الباحث القرآني

فَقالَ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وهو الحَقُّ مِن رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ وأصْلَحَ بالَهُمْ﴾ . وفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: قَدْ ذَكَرْنا مِرارًا أنَّ اللَّهَ تَعالى كُلَّما ذَكَرَ الإيمانَ والعَمَلَ الصّالِحَ، رَتَّبَ عَلَيْهِما المَغْفِرَةَ والأجْرَ كَما قالَ: ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الحَجِّ: ٥٠] وقالَ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ ولَنَجْزِيَنَّهُمْ﴾ [العَنْكَبُوتِ: ٧٠] وقُلْنا بِأنَّ المَغْفِرَةَ ثَوابُ الإيمانِ والأجْرَ عَلى العَمَلِ الصّالِحِ واسْتَوْفَيْنا البَحْثَ فِيهِ في سُورَةِ العَنْكَبُوتِ فَنَقُولُ هَهُنا جَزاءُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿كَفَّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٢] إشارَةٌ إلى ما يُثِيبُ عَلى الإيمانِ، وقَوْلُهُ: ﴿وأصْلَحَ بالَهُمْ﴾ إشارَةٌ إلى ما يُثِيبُ عَلى العَمَلِ الصّالِحِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: تَكْفِيرُ السَّيِّئاتِ مُرَتَّبٌ عَلى الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ فَمَن آمَنَ ولَمْ يَفْعَلِ الصّالِحاتِ يَبْقى في العَذابِ خالِدًا، فَنَقُولُ: لَوْ كانَ كَما ذَكَرْتُمْ لَكانَ الإضْلالُ مُرَتَّبًا عَلى الكُفْرِ والصَّدِّ، فَمَن يَكْفُرُ لا يَنْبَغِي أنْ تُضَلَّ أعْمالُهُ، أوْ نَقُولُ: قَدْ ذَكَرْنا أنَّ اللَّهَ رَتَّبَ أمْرَيْنِ عَلى أمْرَيْنِ فَمَن آمَنَ كَفَّرَ سَيِّئاتِهِ، ومَن عَمِلَ صالَحًا أصْلَحَ بالَهُ أوْ نَقُولُ: أيُّ مُؤْمِنٍ يَتَصَوَّرُ أنَّهُ غَيْرُ آتٍ بِالصّالِحاتِ بِحَيْثُ لا يَصْدُرُ عَنْهُ صَلاةٌ ولا صِيامٌ ولا صَدَقَةٌ ولا إطْعامٌ، وعَلى هَذا فَقَوْلُهُ: (وعَمِلُوا) عَطْفُ المُسَبِّبِ عَلى السَّبَبِ، كَما قُلْنا في قَوْلِ القائِلِ: أكَلْتُ كَثِيرًا وشَبِعْتُ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ﴾ مَعَ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ أفادَ هَذا المَعْنى فَما الحِكْمَةُ فِيهِ وكَيْفَ وجْهُهُ؟ فَنَقُولُ: أمّا وجْهُهُ فَبَيانُهُ مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: بِاللَّهِ ورَسُولِهِ واليَوْمِ الآخِرِ، وقَوْلُهُ: ﴿وآمَنُوا بِما نُزِّلَ﴾ أيْ بِجَمِيعِ الأشْياءِ الوارِدَةِ في كَلامِ اللَّهِ ورَسُولِهِ، تَعْمِيمٌ بَعْدَ أُمُورٍ خاصَّةٍ وهو حَسَنٌ، تَقُولُ: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ وكُلَّ شَيْءٍ، إمّا عَلى مَعْنى وكُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ ما ذَكَرْنا وإمّا عَلى العُمُومِ بَعْدَ ذِكْرِ الخُصُوصِ. الثّانِي: أنْ يَكُونَ المَعْنى آمَنُوا وآمَنُوا مِن قَبْلُ بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وهو الحَقُّ المُعْجِزُ الفارِقُ بَيْنَ الكاذِبِ والصّادِقِ يَعْنِي: آمَنُوا أوَّلًا بِالمُعْجِزِ وأيْقَنُوا بِأنَّ القُرْآنَ لا يَأْتِي بِهِ غَيْرُ اللَّهِ، فَآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ. والواوُ لِلْجَمْعِ المُطْلَقِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُتَأخِّرُ ذِكْرًا مُتَقَدِّمًا وُقُوعًا، وهَذا كَقَوْلِ القائِلِ آمَنَ بِهِ، وكانَ الإيمانُ بِهِ واجِبًا، أوْ يَكُونُ بَيانًا لِإيمانِهِمْ كَأنَّهم ﴿وآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ﴾ أيْ آمَنُوا وآمَنُوا بِالحَقِّ كَما يَقُولُ القائِلُ: خَرَجْتُ وخَرَجْتُ مُصِيبًا أيْ وكانَ خُرُوجِي جَيِّدًا حَيْثُ نَجَوْتُ مِن كَذا ورَبِحْتُ كَذا، فَكَذَلِكَ لَمّا قالَ: آمَنُوا بَيَّنَ أنَّ إيمانَهم كانَ بِما أمَرَ اللَّهُ وأنْزَلَ اللَّهُ لا بِما كانَ باطِلًا مِن عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ. الثّالِثُ: ما قالَهُ أهْلُ المَعْرِفَةِ، وهو أنَّ العِلْمَ العَمَلُ والعَمَلَ العِلْمُ، فالعِلْمُ يَحْصُلُ لِيُعْمَلَ بِهِ لِما جاءَ: إذا عَمِلَ العالِمُ العَمَلَ الصّالِحَ عَلِمَ ما لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، فَيَعْلَمُ الإنْسانُ مَثَلًا قُدْرَةَ اللَّهِ بِالدَّلِيلِ وعِلْمَهُ وأمْرَهُ فَيَحْمِلُهُ الأمْرُ عَلى (p-٣٥)الفِعْلِ ويَحُثُّهُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ، فَعِلْمُهُ بِحالِهِ، وقُدْرَتُهُ عَلى ثَوابِهِ وعِقابِهِ، فَإذا أتى بِالعَمَلِ الصّالِحِ عَلِمَ مِن أنْواعِ مَقْدُوراتِ اللَّهِ ومَعْلُوماتِ اللَّهِ تَعالى ما لَمْ يَعْلَمْهُ أحَدٌ إلّا بِإطْلاعِ اللَّهِ عَلَيْهِ وبِكَشْفِهِ ذَلِكَ لَهُ فَيُؤْمِنُ، وهَذا هو المَعْنِيُّ في قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ السَّكِينَةَ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إيمانًا مَعَ إيمانِهِمْ﴾ [الفَتْحِ: ٤] فَإذا آمَنَ المُكَلَّفُ بِمُحَمَّدٍ بِالبُرْهانِ وبِالمُعْجِزَةِ وعَمِلَ صالِحًا حَمَلَهُ عِلْمُهُ عَلى أنْ يُؤْمِنَ بِكُلِّ ما قالَهُ مُحَمَّدٌ ولَمْ يَجِدْ في نَفْسِهِ شَكًّا، ولِلْمُؤْمِنِ في المَرْتَبَةِ الأُولى أحْوالٌ وفي المَرْتَبَةِ الأخِيرَةِ أحْوالٌ، أمّا في الإيمانِ بِاللَّهِ فَفي الأوَّلِ يَجْعَلُ اللَّهَ مَعْبُودًا، وقَدْ يَقْصِدُ غَيْرَهُ في حَوائِجِهِ فَيَطْلُبُ الرِّزْقَ مِن زَيْدٍ وعَمْرٍو ويَجْعَلُ أمْرًا سَبَبًا لِأمْرٍ، وفي الأخِيرَةِ يَجْعَلُ اللَّهَ مَقْصُودًا ولا يَقْصِدُ غَيْرَهُ، ولا يَرى إلّا مِنهُ سِرَّهُ وجَهْرَهُ، فَلا يُنِيبُ إلى شَيْءٍ في شَيْءٍ، فَهَذا هو الإيمانُ الآخِرُ بِاللَّهِ وذَلِكَ الإيمانُ الأوَّلُ. وأمّا في النَّبِيِّ ﷺ فَيَقُولُ أوَّلًا: هو صادِقٌ فِيما يَنْطِقُ، ويَقُولُ آخِرًا: لا نُطْقَ لَهُ إلّا بِاللَّهِ، ولا كَلامَ يُسْمَعُ مِنهُ إلّا وهو مِنَ اللَّهِ، فَهو في الأوَّلِ يَقُولُ بِالصِّدْقِ ووُقُوعِهِ مِنهُ، وفي الثّانِي يَقُولُ بِعَدَمِ إمْكانِ الكَذِبِ مِنهُ؛ لِأنَّ حاكِيَ كَلامِ الغَيْرِ لا يُنْسَبُ إلَيْهِ الكَذِبُ ولا يُمْكِنُ إلّا في نَفْسِ الحِكايَةِ، وقَدْ عَلِمَ هو أنَّهُ حاكٍ عَنْهُ كَما قالَهُ، وأمّا في المَرْتَبَةِ الأُولى فَيَجْعَلُ الحَشْرَ مُسْتَقْبَلًا والحَياةَ العاجِلَةَ حالًا، وفي المَرْتَبَةِ الأخِيرَةِ يَجْعَلُ الحَشْرَ حالًا والحَياةَ الدُّنْيا ماضِيًا، فَيُقَسِّمُ حَياةَ نَفْسِهِ في كُلِّ لَحْظَةٍ، ويَجْعَلُ الدُّنْيا كُلَّها عَدَمًا لا يَلْتَفِتُ إلَيْها ولا يُقْبِلُ عَلَيْها. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ﴾ هو في مُقابَلَةِ قَوْلِهِ في حَقِّ الكُفّارِ: ﴿وصَدُّوا﴾ لِأنّا بَيَّنّا في وجْهٍ أنَّ المُرادَ بِهِمْ صَدُّوا عَنِ اتِّباعِ مُحَمَّدٍ ﷺ وهَذا حَثٌّ عَلى اتِّباعِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَهم صَدُّوا أنْفُسَهم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وهو مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلامُ وما أُنْزِلَ عَلَيْهِ، وهَؤُلاءِ حَثُّوا أنْفُسَهم عَلى اتِّباعِ سَبِيلِهِ، لا جَرَمَ حَصَلَ لِهَؤُلاءِ ضِدُّ ما حَصَلَ لِأُولَئِكَ، فَأضَلَّ اللَّهُ حَسَناتِ أُولَئِكَ وسَتَرَ عَلى سَيِّئاتِ هَؤُلاءِ. المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهُوَ الحَقُّ مِن رَبِّهِمْ﴾ هَلْ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِن رَبِّهِمْ وصْفًا فارِقًا، كَما يُقالُ: رَأيْتُ رَجُلًا مِن بَغْدادَ، فَيَصِيرُ وصْفًا لِلرَّجُلِ فارِقًا بَيْنَهُ وبَيْنَ مَن يَكُونُ مِنَ المَوْصِلِ وغَيْرِهِ؟ نَقُولُ: لا؛ لِأنَّ كُلَّ ما كانَ مِنَ اللَّهِ فَهو الحَقُّ، فَلَيْسَ هَذا هو الحَقُّ مِن رَبِّهِمْ، بَلْ قَوْلُهُ: (مِن رَبِّهِمْ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، كَأنَّهُ قالَ: وهو الحَقُّ وهو مِن رَبِّهِمْ، أوْ إنْ كانَ وصْفًا فارِقًا فَهو عَلى مَعْنى أنَّهُ الحَقُّ النّازِلُ مِن رَبِّهِمْ؛ لِأنَّ الحَقَّ قَدْ يَكُونُ مُشاهَدًا، فَإنَّ كَوْنَ الشَّمْسِ مُضِيئَةً حَقٌّ وهو لَيْسَ نازِلٌ مِنَ الرَّبِّ، بَلْ هو عِلْمٌ حاصِلٌ بِطَرِيقٍ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى لَنا. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿كَفَّرَ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ وأصْلَحَ بالَهُمْ﴾ أيْ سَتَرَها، وفِيهِ إشارَةٌ إلى بِشارَةٍ ما كانَتْ تَحْصُلُ بِقَوْلِهِ أعْدَمَها ومَحاها؛ لِأنَّ مَحْوَ الشَّيْءِ لا يُنْبِئُ عَنْ إثْباتِ أمْرٍ آخَرَ مَكانَهُ، وأمّا السَّتْرُ فَيُنْبِئُ عَنْهُ، وذَلِكَ لِأنَّ مَن يُرِيدُ سَتْرَ ثَوْبٍ بالٍ أوْ وسِخٍ لا يَسْتُرُهُ بِمِثْلِهِ، وإنَّما يَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ نَفِيسٍ نَظِيفٍ، ولا سِيَّما المَلِكُ الجَوّادُ إذا سَتَرَ عَلى عَبْدٍ مِن عَبِيدِهِ ثَوْبَهُ البالِيَ أمَرَ بِإحْضارِ ثَوْبٍ مِنَ الجِنْسِ العالِي لا يَحْصُلُ إلّا بِالثَّمَنِ الغالِي، فَلَيْسَ هَذا هو السَّتْرُ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَحْبُوبِينَ، وكَذَلِكَ المَغْفِرَةُ، فَإنَّ المَغْفِرَةَ والتَّكْفِيرَ مِن بابٍ واحِدٍ في المَعْنى، وهَذا هو المَذْكُورُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ﴾ [الفُرْقانِ: ٧٠] وقَوْلُهُ: ﴿وأصْلَحَ بالَهُمْ﴾ إشارَةٌ إلى ما ذَكَرْنا مِن أنَّهُ يُبْدِلُها حَسَنَةً، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ تُبَدَّلُ السَّيِّئَةُ حَسَنَةً؟ نَقُولُ: مَعْناهُ أنَّهُ يَجْزِيهِ بَعْدَ سَيِّئاتِهِ ما يَجْزِي المُحْسِنَ عَلى إحْسانِهِ، فَإنْ قالَ: الإشْكالُ باقٍ وبادٍ، وما زالَ بَلْ زادَ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى لَوْ أثابَ عَلى (p-٣٦)السَّيِّئَةِ كَما يُثِيبُ عَنِ الحَسَنَةِ، لَكانَ ذَلِكَ حَثًّا عَلى السَّيِّئَةِ، نَقُولُ: ما قُلْنا إنَّهُ يُثِيبُ عَلى السَّيِّئَةِ وإنَّما قُلْنا: إنَّهُ يُثِيبُ بَعْدَ السَّيِّئَةِ بِما يُثِيبُ عَلى الحَسَنَةِ، وذَلِكَ حَيْثُ يَأْتِي المُؤْمِنُ بِسَيِّئَةٍ، ثُمَّ يَتَنَبَّهُ ويَنْدَمُ ويَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ مُعْتَرِفًا بِذَنْبِهِ مُسْتَحْقِرًا لِنَفْسِهِ، فَيَصِيرُ أقْرَبَ إلى الرَّحْمَةِ مِنَ الَّذِي لَمْ يُذْنِبْ، ودَخَلَ عَلى رَبِّهِ مُفْتَخِرًا في نَفْسِهِ، فَصارَ الذَّنْبُ شَرْطًا لِلنَّدَمِ، والثَّوابُ لَيْسَ عَلى السَّيِّئَةِ، وإنَّما هو عَلى النَّدَمِ، وكَأنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: عَبْدِي أذْنَبَ ورَجَعَ إلَيَّ، فَفِعْلُهُ شَيْءٌ لَكِنَّ ظَنَّهُ بِي حَسَنٌ، حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مَلْجَأً غَيْرِي فاتَّكَلَ عَلى فَضْلِي، والظَّنُّ عَمَلُ القَلْبِ، والفِعْلُ عَمَلُ البَدَنِ، واعْتِبارُ عَمَلِ القَلْبِ أوْلى، ألا تَرى أنَّ النّائِمَ والمُغْمى عَلَيْهِ لا يُلْتَفَتُ إلى عَمَلِ بَدَنِهِ، والمَفْلُوجُ الَّذِي لا حَرَكَةَ لَهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُ قَلْبِهِ، ومِثالُ الرُّوحِ والبَدَنِ راكِبُ دابَّةٍ يَرْكُضُ فَرَسُهُ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكٍ يَدْفَعُ عَنْهُ العَدُوَّ بِسَيْفِهِ وسِنانِهِ، والفَرَسُ يُلَطِّخُ ثَوْبَ المَلِكِ بِرَكْضِهِ في اسْتِنانِهِ، فَهَلْ يُلْتَفَتُ إلى فِعْلِ الدّابَّةِ مَعَ فِعْلِ الفارِسِ، بَلْ لَوْ كانَ الرّاكِبُ فارِغًا، الفَرَسُ يُؤْذِي بِالتَّلْوِيثِ يُخاطِبُ الفارِسَ بِهِ، فَكَذَلِكَ الرُّوحُ راكِبٌ والبَدَنُ مَرْكُوبٌ، فَإنْ كانَتِ الرُّوحُ مَشْغُولَةً بِعِبادَةِ اللَّهِ وذِكْرِهِ، ويَصْدُرُ مِنَ البَدَنِ شَيْءٌ لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، بَلْ يُسْتَحْسَنُ مِنهُ ذَلِكَ ويُزادُ في تَرْبِيَةِ الفَرَسِ الرّاكِضِ ويُهْجَرُ الفَرَسُ الواقِفُ، وإنْ كانَ غَيْرَ مَشْغُولٍ فَهو مُؤاخَذٌ بِأفْعالِ البَدَنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب