الباحث القرآني
(p-٦٧)[ سُورَةُ الفَتْحِ ]
وهِيَ عِشْرُونَ وتِسْعُ آياتٍ مَدَنِيَّةٍ
﷽
﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ويَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ ﴿ويَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ .
﷽
: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ويَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ ﴿ويَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ . وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في الفَتْحِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: فَتْحُ مَكَّةَ وهو ظاهِرٌ.
وثانِيها: فَتْحُ الرُّومِ وغَيْرِها.
وثالِثُها: المُرادُ مِنَ الفَتْحِ صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ.
ورابِعُها: فَتْحُ الإسْلامِ بِالحُجَّةِ والبُرْهانِ، والسَّيْفِ والسِّنانِ.
وخامِسُها: المُرادُ مِنهُ الحُكْمُ كَقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا افْتَحْ بَيْنَنا وبَيْنَ قَوْمِنا بِالحَقِّ﴾ [الأعْرافِ: ٨٩] وقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالحَقِّ﴾ [سَبَأٍ: ٢٦] والمُخْتارُ مِنَ الكُلِّ وُجُوهٌ:
أحَدُها: فَتْحُ مَكَّةَ.
والثّانِي: فَتْحُ الحُدَيْبِيَةِ.
والثّالِثُ: فَتْحُ الإسْلامِ بِالآيَةِ والبَيانِ والحُجَّةِ والبُرْهانِ.
والأوَّلُ مُناسِبٌ لِآخِرِ ما قَبْلَها مِن وُجُوهٍ
أحَدُها: أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿هاأنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٣٨] إلى أنْ قالَ: ﴿ومَن يَبْخَلْ فَإنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٣٨] بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ فَتَحَ لَهم مَكَّةَ وغَنِمُوا دِيارَهم وحَصَلَ لَهم أضْعافُ ما أنْفَقُوا ولَوْ بَخِلُوا لَضاعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلا يَكُونُ بُخْلُهم إلّا عَلى أنْفُسِهِمْ.
ثانِيها: لَمّا قالَ: ﴿واللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٣٥] وقالَ: ﴿وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٣٥] بَيَّنَ بُرْهانَهُ بِفَتْحِ مَكَّةَ، فَإنَّهم كانُوا هُمُ الأعْلَوْنَ.
ثالِثُها: لَمّا قالَ تَعالى: ﴿فَلا تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَّلْمِ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٣٥] وكانَ مَعْناهُ لا تَسْألُوا الصُّلْحَ مِن عِنْدِكم، بَلِ اصْبِرُوا فَإنَّهم يَسْألُونَ الصُّلْحَ ويَجْتَهِدُونَ فِيهِ كَما كانَ يَوْمُ الحُدَيْبِيَةِ وهو المُرادُ بِالفَتْحِ في أحَدِ الوُجُوهِ، وكَما كانَ فَتْحُ مَكَّةَ حَيْثُ أتى صَنادِيدَ قُرَيْشٍ مُسْتَأْمِنِينَ ومُؤْمِنِينَ ومُسْلِمِينَ، فَإنْ قِيلَ: إنْ كانَ المُرادُ فَتْحَ مَكَّةَ، فَمَكَّةُ لَمْ تَكُنْ قَدْ فُتِحَتْ، فَكَيْفَ قالَ تَعالى: ﴿فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ بِلَفْظِ الماضِي ؟ نَقُولُ: الجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: فَتَحْنا في حُكْمِنا وتَقْدِيرِنا ثانِيهِما: ما (p-٦٨)قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعالى فَهو كائِنٌ، فَأخْبَرَ بِصِيغَةِ الماضِي إشارَةً إلى أنَّهُ أمْرٌ لا دافِعَ لَهُ، واقِعٌ لا رافِعَ لَهُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ يُنْبِئُ عَنْ كَوْنِ الفَتْحِ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ، والفَتْحُ لا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ، فَما الجَوابُ عَنْهُ ؟ نَقُولُ: الجَوابُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: ما قِيلَ إنَّ الفَتْحَ لَمْ يَجْعَلْهُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ وحْدَها، بَلْ هو سَبَبٌ لِاجْتِماعِ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ وهي: المَغْفِرَةُ، وإتْمامُ النِّعْمَةِ والهِدايَةِ والنُّصْرَةِ، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ ويَهْدِيَكَ ويَنْصُرَكَ، ولا شَكَّ أنَّ الِاجْتِماعَ لَمْ يَثْبُتْ إلّا بِالفَتْحِ، فَإنَّ النِّعْمَةَ بِهِ تَمَّتْ، والنُّصْرَةَ بَعْدَهُ قَدْ عَمَّتْ.
الثّانِي: هو أنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كانَ سَبَبًا لِتَطْهِيرِ بَيْتِ اللَّهِ تَعالى مِن رِجْسِ الأوْثانِ، وتَطْهِيرُ بَيْتِهِ صارَ سَبَبًا لِتَطْهِيرِ عَبْدِهِ.
الثّالِثُ: هو أنَّ بِالفَتْحِ يَحْصُلُ الحَجُّ، ثُمَّ بِالحَجِّ تَحْصُلُ المَغْفِرَةُ، ألا تَرى إلى دُعاءِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَيْثُ قالَ في الحَجِّ: ”«اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وسَعْيًا مَشْكُورًا، وذَنْبًا مَغْفُورًا» “ .
الرّابِعُ: المُرادُ مِنهُ التَّعْرِيفُ تَقْدِيرُهُ: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ﴾ لِيُعْرَفَ أنَّكَ مَغْفُورٌ مَعْصُومٌ، فَإنَّ النّاسَ كانُوا عَلِمُوا بَعْدَ عامِ الفِيلِ أنَّ مَكَّةَ لا يَأْخُذُها عَدُوُّ اللَّهِ المَسْخُوطُ عَلَيْهِ، وإنَّما يَدْخُلُها ويَأْخُذُها حَبِيبُ اللَّهِ المَغْفُورُ لَهُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: لَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ ﷺ ذَنْبٌ، فَماذا يُغْفَرُ لَهُ ؟ قُلْنا: الجَوابُ عَنْهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِرارًا مِن وُجُوهٍ
أحَدُها: المُرادُ ذَنْبُ المُؤْمِنِينَ.
ثانِيها: المُرادُ تَرْكُ الأفْضَلِ.
ثالِثُها: الصَّغائِرُ فَإنَّها جائِزَةٌ عَلى الأنْبِياءِ بِالسَّهْوِ والعَمْدِ، وهو يَصُونُهم عَنِ العَجَبِ.
رابِعُها: المُرادُ العِصْمَةُ، وقَدْ بَيَّنّا وجْهَهُ في سُورَةِ القِتالِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: ما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وما تَأخَّرَ﴾ ؟ نَقُولُ فِيهِ وُجُوهٌ
أحَدُها: أنَّهُ وعَدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنَّهُ لا يُذْنِبُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ.
ثانِيها: ما تَقَدَّمَ عَلى الفَتْحِ، وما تَأخَّرَ عَنِ الفَتْحِ.
ثالِثُها: العُمُومُ يُقالُ: اضْرِبْ مَن لَقِيتَ ومَن لا تَلْقاهُ، مَعَ أنَّ مَن لا يَلْقى لا يُمْكِنُ ضَرْبُهُ إشارَةً إلى العُمُومِ.
رابِعُها: مِن قَبْلِ النُّبُوَّةِ ومِن بَعْدِها، وعَلى هَذا فَما قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِالعَفْوِ وما بَعْدَها بِالعِصْمَةِ، وفِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ ساقِطَةٌ، مِنها قَوْلُ بَعْضِهِمْ: ما تَقَدَّمَ مِن أمْرِ مارِيَةَ، وما تَأخَّرَ مِن أمْرِ زَيْنَبَ، وهو أبْعَدُ الوُجُوهِ وأسْقَطُها لِعَدَمِ التِئامِ الكَلامِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
أحَدُها: هو أنَّ التَّكالِيفَ عِنْدَ الفَتْحِ تَمَّتْ حَيْثُ وجَبَ الحَجُّ، وهو آخِرُ التَّكالِيفِ، والتَّكالِيفُ نِعَمٌ.
ثانِيها: يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بِإخْلاءِ الأرْضِ لَكَ عَنْ مُعانِدِيكَ، فَإنَّ يَوْمَ الفَتْحِ لَمْ يَبْقَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَدُوٌّ ذُو اعْتِبارٍ، فَإنَّ بَعْضَهم كانُوا أُهْلِكُوا يَوْمَ بَدْرٍ والباقُونَ آمَنُوا واسْتَأْمَنُوا يَوْمَ الفَتْحِ.
ثالِثُها: ويُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ في الدُّنْيا بِاسْتِجابَةِ دُعائِكَ في طَلَبِ الفَتْحِ، وفي الآخِرَةِ بِقَوْلِ شَفاعَتِكَ في الذُّنُوبِ ولَوْ كانَتْ في غايَةِ القُبْحِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَهْدِيَكَ صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا: (أظْهَرُها): يُدِيمُكَ عَلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ حَتّى لا يَبْقى مَن يَلْتَفِتُ إلى قَوْلِهِ مِنَ المُضِلِّينَ، أوْ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلى الإكْراهِ عَلى الكُفْرِ، وهَذا يُوافِقُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ [المائِدَةِ: ٣] حَيْثُ أهْلَكْتُ المُجادِلِينَ فِيهِ، وحَمَلْتُهم عَلى الإيمانِ.
وثانِيها: أنْ يُقالَ: جَعَلَ الفَتْحَ سَبَبًا لِلْهِدايَةِ إلى الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، لِأنَّهُ سَهَّلَ عَلى المُؤْمِنِينَ الجِهادَ لِعِلْمِهِمْ بِالفَوائِدِ العاجِلَةِ بِالفَتْحِ والآجِلَةِ بِالوَعْدِ، والجِهادُ سُلُوكُ سَبِيلِ اللَّهِ، ولِهَذا يُقالُ لِلْغازِي في سَبِيلِ اللَّهِ مُجاهِدٌ.
وثالِثُها: ما ذَكَرْنا أنَّ المُرادَ التَّعْرِيفُ، أيْ لِيُعْرَفَ أنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، مِن حَيْثُ إنَّ الفَتْحَ لا يَكُونُ إلّا عَلى يَدِ مَن يَكُونُ عَلى صِراطِ اللَّهِ بِدَلِيلِ حِكايَةِ الفِيلِ، وقَوْلُهُ: ﴿ويَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾ ظاهِرٌ، لِأنَّ بِالفَتْحِ ظَهَرَ النَّصْرُ واشْتَهَرَ الأمْرُ، وفِيهِ مَسْألَتانِ إحْداهُما لَفْظِيَّةٌ والأُخْرى مَعْنَوِيَّةٌ:
(p-٦٩)أمّا المَسْألَةُ اللَّفْظِيَّةُ: فَهي أنَّ اللَّهَ وصَفَ النَّصْرَ بِكَوْنِهِ عَزِيزًا، والعَزِيزُ مَن لَهُ النَّصْرُ: (والجَوابُ): مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: ما قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، أنَّهُ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا ثَلاثَةً:
الأوَّلُ: مَعْناهُ: نُصِرَ إذْ عَزَّ، كَقَوْلِهِ: ﴿فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [الحاقَّةِ: ٢١] أيْ ذاتُ رِضًى.
الثّانِي: وصْفُ النَّصْرِ بِما يُوصَفُ بِهِ المَنصُورُ إسْنادًا مَجازِيًّا، يُقالُ: لَهُ كَلامٌ صادِقٌ، كَما يُقالُ لَهُ: صادِقٌ.
الثّالِثُ: وصْفُ النَّصْرِ عَزِيزًا صاحِبُهُ. الوَجْهُ الثّانِي مِنَ الجَوابِ أنْ نَقُولَ: إنَّما يَلْزَمُنا ما ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ التَّقْدِيراتِ إذا قُلْنا: العِزَّةُ مِنَ الغَلَبَةِ، والعَزِيزُ الغالِبُ، وأمّا إذا قُلْنا: العَزِيزُ هو النَّفِيسُ القَلِيلُ النَّظِيرِ، أوِ المُحْتاجُ إلَيْهِ القَلِيلُ الوُجُودِ، يُقالُ: عَزَّ الشَّيْءُ إذا قَلَّ وُجُودُهُ مَعَ أنَّهُ مُحْتاجٌ إلَيْهِ، فالنَّصْرُ كانَ مُحْتاجًا إلَيْهِ ومِثْلُهُ لَمْ يُوجَدْ وهو أخْذُ بَيْتِ اللَّهِ مِنَ الكُفّارِ المُتَمَكِّنِينَ فِيهِ مِن غَيْرِ عَدَدٍ.
أمّا المَسْألَةُ المَعْنَوِيَّةُ: وهي أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ﴾ أبْرَزَ الفاعِلَ وهو اللَّهُ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ويُتِمَّ﴾ وبِقَوْلِهِ: ﴿ويَهْدِيَكَ﴾ ولَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ اللَّهِ عَلى الوَجْهِ الحَسَنِ في الكَلامِ، وهو أنَّ الأفْعالَ الكَثِيرَةَ إذا صَدَرَتْ مِن فاعِلٍ يَظْهَرُ اسْمُهُ في الفِعْلِ الأوَّلِ، ولا يَظْهَرُ فِيما بَعْدَهُ تَقُولُ: جاءَ زَيْدٌ وتَكَلَّمَ وقامَ وراحَ، ولا تَقُولُ: جاءَ زَيْدٌ وقَعَدَ زَيْدٌ اخْتِصارًا لِلْكَلامِ بِالِاقْتِصارِ عَلى الأوَّلِ، وهَهُنا لَمْ يَقُلْ ويَنْصُرَكَ نَصْرًا، بَلْ أعادَ لَفْظَ اللَّهِ، فَنَقُولُ هَذا إرْشادٌ إلى طَرِيقِ النَّصْرِ، ولِهَذا قَلَّما ذَكَرَ اللَّهُ النَّصْرَ مِن غَيْرِ إضافَةٍ، فَقالَ تَعالى: ﴿بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ﴾ [الرُّومِ: ٥] ولَمْ يَقُلْ بِالنَّصْرِ يَنْصُرُ، وقالَ: ﴿هُوَ الَّذِي أيَّدَكَ بِنَصْرِهِ﴾ [الأنْفالِ: ٦٢] ولَمْ يَقُلْ بِالنَّصْرِ، وقالَ: ﴿إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ﴾ [النَّصْرِ: ١] وقالَ: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ ولَمْ يَقُلْ نَصْرٌ وفَتْحٌ، وقالَ: ﴿وما النَّصْرُ إلّا مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٢٦] وهَذا أدَلُّ الآياتِ عَلى مَطْلُوبِنا، وتَحْقِيقُهُ هو أنَّ النَّصْرَ بِالصَّبْرِ، والصَّبْرَ بِاللَّهِ، قالَ تَعالى: ﴿واصْبِرْ وما صَبْرُكَ إلّا بِاللَّهِ﴾ [النَّحْلِ: ١٢٧] وذَلِكَ لِأنَّ الصَّبْرَ سُكُونُ القَلْبِ واطْمِئْنانُهُ، وذَلِكَ بِذِكْرِ اللَّهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرَّعْدِ: ٢٨] فَلَمّا قالَ هَهُنا ويَنْصُرَكَ اللَّهُ، أظْهَرَ لَفْظَ اللَّهِ ذِكْرًا لِلتَّعْلِيمِ أنَّ بِذِكْرِ اللَّهِ يَحْصُلُ اطْمِئْنانُ القُلُوبِ، وبِهِ يَحْصُلُ الصَّبْرُ، وبِهِ يَتَحَقَّقُ النَّصْرُ، وهَهُنا مَسْألَةٌ أُخْرى وهو أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ﴿إنّا فَتَحْنا﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ ولَمْ يَقُلْ إنّا فَتَحْنا لِنَغْفِرَ لَكَ تَعْظِيمًا لِأمْرِ الفَتْحِ، وذَلِكَ لِأنَّ المَغْفِرَةَ وإنْ كانَتْ عَظِيمَةً لَكِنَّها عامَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزُّمَرِ:٥٣] وقالَ: ﴿ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النِّساءِ: ٤٨] ولَئِنْ قُلْنا بِأنَّ المُرادَ مِنَ المَغْفِرَةِ في حَقِّ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ العِصْمَةُ، فَذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ بِنَبِيِّنا، بَلْ غَيْرُهُ مِنَ الرُّسُلِ كانَ مَعْصُومًا، وإتْمامُ النِّعْمَةِ كَذَلِكَ، قالَ اللَّهُ تَعالى: (﴿اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكم دِينَكم وأتْمَمْتُ عَلَيْكم نِعْمَتِي﴾ [المائِدَةِ: ٣] وقالَ: ﴿يابَنِي إسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البَقَرَةِ: ٤٠] وكَذَلِكَ الهِدايَةُ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ويَهْدِي إلَيْهِ مَن أنابَ﴾ [الرَّعْدِ:٢٧] فَعَمَّمَ، وكَذَلِكَ النَّصْرُ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنا المُرْسَلِينَ﴾ ﴿إنَّهم لَهُمُ المَنصُورُونَ﴾ [الصّافّاتِ: ١٧١، ١٧٢] وأمّا الفَتْحُ فَلَمْ يَكُنْ لِأحَدٍ غَيْرَ النَّبِيِّ ﷺ، فَعَظَّمَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا﴾ وفِيهِ التَّعْظِيمُ مِن وجْهَيْنِ أحَدُهُما: إنّا.
وثانِيهِما: لَكَ أيْ لِأجْلِكَ عَلى وجْهِ المِنَّةِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحࣰا مُّبِینࣰا","لِّیَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكَ وَیَهۡدِیَكَ صِرَ ٰطࣰا مُّسۡتَقِیمࣰا","وَیَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِیزًا"],"ayah":"لِّیَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَیُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَیۡكَ وَیَهۡدِیَكَ صِرَ ٰطࣰا مُّسۡتَقِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق