الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ويُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ﴾ . وكَأنَّ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ حَشْرِهِمْ يَهْدِيهِمْ إلى طَرِيقِ الجَنَّةِ ويُلْبِسُهم في الطَّرِيقِ خُلَعَ الكَرامَةِ، وهو إصْلاحُ البالِ: ﴿ويُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ﴾ فَهو عَلى تَرْتِيبِ الوُقُوعِ. * * * وأمّا قَوْلُهُ: ﴿عَرَّفَها لَهُمْ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ: أحَدُها: هو أنَّ كُلَّ أحَدٍ يَعْرِفُ مَنزِلَتَهُ ومَأْواهُ، حَتّى إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَكُونُونَ أعْرَفَ بِمَنازِلِهِمْ فِيها مِن أهْلِ الجُمُعَةِ يَنْتَشِرُونَ في الأرْضِ كُلُّ أحَدٍ يَأْوِي إلى مَنزِلِهِ، ومِنهم مَن قالَ: المَلَكُ المُوَكَّلُ بِأعْمالِهِ يَهْدِيهِ. الوَجْهُ الثّانِي: ﴿عَرَّفَها لَهُمْ﴾ أيْ طَيَّبَها، يُقالُ: طَعامٌ مُعَرَّفٌ. الوَجْهُ الثّالِثُ: قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَحْتَمِلُ أنْ يُقالَ: ”عَرَّفَها لَهُمْ“ حَدَّدَها مِن عَرَفَ الدّارَ وأرَفَها أيْ حَدَّدَها، وتَحْدِيدُها في قَوْلِهِ: ﴿وجَنَّةٍ عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٣٣] ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ المُرادُ هو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها﴾ [الزُّخْرُفِ: ٧٢] مُشِيرًا إلَيْها مُعَرِّفًا لَهم بِأنَّها هي تِلْكَ، وفِيهِ وجْهٌ آخَرُ وهو أنْ يُقالَ: مَعْناهُ: ﴿عَرَّفَها لَهُمْ﴾ قَبْلَ القَتْلِ فَإنَّ الشَّهِيدَ قَبْلَ وفاتِهِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ مَنزِلَتُهُ في الجَنَّةِ فَيَشْتاقُ إلَيْها ووَجْهٌ ثانٍ: مَعْناهُ: ﴿ويُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ﴾ ولا حاجَةَ إلى وصْفِها فَإنَّهُ تَعالى: ﴿عَرَّفَها لَهُمْ﴾ مِرارًا ووَصَفَها. ووَجْهٌ ثالِثٌ: وهو مِن بابِ تَعْرِيفِ الضّالَّةِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهم بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾ [التَّوْبَةِ: ١١١] فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: مَن يَأْخُذُ الجَنَّةَ ويَطْلُبُها بِمالِهِ أوْ بِنَفْسِهِ فالَّذِي قُتِلَ سَمِعَ التَّعْرِيفَ وبَذَلَ ما طُلِبَ مِنهُ عَلَيْها فَأُدْخِلَها، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ ما عَلى القِتالِ مِنَ الثَّوابِ والأجْرِ وعَدَهم بِالنَّصْرِ في الدُّنْيا زِيادَةً في الحَثِّ لِيَزْدادَ مِنهُمُ الإقْدامُ فَقالَ:: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكم ويُثَبِّتْ أقْدامَكُمْ﴾ . وفي نَصْرِ اللَّهِ تَعالى وُجُوهٌ: الأوَّلُ: إنْ تَنْصُرُوا دِينَ اللَّهِ وطَرِيقَهُ. والثّانِي: إنْ تَنْصُرُوا حِزْبَ اللَّهِ وفَرِيقَهُ. الثّالِثُ: المُرادُ نُصْرَةُ اللَّهِ حَقِيقَةً، فَنَقُولُ النُّصْرَةُ تَحْقِيقُ مَطْلُوبِ أحَدِ المُتَعادِيَيْنِ عِنْدَ الِاجْتِهادِ، والأخْذُ في تَحْقِيقِ عَلامَتِهِ، فالشَّيْطانُ عَدُوُّ اللَّهِ يَجْتَهِدُ في (p-٤٣)تَحْقِيقِ الكُفْرِ وغَلَبَةِ أهْلِ الإيمانِ، واللَّهُ يُطْلَبُ قَمْعَ الكُفْرِ وإهْلاكَ أهْلِهِ وإفْناءَ مَنِ اخْتارَ الإشْراكَ بِجَهْلِهِ، فَمَن حَقَّقَ نُصْرَةَ اللَّهِ حَيْثُ حَقَّقَ مَطْلُوبَهُ لا تَقُولُ: حَقَّقَ مُرادَهُ فَإنَّ مُرادَ اللَّهِ لا يُحَقِّقُهُ غَيْرُهُ، ومَطْلُوبُهُ عِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ غَيْرُ مُرادِهِ، فَإنَّهُ طَلَبَ الإيمانَ مِنَ الكافِرِ ولَمْ يُرِدْهُ وإلّا لَوَقَعَ. ثُمَّ قالَ: (يَنْصُرْكُمُ) فَإنْ قِيلَ: فَعَلامَ قُلْتَ: إذا نَصَرَ المُؤْمِنِينَ اللَّهُ تَعالى، فَقَدْ حَقَّقَ ما طَلَبَهُ، فَكَيْفَ يُحَقِّقُ ما طَلَبَهُ العَبْدُ وهو شَيْءٌ واحِدٌ، فَنَقُولُ: المُؤْمِنُ يَنْصُرُ اللَّهَ بِخُرُوجِهِ إلى القِتالِ وإقْدامِهِ، واللَّهُ يَنْصُرُهُ بِتَقْوِيَتِهِ وتَثْبِيتِ أقْدامِهِ، وإرْسالِ المَلائِكَةِ الحافِظِينَ لَهُ مِن خَلْفِهِ وقُدّامِهِ ثُمَّ قالَ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب