الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهم عَنْكم وأيْدِيَكم عَنْهم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أنْ أظْفَرَكم عَلَيْهِمْ﴾ .
تَبْيِينًا لِما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿ولَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبارَ﴾ أيْ هو بِتَقْدِيرِ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ كَفَّ أيْدِيَهم عَنْكم بِالفِرارِ، وأيْدِيَكم عَنْهم بِالرُّجُوعِ عَنْهم وتَرْكِهِمْ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ إشارَةٌ إلى أمْرٍ كانَ هُناكَ يَقْتَضِي عَدَمَ الكَفِّ، ومَعَ ذاكَ وُجِدَ كَفُّ الأيْدِي، وذَلِكَ الأمْرُ هو دُخُولُ المُسْلِمِينَ بِبَطْنِ مَكَّةَ، فَإنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ يَصْبِرَ المَكْفُوفُ عَلى القِتالِ لِكَوْنِ العَدُوِّ دَخَلَ دارَهم طالِبِينَ ثَأْرَهم، وذَلِكَ مِمّا يُوجِبُ اجْتِهادَ البَلِيدِ في الذَّبِّ عَنِ الحَرِيمِ، ويَقْتَضِي أنْ يُبالِغَ المُسْلِمُونَ في الِاجْتِهادِ في الجِهادِ لِكَوْنِهِمْ لَوْ قَصَّرُوا لَكُسِرُوا وأُسِرُوا لِبُعْدِ مَأْمَنِهِمْ، فَقَوْلُهُ: ﴿بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ إشارَةٌ إلى بُعْدِ الكَفِّ، ومَعَ ذَلِكَ وُجِدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ أنْ أظْفَرَكم عَلَيْهِمْ﴾ صالِحٌ لِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ مِنَّةً عَلى المُؤْمِنِينَ بِأنَّ الظَّفَرَ كانَ لَكم، مَعَ أنَّ الظّاهِرَ كانَ يَسْتَدْعِي كَوْنَ الظَّفَرِ لَهم؛ لِكَوْنِ البِلادِ لَهم، ولِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ. الثّانِي: أنْ يَكُونَ ذَكَرَ أمْرَيْنِ مانِعَيْنِ مِنَ الأمْرَيْنِ الأوَّلَيْنِ، مَعَ أنَّ اللَّهَ حَقَّقَهُما مَعَ المُنافِقِينَ، أمّا كَفُّ أيْدِي الكُفّارِ فَكانَ بَعِيدًا؛ لِكَوْنِهِمْ في بِلادِهِمْ ذابِّينَ عَنْ أهْلِيهِمْ وأوْلادِهِمْ، وإلَيْهِ أشارَ بِقَوْلِهِ: ﴿بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ . وأمّا كَفُّ أيْدِي المُسْلِمِينَ، فَلِأنَّهُ كانَ بَعْدَ أنْ ظَفِرُوا بِهِمْ، ومَتى ظَفِرَ الإنْسانُ بِعَدُوِّهِ الَّذِي لَوْ ظَفِرَ هو بِهِ لاسْتَأْصَلَهُ يَبْعُدُ انْكِفافُهُ عَنْهُ، مَعَ أنَّ اللَّهَ كَفَّ اليَدَيْنِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ .
يَعْنِي: كانَ اللَّهُ يَرى فِيهِ مِنَ المَصْلَحَةِ، وإنْ كُنْتُمْ لا تَرَوْنَ ذَلِكَ، وبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ والهَدْيَ مَعْكُوفًا﴾ [الفتح: ٢٥] إلى أنْ قالَ: ﴿ولَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ونِساءٌ مُؤْمِناتٌ﴾ [الفتح: ٢٥] يَعْنِي: كانَ الكَفُّ مُحافَظَةً عَلى ما في مَكَّةَ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ لِيَخْرُجُوا مِنها ويَدْخُلُوها عَلى وجْهٍ لا يَكُونُ فِيهِ إيذاءُ مَن فِيها مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ، واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في ذَلِكَ الكَفِّ، مِنهم مَن قالَ: المُرادُ ما كانَ عامَ الفَتْحِ، ومِنهم مَن قالَ: ما كانَ عامَ الحُدَيْبِيَةِ؛ فَإنَّ المُسْلِمِينَ هَزَمُوا جَيْشَ الكُفّارِ حَتّى أدْخَلُوهم بُيُوتَهم، وقِيلَ: إنَّ الحَرْبَ كانَ بِالحِجارَةِ.
* *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ والهَدْيَ مَعْكُوفًا أنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ .
(p-٨٦)إشارَةٌ إلى أنَّ الكَفَّ لَمْ يَكُنْ لِأمْرٍ فِيهِمْ؛ لِأنَّهم كَفَرُوا وصَدُّوا وأُحْصِرُوا، وكُلُّ ذَلِكَ يَقْتَضِي قِتالَهم، فَلا يَقَعُ لِأحَدٍ أنَّ الفَرِيقَيْنِ اتَّفَقُوا ولَمْ يَبْقَ بَيْنَهُما خِلافٌ واصْطَلَحُوا ولَمْ يَبْقَ بَيْنَهُما نِزاعٌ، بَلِ الِاخْتِلافُ باقٍ والنِّزاعُ مُسْتَمِرٌّ؛ لِأنَّهم ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكُمْ﴾ ومَنَعُوا فازْدادُوا كُفْرًا وعَداوَةً، وإنَّما ذَلِكَ لِلرِّجالِ المُؤْمِنِينَ والنِّساءِ المُؤْمِناتِ، وقَوْلُهُ: (والهَدْيَ) مَنصُوبٌ عَلى العَطْفِ عَلى ”كَمْ“ في ﴿صَدُّوكُمْ﴾ ويَجُوزُ الجَرُّ عَطْفًا عَلى المَسْجِدِ، أيْ: وعَنِ الهَدْيِ. ﴿مَعْكُوفًا﴾ حالٌ و﴿أنْ يَبْلُغَ﴾ تَقْدِيرُهُ عَلى أنْ يَبْلُغَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: ﴿أنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ رَفْعٌ، تَقْدِيرُهُ مَعْكُوفًا بُلُوغُهُ مَحِلَّهُ، كَما يُقالُ: رَأيْتُ زَيْدًا شَدِيدًا بِأْسُهُ. ومَعْكُوفًا أيْ مَمْنُوعًا، ولا يَحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ ”عَنْ“ عَلى هَذا الوَجْهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ونِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهم أنْ تَطَئُوهم فَتُصِيبَكم مِنهم مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ .
وصْفُ الرِّجالِ والنِّساءِ، يَعْنِي لَوْلا رِجالٌ ونِساءٌ يُؤْمِنُونَ غَيْرُ مَعْلُومِينَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ تَطَئُوهُمْ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ، كَأنَّهُ قالَ: رِجالٌ غَيْرُ مَعْلُومِي الوَطْءِ فَتُصِيبَكم مِنهم مَعَرَّةٌ - عَيْبٌ أوْ إثْمٌ - وذَلِكَ لِأنَّكم رُبَّما تَقْتُلُونَهم فَتَلْزَمُكُمُ الكَفّارَةُ وهي دَلِيلُ الإثْمِ، أوْ يَعِيبُكُمُ الكُفّارُ بِأنَّهم فَعَلُوا بِإخْوانِهِمْ ما فَعَلُوا بِأعْدائِهِمْ، وقَوْلُهُ تَعالى: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ تَطَئُوهُمْ﴾ يَعْنِي تَطَئُوهم بِغَيْرِ عِلْمٍ، وجازَ أنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنِ الضَّمِيرِ المَنصُوبِ في قَوْلِهِ: ﴿لَمْ تَعْلَمُوهُمْ﴾ ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: يَكُونُ هَذا تَكْرارًا؛ لِأنَّ عَلى قَوْلِنا: هو بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ، يَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَمْ تَعْلَمُوا أنْ تَطَئُوهم بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَيَلْزَمُ تَكْرارُ ”بِغَيْرِ عِلْمٍ“ الحُصُولُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَمْ تَعْلَمُوهُمْ﴾ فالأوْلى أنْ يُقالَ: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) هو في مَوْضِعِهِ تَقْدِيرُهُ: لَمْ تَعْلَمُوا أنْ تَطَئُوهم فَتُصِيبَكم مِنهم مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، مَن يُعِرُّكم ويَعِيبُ عَلَيْكم، يَعْنِي: إنْ وطَأْتُمُوهم غَيْرَ عالِمِينَ يُصِبْكم مَسَبَّةُ الكُفّارِ (بِغَيْرِ عِلْمٍ) أيْ بِجَهْلٍ لا يَعْلَمُونَ أنَّكم مَعْذُورُونَ فِيهِ، أوْ نَقُولُ: تَقْدِيرُهُ لَمْ تَعْلَمُوا أنْ تَطَئُوهم فَتُصِيبَكم مِنهم مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أيْ فَتَقْتُلُوهم بِغَيْرِ عِلْمٍ، أوْ تُؤْذُوهم بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَيَكُونُ الوَطْءُ سَبَبَ القَتْلِ، والوَطْءُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَكم، والقَتْلُ الَّذِي هو بِسَبَبِ المَعَرَّةِ وهو الوَطْءُ الَّذِي يَحْصُلُ بِغَيْرِ عِلْمٍ. أوْ نَقُولُ: المَعَرَّةُ قِسْمانِ:
أحَدُهُما: ما يَحْصُلُ مِنَ القَتْلِ العَمْدِ مِمَّنْ هو غَيْرُ العالِمِ بِحالِ المَحَلِّ.
والثّانِي: ما يَحْصُلُ مِنَ القَتْلِ خَطَأً، وهو غَيْرُ عَدَمِ العِلْمِ، فَقالَ: تُصِيبُكم مِنهم مَعَرَّةٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، لا الَّتِي تَكُونُ عَنِ العِلْمِ (وجَوابُ) لَوْلا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَوْلا ذَلِكَ لَما كَفَّ أيْدِيَكم عَنْهم. هَذا ما قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وهو حَسَنٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: (جَوابُهُ) ما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ يَعْنِي قَدِ اسْتَحَقُّوا أنْ لا يُهْمَلُوا، ولَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ لَوَقَعَ ما اسْتَحَقُّوهُ، كَما يَقُولُ القائِلُ: هو سارِقٌ ولَوْلا فُلانٌ لَقَطَعْتُ يَدَهُ، وذَلِكَ لِأنَّ ”لَوْلا“ لا تُسْتَعْمَلُ إلّا لِامْتِناعِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ، وامْتِناعُ الشَّيْءِ لا يَكُونُ إلّا إذا وُجِدَ المُقْتَضِي لَهُ فَمَنَعَهُ الغَيْرُ، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعالى أوَّلًا المُقْتَضِيَ التّامَّ البالِغَ، وهو الكُفْرُ والصَّدُّ والمَنعُ، وذَكَرَ ما امْتَنَعَ لِأجْلِهِ مُقْتَضاهُ وهو وُجُودُ الرِّجالِ المُؤْمِنِينَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيُدْخِلَ اللَّهُ في رَحْمَتِهِ مَن يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنهم عَذابًا ألِيمًا﴾ فِيهِ أبْحاثٌ:
الأوَّلُ: في الفِعْلِ الَّذِي يَسْتَدْعِي اللّامَ الَّذِي بِسَبَبِهِ يَكُونُ الإدْخالُ، وفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنْ يُقالَ هو قَوْلُهُ: ﴿كَفَّ أيْدِيَهم عَنْكُمْ﴾ لِيُدْخِلَ، لا يُقالُ بِأنَّكَ ذَكَرْتَ أنَّ المانِعَ وُجُودُ رِجالٍ مُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ كَأنَّهُ قالَ: كَفَّ (p-٨٧)أيْدِيَكم لِئَلّا تَطَئُوا، فَكَيْفَ يَكُونُ لِشَيْءٍ آخَرَ ؟ نَقُولُ: الجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ نَقُولَ: كَفَّ أيْدِيَكم لِئَلّا تَطَئُوا لِتَدْخُلُوا كَما يُقالُ: أطْعَمْتُهُ لِيَشْبَعَ لِيَغْفِرَ اللَّهُ لِي أيِ الإطْعامُ لِلشّابِعِ كانَ لِيَغْفِرَ.
الثّانِي: هو أنّا بَيَّنّا أنَّ لَوْلا جَوابُهُ ما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فَيَكُونُ كَأنَّهُ قالَ: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا واسْتَحَقُّوا التَّعَجُّلَ في إهْلاكِهِمْ، ولَوْلا رِجالٌ لَعَجَّلَ بِهِمْ، ولَكِنْ كَفَّ أيْدِيَكم لِيُدْخِلَ.
ثانِيها: أنْ يُقالَ: فَعَلَ ما فَعَلَ لِيُدْخِلَ؛ لِأنَّ هُناكَ أفْعالًا مِنَ الألْطافِ والهِدايَةِ وغَيْرِهِما، وقَوْلُهُ: ﴿لِيُدْخِلَ اللَّهُ في رَحْمَتِهِ مَن يَشاءُ﴾ لِيُؤْمِنَ مِنهم مَن عَلِمَ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ يُؤْمِنُ في تِلْكَ السَّنَةِ، أوْ لِيَخْرُجَ مِن مَكَّةَ ويُهاجِرَ، فَيُدْخِلَهم في رَحْمَتِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ أيْ لَوْ تَمَيَّزُوا، والضَّمِيرُ يَحْتَمِلُ أنْ يُقالَ: هو ضَمِيرُ الرِّجالِ المُؤْمِنِينَ والنِّساءِ المُؤْمِناتِ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذا، وقَدْ قُلْتُمْ بِأنَّ جَوابَ ”لَوْلا“ مَحْذُوفٌ وهو قَوْلُهُ لَمّا كَفَّ أوْ لَعَجَّلَ، ولَوْ كانَ ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ راجِعًا إلى الرِّجالِ لَكانَ لَعَذَّبْنا جَوابَ لَوْلا ؟ نَقُولُ: وقَدْ قالَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، فَقالَ: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا﴾ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ ”لَوْلا“ فَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ لَعَذَّبْنا جَوابَ ”لَوْلا“، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: هو ضَمِيرُ مَن يَشاءُ، كَأنَّهُ قالَ: لِيُدْخِلَ مَن يَشاءُ في رَحْمَتِهِ لَوْ تَزَيَّلُوا هم وتَمَيَّزُوا وآمَنُوا لَعَذَّبْنا الَّذِينَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ، وفِيهِ أبْحاثٌ:
البَحْثُ الأوَّلُ: وهو عَلى تَقْدِيرٍ نَفْرِضُهُ، فالكَلامُ يُفِيدُ أنَّ العَذابَ الألِيمَ انْدَفَعَ عَنْهم، إمّا بِسَبَبِ عَدَمِ التَّزْيِيلِ، أوْ بِسَبَبِ وُجُودِ الرِّجالِ وعُلِمَ تَقْدِيرُ وُجُودِ الرِّجالِ، والعَذابُ الألِيمُ لا يَنْدَفِعُ عَنِ الكافِرِ، نَقُولُ: المُرادُ عَذابًا عاجِلًا بِأيْدِيكم يَبْتَدِئُ بِالجِنْسِ، إذْ كانُوا غَيْرَ مُقْرِنِينَ ولا مُنْقَلِبِينَ إلَيْهِمْ فَيَظْهَرُونَ ويَقْتَدِرُونَ يَكُونُ ألِيمًا.
البَحْثُ الثّانِي: ما الحِكْمَةُ في ذِكْرِ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ مَعَ أنَّ المُؤَنَّثَ يَدْخُلُ في ذِكْرِ المُذَكَّرِ عِنْدَ الِاجْتِماعِ ؟ قُلْنا: الجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: ما تَقَدَّمَ يَعْنِي أنَّ المَوْضِعَ مَوْضِعُ وهْمِ اخْتِصاصِ الرِّجالِ بِالحُكْمِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿تَطَئُوهم فَتُصِيبَكُمْ﴾ مَعْناهُ تُهْلِكُوهم والمُرادُ: لا تُقاتِلْ ولا تَقْتُلْ، فَكانَ المانِعَ وهو وُجُودُ الرِّجالِ المُؤْمِنِينَ فَقالَ: والنِّساءُ المُؤْمِناتُ أيْضًا؛ لِأنَّ تَخْرِيبَ بُيُوتِهِنَّ ويُتْمَ أوْلادِهِنَّ بِسَبَبِ رِجالِهِنَّ وطْأةٌ شَدِيدَةٌ.
وثانِيهِما: أنَّ في مَحَلِّ الشَّفَقَةِ تُعَدُّ المَواضِعُ لِتَرْقِيقِ القَلْبِ، يُقالُ لِمَن يُعَذِّبُ شَخْصًا: لا تُعَذِّبْهُ وارْحَمْ ذُلَّهُ وفَقْرَهُ وضَعْفَهُ، ويُقالُ: أوْلادُهُ وصِغارُهُ وأهْلُهُ الضُّعَفاءُ العاجِزُونَ، فَكَذَلِكَ هَهُنا قالَ: ﴿ولَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ونِساءٌ مُؤْمِناتٌ﴾ لِتَرْقِيقِ قُلُوبِ المُؤْمِناتِ ورِضاهم بِما جَرى مِنَ الكَفِّ بَعْدَ الظَّفَرِ.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِی كَفَّ أَیۡدِیَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَیۡدِیَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَیۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا","هُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡیَ مَعۡكُوفًا أَن یَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالࣱ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَاۤءࣱ مُّؤۡمِنَـٰتࣱ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِیبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲۖ لِّیُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِی رَحۡمَتِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ لَوۡ تَزَیَّلُوا۟ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِیمًا"],"ayah":"هُمُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡیَ مَعۡكُوفًا أَن یَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالࣱ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَاۤءࣱ مُّؤۡمِنَـٰتࣱ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِیبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲۖ لِّیُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِی رَحۡمَتِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ لَوۡ تَزَیَّلُوا۟ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق