الباحث القرآني
: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلّا السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهم بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أشْراطُها﴾ .
يَعْنِي: الكافِرُونَ والمُنافِقُونَ لا يَنْظُرُونَ إلّا السّاعَةَ، وذَلِكَ لِأنَّ البَراهِينَ قَدْ صَحَّتْ والأُمُورَ قَدِ اتَّضَحَتْ وهم لَمْ يُؤْمِنُوا فَلا يُتَوَقَّعُ مِنهُمُ الإيمانُ إلّا عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ وهو مِن قَبِيلِ بَدَلِ الِاشْتِمالِ عَلى تَقْدِيرِ لا يَنْظُرُونَ (p-٥٣)إلّا السّاعَةَ إتْيانُها بَغْتَةً، وقُرِئَ: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلّا السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهُمْ﴾ عَلى الشَّرْطِ، وجَزاؤُهُ لا يَنْفَعُهم ذِكْراهم، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأنّى لَهم إذا جاءَتْهم ذِكْراهُمْ﴾، وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ القِيامَةَ سُمِّيَتْ بِالسّاعَةِ لِساعَةِ الأُمُورِ الواقِعَةِ فِيها مِنَ البَعْثِ والحَشْرِ والحِسابِ.
وقَوْلُهُ: ﴿فَقَدْ جاءَ أشْراطُها﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ أحَدُهُما: لِبَيانِ غايَةِ عِنادِهِمْ وتَحْقِيقُهُ هو أنَّ الدَّلائِلَ لَمّا ظَهَرَتْ ولَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يَبْقَ إلّا إيمانُ اليَأْسِ وهو عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ لَكِنَّ أشْراطَها بانَتْ فَكانَ يَنْبَغِي أنْ يُؤْمِنُوا ولَمْ يُؤْمِنُوا فَهم في لُجَّةِ الفَسادِ وغايَةِ العِنادِ. ثانِيهِما: يَكُونُ لِتَسْلِيَةِ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ كَأنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ﴾ فُهِمَ مِنهُ تَعْذِيبُهم، والسّاعَةُ عِنْدَ العَوامِّ مُسْتَبْطَأةٌ فَكَأنَّ قائِلًا قالَ: مَتى السّاعَةُ ؟ فَقَدْ جاءَ أشْراطُها، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ﴾ [القَمَرِ: ١] والأشْراطُ العَلاماتُ، قالَ المُفَسِّرُونَ: هي مِثْلُ انْشِقاقِ القَمَرِ ورِسالَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: مَعْنى الأشْراطِ البَيِّناتُ المُوَضِّحَةُ لِجَوازِ الحَشْرِ، مِثْلُ خَلْقِ الإنْسانِ ابْتِداءً وخَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿أوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِقادِرٍ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ [يس: ٨١] والأوَّلُ هو التَّفْسِيرُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَأنّى لَهم إذا جاءَتْهم ذِكْراهُمْ﴾ يَعْنِي لا تَنْفَعُهُمُ الذِّكْرى إذْ لا تُقْبَلُ التَّوْبَةُ ولا يُحْسَبُ الإيمانُ، والمُرادُ فَكَيْفَ لَهُمُ الحالُ إذا جاءَتْهم ذِكْراهم، ومَعْنى ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ هو قَوْلَهُ تَعالى: ﴿هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [الأنْبِياءِ: ١٠٣]: ﴿هَذا يَوْمُ الفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [الصّافّاتِ: ٢١] فَيُذَكَّرُونَ بِهِ لِلتَّحَسُّرِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكم يَتْلُونَ عَلَيْكم آياتِ رَبِّكم ويُنْذِرُونَكم لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ [الزُّمَرِ: ٧١] .
: ﴿فاعْلَمْ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ واللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكم ومَثْواكُمْ﴾ ولِبَيانِ المُناسَبَةِ وُجُوهٌ
الأوَّلُ: هو أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿فَقَدْ جاءَ أشْراطُها﴾ قالَ: ﴿فاعْلَمْ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ﴾ يَأْتِي بِالسّاعَةِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿أزِفَتِ الآزِفَةُ﴾ ﴿لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ﴾ [النَّجْمِ: ٥٧] .
وثانِيها: ﴿فَقَدْ جاءَ أشْراطُها﴾ وهي آتِيَةٌ فَكَأنَّ قائِلًا قالَ: مَتى هَذا ؟ فَقالَ: ﴿فاعْلَمْ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ﴾ فَلا تَشْتَغِلْ بِهِ واشْتَغِلْ بِما عَلَيْكَ مِنَ الِاسْتِغْفارِ، وكُنْ في أيِّ وقْتٍ مُسْتَعِدًّا لِلِقائِها ويُناسِبُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ .
الثّالِثُ: ﴿فاعْلَمْ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ﴾ يَنْفَعُكَ، فَإنْ قِيلَ: النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ عالِمًا بِذَلِكَ فَما مَعْنى الأمْرِ، نَقُولُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: فاثْبُتْ عَلى ما أنْتَ عَلَيْهِ مِنَ العِلْمِ كَقَوْلِ القائِلِ لِجالِسٍ يُرِيدُ القِيامَ: اجْلِسْ أيْ لا تَقُمْ.
ثانِيهِما: الخِطابُ مَعَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والمُرادُ قَوْمُهُ والضَّمِيرُ في أنَّهُ لِلشَّأْنِ، وتَقْدِيرُ هَذا: هو أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا دَعا القَوْمَ إلى الإيمانِ ولَمْ يُؤْمِنُوا ولَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يَحْمِلُهم عَلى الإيمانِ إلّا ظُهُورُ الأمْرِ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ، وكانَ ذَلِكَ مِمّا يُحْزِنُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَلّى قَلْبَهُ وقالَ: أنْتَ كامِلٌ في نَفْسِكَ مُكَمِّلٌ لِغَيْرِكَ فَإنْ لَمْ يَكْمُلْ بِكَ قَوْمٌ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ تَعالى بِهِمْ خَيْرًا فَأنْتَ في نَفْسِكَ عامِلٌ بِعِلْمِكَ، وعِلْمُكَ حَيْثُ تَعْلَمُ أنَّ اللَّهَ واحِدٌ وتَسْتَغْفِرُ، وأنْتَ بِحَمْدِ اللَّهِ مُكَمِّلٌ تُكَمِّلُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ وأنْتَ تَسْتَغْفِرُ لَهم، فَقَدْ حَصَلَ لَكَ الوَصْفانِ، فاثْبُتْ عَلى ما أنْتَ عَلَيْهِ، ولا يُحْزِنْكَ كُفْرُهم، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ الخِطابُ مَعَهُ، والمُرادُ المُؤْمِنُونَ وهو بَعِيدٌ لِإفْرادِ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ بِالذِّكْرِ. وقالَ بَعْضُ النّاسِ: (لِذَنْبِكَ) أيْ لِذَنْبِ أهْلِ بَيْتِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ أيِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنكَ بِأهْلِ بَيْتٍ.
(p-٥٤)وثانِيهِما: المُرادُ هو النَّبِيُّ والذَّنْبُ هو تَرْكُ الأفْضَلِ الَّذِي هو بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ذَنْبٌ وحاشاهُ مِن ذَلِكَ.
وثالِثُها: وجْهٌ حَسَنٌ مُسْتَنْبَطٌ وهو أنَّ المُرادَ تَوْفِيقُ العَمَلِ الحَسَنِ واجْتِنابُ العَمَلِ السَّيِّئِ، ووَجْهُهُ أنَّ الِاسْتِغْفارَ طَلَبُ الغُفْرانِ، والغُفْرانُ هو السَّتْرُ عَلى القَبِيحِ، ومَن عُصِمَ فَقَدْ سُتِرَ عَلَيْهِ قَبائِحُ الهَوى، ومَعْنى طَلَبِ الغُفْرانِ أنْ لا تَفْضَحَنا وذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِالعِصْمَةِ مِنهُ فَلا يَقَعُ فِيهِ كَما كانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وقَدْ يَكُونُ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ الوُجُودِ كَما هو في حَقِّ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ، وفي هَذِهِ الآيَةِ لَطِيفَةٌ وهي أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَهُ أحْوالٌ ثَلاثَةٌ: حالٌ مَعَ اللَّهِ، وحالٌ مَعَ نَفْسِهِ، وحالٌ مَعَ غَيْرِهِ، فَأمّا مَعَ اللَّهِ وحْدَهُ، وأمّا مَعَ نَفْسِكَ فاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ واطْلُبِ العِصْمَةَ مِنَ اللَّهِ، وأمّا مَعَ المُؤْمِنِينَ فاسْتَغْفِرْ لَهم واطْلُبِ الغُفْرانَ لَهم مِنَ اللَّهِ: ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكم ومَثْواكُمْ﴾ يَعْنِي حالَكم في الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ وحالَكم في اللَّيْلِ والنَّهارِ.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِیَهُم بَغۡتَةࣰۖ فَقَدۡ جَاۤءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ","فَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِۗ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ مُتَقَلَّبَكُمۡ وَمَثۡوَىٰكُمۡ"],"ayah":"فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِیَهُم بَغۡتَةࣰۖ فَقَدۡ جَاۤءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَاۤءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











