الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ وما وصَّيْنا بِهِ إبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أنْ أقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلى المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهم إلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ ﴿وما تَفَرَّقُوا إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهم ولَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ إلى أجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهم وإنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفي شَكٍّ مِنهُ مُرِيبٍ﴾ ﴿فَلِذَلِكَ فادْعُ واسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهم وقُلْ آمَنتُ بِما أنْزَلَ اللَّهُ مِن كِتابٍ وأُمِرْتُ لِأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا ورَبُّكم لَنا أعْمالُنا ولَكم أعْمالُكم لا حُجَّةَ بَيْنَنا وبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وإلَيْهِ المَصِيرُ﴾ ﴿والَّذِينَ يُحاجُّونَ في اللَّهِ مِن بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهم داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ولَهم عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ ﴿اللَّهُ الَّذِي أنْزَلَ الكِتابَ بِالحَقِّ والمِيزانَ وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ ﴿يَسْتَعْجِلُ بِها الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنها ويَعْلَمُونَ أنَّها الحَقُّ ألا إنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ في السّاعَةِ لَفي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ وهو القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا عَظَّمَ وحْيَهُ إلى مُحَمَّدٍ ﷺ بِقَوْلِهِ ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [الشُّورى: ٣] ذَكَرَ في هَذِهِ الآيَةِ تَفْصِيلَ ذَلِكَ، فَقالَ: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾ والمَعْنى: شَرَعَ لَكم يا أصْحابَ مُحَمَّدٍ مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا ومُحَمَّدًا وإبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى، هَذا هو المَقْصُودُ مِن لَفْظِ الآيَةِ، وإنَّما خَصَّ هَؤُلاءِ الأنْبِياءَ الخَمْسَةَ بِالذِّكْرِ لِأنَّهم أكابِرُ الأنْبِياءِ وأصْحابُ الشَّرائِعِ العَظِيمَةِ والأتْباعِ الكَثِيرَةِ، إلّا أنَّهُ بَقِيَ في لَفْظِ الآيَةِ إشْكالاتٌ. أحَدُها: أنَّهُ قالَ في أوَّلِ الآيَةِ ﴿ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾، وفي آخِرِها ﴿وما وصَّيْنا بِهِ إبْراهِيمَ﴾، وفي الوَسَطِ ﴿والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ فَما الفائِدَةُ في هَذا التَّفاوُتِ ؟ وثانِيها: أنَّهُ ذَكَرَ نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلى سَبِيلِ الغَيْبَةِ فَقالَ: ﴿ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾ والقِسْمَيْنِ الباقِيَيْنِ عَلى سَبِيلِ التَّكَلُّمِ، فَقالَ: ﴿والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ وما وصَّيْنا بِهِ إبْراهِيمَ﴾ وثالِثُها: أنَّهُ يَصِيرُ تَقْدِيرُ الآيَةِ: شَرَعَ اللَّهُ لَكم مِنَ الدِّينِ الَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ، فَقَوْلُهُ ﴿شَرَعَ لَكُمْ﴾ خِطابُ الغَيْبَةِ، وقَوْلُهُ ﴿والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ خِطابُ الحُضُورِ، فَهَذا يَقْتَضِي الجَمْعَ بَيْنَ خِطابِ الغَيْبَةِ وخِطابِ الحُضُورِ في الكَلامِ الواحِدِ بِالِاعْتِبارِ الواحِدِ، وهو مُشْكِلٌ، فَهَذِهِ المَضايِقُ يَجِبُ البَحْثُ عَنْها، والقَوْمُ ما دارُوا حَوْلَها، وبِالجُمْلَةِ فالمَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ أنَّهُ يُقالُ شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ دِينًا تَطابَقَتِ الأنْبِياءُ عَلى صِحَّتِهِ، وأقُولُ: يَجِبُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن هَذا الدِّينِ شَيْئًا مُغايِرًا لِلتَّكالِيفِ والأحْكامِ، وذَلِكَ لِأنَّها مُخْتَلِفَةٌ مُتَفاوِتَةٌ، قالَ تَعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ [المائِدَةِ: ٤٨] (p-١٣٥)فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ الأُمُورَ الَّتِي لا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الشَّرائِعِ، وهي الإيمانُ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَوْمِ الآخِرِ، والإيمانُ يُوجِبُ الإعْراضَ عَنِ الدُّنْيا والإقْبالَ عَلى الآخِرَةِ والسَّعْيَ في مَكارِمِ الأخْلاقِ والِاحْتِرازَ عَنْ رَذائِلِ الأحْوالِ، ويَجُوزُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ ﴿ولا تَتَفَرَّقُوا﴾ أيْ لا تَتَفَرَّقُوا بِالآلِهَةِ الكَثِيرَةِ، كَما قالَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أأرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللَّهُ الواحِدُ القَهّارُ﴾ [يُوسُفَ: ٣٩] وقالَ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إلّا نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاعْبُدُونِ﴾ [الأنْبِياءِ: ٢٥] واحْتَجَّ بَعْضُهم بِقَوْلِهِ ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾ عَلى أنَّ النَّبِيَّ ﷺ في أوَّلِ الأمْرِ كانَ مَبْعُوثًا بِشَرِيعَةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، والجَوابُ: ما ذَكَرْناهُ أنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهِ سائِرَ الأنْبِياءِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ هو الأخْذُ بِالشَّرِيعَةِ المُتَّفَقِ عَلَيْها بَيْنَ الكُلِّ، ومَحَلُّ ﴿أنْ أقِيمُوا الدِّينَ﴾ إمّا نَصْبُ بَدَلٍ مِن مَفْعُولِ ﴿شَرَعَ﴾ والمَعْطُوفَيْنِ عَلَيْهِ، وإمّا رَفْعٌ عَلى الِاسْتِئْنافِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: ما ذاكَ المَشْرُوعُ ؟ فَقِيلَ: هو إقامَةُ الدِّينِ. ﴿كَبُرَ عَلى المُشْرِكِينَ﴾ عَظُمَ عَلَيْهِمْ وشَقَّ عَلَيْهِمْ ﴿ما تَدْعُوهم إلَيْهِ﴾ مِن إقامَةِ دِينِ اللَّهِ تَعالى عَلى سَبِيلِ الِاتِّفاقِ والإجْماعِ، بِدَلِيلِ أنَّ الكُفّارَ قالُوا ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾ [ص: ٥] وهَهُنا مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: احْتَجَّ نُفاةُ القِياسِ بِهَذِهِ الآيَةِ، قالُوا: إنَّهُ تَعالى أخْبَرَ أنَّ أكابِرَ الأنْبِياءِ أطْبَقُوا عَلى أنَّهُ يَجِبُ إقامَةُ الدِّينِ بِحَيْثُ لا يُفْضِي إلى الِاخْتِلافِ والتَّنازُعِ، واللَّهُ تَعالى ذَكَرَ في مَعْرِضِ المِنَّةِ عَلى عِبادِهِ أنَّهُ أرْشَدَهم إلى الدِّينِ الخالِي عَنِ التَّفَرُّقِ والمُخالَفَةِ، ومَعْلُومٌ أنَّ فَتْحَ بابِ القِياسِ يُفْضِي إلى أعْظَمِ أنْواعِ التَّفَرُّقِ والمُنازَعَةِ، فَإنَّ الحِسَّ شاهِدٌ بِأنَّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ بَنَوْا دِينَهم عَلى الأخْذِ بِالقِياسِ تَفَرَّقُوا تَفَرُّقًا لا رَجاءَ في حُصُولِ الِاتِّفاقِ بَيْنَهم إلى آخِرِ القِيامَةِ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا مَمْنُوعًا عَنْهُ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ هَذِهِ الشَّرائِعَ قِسْمانِ: مِنها ما يَمْتَنِعُ دُخُولُ النَّسْخِ والتَّغْيِيرِ فِيهِ، بَلْ يَكُونُ واجِبَ البَقاءِ في جَمِيعِ الشَّرائِعِ والأدْيانِ، كالقَوْلِ بِحُسْنِ الصِّدْقِ والعَدْلِ والإحْسانِ، والقَوْلِ بِقُبْحِ الكَذِبِ والظُّلْمِ والإيذاءِ. ومِنها ما يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ الشَّرائِعِ والأدْيانِ، ودَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّ سَعْيَ الشَّرْعِ في تَقْرِيرِ النَّوْعِ الأوَّلِ أقْوى مِن سَعْيِهِ في تَقْرِيرِ النَّوْعِ الثّانِي؛ لِأنَّ المُواظَبَةَ عَلى القِسْمِ الأوَّلِ مُهِمَّةٌ في اكْتِسابِ الأحْوالِ المُفِيدَةِ لِحُصُولِ السَّعادَةِ في الدّارِ الآخِرَةِ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ أقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ مُشْعِرٌ بِأنَّ حُصُولَ المُوافَقَةِ أمْرٌ مَطْلُوبٌ في الشَّرْعِ والعَقْلِ، وبَيانُ مَنفَعَتِهِ مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ لِلنُّفُوسِ تَأْثِيراتٍ، وإذا تَطابَقَتِ النُّفُوسُ وتَوافَقَتْ عَلى واحِدٍ قَوِيَ التَّأْثِيرُ. الثّانِي: أنَّها إذا تَوافَقَتْ صارَ كُلُّ واحِدٍ مِنها مُعِينًا لِلْآخَرِ في ذَلِكَ المَقْصُودِ المُعَيَّنِ، وكَثْرَةُ الأعْوانِ تُوجِبُ حُصُولَ المَقْصُودِ، أمّا إذا تَخالَفَتْ تَنازَعَتْ وتَجادَلَتْ فَضَعُفَتْ، فَلا يَحْصُلُ المَقْصُودُ. الثّالِثُ: أنَّ حُصُولَ التَّنازُعِ ضِدُّ مَصْلَحَةِ العالَمِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلى الهَرْجِ والمَرَجِ والقَتْلِ والنَّهْبِ، فَلِهَذا السَّبَبِ أمَرَ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ بِإقامَةِ الدِّينِ عَلى وجْهٍ لا يُفْضِي إلى التَّفَرُّقِ، وقالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿ولا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا﴾ [الأنْفالِ: ٤٦] . * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ مَن يَشاءُ ويَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ وفِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا أرْشَدَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ إلى التَّمَسُّكِ بِالدِّينِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيَّنَ أنَّهُ تَعالى إنَّما أرْشَدَهم إلى هَذا الخَيْرِ؛ لِأنَّهُ اجْتَباهم واصْطَفاهم وخَصَّهم بِمَزِيدِ الرَّحْمَةِ والكَرامَةِ. الثّانِي: أنَّهُ إنَّما كَبُرَ عَلَيْهِمْ هَذا الدُّعاءُ مِنَ الرُّسُلِ لِما فِيهِ مِنَ (p-١٣٦)الِانْقِيادِ لَهم تَكَبُّرًا وأنَفَةً، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ يَخُصُّ مَن يَشاءُ بِالرِّسالَةِ، ويَلْزَمُ الِانْقِيادُ لَهم، ولا يُعْتَبَرُ الحَسَبُ والنَّسَبُ والغِنى، بَلِ الكُلُّ سَواءٌ في أنَّهُ يَلْزَمُهُمُ اتِّباعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ اجْتَباهُمُ اللَّهُ تَعالى، واشْتِقاقُ لَفْظِ الِاجْتِباءِ يَدُلُّ عَلى الضَّمِّ والجَمْعِ، فَمِنهُ جَبى الخَراجَ واجْتَباهُ وجَبى الماءَ في الحَوْضِ، فَقَوْلُهُ ﴿اللَّهُ يَجْتَبِي إلَيْهِ﴾ أيْ يَضُمُّهُ إلَيْهِ ويُقَرِّبُهُ مِنهُ تَقْرِيبَ الإكْرامِ والرَّحْمَةِ، وقَوْلُهُ ﴿مَن يَشاءُ﴾ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُعَذِّبُ مَن يَشاءُ ويَرْحَمُ مَن يَشاءُ﴾ [العَنْكَبُوتِ: ٢١] . * * * ثُمَّ قالَ: ﴿ويَهْدِي إلَيْهِ مَن يُنِيبُ﴾ وهو كَما رُوِيَ في الخَبَرِ «مَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنهُ ذِراعًا، ومَن أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» أيْ: مَن أقْبَلَ بِطاعَتِهِ أقْبَلْتُ إلَيْهِ بِهِدايَتِي وإرْشادِي؛ بِأنْ أشْرَحَ لَهُ صَدْرَهُ وأُسَهِّلَ أمْرَهُ. واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ أمَرَ كُلَّ الأنْبِياءِ والأُمَمِ بِالأخْذِ بِالدِّينِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ، كانَ لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: فَلِماذا نَجِدُهم مُتَفَرِّقِينَ ؟ فَأجابَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم بِقَوْلِهِ ﴿وما تَفَرَّقُوا إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ يَعْنِي أنَّهم ما تَفَرَّقُوا إلّا مِن بَعْدِ أنْ عَلِمُوا أنَّ الفُرْقَةَ ضَلالَةٌ، ولَكِنَّهم فَعَلُوا ذَلِكَ لِلْبَغْيِ وطَلَبِ الرِّياسَةِ، فَحَمَلَتْهُمُ الحَمِيَّةُ النَّفْسانِيَّةُ والأنَفَةُ الطَّبِيعِيَّةُ عَلى أنْ ذَهَبَ كُلُّ طائِفَةٍ إلى مَذْهَبٍ ودَعا النّاسُ إلَيْهِ وقَبَّحَ ما سِواهُ؛ طَلَبًا لِلذِّكْرِ والرِّياسَةِ، فَصارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِ الِاخْتِلافِ، ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا العَذابَ بِسَبَبِ هَذا الفِعْلِ، إلّا أنَّهُ تَعالى أخَّرَ عَنْهم ذَلِكَ العَذابَ، لِأنَّ لِكُلِّ عَذابٍ عِنْدَهُ أجَلًا مُسَمًّى، أيْ وقْتًا مَعْلُومًا، إمّا لِمَحْضِ المَشِيئَةِ كَما هو قَوْلُنا، أوْ لِأنَّهُ عَلِمَ أنَّ الصَّلاحَ تَحْقِيقُهُ بِهِ كَما عِنْدَ المُعْتَزِلَةِ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ ﴿ولَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ إلى أجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾، والأجَلُ المُسَمّى قَدْ يَكُونُ في الدُّنْيا، وقَدْ يَكُونُ في القِيامَةِ، واخْتَلَفُوا في الَّذِينَ أُرِيدُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، مَن هم ؟ فَقالَ الأكْثَرُونَ: هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى، والدَّلِيلُ: قَوْلُهُ تَعالى في آلِ عِمْرانَ ﴿وما اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٩] وقالَ في سُورَةِ ”لَمْ يَكُنْ“ ﴿وما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ﴾ [البَيِّنَةِ: ٤]، ولِأنَّ قَوْلَهُ ﴿إلّا مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ﴾ لائِقٌ بِأهْلِ الكِتابِ. وقالَ آخَرُونَ: إنَّهم هُمُ العَرَبُ، وهَذا باطِلٌ لِلْوُجُوهِ المَذْكُورَةِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ ﴿وإنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتابَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ لا يَلِيقُ بِالعَرَبِ، لِأنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الكِتابَ مِن بَعْدِهِمْ هم أهْلُ الكِتابِ الَّذِينَ كانُوا في عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ﴿لَفِي شَكٍّ مِنهُ﴾ مِن كِتابِهِمْ ﴿مُرِيبٍ﴾ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَقَّ الإيمانِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فادْعُ واسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ﴾ يَعْنِي: فَلِأجْلِ ذَلِكَ التَّفَرُّقِ ولِأجْلِ ما حَدَثَ مِنَ الِاخْتِلافاتِ الكَثِيرَةِ في الدِّينِ - فادْعُ إلى الِاتِّفاقِ عَلى المِلَّةِ الحَنِيفِيَّةِ، واسْتَقِمْ عَلَيْها وعَلى الدَّعْوَةِ إلَيْها كَما أمَرَكَ اللَّهُ، ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمُ المُخْتَلِفَةَ الباطِلَةَ ﴿وقُلْ آمَنتُ بِما أنْزَلَ اللَّهُ مِن كِتابٍ﴾ أيْ بِأيِّ كِتابٍ صَحَّ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَهُ، يَعْنِي الإيمانَ بِجَمِيعِ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ؛ لِأنَّ المُتَفَرِّقِينَ آمَنُوا بِبَعْضٍ وكَفَرُوا بِبَعْضٍ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ ﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾ [النِّساءِ: ١٥٠] إلى قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ﴾ [النِّساءِ: ١٥١] ثُمَّ قالَ: ﴿وأُمِرْتُ لِأعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ أيْ في الحُكْمِ إذا تَخاصَمْتُمْ فَتَحاكَمْتُمْ إلَيَّ، قالَ القَفّالُ: مَعْناهُ: أنَّ رَبِّي أمَرَنِي أنْ لا أُفَرِّقَ بَيْنَ نَفْسِي وأنْفُسِكم بِأنْ آمُرَكم بِما لا أعْمَلُهُ، أوْ أُخالِفَكم إلى ما نَهَيْتُكم عَنْهُ، لَكِنِّي أُسَوِّي بَيْنَكم وبَيْنَ نَفْسِي، وكَذَلِكَ أُسَوِّي بَيْنَ أكابِرِكم وأصاغِرِكم فِيما يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ اللَّهِ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿اللَّهُ رَبُّنا ورَبُّكم لَنا أعْمالُنا ولَكم أعْمالُكم لا حُجَّةَ بَيْنَنا وبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وإلَيْهِ المَصِيرُ﴾ (p-١٣٧)والمَعْنى أنَّ إلَهَ الكُلِّ واحِدٌ، وكُلُّ واحِدٍ مَخْصُوصٌ بِعَمَلِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ أنْ يَشْتَغِلَ كُلُّ واحِدٍ في الدُّنْيا بِنَفْسِهِ، فَإنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ بَيْنَ الكُلِّ في يَوْمِ القِيامَةِ ويُجازِيهِ عَلى عَمَلِهِ، والمَقْصُودُ مِنهُ المُتارَكَةُ واشْتِغالُ كُلِّ أحَدٍ بِمُهِمِّ نَفْسِهِ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَلِيقُ بِهَذِهِ المُتارَكَةِ ما فُعِلَ بِهِمْ مِنَ القَتْلِ وتَخْرِيبِ البُيُوتِ وقَطْعِ النَّخِيلِ والإجْلاءِ ؟ قُلْنا: هَذِهِ المُتارَكَةُ كانَتْ مَشْرُوطَةً بِشَرْطِ أنْ يَقْبَلُوا الدِّينَ المُتَّفَقَ عَلى صِحَّتِهِ بَيْنَ كُلِّ الأنْبِياءِ، ودَخَلَ فِيهِ التَّوْحِيدُ وتَرْكُ عِبادَةِ الأصْنامِ والإقْرارُ بِنُبُوَّةِ الأنْبِياءِ وبِصِحَّةِ البَعْثِ والقِيامَةِ، فَلَمّا لَمْ يَقْبَلُوا هَذا الدِّينَ، فَحِينَئِذٍ فاتَ الشَّرْطُ، فَلا جَرَمَ فاتَ المَشْرُوطُ. * * * واعْلَمْ أنَّهُ لَيْسَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ ﴿لا حُجَّةَ بَيْنَنا وبَيْنَكُمُ﴾ تَحْرِيمَ ما يَجْرِي مَجْرى مُحاجَّتِهِمْ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: أنَّ هَذا الكَلامَ مَذْكُورٌ في مَعْرِضِ المُحاجَّةِ، فَلَوْ كانَ المَقْصُودُ مِن هَذِهِ الآيَةِ تَحْرِيمُ المُحاجَّةِ، لَزِمَ كَوْنُها مُحَرَّمَةً لِنَفْسِها، وهو مُتَناقِضٌ. والثّانِي: أنَّهُ لَوْلا الأدِلَّةُ لَما تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ. الثّالِثُ: أنَّ الدَّلِيلَ يُفِيدُ العِلْمَ، وذَلِكَ لا يُمْكِنُ تَحْرِيمُهُ، بَلِ المُرادُ أنَّ القَوْمَ عَرَفُوا بِالحُجَّةِ صِدْقَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وإنَّما تَرَكُوا تَصْدِيقَهُ بَغْيًا وعِنادًا، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ قَدْ حَصَلَ الِاسْتِغْناءُ عَنْ مُحاجَّتِهِمْ؛ لِأنَّهم عَرَفُوا بِالحُجَّةِ صِدْقَهُ، فَلا حاجَةَ مَعَهم إلى المُحاجَّةِ البَتَّةَ، ومِمّا يُقَوِّي قَوْلَنا: إنَّهُ لا يَجُوزُ تَحْرِيمُ المُحاجَّةِ - قَوْلُهُ ﴿وجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [النَّحْلِ: ١٢٥]، وقَوْلُهُ ﴿ولا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلّا بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [العَنْكَبُوتِ: ٤٦]، وقَوْلُهُ ﴿يانُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأكْثَرْتَ جِدالَنا﴾ [هُودٍ: ٣٢]، وقَوْلُهُ ﴿وتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ﴾ [الأنْعامِ: ٨٣] . * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يُحاجُّونَ في اللَّهِ﴾ أيْ: يُخاصِمُونَ في دِينِهِ ﴿مِن بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ﴾ أيْ مِن بَعْدِ ما اسْتَجابَ النّاسُ لِذَلِكَ الدِّينِ ﴿حُجَّتُهم داحِضَةٌ﴾ أيْ باطِلَةٌ، وتِلْكَ المُخاصَمَةُ هي أنَّ اليَهُودَ، قالُوا: ألَسْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الأخْذَ بِالمُتَّفَقِ أوْلى مِنَ الأخْذِ بِالمُخْتَلَفِ ؟ فَنُبُوَّةُ مُوسى وحَقِّيَّةُ التَّوْراةِ مَعْلُومَةٌ بِالِاتِّفاقِ، ونُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ لَيْسَتْ مُتَّفَقًا عَلَيْها، فَإذا بَنَيْتُمْ كَلامَكم في هَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ الأخْذَ بِالمُتَّفَقِ أوْلى - وجَبَ أنْ يَكُونَ الأخْذُ بِاليَهُودِيَّةِ أوْلى، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّ هَذِهِ الحُجَّةَ داحِضَةٌ، أيْ باطِلَةٌ فاسِدَةٌ، وذَلِكَ لِأنَّ اليَهُودَ أطْبَقُوا عَلى أنَّهُ إنَّما وجَبَ الإيمانُ بِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - لِأجْلِ ظُهُورِ المُعْجِزاتِ عَلى وفْقِ قَوْلِهِ، وهَهُنا ظَهَرَتِ المُعْجِزاتُ عَلى وفْقِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، واليَهُودُ شاهَدُوا تِلْكَ المُعْجِزاتِ، فَإنْ كانَ ظُهُورُ المُعْجِزَةِ يَدُلُّ عَلى الصِّدْقِ، فَهَهُنا يَجِبُ الِاعْتِرافُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وإنْ كانَ لا يَدُلُّ عَلى الصِّدْقِ وجَبَ في حَقِّ مُوسى أنْ لا يُقِرُّوا بِنُبُوَّتِهِ. وأمّا الإقْرارُ بِنُبُوَّةِ مُوسى والإصْرارُ عَلى إنْكارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ مَعَ اسْتِوائِهِما في ظُهُورِ المُعْجِزَةِ يَكُونُ مُتَناقِضًا. ولَمّا قَرَّرَ اللَّهُ هَذِهِ الدَّلائِلَ خَوَّفَ المُنْكِرِينَ بِعَذابِ القِيامَةِ، فَقالَ: ﴿اللَّهُ الَّذِي أنْزَلَ الكِتابَ بِالحَقِّ والمِيزانَ وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى أنْزَلَ الكِتابَ المُشْتَمِلَ عَلى أنْواعِ الدَّلائِلِ والبَيِّناتِ، وأنْزَلَ المِيزانَ وهو الفَصْلُ الَّذِي هو القِسْطاسُ المُسْتَقِيمُ، وأنَّهم لا يَعْلَمُونَ أنَّ القِيامَةَ مَتى تُفاجِئُهم. ومَتى كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، وجَبَ عَلى العاقِلِ أنْ يَجِدَّ ويَجْتَهِدَ في النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ، ويَتْرُكَ طَرِيقَةَ أهْلِ الجَهْلِ والتَّقْلِيدِ، ولَمّا كانَ الرَّسُولُ يُهَدِّدُهم بِنُزُولِ القِيامَةِ، وأكْثَرَ في ذَلِكَ، وأنَّهم ما رَأوْا مِنهُ أثَرًا قالُوا عَلى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ: فَمَتى تَقُومُ القِيامَةُ، ولَيْتَها قامَتْ حَتّى يَظْهَرَ لَنا أنَّ الحَقَّ ما نَحْنُ عَلَيْهِ أوِ الَّذِي عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ، فَلِدَفْعِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ قالَ تَعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِها الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنها﴾ والمَعْنى ظاهِرٌ، وإنَّما يُشْفِقُونَ ويَخافُونَ لِعِلْمِهِمْ أنَّ عِنْدَها تَمْتَنِعُ التَّوْبَةُ، وأمّا مُنْكِرُ البَعْثِ فَلِأنْ لا يَحْصُلَ لَهُ هَذا الخَوْفُ. (p-١٣٨)ثُمَّ قالَ: ﴿ألا إنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ في السّاعَةِ لَفي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ والمُماراةُ المُلاجَّةُ، قالَ الزَّجّاجُ: الَّذِينَ تَدْخُلُهُمُ المِرْيَةُ والشَّكُّ في وُقُوعِ السّاعَةِ، فَيُمارُونَ فِيها ويَجْحَدُونَ ﴿لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ لِأنَّ اسْتِيفاءَ حَقِّ المَظْلُومِ مِنَ الظّالِمِ واجِبٌ في العَدْلِ، فَلَوْ لَمْ تَحْصُلِ القِيامَةُ لَزِمَ إسْنادُ الظُّلْمِ إلى اللَّهِ تَعالى، وهَذا مِن أمْحَلِ المُحالاتِ، فَلا جَرَمَ كانَ إنْكارُ القِيامَةِ ضَلالًا بَعِيدًا. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ﴾ أيْ كَثِيرُ الإحْسانِ بِهِمْ، وإنَّما حَسُنَ ذِكْرُ هَذا الكَلامِ هَهُنا؛ لِأنَّهُ أنْزَلَ عَلَيْهِمُ الكِتابَ المُشْتَمِلَ عَلى هَذِهِ الدَّلائِلِ اللَّطِيفَةِ، فَكانَ ذَلِكَ مِن لُطْفِ اللَّهِ بِعِبادِهِ، وأيْضًا المُتَفَرِّقُونَ اسْتَوْجَبُوا العَذابَ الشَّدِيدَ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أخَّرَ عَنْهم ذَلِكَ العَذابَ، فَكانَ ذَلِكَ أيْضًا مِن لُطْفِ اللَّهِ تَعالى، فَلَمّا سَبَقَ ذِكْرُ إيصالِ أعْظَمِ المَنافِعِ إلَيْهِمْ ودَفْعِ أعْظَمِ المَضارِّ عَنْهم، لا جَرَمَ حَسُنَ ذِكْرُهُ هَهُنا، ثُمَّ قالَ: ﴿يَرْزُقُ مَن يَشاءُ﴾ يَعْنِي أنَّ أصْلَ الإحْسانِ والبِرِّ عامٌّ في حَقِّ كُلِّ العِبادِ، وذَلِكَ هو الإحْسانُ بِالحَياةِ والعَقْلِ والفَهْمِ، وإعْطاءِ ما لا بُدَّ مِنهُ مِنَ الرِّزْقِ، ودَفْعِ أكْثَرِ الآفاتِ والبَلِيّاتِ عَنْهم، فَأمّا مَراتِبُ العَطِيَّةِ والبَهْجَةِ فَمُتَفاوِتَةٌ مُخْتَلِفَةٌ. * * * ثُمَّ قالَ: ﴿وهُوَ القَوِيُّ﴾ أيِ القادِرُ عَلى كُلِّ ما يَشاءُ ﴿العَزِيزُ﴾ الَّذِي لا يُغالَبُ ولا يُدافَعُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب