الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقَيَّضْنا لَهم قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهم ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم وحَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ إنَّهم كانُوا خاسِرِينَ﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكم تَغْلِبُونَ﴾ ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذابًا شَدِيدًا ولَنَجْزِيَنَّهم أسْوَأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿ذَلِكَ جَزاءُ أعْداءِ اللَّهِ النّارُ لَهم فِيها دارُ الخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أرِنا اللَّذَيْنِ أضَلّانا مِنَ الجِنِّ والإنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الأسْفَلِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الوَعِيدَ الشَّدِيدَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ عَلى كُفْرِ أُولَئِكَ الكُفّارِ أرْدَفَهُ بِذِكْرِ السَّبَبِ الَّذِي لِأجْلِهِ وقَعُوا في ذَلِكَ الكُفْرِ، فَقالَ: ﴿وقَيَّضْنا لَهم قُرَناءَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ صاحِبُ ”الصِّحاحِ“: يُقالُ قايَضْتُ الرَّجُلَ مُقايَضَةً أيْ عاوَضْتُهُ بِمَتاعٍ، وهُما قَيِّضانِ كَما يُقالُ بَيِّعانِ، وقَيَّضَ اللَّهُ فُلانًا أيْ جاءَهُ بِهِ وأتى بِهِ لَهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقَيَّضْنا لَهم قُرَناءَ﴾ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ أصْحابُنا بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّهُ تَعالى يُرِيدُ الكُفْرَ مِنَ الكافِرِ، فَقالُوا إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أنَّهُ قَيَّضَ لَهم أُولَئِكَ القُرَناءَ، وكانَ عالِمًا بِأنَّهُ مَتى قَيَّضَ لَهم أُولَئِكَ القُرَناءَ فَإنْ يُزَيِّنُوا الباطِلَ لَهم، وكُلُّ مَن فَعَلَ فِعْلًا وعَلِمَ أنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ يُفْضِي إلى أثَرٍ لا مَحالَةَ، فَإنَّ فاعِلَ ذَلِكَ الفِعْلِ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِذَلِكَ الأثَرِ فَثَبَتَ أنَّهُ تَعالى لَمّا قَيَّضَ لَهم قُرَناءَ فَقَدْ أرادَ مِنهم ذَلِكَ الكُفْرَ، أجابَ الجُبّائِيُّ عَنْهُ بِأنْ قالَ: لَوْ أرادَ المَعاصِيَ لَكانُوا بِفِعْلِها مُطِيعِينَ إذِ الفاعِلُ لِما أرادَهُ مِنهُ غَيْرُهُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُطِيعًا لَهُ، وبِأنَّ قَوْلَهُ (p-١٠٣)﴿وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنهم إلّا العِبادَةَ، فَثَبَتَ بِهَذا أنَّهُ تَعالى لَمْ يُرِدْ مِنهُمُ المَعاصِيَ، وأمّا هَذِهِ الآيَةُ فَنَقُولُ: إنَّهُ تَعالى لَمْ يَقُلْ وقَيَّضْنا لَهم قُرَناءَ لِيُزَيِّنُوا لَهم، وإنَّما قالَ: ﴿فَزَيَّنُوا لَهُمْ﴾ فَهو تَعالى قَيَّضَ القُرَناءَ لَهم بِمَعْنى أنَّهُ تَعالى أخْرَجَ كُلَّ أحَدٍ إلى آخَرَ مِن جِنْسِهِ، فَقَيَّضَ أحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ والغَنِيَّ لِلْفَقِيرِ، والفَقِيرَ لِلْغَنِيِّ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ بَعْضَهم يُزَيِّنُ المَعاصِيَ لِلْبَعْضِ.
واعْلَمْ أنَّ وجْهَ اسْتِدْلالِ أصْحابِنا ما ذَكَرْناهُ، وهو أنَّ مَن فَعَلَ فِعْلًا وعَلِمَ قَطْعًا أنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ يُفْضِي إلى أثَرٍ، فَإنَّ فاعِلَ ذَلِكَ الفِعْلِ يَكُونُ مُرِيدًا لِذَلِكَ الأثَرِ، فَهَهُنا اللَّهُ تَعالى قَيَّضَ أُولَئِكَ القُرَناءَ لَهم، وعَلِمَ أنَّهُ مَتى قَيَّضَ أُولَئِكَ القُرَناءَ لَهم فَإنَّهم يَقَعُونَ في ذَلِكَ الكُفْرِ والضَّلالِ، وما ذَكَرَهُ الجُبّائِيُّ لا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وقَوْلُهُ: ولَوْ أرادَ اللَّهُ مِنهُمُ المَعاصِيَ لَكانُوا بِفِعْلِها مُطِيعِينَ لِلَّهِ، قُلْنا لَوْ كانَ مَن فَعَلَ ما أرادَهُ غَيْرُهُ مُطِيعًا لَهُ لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ اللَّهُ مُطِيعًا لِعِبادِهِ إذا فَعَلَ ما أرادُوهُ ومَعْلُومٌ أنَّهُ باطِلٌ، وأيْضًا فَهَذا إلْزامٌ لَفْظِيٌّ؛ لِأنَّهُ يُقالُ إنْ أرَدْتَ بِالطّاعَةِ أنَّهُ فَعَلَ ما أرادَ فَهَذا إلْزامٌ لِلشَّيْءِ عَلى نَفْسِهِ، وإنْ أرَدْتَ غَيْرَهُ فَلا بُدَّ مِن بَيانِهِ حَتّى يَنْظُرَ فِيهِ أنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أمْ لا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في المُرادِ بِقَوْلِهِ ﴿فَزَيَّنُوا لَهم ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ وذَكَرَ الزَّجّاجُ فِيهِ وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: زَيَّنُوا لَهم ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ مِن أمْرِ الآخِرَةِ أنَّهُ لا بَعْثَ ولا جَنَّةَ ولا نارَ وما خَلْفَهم مِن أمْرِ الدُّنْيا، فَزَيَّنُوا أنَّ الدُّنْيا قَدِيمَةٌ، وأنَّهُ لا فاعِلَ ولا صانِعَ إلّا الطَّبائِعُ والأفْلاكُ.
الثّانِي: زَيَّنُوا لَهم أعْمالَهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَها ويُشاهِدُونَها وما خَلْفَهم وما يَزْعُمُونَ أنَّهم يَعْلَمُونَهُ، وعَبَّرَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْهُ، فَقالَ زَيَّنُوا لَهم ما مَضى مِن أعْمالِهِمُ الخَبِيثَةِ وما بَقِيَ مِن أعْمالِهِمُ الخَسِيسَةِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وحَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ إنَّهم كانُوا خاسِرِينَ﴾ فَقَوْلُهُ في أُمَمٍ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في عَلَيْهِمْ، والتَّقْدِيرُ: حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ حالَ كَوْنِهِمْ كائِنِينَ في جُمْلَةِ (أُمَمٍ) مِنَ المُتَقَدِّمِينَ ﴿إنَّهم كانُوا خاسِرِينَ﴾ واحْتَجَّ أصْحابُنا أيْضًا بِأنَّهُ تَعالى أخْبَرَ بِأنَّ هَؤُلاءِ ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْلُ﴾ فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا كُفّارًا لانْقَلَبَ هَذا القَوْلُ الحَقُّ باطِلًا وهَذا العِلْمُ جَهْلًا، وهَذا الخَبَرُ الصِّدْقُ كَذِبًا، وكُلُّ ذَلِكَ مُحالٌ ومُسْتَلْزِمُ المُحالِ مُحالٌ، فَثَبَتَ أنَّ صُدُورَ الإيمانِ عَنْهم، وعَدَمَ صُدُورِ الكُفْرِ عَنْهم مُحالٌ.
واعْلَمْ أنَّ الكَلامَ في أوَّلِ السُّورَةِ ابْتُدِئَ مِن قَوْلِهِ: ﴿وقالُوا قُلُوبُنا في أكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إلَيْهِ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿فاعْمَلْ إنَّنا عامِلُونَ﴾ [فصلت: ٥] فَأجابَ اللَّهُ تَعالى عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِوُجُوهٍ مِنَ الأجْوِبَةِ، واتَّصَلَ الكَلامُ بَعْضُهُ بِالبَعْضِ إلى هَذا المَوْضِعِ، ثُمَّ إنَّهُ حَكى عَنْهم شُبْهَةً أُخْرى فَقالَ: ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ لَعَلَّكم تَغْلِبُونَ﴾، قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قُرِئَ (والغَوْا فِيهِ) بِفَتْحِ الغَيْنِ وضَمِّها يُقالُ: لَغى يَلْغى ويَلْغُو، واللَّغْوُ: السّاقِطُ مِنَ الكَلامِ الَّذِي لا طائِلَ تَحْتَهُ.
واعْلَمْ أنَّ القَوْمَ عَلِمُوا أنَّ القُرْآنَ كَلامٌ كامِلٌ في المَعْنى، وفي اللَّفْظِ وأنَّ كُلَّ مَن سَمِعَهُ وقَفَ عَلى جَزالَةِ ألْفاظِهِ، وأحاطَ عَقْلُهُ بِمَعانِيهِ، وقَضى عَقْلُهُ بِأنَّهُ كَلامٌ حَقٌّ واجِبُ القَبُولِ، فَدَبَّرُوا تَدْبِيرًا في مَنعِ النّاسِ عَنِ اسْتِماعِهِ، فَقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ﴾ إذا قُرِئَ وتَشاغَلُوا عِنْدَ قِراءَتِهِ بِرَفْعِ الأصْواتِ بِالخُرافاتِ والأشْعارِ الفاسِدَةِ والكَلِماتِ الباطِلَةِ، حَتّى تُخَلِّطُوا عَلى القارِئِ وتُشَوِّشُوا عَلَيْهِ وتَغْلِبُوا عَلى قِراءَتِهِ، كانَتْ قُرَيْشٌ يُوصِي بِذَلِكَ بَعْضُهم بَعْضًا، والمُرادُ افْعَلُوا عِنْدَ تِلاوَةِ القُرْآنِ ما يَكُونُ لَغْوًا وباطِلًا، (p-١٠٤)لِتُخْرِجُوا قِراءَةَ القُرْآنِ عَنْ أنْ تَصِيرَ مَفْهُومَةً لِلنّاسِ، فَبِهَذا الطَّرِيقِ تَغْلِبُونَ مُحَمَّدًا ﷺ، وهَذا جَهْلٌ مِنهم؛ لِأنَّهم في الحالِ أقَرُّوا بِأنَّهم مُشْتَغِلُونَ بِاللَّغْوِ والباطِلِ مِنَ العَمَلِ، واللَّهُ تَعالى يَنْصُرُ مُحَمَّدًا بِفَضْلِهِ، ولَمّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ هَدَّدَهم بِالعَذابِ الشَّدِيدِ فَقالَ: ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذابًا شَدِيدًا﴾ لِأنَّ لَفْظَ الذَّوْقِ إنَّما يُذْكَرُ في القَدْرِ القَلِيلِ الَّذِي يُؤْتى بِهِ لِأجْلِ التَّجْرِبَةِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أنَّ ذَلِكَ الذَّوْقَ عَذابٌ شَدِيدٌ، فَإذا كانَ القَلِيلُ مِنهُ عَذابًا شَدِيدًا فَكَيْفَ يَكُونُ حالُ الكَثِيرِ مِنهُ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولَنَجْزِيَنَّهم أسْوَأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ واخْتَلَفُوا فِيهِ:
فَقالَ الأكْثَرُونَ: المُرادُ جَزاءُ سُوءِ أعْمالِهِمْ، وقالَ الحَسَنُ: بَلِ المُرادُ أنَّهُ لا يُجازِيهِمْ عَلى مَحاسِنِ أعْمالِهِمْ؛ لِأنَّهم أحْبَطُوها بِالكُفْرِ فَضاعَتْ تِلْكَ الأعْمالُ الحَسَنَةُ عَنْهم، ولَمْ يَبْقَ مَعَهم إلّا الأعْمالُ القَبِيحَةُ الباطِلَةُ، فَلا جَرَمَ لَمْ يَتَحَصَّلُوا إلّا عَلى جَزاءِ السَّيِّئاتِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ذَلِكَ جَزاءُ أعْداءِ اللَّهِ النّارُ﴾ والمَعْنى أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ ﴿ولَنَجْزِيَنَّهم أسْوَأ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ الأسْوَأ الَّذِي جُعِلَ جَزاءَ أعْداءِ اللَّهِ هو النّارُ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لَهم فِيها دارُ الخُلْدِ﴾ أيْ لَهم في جُمْلَةِ النّارِ دارُ السَّيِّئاتِ مُعَيَّنَةً وهي دارُ العَذابِ المُخَلَّدِ لَهم ﴿جَزاءُ أعْداءِ اللَّهِ النّارُ لَهُمْ﴾ أيْ جَزاءً بِما كانُوا يَلْغُونَ في القِراءَةِ، وإنَّما سَمّاهُ جُحُودًا لِأنَّهم لَمّا عَلِمُوا أنَّ القُرْآنَ بالِغٌ إلى حَدِّ الإعْجازِ خافُوا مِن أنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ النّاسُ لَآمَنُوا بِهِ فاسْتَخْرَجُوا تِلْكَ الطَّرِيقَةَ الفاسِدَةَ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّهم عَلِمُوا كَوْنَهُ مُعْجِزًا إلّا أنَّهم جَحَدُوا لِلْحَسَدِ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ الَّذِي حَمَلَهم عَلى الكُفْرِ المُوجِبِ لِلْعِقابِ الشَّدِيدِ مُجالَسَةُ قُرَناءِ السُّوءِ بَيَّنَ أنَّ الكُفّارَ عِنْدَ الوُقُوعِ في العَذابِ الشَّدِيدِ يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنا أرِنا الَّذَيْنِ أضَلّانا مِنَ الجِنِّ والإنْسِ﴾ والسَّبَبُ في ذِكْرِ هَذَيْنِ القِسْمَيْنِ أنَّ الشَّيْطانَ عَلى ضَرْبَيْنِ جِنِّيٍّ وإنْسِيٍّ، قالَ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الإنْسِ والجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢] وقالَ: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النّاسِ﴾ ﴿مِنَ الجِنَّةِ والنّاسِ﴾ [الناس: ٥] وقِيلَ هُما إبْلِيسُ وقابِيلُ؛ لِأنَّ الكُفْرَ سُنَّةُ إبْلِيسَ، والقَتْلَ بِغَيْرِ حَقٍّ سُنَّةُ قابِيلَ.
وقُرِئَ ”أرْنا“ بِسُكُونِ الرّاءِ لِثِقَلِ الكَسْرَةِ كَما قالُوا في فَخِذٍ: فَخْذٌ، وقِيلَ مَعْناهُ أعْطِنا اللَّذَيْنِ أضَلّانا وحَكَوْا عَنِ الخَلِيلِ أنَّكَ إذا قُلْتُ: أرِنِي ثَوْبَكَ بِالكَسْرِ، فالمَعْنى بَصِّرْنِيهِ وإذا قُلْتَهُ بِالسُّكُونِ فَهو اسْتِعْطاءٌ مَعْناهُ أعْطِنِي ثَوْبَكَ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿نَجْعَلْهُما تَحْتَ أقْدامِنا﴾ قالَ مُقاتِلٌ: يَكُونانِ أسْفَلَ مِنّا في النّارِ ﴿لِيَكُونا مِنَ الأسْفَلِينَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: لِيَكُونا في الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ، وكانَ بَعْضُ تَلامِذَتِي مِمَّنْ يَمِيلُ إلى الحِكْمَةِ يَقُولُ: المُرادُ بِاللَّذَيْنِ يُضِلّانِ الشَّهْوَةُ والغَضَبُ، وإلَيْهِما الإشارَةُ في قِصَّةِ المَلائِكَةِ بِقَوْلِهِ ﴿أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ﴾ [البقرة: ٣٠] ثُمَّ قالَ: والمُرادُ بِقَوْلِهِ ﴿نَجْعَلْهُما تَحْتَ أقْدامِنا﴾ يَعْنِي يا رَبَّنا أعِنّا حَتّى نَجْعَلَ الشَّهْوَةَ والغَضَبَ تَحْتَ أقْدامِ جَوْهَرِ النَّفْسِ القُدْسِيَّةِ.
والمُرادُ بِكَوْنِهِما تَحْتَ أقْدامِهِ كَوْنُهُما مُسَخَّرَيْنِ لِلنَّفْسِ القُدْسِيَّةِ مُطِيعَيْنِ لَها، وأنْ لا يَكُونا مَسْئُولَيْنِ عَلَيْها قاهِرَيْنِ لَها.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["۞ وَقَیَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَاۤءَ فَزَیَّنُوا۟ لَهُم مَّا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَحَقَّ عَلَیۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِیۤ أُمَمࣲ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ خَـٰسِرِینَ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَا تَسۡمَعُوا۟ لِهَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡا۟ فِیهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ","فَلَنُذِیقَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ عَذَابࣰا شَدِیدࣰا وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","ذَ ٰلِكَ جَزَاۤءُ أَعۡدَاۤءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِیهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَاۤءَۢ بِمَا كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ رَبَّنَاۤ أَرِنَا ٱلَّذَیۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِیَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِینَ"],"ayah":"ذَ ٰلِكَ جَزَاۤءُ أَعۡدَاۤءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُۖ لَهُمۡ فِیهَا دَارُ ٱلۡخُلۡدِ جَزَاۤءَۢ بِمَا كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق