الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَن عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ إنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ ﴿ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِن سَبِيلٍ﴾ ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ ويَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿ولَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن ولِيٍّ مِن بَعْدِهِ وتَرى الظّالِمِينَ لَمّا رَأوُا العَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِن سَبِيلٍ﴾ ﴿وتَراهم يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ الخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ ألا إنَّ الظّالِمِينَ في عَذابٍ مُقِيمٍ﴾ ﴿وما كانَ لَهم مِن أوْلِياءَ يَنْصُرُونَهم مِن دُونِ اللَّهِ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن سَبِيلٍ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿والَّذِينَ إذا أصابَهُمُ البَغْيُ هم يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشُّورى: ٣٩] - أرْدَفَهُ بِما يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ الِانْتِصارَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِالمِثْلِ، فَإنَّ النُّقْصانَ حَيْفٌ والزِّيادَةَ ظُلْمٌ والتَّساوِيَ هو العَدْلُ، وبِهِ قامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ، فَلِهَذا السَّبَبِ قالَ: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ جَزاءُ السَّيِّئَةِ مَشْرُوعٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، فَكَيْفَ سُمِّيَ بِالسَّيِّئَةِ ؟ أجابَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ عَنْهُ: كِلْتا الفِعْلَتَيْنِ، الأُولى وجَزاؤُها - سَيِّئَةٌ؛ لِأنَّها تَسُوءُ مَن تَنْزِلُ بِهِ، قالَ تَعالى: ﴿وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِنْدِكَ﴾ [النِّساءِ: ٧٨] يُرِيدُ ما يَسُوءُهم مِنَ المَصائِبِ والبَلايا، وأجابَ غَيْرُهُ بِأنَّهُ لَمّا جَعَلَ أحَدَهُما في مُقابَلَةِ الآخَرِ عَلى سَبِيلِ المَجازِ أُطْلِقَ اسْمُ أحَدِهِما عَلى الآخَرِ، والحَقُّ ما ذَكَرَهُ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ .
والمَسْألَةُ الثّانِيَةُ: هَذِهِ الآيَةُ أصْلٌ كَبِيرٌ في عِلْمِ الفِقْهِ، فَإنَّ مُقْتَضاها أنْ تُقابَلَ كُلُّ جِنايَةٍ بِمِثْلِها وذَلِكَ لِأنَّ الإهْدارَ يُوجِبُ فَتْحَ بابِ الشَّرِّ والعُدْوانِ، لِأنَّ في طَبْعِ كُلِّ أحَدٍ الظُّلْمَ والبَغْيَ والعُدْوانَ، فَإذا لَمْ يُزْجَرْ عَنْهُ أقْدَمَ عَلَيْهِ ولَمْ يَتْرُكْهُ، وأمّا الزِّيادَةُ عَلى قَدْرِ الذَّنْبِ فَهو ظُلْمٌ، والشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنْ يُقابَلَ بِالمِثْلِ، ثُمَّ تَأكَّدَ هَذا النَّصُّ بِنُصُوصٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النَّحْلِ: ١٢٦] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إلّا مِثْلَها﴾ [غافِرٍ: ٤٠] وقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصاصُ في القَتْلى﴾ [البَقَرَةِ: ١٧٨] والقِصاصُ عِبارَةٌ عَنِ المُساواةِ والمُماثَلَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ [المائِدَةِ: ٤٥] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ [البَقَرَةِ: ١٧٩] فَهَذِهِ النُّصُوصُ بِأسْرِها تَقْتَضِي مُقابَلَةَ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ. ثُمَّ هَهُنا دَقِيقَةٌ: وهي أنَّهُ إذا لَمْ يُمْكِنِ اسْتِيفاءُ الحَقِّ إلّا بِاسْتِيفاءِ الزِّيادَةِ فَهَهُنا وقَعَ التَّعارُضُ بَيْنَ إلْحاقِ زِيادَةِ الضَّرَرِ بِالجانِي وبَيْنَ مَنعِ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنِ اسْتِيفاءِ حَقِّهِ، فَأيُّهُما أوْلى ؟ فَهَهُنا مَحَلُّ اجْتِهادِ المُجْتَهِدِينَ، ويَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلافِ الصُّوَرِ، وتَفَرَّعَ عَلى هَذا الأصْلِ بَعْضُ المَسائِلِ تَنْبِيهًا عَلى الباقِي.
المِثالُ الأوَّلُ: احْتَجَّ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلى أنَّ المُسْلِمَ لا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وأنَّ الحُرَّ لا يُقْتَلُ بِالعَبْدِ بِأنْ قالَ: المُماثَلَةُ شَرْطٌ لِجَرَيانِ القِصاصِ، وهي مَفْقُودَةٌ في هاتَيْنِ المَسْألَتَيْنِ، فَوَجَبَ أنْ لا يَجْرِيَ القِصاصُ (p-١٥٤)بَيْنَهُما، أمّا بَيانُ أنَّ المُماثَلَةَ شَرْطٌ لِجَرَيانِ القِصاصِ - فَهي النُّصُوصُ المَذْكُورَةُ، وكَيْفِيَّةُ الِاسْتِدْلالِ بِها أنْ نَقُولَ: إمّا أنْ نَحْمِلَ المُماثَلَةَ المَذْكُورَةَ في هَذِهِ النُّصُوصِ عَلى المُماثَلَةِ في كُلِّ الأُمُورِ إلّا ما خَصَّهُ الدَّلِيلُ، أوْ نَحْمِلَها عَلى المُماثَلَةِ في أمْرٍ مُعَيَّنٍ، والثّانِي مَرْجُوحٌ؛ لِأنَّ ذَلِكَ الأمْرَ المُعَيَّنَ غَيْرُ مَذْكُورٍ في الآيَةِ، فَلَوْ حَمَلْنا الآيَةَ عَلَيْها لَزِمَ الإجْمالُ، ولَوْ حَمَلْنا النَّصَّ عَلى القِسْمِ الأوَّلِ لَزِمَ تَحَمُّلُ التَّخْصِيصِ، ومَعْلُومٌ أنَّ دَفْعَ الإجْمالِ أوْلى مِن دَفْعِ التَّخْصِيصِ، فَثَبَتَ أنَّ الآيَةَ تَقْتَضِي رِعايَةَ المُماثَلَةِ في كُلِّ الأُمُورِ إلّا ما خَصَّهُ دَلِيلُ العَقْلِ ودَلِيلٌ نَقْلِيٌّ مُنْفَصِلٌ، وإذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: رِعايَةُ المُماثَلَةِ في قَتْلِ المُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ وفي قَتْلِ الحُرِّ بِالعَبْدِ - لا تُمْكِنُ؛ لِأنَّ الإسْلامَ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ في إيجابِ القَتْلِ، لِتَحْصِيلِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ؛ كَما في حَقِّ الكافِرِ الأصْلِيِّ، ولِإبْقائِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ كَما في حَقِّ المُرْتَدِّ، وأيْضًا الحُرِّيَّةُ صِفَةٌ اعْتَبَرَها الشَّرْعُ في حَقِّ القَضاءِ والإمامَةِ والشَّهادَةِ، فَثَبَتَ أنَّ المُماثَلَةَ شَرْطٌ لِجَرَيانِ القِصاصِ، وهي مَفْقُودَةٌ هَهُنا، فَوَجَبَ المَنعُ مِنَ القِصاصِ.
المِثالُ الثّانِي: احْتَجَّ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في أنَّ الأيْدِيَ تُقْطَعُ بِاليَدِ الواحِدَةِ، فَقالَ: لا شَكَّ أنَّهُ إذا صَدَرَ كُلُّ القَطْعِ أوْ بَعْضُهُ عَنْ كُلِّ أُولَئِكَ القاطِعِينَ أوْ عَنْ بَعْضِهِمْ فَوَجَبَ أنْ يُشْرَعَ في حَقِّ أُولَئِكَ القاطِعِينَ مِثْلَهُ لِهَذِهِ النُّصُوصِ، وكُلُّ مَن قالَ يُشْرَعُ القَطْعُ إمّا كُلُّهُ أوْ بَعْضُهُ في حَقِّ كُلِّهِمْ أوْ بَعْضِهِمْ قالَ بِإيجابِهِ عَلى الكُلِّ، بَقِيَ أنْ يُقالَ: فَيَلْزَمُ مِنهُ اسْتِيفاءُ الزِّيادَةِ مِنَ الجانِي، وهو مَمْنُوعٌ مِنهُ إلّا أنّا نَقُولُ: لَمّا وقَعَ التَّعارُضُ بَيْنَ جانِبِ الجانِي وبَيْنَ جانِبِ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ كانَ جانِبُ المَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِالرِّعايَةِ أوْلى.
المِثالُ الثّالِثُ: شَرِيكُ الأبِ شُرِعَ في حَقِّهِ القِصاصُ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ الجَرْحُ، فَوَجَبَ أنْ يُقابَلَ بِمِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والجُرُوحَ قِصاصٌ﴾ وإذا ثَبَتَ هَذا ثَبَتَ تَمامُ القِصاصِ لِأنَّهُ لا قائِلَ بِالفَرْقِ.
المِثالُ الرّابِعُ: قالَ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ -: مَن حَرَّقَ حَرَّقْناهُ، ومَن غَرَّقَ غَرَّقْناهُ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ: هَذِهِ النُّصُوصُ الدّالَّةُ عَلى مُقابَلَةِ كُلِّ شَيْءٍ بِمُماثِلِهِ.
المِثالُ الخامِسُ: شُهُودُ القِصاصِ إذا رَجَعُوا وقالُوا تَعَمَّدْنا الكَذِبَ يَلْزَمُهُمُ القِصاصُ لِأنَّهم بِتِلْكَ الشَّهادَةِ أهْدَرُوا دَمَهُ، فَوَجَبَ أنْ يَصِيرَ دَمُهم مُهْدَرًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ .
المِثالُ السّادِسُ: قالَ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: المُكْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ القَوَدُ لِأنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ القَتْلُ ظُلْمًا، فَوَجَبَ أنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، أمّا أنَّهُ صَدَرَ عَنْهُ القَتْلُ فالحِسُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وأمّا أنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا، فَلِأنَّ المُسْلِمِينَ أجْمَعُوا عَلى أنَّهُ مُكَلَّفٌ مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى بِأنْ لا يَقْتُلَ، وأجْمَعُوا عَلى أنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الإثْمَ العَظِيمَ والعِقابَ الشَّدِيدَ، وإذا ثَبَتَ هَذا فَوَجَبَ أنْ يُقابَلَ بِمِثْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ .
المِثالُ السّابِعُ: قالَ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - القَتْلُ بِالمُثَقَّلِ يُوجِبُ القَوَدَ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أنَّ الجانِيَ أبْطَلَ حَياتَهُ، فَوَجَبَ أنْ يَتَمَكَّنَ ولِيُّ المَقْتُولِ مِن إبْطالِ حَياةِ القاتِلِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ .
المِثالُ الثّامِنُ: الحُرُّ لا يُقْتَلُ بِالعَبْدِ قِصاصًا، ونَحْنُ وإنْ ذَكَرْنا هَذِهِ المَسْألَةَ في المِثالِ الأوَّلِ إلّا أنّا نَذْكُرُ هَهُنا وجْهًا آخَرَ مِنَ البَيانِ، فَنَقُولُ: إنَّ القاتِلَ أتْلَفَ عَلى مالِكِ العَبْدِ شَيْئًا يُساوِي عَشَرَةَ دَنانِيرَ مَثَلًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ أداءُ عَشَرَةِ دَنانِيرَ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ وإذا وجَبَ الضَّمانُ وجَبَ أنْ لا يَجِبَ القِصاصُ؛ لِأنَّهُ لا قائِلَ بِالفَرْقِ.
(p-١٥٥)المِثالُ التّاسِعُ: مَنافِعُ الغَصْبِ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّ الغاصِبَ فَوَّتَ عَلى المالِكِ مَنافِعَ تُقابَلُ في العُرْفِ بِدِينارٍ، فَوَجَبَ أنْ يُفَوِّتَ عَلى الغاصِبِ مِثْلَهُ مِنَ المالِ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ وكُلُّ مَن أوْجَبَ تَفْوِيتَ هَذا القَدْرِ عَلى الغاصِبِ قالَ بِأنَّهُ يَجِبُ أداؤُهُ إلى المَغْصُوبِ مِنهُ.
المِثالُ العاشِرُ: الحُرُّ لا يُقْتَلُ بِالعَبْدِ قِصاصًا؛ لِأنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِالعَبْدِ لَكانَ هو مُساوِيًا لِلْعَبْدِ في المَعانِي المُوجِبَةِ لِلْقِصاصِ؛ لِقَوْلِهِ ﴿مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إلّا مِثْلَها﴾ [غافِرٍ: ٤٠] ولِسائِرِ النُّصُوصِ الَّتِي تَلَوْناها، ثُمَّ إنَّ عَبْدَهُ يُقْتَلُ قِصاصًا بِعَبْدِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ عَبْدُ غَيْرِهِ مُساوِيًا لَعَبْدِ نَفْسِهِ في المَعانِي المُوجِبَةِ لِلْقِصاصِ لِعَيْنِ هَذِهِ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْناها، فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ عَبْدُ نَفْسِهِ مُساوِيًا لَعَبْدِ غَيْرِهِ في المَعانِي المُوجِبَةِ لِلْقِصاصِ، فَكانَ عَبْدُ نَفْسِهِ مِثْلًا لِمِثْلِ نَفْسِهِ، ومِثْلُ المِثْلِ مِثْلٌ، فَوَجَبَ كَوْنُ عَبْدِ نَفْسِهِ مِثْلًا لِنَفْسِهِ في المَعانِي المُوجِبَةِ لِلْقِصاصِ، ولَوْ قُتِلَ الحُرُّ بِعَبْدِ غَيْرِهِ لَقَتَلَ نَفْسَهُ بِالبَيانِ الَّذِي ذَكَرْناهُ، ولا يُقْتَلُ بِعَبْدِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ أنْ لا يُقْتَلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ، فَقَدْ ذَكَرْنا هَذِهِ الأمْثِلَةَ العَشَرَةَ في التَّفْرِيعِ عَلى هَذِهِ الآيَةِ، ومَن أخَذَتِ الفَطانَةُ بِيَدِهِ سَهُلَ عَلَيْهِ تَفْرِيعُ كَثِيرٍ مِن مَسائِلِ الشَّرِيعَةِ عَلى هَذا الأصْلِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
ثُمَّ هَهُنا بَحْثٌ، وهو أنَّ أبا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ في قَطْعِ الأيْدِي: لا شَكَّ أنَّهُ صَدَرَ كُلُّ القَطْعِ أوْ بَعْضُهُ عَنْ كُلِّهِمْ أوْ عَنْ بَعْضِهِمْ إلّا أنَّهُ لا يُمْكِنُ اسْتِيفاءُ ذَلِكَ الحَقِّ إلّا بِاسْتِيفاءِ الزِّيادَةِ لِأنَّ تَفْوِيتَ عَشَرَةٍ مِنَ الأيْدِي أزْيَدُ مِن تَفْوِيتِ يَدٍ واحِدَةٍ، فَوَجَبَ أنْ يَبْقى عَلى أصْلِ الحُرْمَةِ، فَقالَ الشّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ كانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ الأيْدِي في مُقابَلَةِ يَدٍ واحِدَةٍ حَرامًا لَكانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ في مُقابَلَةِ نَفْسٍ واحِدَةٍ حَرامًا، لِأنَّ تَفْوِيتَ النَّفْسِ يَشْتَمِلُ عَلى تَفْوِيتِ اليَدِ فَتَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ في مُقابَلَةِ النَّفْسِ الواحِدَةِ يُوجِبُ تَفْوِيتَ عَشَرَةٍ مِنَ الأيْدِي في مُقابَلَةِ اليَدِ الواحِدَةِ فَلَوْ كانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ الأيْدِي في مُقابَلَةِ اليَدِ الواحِدَةِ حَرامًا لَكانَ تَفْوِيتُ عَشَرَةٍ مِنَ النُّفُوسِ لِأجْلِ النَّفْسِ الواحِدَةِ مُشْتَمِلًا عَلى الحَرامِ، وكُلُّ ما اشْتَمَلَ عَلى الحَرامِ فَهو حَرامٌ، فَكانَ يَجِبُ أنْ يَحْرُمَ قَتْلُ النُّفُوسِ العَشَرَةِ في مُقابَلَةِ النَّفْسِ الواحِدَةِ، وحَيْثُ أجْمَعْنا عَلى أنَّهُ لا يَحْرُمُ عَلِمْنا أنَّ ما ذَكَرْتُمْ مِنِ اسْتِيفاءِ الزِّيادَةِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنهُ شَرْعًا، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَدْ بَيَّنّا أنَّ قَوْلَهُ ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ يَقْتَضِي وُجُوبَ رِعايَةِ المُماثَلَةِ مُطْلَقًا في كُلِّ الأحْوالِ إلّا فِيما خَصَّهُ الدَّلِيلُ، والفُقَهاءُ أدْخَلُوا التَّخْصِيصَ فِيهِ في صُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فَتارَةً بِناءً عَلى نَصٍّ آخَرَ أخَسَّ مِنهُ وأُخْرى بِناءً عَلى القِياسِ، ولا شَكَّ أنَّ مَنِ ادَّعى التَّخْصِيصَ فَعَلَيْهِ البَيانُ، والمُكَلَّفُ يَكْفِيهِ أنْ يَتَمَسَّكَ بِهَذا النَّصِّ في جَمِيعِ المَطالِبِ، قالَ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ: إذا قالَ لَهُ أخْزاهُ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ لَهُ أخْزاهُ اللَّهُ، أمّا إذا قَذَفَهُ قَذْفًا يُوجِبُ الحَدَّ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، بَلِ الحَدُّ الَّذِي أمَرَ اللَّهُ بِهِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَمَن عَفا وأصْلَحَ﴾ بَيْنَهُ وبَيْنَ خَصْمِهِ بِالعَفْوِ والإغْضاءِ كَما قالَ تَعالى: ﴿فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فُصِّلَتْ: ٣٤]، ﴿فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ﴾ وهو وعْدٌ مُبْهَمٌ لا يُقاسُ أمْرُهُ في التَّعْظِيمِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المَقْصُودَ مِنهُ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ المَجْنِيَّ عَلَيْهِ لا يَجُوزُ لَهُ اسْتِيفاءُ الزِّيادَةِ مِنَ الظّالِمِ؛ لِأنَّ الظّالِمَ فِيما وراءَ ظُلْمِهِ مَعْصُومٌ، والِانْتِصارُ لا يَكادُ يَؤْمَنُ فِيهِ تَجاوُزُ التَّسْوِيَةِ والتَّعَدِّي؛ خُصُوصًا في حالِ الحَرْبِ والتِهابِ الحَمِيَّةِ، فَرُبَّما صارَ المَظْلُومُ عِنْدَ الإقْدامِ عَلى اسْتِيفاءِ القِصاصِ ظالِمًا، وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ: مَن كانَ لَهُ عَلى اللَّهِ أجْرٌ فَلْيَقُمْ، قالَ: (p-١٥٦)فَيَقُومُ خُلُقٌ فَيُقالُ لَهم: ما أجْرُكم عَلى اللَّهِ ؟ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ عَفَوْنا عَمَّنْ ظَلَمَنا، فَيُقالُ لَهُمُ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى» ”.
الثّانِي: أنَّهُ تَعالى لَمّا حَثَّ عَلى العَفْوِ عَنِ الظّالِمِ أخْبَرَ أنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لا يُحِبُّهُ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ إذا كانَ لا يُحِبُّهُ ومَعَ ذَلِكَ فَإنَّهُ يُنْدَبُ عَلى عَفْوِهِ، فالمُؤْمِنُ الَّذِي هو حَبِيبُ اللَّهِ بِسَبَبِ إيمانِهِ أوْلى أنْ يَعْفُوَ عَنْهُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ﴾ أيْ ظُلْمِ الظّالِمِ إيّاهُ، وهَذا مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المَفْعُولِ (فَأُولَئِكَ) يَعْنِي المُنْتَصِرِينَ ﴿ما عَلَيْهِمْ مِن سَبِيلٍ﴾ كَعُقُوبَةٍ ومُؤاخَذَةٍ لِأنَّهم أتَوْا بِما أُبِيحَ لَهم مِنَ الِانْتِصارِ. واحْتَجَّ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِهَذِهِ الآيَةِ في بَيانِ أنَّ سِرايَةَ القَوَدِ مُهْدَرَةٌ، فَقالَ: الشَّرْعُ إمّا أنْ يُقالَ إنَّهُ أذِنَ لَهُ في القَطْعِ مُطْلَقًا أوْ بِشَرْطِ أنْ لا يَحْصُلَ مِنهُ السَّرَيانُ، وهَذا الثّانِي باطِلٌ؛ لِأنَّ الأصْلَ في القَطْعِ الحُرْمَةُ، فَإذا كانَ تَجْوِيزُهُ مُعَلَّقًا بِشَرْطِ عَدَمِ السَّرَيانِ، وكانَ هَذا الشَّرْطُ مَجْهُولًا وجَبَ أنْ يَبْقى ذَلِكَ القَطْعُ عَلى أصْلِ الحُرْمَةِ، لِأنَّ الأصْلَ فِيها هو الحُرْمَةُ، والحِلُّ إنَّما يَحْصُلُ مُعَلَّقًا عَلى شَرْطٍ مَجْهُولٍ، فَوَجَبَ أنْ يَبْقى ذَلِكَ عَلى أصْلِ الحُرْمَةِ، وحَيْثُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنا أنَّ الشَّرْعَ أذِنَ لَهُ في القَطْعِ كَيْفَ كانَ، سَواءٌ سَرى أوْ لَمْ يَسْرِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ وجَبَ أنْ لا يَكُونَ ذَلِكَ السَّرَيانُ مَضْمُونًا؛ لِأنَّهُ قَدِ انْتَصَرَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ، فَوَجَبَ أنْ لا يَحْصُلَ لِأحَدٍ عَلَيْهِ سَبِيلٌ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ﴾ أيْ يَبْدَءُونَ بِالظُّلْمِ ﴿ويَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ والمَعْنى ﴿ولَمَن صَبَرَ﴾ بِأنْ لا يَقْتَصَّ ﴿وغَفَرَ﴾ وتَجاوَزَ ﴿فَإنَّ ذَلِكَ﴾ الصَّبْرَ والتَّجاوُزَ ﴿مِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ يَعْنِي أنَّ عَزْمَهُ عَلى تَرْكِ الِانْتِصارِ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ الجَيِّدَةِ، وحُذِفَ الرّاجِعُ لِأنَّهُ مَفْهُومٌ كَما حُذِفَ مِن قَوْلِهِمُ السَّمْنُ مَنَوانِ بِدِرْهَمٍ، ويُحْكى أنَّ رَجُلًا سَبَّ رَجُلًا في مَجْلِسِ الحَسَنِ، فَكانَ المَسْبُوبُ يَكْظِمُ ويَعْرَقُ فَيَمْسَحُ العَرَقَ، ثُمَّ قامَ وتَلا هَذِهِ الآيَةَ، فَقالَ الحَسَنُ: عَقَلَها واللَّهِ، وفَهِمَها لَمّا ضَيَّعَها الجاهِلُونَ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن ولِيٍّ مِن بَعْدِهِ﴾ أيْ: فَلَيْسَ لَهُ مِن ناصَرٍ يَتَوَلّاهُ مِن بَعْدِ خِذْلانِهِ أيْ مِن بَعْدِ إضْلالِ اللَّهِ إيّاهُ، وهَذا صَرِيحٌ في جَوازِ الإضْلالِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، وفي أنَّ الهِدايَةَ لَيْسَتْ في مَقْدُورِ أحَدٍ سِوى اللَّهِ تَعالى، قالَ القاضِي: المُرادُ: مَن يُضْلِلِ اللَّهُ عَنِ الجَنَّةِ فَما لَهُ مَن ولِيٍّ مِن بَعْدِهِ يَنْصُرُهُ، والجَوابُ: أنَّ تَقْيِيدَ الإضْلالِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ المُعَيَّنَةِ خِلافُ الدَّلِيلِ، وأيْضًا فاللَّهُ تَعالى ما أضَلَّهُ عَنِ الجَنَّةِ عَلى قَوْلِكم، بَلْ هو أضَلَّ نَفْسَهُ عَنِ الجَنَّةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وتَرى الظّالِمِينَ لَمّا رَأوُا العَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِن سَبِيلٍ﴾ والمُرادُ أنَّهم يَطْلُبُونَ الرُّجُوعَ إلى الدُّنْيا لِعِظَمِ ما يُشاهِدُونَ مِنَ العَذابِ، ثُمَّ ذَكَرَ حالَهم عِنْدَ عَرْضِ النّارِ عَلَيْهِمْ فَقالَ: ﴿وتَراهم يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ﴾ أيْ حالَ كَوْنِهِمْ خاشِعِينَ حَقِيرِينَ مُهانِينَ بِسَبَبِ ما لَحِقَهم مِنَ الذُّلِّ، ثُمَّ قالَ: ﴿يَنْظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ أيْ يَبْتَدِئُ نَظَرُهم مِن تَحْرِيكٍ لِأجْفانِهِمْ ضَعِيفٍ خَفِيٍّ بِمُسارَقَةٍ؛ كَما تَرى الَّذِي يَتَيَقَّنُ أنْ يُقْتَلَ فَإنَّهُ يَنْظُرُ إلى السَّيْفِ كَأنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى أنْ يَفْتَحَ أجْفانَهُ عَلَيْهِ ويَمْلَأ عَيْنَيْهِ مِنهُ كَما يَفْعَلُ في نَظَرِهِ إلى المَحْبُوباتِ، فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ أنَّهُ تَعالى قالَ في صِفَةِ الكُفّارِ: إنَّهم يُحْشَرُونَ عُمْيًا، فَكَيْفَ قالَ هَهُنا: إنَّهم يَنْظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ؟ قُلْنا: لَعَلَّهم يَكُونُونَ في الِابْتِداءِ هَكَذا، ثُمَّ يُجْعَلُونَ عُمْيًا، أوْ لَعَلَّ هَذا في قَوْمٍ، وذَلِكَ (p-١٥٧)فِي قَوْمٍ آخَرِينَ، ولَمّا وصَفَ اللَّهُ تَعالى حالَ الكُفّارِ حَكى ما يَقُولُهُ المُؤْمِنُونَ فِيهِمْ فَقالَ: ﴿وقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ الخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ﴾ قالَ صاحِبُ“الكَشّافِ”:“ يَوْمَ القِيامَةِ ”إمّا أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ“ خَسِرُوا”أوْ يَكُونَ قَوْلُ المُؤْمِنِينَ واقِعًا في الدُّنْيا، وإمّا أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ“ قالَ " أيْ: يَقُولُونَ يَوْمَ القِيامَةِ إذا رَأوْهم عَلى تِلْكَ الصِّفَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿ألا إنَّ الظّالِمِينَ في عَذابٍ مُقِيمٍ﴾ أيْ دائِمٍ، قالَ القاضِي: وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الكافِرَ والفاسِقَ يَدُومُ عَذابُهُما، والجَوابُ: أنَّ لَفْظَ الظّالِمِ المُطْلَقِ في القُرْآنِ مَخْصُوصٌ بِالكافِرِ، قالَ تَعالى: ﴿والكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ والَّذِي يُؤَكِّدُ هَذا أنَّهُ تَعالى قالَ بَعْدَهُ هَذِهِ الآيَةَ ﴿وما كانَ لَهم مِن أوْلِياءَ يَنْصُرُونَهم مِن دُونِ اللَّهِ﴾ والمَعْنى أنَّ الأصْنامَ الَّتِي كانُوا يَعْبُدُونَها لِأجْلِ أنْ تَشْفَعَ لَهم عِنْدَ اللَّهِ تَعالى ما أتَوْا بِتِلْكَ الشَّفاعَةِ، ومَعْلُومٌ أنَّ هَذا لا يَلِيقُ إلّا بِالكُفّارِ، ثُمَّ قالَ: ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن سَبِيلٍ﴾ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُضِلَّ والهادِيَ هو اللَّهُ تَعالى عَلى ما هو قَوْلُنا ومَذْهَبُنا، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":40,"ayahs":["وَجَزَ ٰۤؤُا۟ سَیِّئَةࣲ سَیِّئَةࣱ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَا عَلَیۡهِم مِّن سَبِیلٍ","إِنَّمَا ٱلسَّبِیلُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَیَبۡغُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ","وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِیࣲّ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِینَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلۡعَذَابَ یَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدࣲّ مِّن سَبِیلࣲ","وَتَرَىٰهُمۡ یُعۡرَضُونَ عَلَیۡهَا خَـٰشِعِینَ مِنَ ٱلذُّلِّ یَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِیࣲّۗ وَقَالَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ ٱلۡخَـٰسِرِینَ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِیهِمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ أَلَاۤ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ فِی عَذَابࣲ مُّقِیمࣲ","وَمَا كَانَ لَهُم مِّنۡ أَوۡلِیَاۤءَ یَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن سَبِیلٍ","ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِرَبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَ یَوۡمࣱ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِۚ مَا لَكُم مِّن مَّلۡجَإࣲ یَوۡمَىِٕذࣲ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِیرࣲ","فَإِنۡ أَعۡرَضُوا۟ فَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ عَلَیۡهِمۡ حَفِیظًاۖ إِنۡ عَلَیۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَإِنَّاۤ إِذَاۤ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحۡمَةࣰ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ كَفُورࣱ"],"ayah":"فَإِنۡ أَعۡرَضُوا۟ فَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ عَلَیۡهِمۡ حَفِیظًاۖ إِنۡ عَلَیۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَإِنَّاۤ إِذَاۤ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحۡمَةࣰ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ كَفُورࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق