الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى ﴿ولَمّا جاءَ عِيسى بِالبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكم بِالحِكْمَةِ ولِأُبَيِّنَ لَكم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فاتَّقُوا اللَّهَ وأطِيعُونِ﴾ ﴿إنَّ اللَّهَ هو رَبِّي ورَبُّكم فاعْبُدُوهُ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ ﴿فاخْتَلَفَ الأحْزابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِن عَذابِ يَوْمٍ ألِيمٍ﴾ ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهم بَغْتَةً وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أنَّهُ لَمّا جاءَ عِيسى بِالمُعْجِزاتِ وبِالشَّرائِعِ البَيِّناتِ الواضِحاتِ ﴿قالَ قَدْ جِئْتُكم بِالحِكْمَةِ﴾ وهي مَعْرِفَةُ ذاتِ اللَّهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ ﴿ولِأُبَيِّنَ لَكم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ يَعْنِي أنَّ قَوْمَ مُوسى كانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا في أشْياءَ مِن أحْكامِ التَّكالِيفِ واتَّفَقُوا عَلى أشْياءَ، فَجاءَ عِيسى لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الحَقَّ في تِلْكَ المَسائِلِ الخِلافِيَّةِ، وبِالجُمْلَةِ: فالحِكْمَةُ مَعْناها أُصُولُ الدِّينِ، وبَعْضُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مَعْناهُ فُرُوعُ الدِّينِ، فَإنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهم كُلَّ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ؟ قُلْنا: لِأنَّ النّاسَ قَدْ يَخْتَلِفُونَ في أشْياءَ لا حاجَةَ بِهِمْ إلى مَعْرِفَتِها، فَلا يَجِبُ عَلى الرَّسُولِ بَيانُها، ولَمّا بَيَّنَ الأُصُولَ والفُرُوعَ قالَ: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في الكُفْرِ بِهِ والإعْراضِ عَنْ دِينِهِ ﴿وأطِيعُونِ﴾ فِيما أُبَلِّغُهُ إلَيْكم مِنَ التَّكالِيفِ ﴿إنَّ اللَّهَ هو رَبِّي ورَبُّكم فاعْبُدُوهُ هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ والمَعْنى ظاهِرٌ ﴿فاخْتَلَفَ الأحْزابُ﴾ أيِ الفِرَقُ المُتَحَزِّبَةُ بَعْدَ عِيسى، وهُمُ المَلَكانِيَّةُ واليَعْقُوبِيَّةُ والنُّسْطُورِيَّةُ، وقِيلَ: اليَهُودُ والنَّصارى ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِن عَذابِ يَوْمٍ ألِيمٍ﴾ وهو وعِيدٌ بِيَوْمِ الأحْزابِ، فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ ﴿مِن بَيْنِهِمْ﴾ الضَّمِيرُ فِيهِ إلى مَن يَرْجِعُ ؟ قُلْنا: إلى الَّذِينَ خاطَبَهم عِيسى في قَوْلِهِ ﴿قَدْ جِئْتُكم بِالحِكْمَةِ﴾ وهم قَوْمُهُ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا السّاعَةَ أنْ تَأْتِيَهم بَغْتَةً﴾ فَقَوْلُهُ ”أنْ تَأْتِيَهم“ بَدَلٌ مِنَ السّاعَةِ، والمَعْنى: هَلْ يَنْظُرُونَ (p-١٩٢)إلّا إتْيانَ السّاعَةِ. فَإنْ قالُوا: قَوْلُهُ ﴿بَغْتَةً﴾ يُفِيدُ عَيْنَ ما يُفِيدُهُ قَوْلُهُ ﴿وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ فَما الفائِدَةُ فِيهِ ؟ قُلْنا: يَجُوزُ أنْ تَأْتِيَهم بَغْتَةً، وهم يَعْرِفُونَهُ بِسَبَبِ أنَّهم يُشاهِدُونَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب