الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكم ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ويَهْدِيَكم صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ .
إشارَةً إلى أنَّ ما أتاهم مِنَ الفَتْحِ والمَغانِمِ لَيْسَ هو كُلَّ الثَّوابِ، بَلِ الجَزاءُ قُدّامَهم، وإنَّما هي العاجِلَةُ عَجَّلَ بِها، وفي المَغانِمِ المَوْعُودِ بِها أقْوالٌ، أصَحُّها أنَّهُ وعَدَهم مَغانِمَ كَثِيرَةً مِن غَيْرِ تَعْيِينٍ، وكُلُّ ما غَنِمُوهُ كانَ مِنها واللَّهُ كانَ عالِمًا بِها، وهَذا كَما يَقُولُ المَلِكُ الجَوادُ لِمَن يَخْدِمُهُ: يَكُونُ لَكَ مِنِّي عَلى ما فَعَلْتَهُ الجَزاءُ إنْ شاءَ اللَّهُ، ولا يُرِيدُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ كَلُّ ما يَأْتِي بِهِ ويُؤْتِيهِ يَكُونُ داخِلًا تَحْتَ ذَلِكَ الوَعْدِ، غَيْرَ أنَّ المَلِكَ لا يَعْلَمُ تَفاصِيلَ ما يَصِلُ إلَيْهِ وقْتَ الوَعْدِ، واللَّهَ عالِمٌ بِها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ﴾ لِإتْمامِ المِنَّةِ، كَأنَّهُ قالَ: رَزَقْتُكم غَنِيمَةً بارِدَةً مِن غَيْرِ مَسِّ حَرِّ القِتالِ، ولَوْ تَعِبْتُمْ فِيهِ لَقُلْتُمْ: هَذا جَزاءُ تَعَبِنا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى مَفْهُومٍ؛ لِأنَّهُ لَمّا قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ﴾ واللّامُ يُنْبِئُ عَنِ النَّفْعِ كَما أنَّ ”عَلى“ يُنْبِئُ عَنِ الضُّرِّ القائِلِ: لا عَلَيَّ ولا لِيّا، بِمَعْنى لا ما أتَضَرَّرُ بِهِ ولا ما أنْتَفِعُ بِهِ ولا أضُرُّ بِهِ ولا أنْفَعُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ﴾ لِتَنْفَعَكم ﴿ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وفِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ، وهو أنَّ المَغانِمَ المَوْعُودَ بِها كُلُّ ما يَأْخُذُهُ المُسْلِمُونَ، فَقَوْلُهُ: ﴿ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يَعْنِي لِيَنْفَعَكم بِها، ولِيَجْعَلَها لِمَن بَعْدَكم آيَةً تَدُلُّهم عَلى أنَّ ما وعَدَهُمُ اللَّهُ يَصِلُ إلَيْهِمْ كَما وصَلَ إلَيْكم، أوْ نَقُولُ: مَعْناهُ: لِتَنْفَعَكم في الظّاهِرِ وتَنْفَعَكم في الباطِنِ، حَيْثُ يَزْدادُ يَقِينُكم إذا رَأيْتُمْ صِدْقَ الرَّسُولِ في إخْبارِهِ عَنِ الغُيُوبِ، فَتَجْمُلُ أخْبارُكم ويَكْمُلُ اعْتِقادُكم، وقَوْلُهُ: ﴿ويَهْدِيَكم صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ وهو التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، والتَّفْوِيضُ إلَيْهِ، والِاعْتِزازُ بِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ .
(p-٨٤)قِيلَ: غَنِيمَةُ هَوازِنَ، وقِيلَ: غَنائِمُ فارِسَ والرُّومِ. وذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ في أُخْرى ثَلاثَةَ أوْجُهٍ:
أنْ تَكُونَ مَنصُوبَةً بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ ﴿قَدْ أحاطَ﴾ و﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها﴾ صِفَةً لِأُخْرى، كَأنَّهُ يَقُولُ: وغَنِيمَةً أُخْرى غَيْرَ مَقْدُورَةٍ ﴿قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ .
ثانِيها: أنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً، وخَبَرُها ﴿قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ وحَسُنَ جَعْلُها مُبْتَدَأً مَعَ كَوْنِهِ نَكِرَةً؛ لِكَوْنِها مَوْصُوفَةً بِ ﴿لَمْ تَقْدِرُوا﴾ .
وثالِثُها: الجَرُّ بِإضْمارِ ”رُبَّ“ . ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: مَنصُوبَةٌ بِالعَطْفِ عَلى مَنصُوبٍ، وفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: كَأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ﴾ وأُخْرى ما قَدَرْتُمْ عَلَيْها، وهَذا ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ أُخْرى لَمْ يُعَجِّلْ بِها.
وثانِيهُما: عَلى مَغانِمَ كَثِيرَةٍ تَأْخُذُونَها، وأُخْرى أيْ وعَدَكُمُ اللَّهَ أُخْرى، وحِينَئِذٍ كَأنَّهُ قالَ: وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ تَأْخُذُونَها ومَغانِمَ لا تَأْخُذُونَها أنْتُمْ ولا تَقْدِرُونَ عَلَيْها، وإنَّما يَأْخُذُها مَن يَجِيءُ بَعْدَكم مِنَ المُؤْمِنِينَ. وعَلى هَذا تَبَيَّنَ لِقَوْلِ الفَرّاءِ حُسْنٌ؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ أيْ: حَفِظَها لِلْمُؤْمِنِينَ لا يَجْرِي عَلَيْها هَلاكٌ إلى أنْ يَأْخُذَها المُسْلِمُونَ كَإحاطَةِ الحُرّاسِ بِالخَزائِنِ.
{"ayahs_start":20,"ayahs":["وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِیرَةࣰ تَأۡخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمۡ هَـٰذِهِۦ وَكَفَّ أَیۡدِیَ ٱلنَّاسِ عَنكُمۡ وَلِتَكُونَ ءَایَةࣰ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ وَیَهۡدِیَكُمۡ صِرَ ٰطࣰا مُّسۡتَقِیمࣰا","وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُوا۟ عَلَیۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣰا"],"ayah":"وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُوا۟ عَلَیۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق