الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ ولَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أنْ يُحْيِيَ المَوْتى بَلى إنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿ويَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلى النّارِ ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ قالُوا بَلى ورَبِّنا قالَ فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ . وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ في أوَّلِ السُّورَةِ ما يَدُلُّ عَلى وُجُودِ الإلَهِ القادِرِ الحَكِيمِ المُخْتارِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ فَرْعَيْنَ: الأوَّلُ: إبْطالُ قَوْلِ عَبَدَةِ الأصْنامِ. والثّانِي: إثْباتُ النُّبُوَّةِ، وذَكَرَ شُبُهاتِهِمْ في الطَّعْنِ في النُّبُوَّةِ وأجابَ عَنْها، ولَمّا كانَ أكْثَرُ إعْراضِ كَفّارِ مَكَّةَ عَنْ قَبُولِ الدَّلائِلِ بِسَبَبِ اغْتِرارِهِمْ بِالدُّنْيا واسْتِغْراقِهِمْ في اسْتِيفاءِ طَيِّباتِهِمْ وشَهَواتِها، وبِسَبَبِ أنَّهُ كانَ يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ الِانْقِيادُ لِمُحَمَّدٍ والِاعْتِرافُ بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ ضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا وهم قَوْمُ عادٍ فَإنَّهم كانُوا أكْمَلَ في مَنافِعِ الدُّنْيا مِن قَوْمِ مُحَمَّدٍ فَلَمّا أصَرُّوا عَلى الكُفْرِ أبادَهُمُ اللَّهُ وأهْلَكَهم، (p-٣٠)فَكانَ ذَلِكَ تَخْوِيفًا لِأهْلِ مَكَّةَ بِإصْرارِهِمْ عَلى إنْكارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامِ، ثُمَّ لَمّا قَرَّرَ نُبُوَّتَهُ عَلى الإنْسِ أرْدَفَهُ بِإثْباتِ نُبُوَّتِهِ في الجِنِّ، وإلى هَهُنا قَدْ تَمَّ الكَلامُ في التَّوْحِيدِ وفي النُّبُوَّةِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُما تَقْرِيرَ مَسْألَةِ المَعادِ ومَن تَأمَّلَ في هَذا البَيانِ الَّذِي ذَكَرْناهُ عَلِمَ أنَّ المَقْصُودَ مَن كُلِّ القُرْآنِ تَقْرِيرُ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والمَعادِ، وأمّا القِصَصُ فالمُرادُ مِن ذِكْرِها ما يَجْرِي مَجْرى ضَرْبِ الأمْثالِ في تَقْرِيرِ هَذِهِ الأُصُولِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المَقْصُودُ مِن هَذِهِ الآيَةِ إقامَةُ الدَّلالَةِ عَلى كَوْنِهِ تَعالى قادِرًا عَلى البَعْثِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّهُ تَعالى أقامَ الدَّلائِلَ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ عَلى أنَّهُ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ ولا شَكَّ أنَّ خَلْقَها أعْظَمُ وأفْخَمُ مِن إعادَةِ هَذا الشَّخْصِ حَيًّا بَعْدَ أنْ صارَ مَيِّتًا، والقادِرُ عَلى الأقْوى والأكْمَلِ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ قادِرًا عَلى الأقَلِّ والأضْعَفِ، ثُمَّ خَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ والمَقْصُودُ مِنهُ أنَّ تَعَلُّقَ الرُّوحِ بِالجَسَدِ أمْرٌ مُمْكِنٌ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا في نَفْسِهِ لَما وقَعَ أوَّلًا، واللَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى كُلِّ المُمْكِناتِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ قادِرًا عَلى تِلْكَ الإعادَةِ، وهَذِهِ الدَّلائِلُ يَقِينِيَّةٌ ظاهِرَةٌ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِقادِرٍ﴾ إدْخالُهُ الباءَ عَلى خَبَرِ إنَّ، وإنَّما جازَ ذَلِكَ لِدُخُولِ حَرْفِ النَّفْيِ عَلى أنْ وما يَتَعَلَّقُ بِها، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ألَيْسَ اللَّهُ بِقادِرٍ، قالَ الزَّجّاجُ: لَوْ قُلْتَ ما ظَنَنْتُ أنَّ زَيْدًا بِقائِمٍ جازَ، ولا يَجُوزُ ظَنَنْتُ أنَّ زَيْدًا بِقائِمٍ، واللَّهُ أعْلَمُ. المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: يُقالُ: عَيِيتُ بِالأمْرِ إذا لَمْ تَعْرِفْ وجْهَهُ ومِنهُ: ﴿أفَعَيِينا بِالخَلْقِ الأوَّلِ﴾ [ق: ١٥] . واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا أقامَ الدَّلالَةَ عَلى صِحَّةِ القَوْلِ بِالحَشْرِ والنَّشْرِ ذَكَرَ بَعْضَ أحْوالِ الكُفّارِ فَقالَ: ﴿ويَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلى النّارِ ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ قالُوا بَلى ورَبِّنا قالَ فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ فَقَوْلُهُ: ﴿ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ﴾ التَّقْدِيرُ: ”يُقالُ لَهم ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ“ والمَقْصُودُ التَّهَكُّمُ بِهِمْ والتَّوْبِيخُ عَلى اسْتِهْزائِهِمْ بِوَعْدِ اللَّهِ ووَعِيدِهِ، وقَوْلِهِمْ: ﴿وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [الشُّعَراءِ: ١٣٨] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب