الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبارَ﴾ . وهُوَ يَصْلُحُ جَوابًا لِمَن يَقُولُ: كَفُّ الأيْدِي عَنْهم كانَ أمْرًا اتِّفاقِيًّا، ولَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمُ العَرَبُ كَما عَزَمُوا لَمَنَعُوهم مِن فَتْحِ خَيْبَرَ واغْتِنامِ غَنائِمِها، فَقالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ سَواءٌ قاتَلُوا أوْ لَمْ يُقاتِلُوا لا يُنْصَرُونَ، والغَلَبَةُ واقِعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ أمْرُهم أمْرًا اتِّفاقِيًّا، بَلْ هو إلَهِيٌّ مَحْكُومٌ بِهِ مَحْتُومٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ لا يَجِدُونَ ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾ . قَدْ ذَكَرْنا مِرارًا أنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنِ الشَّخْصِ إمّا أنْ يَكُونَ بِوَلِيٍّ يَنْفَعُ بِاللُّطْفِ، أوْ بِنَصِيرٍ يَدْفَعُ بِالعُنْفِ، ولَيْسَ لِلَّذِينِ كَفَرُوا شَيْءٌ مِن ذَلِكَ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: (ثَّمَ) لَطِيفَةٌ، وهي أنَّ مَن يُوَلِّي دُبُرَهُ يَطْلُبُ الخَلاصَ مِنَ القَتْلِ بِالِالتِحاقِ بِما يُنْجِيهِ، فَقالَ: ولَيْسَ إذا ولَّوُا الأدْبارَ يَتَخَلَّصُونَ، بَلْ بَعْدَ التَّوَلِّي الهَلاكُ لاحِقٌ بِهِمْ. ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ﴾ . جَوابٌ عَنْ سُؤالٍ آخَرَ يَقُومُ مَقامَ الجِهادِ: وهو أنَّ الطَّوالِعَ لَها تَأْثِيراتٌ، والِاتِّصالاتِ لَها تَغَيُّراتٌ، فَقالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، [ بَلْ ] سُنَّةُ اللَّهِ نُصْرَةُ رَسُولِهِ وإهْلاكُ عَدُوِّهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ بِشارَةٌ ودَفْعُ وهْنٍ يَقَعُ بِسَبَبِ وهْمٍ، وهو أنَّهُ إذا قالَ اللَّهُ تَعالى لَيْسَ هَذا بِالتَّأْثِيراتِ فَلا يَجِبُ وُقُوعُهُ، بَلِ اللَّهُ فاعِلٌ مُخْتارٌ، ولَوْ أرادَ أنْ يُهْلِكَ العِبادَ لَأهْلَكَهم، بِخِلافِ قَوْلِ المُنَجِّمِ بِأنَّ الغَلَبَ لِمَن لَهُ طالِعٌ وشَواهِدُ تَقْتَضِي غَلَبَتَهُ قَطْعًا، فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ يَعْنِي أنَّ اللَّهَ فاعِلٌ مُخْتارٌ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ويَقْدِرُ عَلى إهْلاكِ أصْدِقائِهِ، ولَكِنْ لا يُبَدِّلُ سُنَّتَهُ ولا يُغَيِّرُ عادَتَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب