهُ قالَ تَعالى: ﴿وألْزَمَهم كَلِمَةَ التَّقْوى﴾ وفي هَذا المَعْنى رُجْحانٌ مِن حَيْثُ إنَّ التَّقْوى وإنْ كانَ كامِلًا ولَكِنَّهُ أقْرَبُ إلى الكَلِمَةِ، وعَلى هَذا فَقَوْلُهُ: ﴿وكانُوا أحَقَّ بِها وأهْلَها﴾ مَعْناهُ أنَّهم كانُوا عِنْدَ اللَّهِ أكْرَمَ النّاسِ فَأُلْزِمُوا تَقْواهُ، وذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ مَعْناهُ أنَّ مَن يَكُونُ تَقْواهُ أكْثَرَ يُكْرِمُهُ اللَّهُ أكْثَرَ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ مَعْناهُ أنَّ مَن سَيَكُونُ أكْرَمَ عِنْدَ اللَّهِ وأقْرَبَ إلَيْهِ كانَ أتْقى، كَما في قَوْلِهِ: ”والمُخْلِصُونَ عَلى خَطَرٍ عَظِيمٍ“ . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هم مِن خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٧] وعَلى الوَجْهِ الثّانِي يَكُونُ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وكانُوا أحَقَّ بِها﴾ لِأنَّهم كانُوا أعْلَمَ بِاللَّهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما يَخْشى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ﴾ [فاطر: ٢٨] وقَوْلُهُ: ﴿وأهْلَها﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ يُفْهَمُ مِن مَعْنى الأحَقِّ أنَّهُ يُثْبِتُ رُجْحانًا عَلى الكافِرِينَ إنْ لَمْ يُثْبِتِ الأهْلِيَّةَ، كَما لَوِ اخْتارَ المَلِكُ اثْنَيْنِ لَشُغْلٍ وكُلُّ واحِدٍ مِنهُما غَيْرُ صالِحٍ لَهُ، ولَكِنَّ أحَدَهُما أبْعَدُ عَنِ الِاسْتِحْقاقِ، فَقالَ في الأقْرَبِ إلى الِاسْتِحْقاقِ: إذا كانَ ولا بُدَّ فَهَذا أحَقُّ، كَما يُقالُ: الحَبْسُ أهْوَنُ مِنَ القَتْلِ مَعَ أنَّهُ لا هَيِّنَ هُناكَ، فَقالَ: ﴿وأهْلَها﴾ دَفَعًا لِذَلِكَ. الثّانِي: وهو أقْوى، وهو أنْ يُقالَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأهْلَها﴾ فِيهِ وُجُوهٌ نُبَيِّنُها بَعْدَما نُبَيِّنُ مَعْنى الأحَقِّ، فَنَقُولُ: هو يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ الأحَقُّ بِمَعْنى الحَقِّ لا لِلتَّفْضِيلِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿خَيْرٌ مَقامًا﴾ (p-٩٠)﴿وأحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] إذْ لا خَيْرَ في غَيْرِهِ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ لِلتَّفْضِيلِ وهو يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلى غَيْرِهِمْ، أيِ: المُؤْمِنُونَ أحَقُّ مِنَ الكافِرِينَ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلى كَلِمَةِ التَّقْوى مِن كَلِمَةٍ أُخْرى غَيْرِ تَقْوى، تَقُولُ: زِيدٌ أحَقُّ بِالإكْرامِ مِنهُ بِالإهانَةِ، كَما إذا سَألَ شَخْصٌ عَنْ زَيْدٍ إنَّهُ بِالطِّبِّ أعْلَمُ أوْ بِالفِقْهِ، تَقُولُ: هو بِالفِقْهِ أعْلَمُ، أيْ: مِنَ الطِّبِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب