الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَوْمَ يُحْشَرُ أعْداءُ اللَّهِ إلى النّارِ فَهم يُوزَعُونَ﴾ ﴿حَتّى إذا ما جاءُوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهم وأبْصارُهم وجُلُودُهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿وقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أنْطَقَنا اللَّهُ الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهو خَلَقَكم أوَّلَ مَرَّةٍ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ﴿وما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكم سَمْعُكم ولا أبْصارُكم ولا جُلُودُكم ولَكِنْ ظَنَنْتُمْ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ ﴿وذَلِكم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكم أرْداكم فَأصْبَحْتُمْ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ ﴿فَإنْ يَصْبِرُوا فالنّارُ مَثْوًى لَهم وإنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هم مِنَ المُعْتَبِينَ﴾
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ عُقُوبَةِ أُولَئِكَ الكُفّارِ في الدُّنْيا أرْدَفَهُ بِكَيْفِيَّةِ عُقُوبَتِهِمْ في الآخِرَةِ، لِيَحْصُلَ مِنهُ تَمامُ الِاعْتِبارِ في الزَّجْرِ والتَّحْذِيرِ، وقَرَأ نافِعٌ ”نَحْشُرُ“ بِالنُّونِ ”أعْداءَ“ بِالنَّصْبِ أضافَ الحَشْرَ إلى نَفْسِهِ، والتَّقْدِيرُ يَحْشُرُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ أعْداءَهُ الكُفّارَ مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، وحُجَّتُهُ أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: (ونَجَّيْنا) [فصلت: ١٨] فَيَحْسُنُ أنْ يَكُونَ عَلى وفْقِهِ في اللَّفْظِ، ويُقَوِّيهِ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ﴾ (وحَشَرْناهم) وأمّا الباقُونَ (p-١٠٠)فَقَرَءُوا عَلى فِعْلِ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ لِأنَّ قِصَّةَ ثَمُودَ قَدْ تَمَّتْ، وقَوْلُهُ: ﴿ويَوْمَ يُحْشَرُ﴾ ابْتِداءُ كَلامٍ آخَرَ، وأيْضًا الحاشِرُونَ لَهم هُمُ المَأْمُورُونَ بِقَوْلِهِ: (احْشُرُوا) [الصافات: ٢٢] وهُمُ المَلائِكَةُ، وأيْضًا إنَّ هَذِهِ القِراءَةَ مُوافِقَةٌ لِقَوْلِهِ ﴿فَهم يُوزَعُونَ﴾ وأيْضًا فَتَقْدِيرُ القِراءَةِ الأُولى أنَّ اللَّهَ تَعالى قالَ: ”ويَوْمَ نَحْشُرُ أعْداءَ اللَّهِ إلى النّارِ“ فَكانَ الأوْلى عَلى هَذا التَّقْدِيرِ أنْ يُقالَ: ويَوْمَ نَحْشُرُ أعْداءَنا إلى النّارِ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ أنَّ أعْداءَ اللَّهِ يُحْشَرُونَ إلى النّارِ قالَ: ﴿فَهم يُوزَعُونَ﴾ أيْ يُحْبَسُ أوَّلُهم عَلى آخِرِهِمْ، أيْ يُوقَفُ سَوابِقُهم حَتّى يَصِلَ إلَيْهِمْ تَوالِيهِمْ، والمَقْصُودُ بَيانُ أنَّهم إذا اجْتَمَعُوا سَألُوا عَنْ أعْمالِهِمْ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿حَتّى إذا ما جاءُوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهم وأبْصارُهم وجُلُودُهُمْ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: التَّقْدِيرُ حَتّى إذا جاءُونا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهم وأبْصارُهم وجُلُودُهم، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَكَلِمَةُ ”ما“ صِلَةٌ، وقِيلَ فِيها فائِدَةٌ زائِدَةٌ وهي تَأْكِيدُ أنَّ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ لا بُدَّ وأنْ تَحْصُلَ هَذِهِ الشَّهادَةُ كَقَوْلِهِ: ﴿أثُمَّ إذا ما وقَعَ آمَنتُمْ بِهِ﴾ [يونس: ٥١] أيْ لا بُدَّ لِوَقْتِ وُقُوعِهِ مِن أنْ يَكُونَ وقْتَ إيمانِهِمْ بِهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: رُوِيَ أنَّ «العَبْدَ يَقُولُ يَوْمَ القِيامَةِ: يا رَبَّ العِزَّةِ ألَسْتَ قَدْ وعَدْتَنِي أنْ لا تَظْلِمَنِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: فَإنَّ لَكَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ العَبْدُ إنِّي لا أقْبَلُ عَلى نَفْسِي شاهِدًا إلّا مِن نَفْسِي، فَيَخْتِمُ اللَّهُ عَلى فِيهِ ويُنْطِقُ أعْضاءَهُ بِالأعْمالِ الَّتِي صَدَرَتْ مِنهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهم وأبْصارُهم وجُلُودُهُمْ»﴾ .
واخْتَلَفَ النّاسُ في كَيْفِيَّةِ الشَّهادَةِ، وفِيهِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: أنَّهُ تَعالى يَخْلُقُ الفَهْمَ والقُدْرَةَ والنُّطْقَ فِيها فَتَشْهَدُ كَما يَشْهَدُ الرَّجُلُ عَلى ما يَعْرِفُهُ.
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى يَخْلُقُ في تِلْكَ الأعْضاءِ الأصْواتَ والحُرُوفَ الدّالَّةَ عَلى تِلْكَ المَعانِي كَما خَلَقَ الكَلامَ في الشَّجَرَةِ.
والثّالِثُ: أنْ يُظْهِرَ تِلْكَ الأعْضاءُ أحْوالًا تَدُلُّ عَلى صُدُورِ تِلْكَ الأعْمالِ مِن ذَلِكَ الإنْسانِ، وتِلْكَ الأماراتُ تُسَمّى شَهاداتٍ، كَما يُقالُ يَشْهَدُ هَذا العالَمُ بِتَغَيُّراتِ أحْوالِهِ عَلى حُدُوثِهِ، واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ المَسْألَةَ صَعْبَةٌ عَلى المُعْتَزِلَةِ.
أمّا القَوْلُ الأوَّلُ: فَهو صَعْبٌ عَلى مَذْهَبِهِمْ؛ لِأنَّ البِنْيَةَ عِنْدَهم شَرْطٌ لِحُصُولِ العَقْلِ والقُدْرَةِ، فاللِّسانُ مَعَ كَوْنِهِ لِسانًا يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْعِلْمِ والعَقْلِ، فَإنْ غَيَّرَ اللَّهُ تَعالى تِلْكَ البِنْيَةَ والصُّورَةَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ لِسانًا وجِلْدًا، وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى إضافَةِ تِلْكَ الشَّهادَةِ إلى السَّمْعِ والبَصَرِ والجُلُودِ، فَإنْ قُلْنا: إنَّ اللَّهَ تَعالى ما غَيَّرَ بِنْيَةَ هَذِهِ الأعْضاءِ فَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْها كَوْنُها ناطِقَةً فاهِمَةً، وأمّا القَوْلُ الثّانِي: وهو أنْ يُقالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ هَذِهِ الأصْواتَ والحُرُوفَ في هَذِهِ الأعْضاءِ، وهَذا أيْضًا باطِلٌ عَلى أُصُولِ المُعْتَزِلَةِ؛ لِأنَّ مَذْهَبَهم أنَّ المُتَكَلِّمَ هو الَّذِي فَعَلَ الكَلامَ، لا ما كانَ مَوْصُوفًا بِالكَلامِ، فَإنَّهم يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ الكَلامَ في الشَّجَرَةِ، وكانَ المُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ الكَلامِ هو اللَّهُ تَعالى لا الشَّجَرَةُ، فَهَهُنا لَوْ قُلْنا: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الأصْواتَ والحُرُوفَ في تِلْكَ الأعْضاءِ لَزِمَ أنْ يَكُونَ الشّاهِدُ هو اللَّهُ تَعالى لا تِلْكَ، ولَزِمَ أنْ يَكُونَ المُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ الكَلامِ هو اللَّهُ لا تِلْكَ الأعْضاءُ، وظاهِرُ القُرْآنِ يَدُلُّ عَلى أنَّ تِلْكَ الشَّهادَةَ شَهادَةٌ صَدَرَتْ مِن تِلْكَ الأعْضاءِ لا مِنَ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهم وأبْصارُهم وجُلُودُهُمْ﴾ وأيْضًا أنَّهم قالُوا لِتِلْكَ الأعْضاءِ ﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا﴾ فَقالَتِ الأعْضاءُ: ﴿أنْطَقَنا اللَّهُ الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ وكُلُّ هَذِهِ الآياتِ دالَّةٌ عَلى أنَّ المُتَكَلِّمَ بِتِلْكَ الكَلِماتِ هي تِلْكَ الأعْضاءُ، وأنَّ تِلْكَ الكَلِماتِ لَيْسَتْ كَلامَ اللَّهِ تَعالى، فَهَذا تَوْجِيهُ الإشْكالِ عَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ.
وأمّا القَوْلُ الثّالِثُ: وهو تَفْسِيرُ هَذِهِ الشَّهادَةِ بِظُهُورِ أماراتٍ مَخْصُوصَةٍ عَلى هَذِهِ الأعْضاءِ دالَّةٍ عَلى صُدُورِ تِلْكَ الأعْمالِ مِنهم، فَهَذا عُدُولٌ عَنِ الحَقِيقَةِ إلى المَجازِ والأصْلُ عَدَمُهُ، فَهَذا (p-١٠١)مُنْتَهى الكَلامِ في هَذا البَحْثِ، أمّا عَلى مَذْهَبِ أصْحابِنا فَهَذا الإشْكالُ غَيْرُ لازِمٍ؛ لِأنَّ عِنْدَنا البِنْيَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْحَياةِ ولا لِلْعِلْمِ ولا لِلْقُدْرَةِ، فاللَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى خَلْقِ العَقْلِ والقُدْرَةِ والنُّطْقِ في كُلِّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ هَذِهِ الأعْضاءِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فالإشْكالُ زائِلٌ وهَذِهِ الآيَةِ يَحْسُنُ التَّمَسُّكُ بِها في بَيانِ أنَّ البِنْيَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْحَياةِ، ولا لِشَيْءٍ مِنَ الصِّفاتِ المَشْرُوطَةِ بِالحَياةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ما رَأيْتُ لِلْمُفَسِّرِينَ في تَخْصِيصِ هَذِهِ الأعْضاءِ الثَّلاثَةِ بِالذِّكْرِ سَبَبًا وفائِدَةً، وأقُولُ لا شَكَّ أنَّ الحَواسَّ خَمْسَةٌ السَّمْعُ والبَصَرُ والشَّمُّ والذَّوْقُ واللَّمْسُ، ولا شَكَّ أنَّ آلَةَ اللَّمْسِ هي الجِلْدُ، فاللَّهُ تَعالى ذَكَرَ هَهُنا مِنَ الحَواسِّ وهي السَّمْعُ والبَصَرُ واللَّمْسُ، وأهْمَلَ ذِكْرَ نَوْعَيْنِ: وهُما الذَّوْقُ والشَّمُّ؛ لِأنَّ الذَّوْقَ داخِلٌ في اللَّمْسِ مِن بَعْضِ الوُجُوهِ؛ لِأنَّ إدْراكَ الذَّوْقِ إنَّما يَتَأتّى بِأنْ تَصِيرَ جِلْدَةُ اللِّسانِ والحَنَكِ مُماسَّةً لِجِرْمِ الطَّعامِ، فَكانَ هَذا داخِلًا فِيهِ فَبَقِيَ حِسُّ الشَّمِّ وهو حِسٌّ ضَعِيفٌ في الإنْسانِ، ولَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ تَكْلِيفٌ ولا أمْرٌ ولا نَهْيٌ، إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: المُرادُ مِن شَهادَةِ الجُلُودِ شَهادَةُ الفُرُوجِ قالَ: وهَذا مِن بابِ الكِناياتِ كَما قالَ: ﴿ولَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾ [البقرة: ٢٣٥] وأرادَ النِّكاحَ، وقالَ: ﴿أوْ جاءَ أحَدٌ مِنكم مِنَ الغائِطِ﴾ [النساء: ٤٣] والمُرادُ قَضاءُ الحاجَةِ.
وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «”أوَّلُ ما يَتَكَلَّمُ مِنَ الآدَمِيِّ فَخِذُهُ وكَفُّهُ“» وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ وعِيدًا شَدِيدًا في الإتْيانِ بِالزِّنا؛ لِأنَّ مُقَدِّمَةَ الزِّنا إنَّما تَحْصُلُ بِالكَفِّ، ونِهايَةُ الأمْرِ فِيها إنَّما تَحْصُلُ بِالفَخِذِ.
ثُمَّ حَكى اللَّهُ تَعالى أنَّهم يَقُولُونَ لِتِلْكَ الأعْضاءِ ﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أنْطَقَنا اللَّهُ الَّذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهو خَلَقَكم أوَّلَ مَرَّةٍ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ومَعْناهُ أنَّ القادِرَ عَلى خَلْقِكم وإنْطاقِكم في المَرَّةِ الأُولى حالَما كُنْتُمْ في الدُّنْيا ثُمَّ عَلى خَلْقِكم وإنْطاقِكم في المَرَّةِ الثّانِيَةِ وهي حالُ القِيامَةِ والبَعْثِ يُسْتَبْعَدُ مِنهُ إنْطاقُ الجَوارِحِ والأعْضاءِ ؟
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكم سَمْعُكم ولا أبْصارُكم ولا جُلُودُكُمْ﴾ والمَعْنى إثْباتُ أنَّهم كانُوا يَسْتَتِرُونَ عِنْدَ الإقْدامِ عَلى الأعْمالِ القَبِيحَةِ، إلّا أنَّ اسْتِتارَهم ما كانَ لِأجْلِ خَوْفِهِمْ مِن أنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهم وأبْصارُهم وجُلُودُهم وذَلِكَ لِأنَّهم كانُوا مُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ والقِيامَةِ، ولَكِنَّ ذَلِكَ الِاسْتِتارَ لِأجْلِ أنَّهم كانُوا يَظُنُّونَ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ الأعْمالَ الَّتِي يُقْدِمُونَ عَلَيْها عَلى سَبِيلِ الخُفْيَةِ والِاسْتِتارِ.
«عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: كُنْتُ مُسْتَتِرًا بِأسْتارِ الكَعْبَةِ فَدَخَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ عَلَيَّ ثَقَفِيّانِ وقُرَشِيٌّ فَقالَ أحَدُهم: أتَرَوْنَ اللَّهَ يَسْمَعُ ما تَقُولُونَ ؟ فَقالَ الرَّجُلانِ إذا سَمِعْنا أصْواتَنا سَمِعَ وإلّا لَمْ يَسْمَعْ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَزَلَ ﴿وما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ»﴾ .
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وذَلِكم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكم أرْداكم فَأصْبَحْتُمْ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ وهَذا نَصٌّ صَرِيحٌ في أنَّ مَن ظَنَّ بِاللَّهِ تَعالى أنَّهُ يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنَ المَعْلُوماتِ عَنْ عِلْمِهِ فَإنَّهُ يَكُونُ مِنَ الهالِكِينَ الخاسِرِينَ، قالَ أهْلُ التَّحْقِيقِ: الظَّنُّ قِسْمانِ ظَنٌّ حَسَنٌ بِاللَّهِ تَعالى وظَنٌّ فاسِدٌ، أمّا الظَّنُّ الحَسَنُ فَهو أنْ يَظُنَّ بِهِ الرَّحْمَةَ والفَضْلَ، قالَ ﷺ حِكايَةً عَنِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: ”أنا «عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» “ وقالَ ﷺ: ”«لا يَمُوتَنَّ أحَدُكم إلّا وهو يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ» “، والظَّنُّ القَبِيحُ فاسِدٌ وهو أنْ يَظُنَّ بِاللَّهِ أنَّهُ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ بَعْضُ هَذِهِ الأحْوالِ، وقالَ قَتادَةُ: الظَّنُّ نَوْعانِ ظَنٌّ مُنْجٍ وظَنٌّ مُرْدٍ، فالمُنْجِي قَوْلُهُ: ﴿إنِّي ظَنَنْتُ أنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٠] وقَوْلُهُ: (p-١٠٢)﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهم مُلاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٤٦]، وأمّا الظَّنُّ المُرْدِي فَهو قَوْلُهُ: ﴿وذَلِكم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ﴾ قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ”وذَلِكم“ رُفِعَ بِالِابْتِداءِ ”وظَنُّكم“ و”أرْداكم“ خَبَرانِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ظَنُّكم بَدَلًا مِن ذالِكم وأرْداكُمُ الخَبَرَ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿فَإنْ يَصْبِرُوا فالنّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ يَعْنِي إنْ أمْسَكُوا عَنِ الِاسْتِغاثَةِ لِفَرَجٍ يَنْتَظِرُونَهُ لَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ وتَكُونُ النّارُ مَثْوًى لَهم أيْ مَقامًا لَهم ﴿وإنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هم مِنَ المُعْتَبِينَ﴾ أيْ لَمْ يُعْطَوُا العُتْبى، ولَمْ يُجابُوا إلَيْها، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أجَزِعْنا أمْ صَبَرْنا ما لَنا مِن مَحِيصٍ﴾ [إبراهيم: ٢١] وقُرِئَ: وإنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هم مِنَ المُعْتَبِينَ أيْ: إنْ يَسْألُوا أنْ يُرْضُوا رَبَّهم فَما هم فاعِلُونَ أيْ لا سَبِيلَ لَهم إلى ذَلِكَ.
{"ayahs_start":19,"ayahs":["وَیَوۡمَ یُحۡشَرُ أَعۡدَاۤءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ یُوزَعُونَ","حَتَّىٰۤ إِذَا مَا جَاۤءُوهَا شَهِدَ عَلَیۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَـٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ","وَقَالُوا۟ لِجُلُودِهِمۡ لِمَ شَهِدتُّمۡ عَلَیۡنَاۖ قَالُوۤا۟ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِیۤ أَنطَقَ كُلَّ شَیۡءࣲۚ وَهُوَ خَلَقَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةࣲ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ","وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن یَشۡهَدَ عَلَیۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَاۤ أَبۡصَـٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا یَعۡلَمُ كَثِیرࣰا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ","وَذَ ٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِی ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ","فَإِن یَصۡبِرُوا۟ فَٱلنَّارُ مَثۡوࣰى لَّهُمۡۖ وَإِن یَسۡتَعۡتِبُوا۟ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِینَ"],"ayah":"وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن یَشۡهَدَ عَلَیۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَاۤ أَبۡصَـٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا یَعۡلَمُ كَثِیرࣰا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق