الباحث القرآني
(p-٨١)(سُورَةُ فُصِّلَتْ)
خَمْسُونَ وأرْبَعُ آياتٍ، مَكِّيَّةٌ
﷽
﴿حم﴾ ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا فَأعْرَضَ أكْثَرُهم فَهم لا يَسْمَعُونَ﴾ ﴿وقالُوا قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ فاعْمَلْ إنَّنا عامِلُونَ﴾ ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ واسْتَغْفِرُوهُ ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿حم﴾ ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا فَأعْرَضَ أكْثَرُهم فَهم لا يَسْمَعُونَ﴾ ﴿وقالُوا قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ فاعْمَلْ إنَّنا عامِلُونَ﴾ ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ واسْتَغْفِرُوهُ ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾
اعْلَمْ أنَّ في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ احْتِمالاتٌ: أحَدُها: وهو الأقْوى أنْ يُقالَ ”حم“ اسْمٌ لِلسُّورَةِ وهو في مَوْضِعِ المُبْتَدَأِ وتَنْزِيلٌ خَبَرُهُ، وثانِيها: قالَ الأخْفَشُ: تَنْزِيلٌ رُفِعَ بِالِابْتِداءِ وكِتابٌ خَبَرُهُ، وثالِثُها: قالَ الزَّجّاجُ: تَنْزِيلٌ رُفِعَ بِالِابْتِداءِ وخَبَرُهُ ”﴿كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ﴾“ ووَجْهُهُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿تَنْزِيلٌ﴾ تَخَصَّصَ بِالصِّفَةِ وهو قَوْلُهُ: ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فَجازَ وُقُوعُهُ مُبْتَدَأً.
(p-٨٢)واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى حَكَمَ عَلى السُّورَةِ المُسَمّاةِ بِـ ”حم“ بِأشْياءَ:
أوَّلُها: كَوْنُهُ تَنْزِيلًا، والمُرادُ المُنْزَلُ، والتَّعْبِيرُ عَنِ المَفْعُولِ بِالمَصْدَرِ مَجازٌ مَشْهُورٌ، يُقالُ: هَذا بِناءُ الأمِيرِ أيْ مَبْنِيُّهُ، وهَذا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ السُّلْطانِ أيْ مَضْرُوبُهُ، والمُرادُ مِن كَوْنِها مَنزِلًا أنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَها في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، وأمَرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنْ يَحْفَظَ تِلْكَ الكَلِماتِ ثُمَّ يَنْزِلَ بِها عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ ويُبَلِّغَها إلَيْهِ، فَلَمّا حَصَلَ تَفْهِيمُ هَذِهِ الكَلِماتِ بِواسِطَةِ نُزُولِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ سُمِّيَ لِذَلِكَ تَنْزِيلًا وثانِيها: كَوْنُ التَّنْزِيلِ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَوْنِ التَّنْزِيلِ نِعْمَةً عَظِيمَةً مِنَ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّ الفِعْلَ المَقْرُونَ بِالصِّفَةِ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ مُناسِبًا لِتِلْكَ الصِّفَةِ، فَكَوْنُهُ تَعالى رَحْمانًا رَحِيمًا صِفَتانِ دالَّتانِ عَلى كَمالِ الرَّحْمَةِ، فالتَّنْزِيلُ المُضافُ إلى هاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ دالًّا عَلى أعْظَمِ وُجُوهِ النِّعْمَةِ، والأمْرُ في نَفْسِهِ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ الخَلْقَ في هَذا العالَمِ كالمَرْضى والزَّمْنى والمُحْتاجِينَ، والقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلى كُلِّ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ المَرْضى مِنَ الأدْوِيَةِ وعَلى كُلِّ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ الأصِحّاءُ مِنَ الأغْذِيَةِ، فَكانَ أعْظَمُ النِّعَمِ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى عَلى أهْلِ هَذا العالَمِ إنْزالَ القُرْآنِ عَلَيْهِمْ.
وثالِثُها: كَوْنُهُ كِتابًا وقَدْ بَيَّنّا أنَّ هَذا الِاسْمَ مُشْتَقٌّ مِنَ الجَمْعِ، وإنَّما سُمِّيَ كِتابًا؛ لِأنَّهُ جَمَعَ فِيهِ عُلُومَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ.
ورابِعُها: قَوْلُهُ ﴿فُصِّلَتْ آياتُهُ﴾ والمُرادُ أنَّهُ فُرِّقَتْ آياتُهُ وجُعِلَتْ تَفاصِيلَ في مَعانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَبَعْضُها في وصْفِ ذاتِ اللَّهِ تَعالى وشَرْحِ صِفاتِ التَّنْزِيهِ والتَّقْدِيسِ وشَرْحِ كَمالِ عِلْمِهِ وقُدْرَتِهِ ورَحْمَتِهِ وحِكْمَتِهِ وعَجائِبِ أحْوالِ خَلْقِهِ السَّماواتِ والأرْضَ والكَواكِبَ، وتَعاقُبِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وعَجائِبِ أحْوالِ النَّباتِ والحَيَوانِ والإنْسانِ، وبَعْضُها في أحْوالِ التَّكالِيفِ المُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ القُلُوبِ ونَحْوَ الجَوارِحِ، وبَعْضُها في الوَعْدِ والوَعِيدِ، والثَّوابِ والعِقابِ، ودَرَجاتِ أهْلِ الجَنَّةِ، ودَرَجاتِ أهْلِ النّارِ، وبَعْضُها في المَواعِظِ والنَّصائِحِ، وبَعْضُها في تَهْذِيبِ الأخْلاقِ، ورِياضَةِ النَّفْسِ، وبَعْضُها في قَصَصِ الأوَّلِينَ، وتَوارِيخِ الماضِينَ.
وبِالجُمْلَةِ فَمَن أنْصَفَ عَلِمَ أنَّهُ لَيْسَ في يَدِ الخَلْقِ كِتابٌ اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ العُلُومِ المُخْتَلِفَةِ والمَباحِثِ المُتَبايِنَةِ مِثْلُ ما في القُرْآنِ.
وخامِسُها: قَوْلُهُ ﴿قُرْآنًا﴾ والوَجْهُ في تَسْمِيَتِهِ قُرْآنًا قَدْ سَبَقَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُرْآنًا﴾ نُصِبَ عَلى الِاخْتِصاصِ والمَدْحِ أيْ أُرِيدُ بِهَذا الكِتابِ المُفَصَّلِ قُرْآنًا مِن صِفَتِهِ كَيْتَ وكَيْتَ، وقِيلَ هو نَصْبٌ عَلى الحالِ
وسادِسُها: قَوْلُهُ ﴿عَرَبِيًّا﴾ والمَعْنى أنَّ هَذا القُرْآنَ إنَّما نَزَلَ بِلُغَةِ العَرَبِ وتَأكَّدَ هَذا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤] .
وسابِعُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ والمَعْنى: إنّا جَعَلْناهُ عَرَبِيًّا لِأجْلِ أنّا أنْزَلْناهُ عَلى قَوْمٍ عَرَبٍ فَجَعَلْناهُ بِلُغَةِ العَرَبِ لِيَفْهَمُوا مِنهُ المُرادَ، فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِماذا ؟ قُلْنا: يَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ ﴿تَنْزِيلٌ﴾ أوْ بِقَوْلِهِ ﴿فُصِّلَتْ﴾ أيْ تَنْزِيلٌ مِنَ اللَّهِ لِأجْلِهِمْ أوْ فُصِّلَتْ آياتُهُ لِأجْلِهِمْ، والأجْوَدُ أنْ يَكُونَ صِفَةً مِثْلَ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ، أيْ قُرْآنًا عَرَبِيًّا كائِنًا لِقَوْمٍ عَرَبٍ، لِئَلّا يُفَرَّقَ بَيْنَ الصِّلاتِ والصِّفاتِ.
وثامِنُها وتاسِعُها: قَوْلُهُ: ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا﴾ يَعْنِي بَشِيرًا لِلْمُطِيعِينَ بِالثَّوابِ ونَذِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ بِالعِقابِ، والحَقُّ أنَّ القُرْآنَ بِشارَةٌ ونِذارَةٌ، إلّا أنَّهُ أطْلَقَ اسْمَ الفاعِلِ عَلَيْهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى كَوْنِهِ كامِلًا في هَذِهِ الصِّفَةِ، كَما يُقالُ شِعْرٌ شاعِرٌ وكَلامٌ قائِلٌ.
الصِّفَةُ العاشِرَةُ: كَوْنُهم مُعْرِضِينَ عَنْهُ لا يَسْمَعُونَ ولا يَلْتَفِتُونَ إلَيْهِ، فَهَذِهِ هي الصِّفاتُ العَشْرَةُ الَّتِي وصَفَ اللَّهُ القُرْآنَ بِها، ويَتَفَرَّعُ عَلَيْها مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: القائِلُونَ بِخَلْقِ القُرْآنِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الآيَةِ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ وصَفَ القُرْآنَ بِكَوْنِهِ تَنْزِيلًا ومُنْزَلًا والمُنْزَلُ والتَّنْزِيلُ مُشْعِرٌ بِالتَّصْيِيرِ مِن حالٍ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا.
الثّانِي: أنَّ التَّنْزِيلَ مَصْدَرٌ، والمَصْدَرُ هو المَفْعُولُ المُطْلَقُ بِاتِّفاقِ النَّحْوِيِّينَ.
الثّالِثُ: المُرادُ بِالكِتابِ إمّا الكِتابَ وهو المَصْدَرُ الَّذِي هو (p-٨٣)المَفْعُولُ المُطْلَقُ أوِ المَكْتُوبُ الَّذِي هو المَفْعُولُ.
الرّابِعُ: أنَّ قَوْلَهُ (فُصِّلَتْ) يَدُلُّ عَلى أنَّ مُتَصَرِّفًا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالتَّفْصِيلِ والتَّمْيِيزِ، وذَلِكَ لا يَلِيقُ بِالقَدِيمِ.
الخامِسُ: أنَّهُ إنَّما سُمِّيَ قُرْآنًا؛ لِأنَّهُ قُرِنَ بَعْضُ أجْزائِهِ بِالبَعْضِ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ مَفْعُولَ فاعِلٍ ومَجْعُولَ جاعِلٍ
السّادِسُ: وصْفُهُ عَرَبِيًّا، وإنَّما صَحَّتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ لِأجْلِ أنَّ هَذِهِ الألْفاظَ إنَّما دَخَلَتْ عَلى هَذِهِ المَعانِي بِحَسَبِ وضْعِ العَرَبِ واصْطِلاحاتِهِمْ، وما جُعِلَ بِجَعْلِ جاعِلٍ وفِعْلِ فاعِلٍ، فَلا بُدَّ وأنْ يَكُونَ مُحْدَثًا ومَخْلُوقًا.
الجَوابُ: أنَّ كُلَّ هَذِهِ الوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوها عائِدَةٌ إلى اللُّغاتِ وإلى الحُرُوفِ والكَلِماتِ، وهي عِنْدَنا مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ، إنَّما الَّذِي نَدَّعِي قِدَمَهُ شَيْءٌ آخَرُ سِوى هَذِهِ الألْفاظِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ذَهَبَ أكْثَرُ المُتَكَلِّمِينَ إلى أنَّهُ يَجِبُ عَلى المُكَلَّفِ تَنْزِيلُ ألْفاظِ القُرْآنِ عَلى المَعانِي الَّتِي هي مَوْضُوعَةٌ لَها بِحَسَبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، فَأمّا حَمْلُها عَلى مَعانٍ أُخَرَ لا بِهَذا الطَّرِيقِ فَهَذا باطِلٌ قَطْعًا، وذَلِكَ مِثْلُ الوُجُوهِ الَّتِي يَذْكُرُها أهْلُ الباطِنِ، مِثْلَ أنَّهم تارَةً يَحْمِلُونَ الحُرُوفَ عَلى حِسابِ الجُمَّلِ وتارَةً يَحْمِلُونَ كُلَّ حَرْفٍ عَلى شَيْءٍ آخَرَ، ولِلصُّوفِيَّةِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ في البابِ ويُسَمُّونَها عِلْمَ المُكاشَفَةِ والَّذِي يُدَلِّلُ عَلى فَسادِ تِلْكَ الوُجُوهِ بِأسْرِها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ وإنَّما سَمّاهُ عَرَبِيًّا لِكَوْنِهِ دالًّا عَلى هَذِهِ المَعانِي المَخْصُوصَةِ بِوَضْعِ العَرَبِ وبِاصْطِلاحاتِهِمْ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ دَلالَةَ هَذِهِ الألْفاظِ لَمْ تَحْصُلْ إلّا عَلى تِلْكَ المَعانِي المَخْصُوصَةِ، وأنَّ ما سِواهُ فَهو باطِلٌ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّهُ حَصَلَ في القُرْآنِ مِن سائِرِ اللُّغاتِ كَقَوْلِهِ: ﴿إسْتَبْرَقٍ﴾ [الكهف: ٣١] و﴿سِجِّيلٍ﴾ [هود: ٨٢] فَإنَّهُما فارِسِيّانِ، وقَوْلِهِ (مِشْكاةٍ) [النور: ٣٥] فَإنَّها مِن لُغَةِ الحَبَشَةِ وقَوْلِهِ: (قِسْطاسِ) [الإسراء: ٣٥] فَإنَّهُ مِن لُغَةِ الرُّومِ والَّذِي يَدُلُّ عَلى فَسادِ هَذا المَذْهَبِ قَوْلُهُ: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾، وقَوْلُهُ: ﴿وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ [إبراهيم: ٤] .
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ لَفْظُ الإيمانِ والكُفْرِ والصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّوْمِ والحَجِّ ألْفاظٌ شَرْعِيَّةٌ لا لُغَوِيَّةٌ، والمَعْنى أنَّ الشَّرْعَ نَقَلَ هَذِهِ الألْفاظَ عَنْ مُسَمَّياتِها اللُّغَوِيَّةِ الأصْلِيَّةِ إلى مُسَمَّياتٍ أُخْرى، وعِنْدَنا أنَّ هَذا باطِلٌ، ولَيْسَ لِلشَّرْعِ تَصَرُّفٌ في هَذِهِ الألْفاظِ عَنْ مُسَمَّياتِها إلّا مِن وجْهٍ واحِدٍ، وهو أنَّهُ خَصَّصَ هَذِهِ الأسْماءَ بِنَوْعٍ واحِدٍ مِن أنْواعِ مُسَمَّياتِها مَثَلًا، الإيمانُ عِبارَةٌ عَنِ التَّصْدِيقِ فَخَصَّصَهُ الشَّرْعُ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ التَّصْدِيقِ، والصَّلاةُ عِبارَةٌ عَنِ الدُّعاءِ فَخَصَّصَهُ الشَّرْعُ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الدُّعاءِ، كَذا القَوْلُ في البَواقِي ودَلِيلُنا عَلى صِحَّةِ مَذْهَبِنا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾، وقَوْلُهُ ﴿وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ﴾ .
* * *
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: إنَّما وصَفَ اللَّهُ القُرْآنَ بِكَوْنِهِ (عَرَبِيًّا) في مَعْرِضِ المَدْحِ والتَّعْظِيمِ وهَذا المَطْلُوبُ لا يَتِمُّ إلّا إذا ثَبَتَ أنَّ لُغَةَ العَرَبِ أفْضَلُ اللُّغاتِ.
واعْلَمْ أنَّ هَذا المَقْصُودَ إنَّما يَتِمُّ إذا ضَبَطْنا أقْسامَ فَضائِلِ اللُّغاتِ بِضابِطٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ بَيَّنّا أنَّ تِلْكَ الأقْسامَ حاصِلَةٌ فِيهِ لا في غَيْرِهِ، فَنَقُولُ: لا شَكَ أنَّ الكَلامَ مُرَكَّبٌ مِنَ الكَلِماتِ المُفْرَدَةِ، وهي مُرَكَّبَةٌ مِنَ الحُرُوفِ، فالكَلِمَةُ لَها مادَّةٌ وهي الحُرُوفُ، ولَها صُورَةٌ وهي تِلْكَ الهَيْئَةُ المُعَيَّنَةُ الحاصِلَةُ عِنْدَ التَّرْكِيبِ. فَهَذِهِ الفَضِيلَةُ إنَّما تَحْصُلُ إمّا بِحَسَبِ مادَّتِها أوْ بِحَسَبِ صُورَتِها، أمّا الَّتِي بِحَسَبِ مادَّتِها فَهي آحادُ الحُرُوفِ، واعْلَمْ أنَّ (p-٨٤)الحُرُوفَ عَلى قِسْمَيْنِ:
بَعْضُها بَيِّنَةُ المَخارِجِ ظاهِرَةُ المَقاطِعِ، وبَعْضُها خَفِيَّةُ المَخارِجِ مُشْتَبِهَةُ المَقاطِعِ، وحُرُوفُ العَرَبِ بِأسْرِها ظاهِرَةُ المَخارِجِ بَيِّنَةُ المَقاطِعِ، ولا يَشْتَبِهُ شَيْءٌ مِنها بِالآخَرِ.
وأمّا الحُرُوفُ المُسْتَعْمَلَةُ في سائِرِ اللُّغاتِ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَحْصُلُ فِيها حَرْفٌ يَشْتَبِهُ بَعْضُها بِالبَعْضِ، وذَلِكَ يُخِلُّ بِكَمالِ الفَصاحَةِ، وأيْضًا الحَرَكاتُ المُسْتَعْمَلَةُ في سائِرِ لُغَةِ العَرَبِ حَرَكاتٌ ظاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ وهي النَّصْبُ والرَّفْعُ والجَرُّ، وكُلُّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الثَّلاثَةِ فَإنَّهُ يَمْتازُ عَنْ غَيْرِهِ امْتِيازًا ظاهِرًا جَلِيًّا، وأمّا الإشْمامُ والرَّوْمُ فَيَقِلُّ حُصُولُهُما في لُغاتِ العَرَبِ، وذَلِكَ أيْضًا مَن جِنْسِ ما يُوجِبُ الفَصاحَةَ، وأمّا الكَلِماتُ الحاصِلَةُ بِحَسَبِ التَّرْكِيبِ فَهي أنْواعٌ:
أحَدُها: أنَّ الحُرُوفَ عَلى قِسْمَيْنِ: مُتَقارِبَةُ المَخْرَجِ ومُتَباعِدَةُ المَخْرَجِ، وأيْضًا الحُرُوفُ عَلى قِسْمَيْنِ مِنها صُلْبَةٌ ومِنها رَخْوَةٌ، فَيَحْصُلُ مِن هَذا التَّقْسِيمِ أقْسامٌ أرْبَعَةٌ: الصُّلْبَةُ المُتَقارِبَةُ، والرِّخْوَةُ المُتَقارِبَةُ، والصُّلْبَةُ المُتَباعِدَةُ، والرِّخْوَةُ المُتَباعِدَةُ، فَإذا تَوالى في الكَلِمَةِ حَرْفانِ صُلْبانِ مُتَقارِبانِ، صَعُبَ اللَّفْظُ بِها؛ لِأنَّ بِسَبَبِ تَقارُبِ المَخْرَجِ يَصِيرُ التَّلَفُّظُ بِها جارِيًا مَجْرى ما إذا كانَ الإنْسانُ مُقَيَّدًا ثُمَّ يَمْشِي، وبِسَبَبِ صَلابَةِ تِلْكَ الحُرُوفِ تَتَوارَدُ الأعْمالُ الشّاقَّةُ القَوِيَّةُ عَلى المَوْضِعِ الواحِدِ مِنَ المَخْرَجِ، وتَوالِي الأعْمالِ الشّاقَّةِ يُوجِبُ الضَّعْفَ والإعْياءَ، ومِثْلُ هَذا التَّرْكِيبِ في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ قَلِيلٌ.
وثانِيها: أنَّ جِنْسَ بَعْضِ الحُرُوفِ ألَذُّ وأطْيَبُ في السَّمْعِ، وكُلُّ كَلِمَةٍ يَحْصُلُ فِيها حَرْفٌ مِن هَذا الجِنْسِ كانَ سَماعُها أطْيَبَ.
وثالِثُها: الوَزْنُ، فَنَقُولُ: الكَلِمَةُ إمّا أنْ تَكُونَ ثُنائِيَّةً أوْ ثُلاثِيَّةً أوْ رُباعِيَّةً، وأعْدَلُها هو الثُّلاثِيُّ؛ لِأنَّ الصَّوْتَ إنَّما يَتَوَلَّدُ بِسَبَبِ الحَرَكَةِ، والحَرَكَةُ لا بُدَّ لَها مِن مَبْدَأٍ ووَسَطٍ ومُنْتَهًى، فَهَذِهِ ثَلاثُ مَراتِبَ، فالكَلِمَةُ لا بُدَّ وأنْ يَحْصُلَ فِيها هَذِهِ المَراتِبُ الثَّلاثَةُ حَتّى تَكُونَ تامَّةً، أمّا الثُّنائِيَّةُ فَهي ناقِصَةٌ، وأمّا الرُّباعِيَّةُ فَهي زائِدَةٌ، والغائِبُ في كَلامِ العَرَبِ الثُّلاثِيّاتُ، فَثَبَتَ بِما ذَكَرْنا ضَبْطُ فَصائِلِ اللُّغاتِ، والِاسْتِقْراءُ يَدُلُّ عَلى أنَّ لُغَةَ العَرَبِ مَوْصُوفَةٌ بِها، وأمّا سائِرُ اللُّغاتِ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: قَوْلُهُ: (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يَعْنِي إنَّما جَعَلْناهُ (عَرَبِيًّا) لِأجْلِ أنْ يَعْلَمُوا المُرادَ مِنهُ، والقائِلُونَ بِأنَّ أفْعالَ اللَّهِ مُعَلَّلَةٌ بِالمَصالِحِ والحِكَمِ، تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الآيَةِ وقالُوا: إنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّهُ إنَّما جَعَلَهُ (عَرَبِيًّا) لِهَذِهِ الحِكْمَةِ، فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ تَعْلِيلَ أفْعالِ اللَّهِ تَعالى وأحْكامِهِ جائِزٌ.
المَسْألَةُ السّابِعَةُ: قالَ قَوْمٌ: القُرْآنُ كُلُّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ بَلْ فِيهِ ما يُعْلَمُ وفِيهِ ما لا يُعْلَمُ، وقالَ المُتَكَلِّمُونَ لا يَجُوزُ أنْ يَحْصُلَ فِيهِ شَيْءٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآنًا﴾ يَعْنِي إنَّما جَعَلْناهُ عَرَبِيًّا لِيَصِيرَ مَعْلُومًا والقَوْلُ بِأنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ يَقْدَحُ فِيهِ.
المَسْألَةُ الثّامِنَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأعْرَضَ أكْثَرُهم فَهم لا يَسْمَعُونَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ الهادِيَ مَن هَداهُ اللَّهُ وأنَّ الضّالَّ مَن أضَلَّهُ اللَّهُ وتَقْرِيرُهُ أنَّ الصِّفاتِ التِّسْعَةَ المَذْكُورَةَ لِلْقُرْآنِ تُوجِبُ قُوَّةَ الِاهْتِمامِ بِمَعْرِفَتِهِ وبِالوُقُوفِ عَلى مَعانِيهِ؛ لِأنّا بَيَّنّا أنَّ كَوْنَهُ نازِلًا مِن عِنْدِ الإلَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَدُلُّ عَلى اشْتِمالِهِ عَلى أفْضَلِ المَنافِعِ وأجَلِّ المَطالِبِ، وكَوْنُهُ ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ مُفَصَّلًا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ في غايَةِ الكَشْفِ والبَيانِ، وكَوْنُهُ ﴿بَشِيرًا ونَذِيرًا﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ الِاحْتِياجَ إلى فَهْمٍ ما فِيهِ مِن أهَمِّ المُهِمّاتِ؛ لِأنَّ سَعْيَ الإنْسانِ في مَعْرِفَةِ ما يُوَصِّلُهُ إلى الثَّوابِ أوْ إلى العِقابِ مِن أهَمِّ المُهِمّاتِ، وقَدْ حَصَلَتْ هَذِهِ المُوجِباتُ الثَّلاثَةُ في تَأْكِيدِ الرَّغْبَةِ في فَهْمِ القُرْآنِ وفي شِدَّةِ المَيْلِ إلى الإحاطَةِ بِهِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أعْرَضُوا عَنْهُ ولَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ ونَبَذُوهُ وراءَ ظُهُورِهِمْ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى (p-٨٥)أنَّهُ لا مَهْدِيَّ إلّا مَن هَداهُ اللَّهُ، ولا ضالَّ إلّا مَن أضَلَّهُ اللَّهُ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا وصَفَ القُرْآنَ بِأنَّهم أعْرَضُوا عَنْهُ ولا يَسْمَعُونَهُ، بَيَّنَ أنَّهم صَرَّحُوا بِهَذِهِ النَّفْرَةِ والمُباعَدَةِ، وذَكَرُوا ثَلاثَةَ أشْياءَ أحَدُها: أنَّهم قالُوا ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ﴾ وأكِنَّةٌ جَمْعُ كِنانٍ كَأغْطِيَةٍ جَمْعِ غِطاءٍ، والكِنانُ هو الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ السِّهامُ.
وثانِيها: قَوْلُهم ﴿وفِي آذانِنا وقْرٌ﴾ أيْ صَمَمٌ وثِقَلٌ مِنِ اسْتِماعِ قَوْلِكَ.
وثالِثُها: قَوْلُهم ﴿ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ والحِجابُ هو الَّذِي يَمْنَعُ مِنَ الرُّؤْيَةِ، والفائِدَةُ في كَلِمَةِ ”مِن“ في قَوْلِهِ ﴿ومِن بَيْنِنا﴾ أنَّهُ لَوْ قِيلَ: وبَيْنَنا وبَيْنَكَ حِجابٌ، لَكانَ المَعْنى أنَّ حِجابًا حَصَلَ وسَطَ الجِهَتَيْنِ، وأمّا بِزِيادَةِ لَفْظِ ”مِن“ كَأنَّ المَعْنى أنَّ الحِجابَ ابْتَدَأ مِنّا وابْتَدَأ مِنكَ، فالمَسافَةُ الحاصِلَةُ بَيْنَنا وبَيْنَكَ مُسْتَوْعَبَةٌ بِالحِجابِ، وما بَقِيَ جُزْءٌ مِنها فارِغًا عَنْ هَذا الحِجابِ فَكانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ دالَّةً عَلى قُوَّةِ هَذا الحِجابِ، هَكَذا ذَكَرَهُ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ وهو في غايَةِ الحُسْنِ.
واعْلَمْ أنَّهُ إنَّما وقَعَ الِاقْتِصارُ عَلى هَذِهِ الأعْضاءِ الثَّلاثَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ القَلْبَ مَحَلُّ المَعْرِفَةِ وسُلْطانُ البَدَنِ، والسَّمْعُ والبَصَرُ هُما الآلَتانِ المُعَيَّنَتانِ لِتَحْصِيلِ المَعارِفِ، فَلَمّا بَيَّنَ أنَّ هَذِهِ الثَّلاثَةَ مَحْجُوبَةٌ كانَ ذَلِكَ أقْصى ما يُمْكِنُ في هَذا البابِ.
* * *
واعْلَمْ أنَّهُ إذا تَأكَّدَتِ النَّفْرَةُ عَنِ الشَّيْءِ صارَتْ تِلْكَ النَّفْرَةُ في القَلْبِ فَإذا سَمِعَ مِنهُ كَلامًا لَمْ يُفْهَمْ مَعْناهُ كَما يَنْبَغِي، وإذا رَآهُ لَمْ تَصِرْ تِلْكَ الرُّؤْيَةُ سَبَبًا لِلْوُقُوفِ عَلى دَقائِقِ أحْوالِ ذَلِكَ المَرْئِيِّ، وذَلِكَ المُدْرِكُ والشّاعِرُ هو النَّفْسُ، وشَدَّةُ نَفْرَةِ النَّفْسِ عَنِ الشَّيْءِ تَمْنَعُها مِنَ التَّدَبُّرِ والوُقُوفِ عَلى دَقائِقِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ كانَ قَوْلُهم ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ اسْتِعاراتٍ كامِلَةً في إفادَةِ المَعْنى المُرادِ، فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ تَعالى حَكى هَذا المَعْنى عَنِ الكُفّارِ في مَعْرِضِ الذَّمِّ، وذَكَرَ أيْضًا ما يُقَرِّبُ مِنهُ في مَعْرِضِ الذَّمِّ، فَقالَ: ﴿وقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة: ٨٨] .
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ هَذِهِ الأشْياءَ الثَّلاثَةَ بِعَيْنِها في مَعْرِضِ التَّقْرِيرِ والإثْباتِ في سُورَةِ الأنْعامِ، فَقالَ: ﴿وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا﴾ [الأنعام: ٢٥] فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَهُما ؟ قُلْنا إنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَهُنا إنَّهم كَذَبُوا في ذَلِكَ، إنَّما الَّذِي ذَمَّهم عَلَيْهِ أنَّهم قالُوا: إنّا إذا كُنّا كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَكْلِيفُنا، وتَوْجِيهُ الأمْرِ والنَّهْيِ عَلَيْنا، وهَذا الثّانِي باطِلٌ، أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّهُ لَيْسَ في الآيَةِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهم كَذَبُوا فِيهِ.
واعْلَمْ أنَّهم لَمّا وصَفُوا أنْفُسَهم بِهَذِهِ الصِّفاتِ الثَّلاثَةِ، قالُوا ﴿فاعْمَلْ إنَّنا عامِلُونَ﴾ والمُرادُ فاعْمَلْ عَلى دِينِكَ إنَّنا عامِلُونَ عَلى دِينِنا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ فاعْمَلْ في إبْطالِ أمْرِنا إنَّنا عامِلُونَ في إبْطالِ أمْرِكَ، والحاصِلُ عِنْدَنا أنَّ القَوْمَ ما كَذَبُوا في قَوْلِهِمْ ﴿قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ وفي آذانِنا وقْرٌ ومِن بَيْنِنا وبَيْنِكَ حِجابٌ﴾ بَلْ إنَّما أتَوْا بِالكُفْرِ والكَلامِ الباطِلِ في قَوْلِهِمْ ﴿فاعْمَلْ إنَّنا عامِلُونَ﴾ .
ولَمّا حَكى اللَّهُ عَنْهم هَذِهِ الشُّبْهَةَ أمَرَ مُحَمَّدًا ﷺ أنْ يُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ﴾ وبَيانُ هَذا الجَوابِ كَأنَّهُ يَقُولُ: إنِّي لا أقْدِرُ أنْ أحْمِلَكم عَلى الإيمانِ جَبْرًا وقَهْرًا فَإنِّي بَشَرٌ مِثْلُكم ولا امْتِيازَ بَيْنِي وبَيْنَكم إلّا بِمُجَرَّدِ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ أوْحى إلَيَّ، وما أوْحى إلَيْكم فَأنا أُبَلِّغُ هَذا الوَحْيَ إلَيْكم، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَرَّفَكُمُ اللَّهُ بِالتَّوْحِيدِ والتَّوْفِيقِ قَبِلْتُمُوهُ، وإنْ خَذَلَكم بِالحِرْمانِ رَدَدْتُمُوهُ، وذَلِكَ لا يَتَعَلَّقُ بِنَبُّوتِي ورِسالَتِي، ثُمَّ بَيَّنَ أنَّ خُلاصَةَ ذَلِكَ الوَحْيِ تَرْجِعُ إلى أمْرَيْنِ: العِلْمُ والعَمَلُ، أمّا العِلْمُ فالرَّأْسُ (p-٨٦)والرَّئِيسُ فِيهِ مَعْرِفَةُ التَّوْحِيدِ؛ ذَلِكَ لِأنَّ الحَقَّ هو أنَّ اللَّهَ واحِدٌ وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ ﴿أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ وإذا كانَ الحَقُّ في نَفْسِ الأمْرِ ذَلِكَ، وجَبَ عَلَيْنا أنْ نَعْتَرِفَ بِهِ، وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ﴾ ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنَّ هَذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: ١٥٣] وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ﴾ وجْهانِ:
الأوَّلُ: فاسْتَقِيمُوا مُتَوَجِّهِينَ إلَيْهِ.
الثّانِي: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: (فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ) مَعْناهُ فاسْتَقِيمُوا لَهُ لِأنَّ حُرُوفَ الجَرِّ يُقامُ بَعْضُها مُقامَ البَعْضِ.
واعْلَمْ أنَّ التَّكْلِيفَ لَهُ رُكْنانِ: أحَدُهُما: الِاعْتِقادُ، والرَّأْسُ والرَّئِيسُ فِيهِ اعْتِقادُ التَّوْحِيدِ، فَلَمّا أمَرَ بِذَلِكَ انْتَقَلَ إلى وظِيفَةِ العَمَلِ والرَّأْسُ والرَّئِيسُ فِيهِ الِاسْتِغْفارُ؛ فَلِهَذا السَّبَبِ قالَ: (واسْتَغْفِرُوهُ) فَإنْ قِيلَ: المَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِغْفارِ والتَّوْبَةِ إزالَةُ ما لا يَنْبَغِي، وذَلِكَ مُقَدَّمٌ عَلى فِعْلِ ما يَنْبَغِي، فَلِمَ عَكَسَ هَذا التَّرْتِيبَ هَهُنا وقَدَّمَ ما يَنْبَغِي عَلى إزالَةِ ما يَنْبَغِي ؟ قُلْنا: لَيْسَ المُرادُ مِن هَذا الِاسْتِغْفارِ الِاسْتِغْفارَ عَنِ الكُفْرِ، بَلِ المُرادُ مِنهُ أنْ يَعْمَلَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرَ بَعْدَهُ لِأجْلِ الخَوْفِ مِن وُقُوعِ التَّقْصِيرِ في العَمَلِ الَّذِي أتى بِهِ كَما قالَ ﷺ: «”وإنَّهُ لَيُغانُ عَلى قَلْبِي وإنِّي لَأسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً“» ولَمّا رَغَّبَ اللَّهُ تَعالى في الخَيْرِ والطّاعَةِ أمَرَ بِالتَّحْذِيرِ عَمّا لا يَنْبَغِي، فَقالَ: ﴿ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ وفي هَذِهِ الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: وجْهُ النَّظْمِ في هَذِهِ الآيَةِ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ العُقُولَ والشَّرائِعَ ناطِقَةٌ بِأنَّ خُلاصَةَ السَّعاداتِ مَرْبُوطَةٌ بِأمْرَيْنِ: التَّعْظِيمِ لِأمْرِ اللَّهِ، والشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ المَوْجُوداتِ، إمّا الخالِقُ وإمّا الخَلْقُ، فَأمّا الخالِقُ فَكَمالُ السَّعادَةِ في المُعامَلَةِ مَعَهُ أنْ يُقِرَّ بِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِصِفاتِ الجَلالِ والعَظَمَةِ، ثُمَّ يَأْتِي بِأفْعالٍ دالَّةٍ عَلى كَوْنِهِ في نِهايَةِ العَظَمَةِ في اعْتِقادِنا وهَذا هو المُرادُ مِنَ التَّعْظِيمِ لِأمْرِ اللَّهِ، وأمّا الخَلْقُ فَكَمالُ السَّعادَةِ في المُعامَلَةِ مَعَهم أنْ يَسْعى في دَفْعِ الشَّرِّ عَنْهم وفي إيصالِ الخَيْرِ إلَيْهِمْ، وذَلِكَ هو المُرادُ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ، فَثَبَتَ أنْ أعْظَمَ الطّاعاتِ التَّعْظِيمُ لِأمْرِ اللَّهِ، وأفْضَلُ أبْوابِ التَّعْظِيمِ لِأمْرِ اللَّهِ الإقْرارُ بِكَوْنِهِ واحِدًا وإذا كانَ التَّوْحِيدُ أعْلى المَراتِبِ وأشْرَفَها كانَ ضِدُّهُ وهو الشِّرْكُ أخَسَّ المَراتِبِ وأرْذَلَها، ولَمّا كانَ أفْضَلُ أنْواعِ المُعامَلَةِ مَعَ الخَلْقِ هو إظْهارُ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ كانَ الِامْتِناعُ مِنَ الزَّكاةِ أخَسَّ الأعْمالِ؛ لِأنَّهُ ضِدُّ الشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ، إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: إنَّهُ تَعالى أثْبَتَ الوَيْلَ لِمَن كانَ مَوْصُوفًا بِصِفاتٍ ثَلاثَةٍ:
أوَّلُها: أنْ يَكُونَ مُشْرِكًا وهو ضِدُّ التَّوْحِيدِ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ وثانِيها: كَوْنُهُ مُمْتَنِعًا مِنَ الزَّكاةِ، وهو ضِدُّ الشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ وثالِثُها: كَوْنُهُ مُنْكِرًا لِلْقِيامَةِ مُسْتَغْرِقًا في طَلَبِ الدُّنْيا ولَذّاتِها، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ ﴿وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ وتَمامُ الكَلامِ في أنَّهُ لا زِيادَةَ عَلى هَذِهِ المَراتِبِ الثَّلاثَةِ أنَّ الإنْسانَ لَهُ ثَلاثَةُ أيّامٍ: الأمْسُ واليَوْمُ والغَدُ، أمّا مَعْرِفَةُ أنَّهُ كَيْفَ كانَتْ أحْوالُ الأمْسِ في الأزَلِ فَهو بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى الأزَلِيِّ الخالِقِ لِهَذا العالَمِ.
وأمّا مَعْرِفَةُ أنَّهُ كَيْفَ يَنْبَغِي وُقُوعُ الأحْوالِ في اليَوْمِ الحاضِرِ فَهو بِالإحْسانِ إلى أهْلِ العالَمِ بِقَدْرِ الطّاقَةِ، وأمّا مَعْرِفَةُ الأحْوالِ في اليَوْمِ المُسْتَقْبَلِ فَهو الإقْرارُ بِالبَعْثِ والقِيامَةِ، وإذا كانَ الإنْسانُ عَلى ضِدِّ الحَقِّ في هَذِهِ المَراتِبِ الثَّلاثَةِ كانَ في نِهايَةِ الجَهْلِ والضَّلالِ، فَلِهَذا حَكَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالوَيْلِ، فَقالَ: ﴿ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ وهَذا تَرْتِيبٌ في غايَةِ الحُسْنِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
الوَجْهُ الثّانِي: في تَقْرِيرِ كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ أنْ يُقالَ: المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ أيْ لا يُزَكُّونَ أنْفُسَهم مِن لَوَثِ الشِّرْكِ بِقَوْلِهِمْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وهو مَأْخُوذٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ونَفْسٍ وما سَوّاها﴾ [الشمس: ٧]
(p-٨٧)الثّالِثُ: قالَ الفَرّاءُ: إنَّ قُرَيْشًا كانْتَ تُطْعِمُ الحاجَّ، فَحَرَّمُوا ذَلِكَ عَلى مَن آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ أصْحابُنا في إثْباتِ أنَّ الكُفّارَ مُخاطَبُونَ بِفُرُوعِ الإسْلامِ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَقالُوا إنَّهُ تَعالى ألْحَقَ الوَعِيدَ الشَّدِيدَ بِناءً عَلى أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: كَوْنُهُ مُشْرِكًا، والثّانِي: أنَّهُ لا يُؤْتِي الزَّكاةَ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ لِكُلِّ واحِدٍ مِن هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ تَأْثِيرٌ في حُصُولِ ذَلِكَ الوَعِيدِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ لِعَدَمِ إيتاءِ الزَّكاةِ مِنَ المُشْرِكَ تَأْثِيرًا عَظِيمًا في زِيادَةِ الوَعِيدِ، وذَلِكَ هو المَطْلُوبُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: احْتَجَّ بَعْضُهم عَلى أنَّ الِامْتِناعَ مِن إيتاءِ الزَّكاةِ يُوجِبُ الكُفْرَ، فَقالَ: إنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ هَذِهِ الصِّفَةَ ذَكَرَ قَبْلَها ما يُوجِبُ الكُفْرَ، وهو قَوْلُهُ: ﴿ووَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ وذَكَرَ أيْضًا بَعْدَها ما يُوجِبُ الكُفْرَ، وهو قَوْلُهُ: ﴿وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَدَمُ إيتاءِ الزَّكاةِ كُفْرًا لَكانَ ذِكْرُهُ فِيما بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ المُوجِبَتَيْنِ لِلْكُفْرِ قَبِيحًا؛ لِأنَّ الكَلامَ إنَّما يَكُونُ فَصِيحًا إذا كانَتِ المُناسَبَةُ مَرْعِيَّةً بَيْنَ أجْزائِهِ، ثُمَّ أكَّدُوا ذَلِكَ بِأنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَكَمَ بِكُفْرِ مانِعِي الزَّكاةِ، والجَوابُ: لَمّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أنَّ الإيمانَ عِبارَةٌ عَنِ التَّصْدِيقِ بِالقَلْبِ والإقْرارِ بِاللِّسانِ، وهُما حاصِلانِ عِنْدَ عَدَمِ إيتاءِ الزَّكاةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ حُصُولُ الكُفْرِ بِسَبَبِ عَدَمِ إيتاءِ الزَّكاةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ وعِيدَ الكُفّارِ أرْدَفَهُ بِوَعْدِ المُؤْمِنِينَ، فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أيْ غَيْرُ مَقْطُوعٍ، مِن قَوْلِكَ: مَنَنْتُ الحَبْلَ، أيْ قَطَعْتُهُ، ومِنهُ قَوْلُهم: قَدْ مَنَّهُ السَّفَرُ، أيْ قَطَعَهُ، وقِيلَ: لا يَمُنُّ عَلَيْهِمْ، لِأنَّهُ تَعالى لَمّا سَمّاهُ أجْرًا، فَإذًا الأجْرُ لا يُوجِبُ المِنَّةَ، وقِيلَ: نَزَلَتْ في المَرْضى والزَّمْنى إذا عَجَزُوا عَنِ الطّاعَةِ كُتِبَ لَهُمُ الأجْرُ كَأحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["حمۤ","تَنزِیلࣱ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ","كِتَـٰبࣱ فُصِّلَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ","بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا یَسۡمَعُونَ","وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا فِیۤ أَكِنَّةࣲ مِّمَّا تَدۡعُونَاۤ إِلَیۡهِ وَفِیۤ ءَاذَانِنَا وَقۡرࣱ وَمِنۢ بَیۡنِنَا وَبَیۡنِكَ حِجَابࣱ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ","قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱ فَٱسۡتَقِیمُوۤا۟ إِلَیۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَیۡلࣱ لِّلۡمُشۡرِكِینَ","ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ","إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَیۡرُ مَمۡنُونࣲ"],"ayah":"قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱ فَٱسۡتَقِیمُوۤا۟ إِلَیۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَیۡلࣱ لِّلۡمُشۡرِكِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق