الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ﴾ ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذابِ﴾ ﴿وإذْ يَتَحاجُّونَ في النّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنّا كُنّا لَكم تَبَعًا فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا نَصِيبًا مِنَ النّارِ﴾ ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنّا كُلٌّ فِيها إنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبادِ﴾ (p-٦٤)﴿وقالَ الَّذِينَ في النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكم يُخَفِّفْ عَنّا يَوْمًا مِنَ العَذابِ﴾ ﴿قالُوا أوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكم رُسُلُكم بِالبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فادْعُوا وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلّا في ضَلالٍ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَمْ يُقَصِّرْ في تَقْرِيرِ الدِّينِ الحَقِّ، وفي الذَّبِّ عَنْهُ فاللَّهُ تَعالى رَدَّ عَنْهُ كَيْدَ الكافِرِينَ وقَصْدَ القاصِدِينَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمّا صَرَّحَ بِتَقْرِيرِ الحَقِّ فَقَدْ قَصَدُوهُ بِنَوْعٍ مِن أنْواعِ السُّوءِ، قالَ مُقاتِلٌ: لَمّا ذَكَرَ هَذِهِ الكَلِماتِ قَصَدُوا قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنهم إلى الجَبَلِ فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وقِيلَ: المُرادُ بِقَوْلِهِ ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا﴾ أنَّهم قَصَدُوا إدْخالَهُ في الكُفْرِ وصَرْفَهُ عَنِ الإسْلامِ ﴿فَوَقاهُ اللَّهُ﴾ عَنْ ذَلِكَ إلّا أنَّ الأوَّلَ أوْلى؛ لِأنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿وحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ﴾ لا يَلِيقُ إلّا بِالوَجْهِ الأوَّلِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ﴾ أيْ أحاطَ بِهِمْ ﴿سُوءُ العَذابِ﴾ أيْ غَرِقُوا في البَحْرِ، وقِيلَ: بَلِ المُرادُ مِنهُ النّارُ المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ: ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها﴾ قالَ الزَّجّاجُ: ”النّارُ“ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿سُوءُ العَذابِ﴾ قالَ: وجائِزٌ أيْضًا أنْ تَكُونَ مُرْتَفِعَةً عَلى إضْمارِ تَفْسِيرِ ﴿سُوءُ العَذابِ﴾ كَأنَّ قائِلًا قالَ: ما سُوءُ العَذابِ؟ فَقِيلَ: ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها﴾ . قَرَأ حَمْزَةُ ”حِيقَ“ بِكَسْرِ الحاءِ وكَذَلِكَ في كُلِّ القُرْآنِ والباقُونَ بِالفَتْحِ أمّا قَوْلُهُ: ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: احْتَجَّ أصْحابُنا بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى إثْباتِ عَذابِ القَبْرِ قالُوا: الآيَةُ تَقْتَضِي عَرْضَ النّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وعَشِيًّا، ولَيْسَ المُرادُ مِنهُ يَوْمَ القِيامَةِ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذابِ﴾، ولَيْسَ المُرادُ مِنهُ أيْضًا الدُّنْيا؛ لِأنَّ عَرْضَ النّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وعَشِيًّا ما كانَ حاصِلًا في الدُّنْيا، فَثَبَتَ أنَّ هَذا العَرْضَ إنَّما حَصَلَ بَعْدَ المَوْتِ وقَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى إثْباتِ عَذابِ القَبْرِ في حَقِّ هَؤُلاءِ، وإذا ثَبَتَ في حَقِّهِمْ ثَبَتَ في حَقِّ غَيْرِهِمْ؛ لِأنَّهُ لا قائِلَ بِالفَرْقِ، فَإنْ قِيلَ: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن عَرْضِ النّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وعَشِيًّا عَرْضَ النَّصائِحِ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا؟ لِأنَّ أهْلَ الدِّينِ إذا ذَكَرُوا لَهُمُ التَّرْغِيبَ والتَّرْهِيبَ وخَوَّفُوهم بِعَذابِ اللَّهِ، فَقَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمُ النّارَ، ثُمَّ نَقُولُ: في الآيَةِ ما يَمْنَعُ مِن حَمْلِهِ عَلى عَذابِ القَبْرِ وبَيانُهُ مِن وجْهَيْنِ، الأوَّلُ: أنَّ ذَلِكَ العَذابَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ دائِمًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ، وقَوْلُهُ: ﴿يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا﴾ يَقْتَضِي أنْ لا يَحْصُلُ ذَلِكَ العَذابُ إلّا في هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ، فَثَبَتَ أنَّ هَذا لا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى عَذابِ القَبْرِ. الثّانِي: أنَّ الغُدْوَةَ والعَشِيَّةَ إنَّما يَحْصُلانِ في الدُّنْيا، أمّا في القَبْرِ فَلا وُجُودَ لَهُما، فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ أنَّهُ لا يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الآيَةِ عَلى عَذابِ القَبْرِ. والجَوابُ: عَنِ السُّؤالِ الأوَّلِ أنَّ في الدُّنْيا عَرَضَ عَلَيْهِمْ كَلِماتٍ تُذَكِّرُهم أمْرَ النّارِ، لا أنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَ النّارِ، فَعَلى قَوْلِهِمْ يَصِيرُ مَعْنى الآيَةِ الكَلِماتُ المُذَكِّرَةُ لِأمْرِ النّارِ كانَتْ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ، وذَلِكَ يُفْضِي إلى تَرْكِ ظاهِرِ اللَّفْظِ والعُدُولِ إلى المَجازِ، أمّا قَوْلُهُ: الآيَةُ تَدُلُّ عَلى حُصُولِ هَذا العَذابِ في هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ وذَلِكَ لا يَجُوزُ، قُلْنا: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُكْتَفى في القَبْرِ بِإيصالِ العَذابِ إلَيْهِ في هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ، ثُمَّ عِنْدَ قِيامِ القِيامَةِ يُلْقى في النّارِ فَيَدُومُ عَذابُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وأيْضًا لا يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ ذِكْرُ الغُدْوَةِ والعَشِيَّةِ كِنايَةً عَنِ الدَّوامِ كَقَوْلِهِ: ﴿ولَهم رِزْقُهم فِيها بُكْرَةً وعَشِيًّا﴾ أمّا قَوْلُهُ: إنَّهُ لَيْسَ في القَبْرِ والقِيامَةِ غُدْوَةٌ وعَشِيَّةٌ، قُلْنا: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: إنَّ عِنْدَ حُصُولِ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ لِأهْلِ الدُّنْيا يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ العَذابُ؟ واللَّهُ أعْلَمُ. (p-٦٥)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَرَأ نافِعٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ (أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) أيْ يُقالُ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ: أدْخِلُوهم في أشَدِّ العَذابِ، والباقُونَ (ادْخُلُوا) عَلى مَعْنى أنَّهُ يُقالُ لِهَؤُلاءِ الكُفّارِ: ادْخُلُوا أشَدَّ العَذابِ، والقِراءَةُ الأُولى اخْتِيارُ أبِي عُبَيْدَةَ، واحْتَجَّ عَلَيْها بِقَوْلِهِ تَعالى: ”يُعْرَضُونَ“ فَهَذا يُفْعَلُ بِهِمْ، فَكَذَلِكَ (أدْخِلُوا)، وأمّا وجْهُ القِراءَةِ الثّانِيَةِ فَقَوْلُهُ ﴿ادْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ﴾، وهَهُنا آخِرُ الكَلامِ في قِصَّةِ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ. واعْلَمْ أنَّ الكَلامَ في تِلْكَ القِصَّةِ لَمّا انْجَرَّ إلى شَرْحِ أحْوالِ النّارِ، لا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ عَقِيبَها قِصَّةَ المُناظَراتِ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ الرُّؤَساءِ والأتْباعِ مِن أهْلِ النّارِ، فَقالَ: ﴿وإذْ يَتَحاجُّونَ في النّارِ﴾ والمَعْنى اذْكُرْ يا مُحَمَّدُ لِقَوْمِكَ إذْ يَتَحاجُّونَ أيْ يُحاجِجُ بَعْضُهم بَعْضًا، ثُمَّ شَرَحَ خُصُومَتَهم وذَلِكَ أنَّ الضُّعَفاءَ يَقُولُونَ لِلرُّؤَساءِ ﴿إنّا كُنّا لَكم تَبَعًا﴾ في الدُّنْيا، قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ”تَبَعًا“ كَخَدَمٍ في جَمْعِ خادِمٍ أوْ ذَوِي تَبَعٍ أيْ أتْباعٍ أوْ وصْفًا بِالمَصْدَرِ ﴿فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا نَصِيبًا مِنَ النّارِ﴾ أيْ فَهَلْ تَقْدِرُونَ عَلى أنْ تَدْفَعُوا أيُّها الرُّؤَساءُ عَنّا نَصِيبًا مِنَ العَذابِ، واعْلَمْ أنَّ أُولَئِكَ الأتْباعَ يَعْلَمُونَ أنَّ أُولَئِكَ الرُّؤَساءَ لا قُدْرَةَ لَهم عَلى ذَلِكَ التَّخْفِيفِ، وإنَّما مَقْصُودُهم مِن هَذا الكَلامِ المُبالَغَةُ في تَخْجِيلِ أُولَئِكَ الرُّؤَساءِ وإيلامِ قُلُوبِهِمْ؛ لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ سَعَوْا في إيقاعِ هَؤُلاءِ الأتْباعِ في أنْواعِ الضَّلالاتِ، فَعِنْدَ هَذا يَقُولُ الرُّؤَساءُ ﴿إنّا كُلٌّ فِيها﴾ يَعْنِي أنَّ كُلَّنا واقِعُونَ في هَذا العَذابِ، فَلَوْ قَدَرْتُ عَلى إزالَةِ العَذابِ عَنْكَ لَدَفَعْتُهُ عَنْ نَفْسِي، ثُمَّ يَقُولُونَ: ﴿إنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبادِ﴾ يَعْنِي يُوَصِّلُ إلى كُلِّ أحَدٍ مِقْدارَ حَقِّهِ مِنَ النَّعِيمِ أوْ مِنَ العَذابِ، ثُمَّ عِنْدَ هَذا يَحْصُلُ اليَأْسُ لِلْأتْباعِ مِنَ المَتْبُوعِينَ فَيَرْجِعُونَ إلى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ ويَقُولُونَ لَهم: ﴿ادْعُوا رَبَّكم يُخَفِّفْ عَنّا يَوْمًا مِنَ العَذابِ﴾ فَإنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَقُلْ: وقالَ الَّذِينَ في النّارِ لِخَزَنَتِها بَلْ قالَ: ﴿وقالَ الَّذِينَ في النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ﴾ ؟ قُلْنا فِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ المَقْصُودُ مِن ذِكْرِ جَهَنَّمَ التَّهْوِيلَ والتَّفْظِيعَ، والثّانِي: أنْ يَكُونَ جَهَنَّمُ اسْمًا لِمَوْضِعٍ هو أبْعَدُ النّارِ قَعْرًا، مِن قَوْلِهِمْ: بِئْرٌ جَهَنّامٌ أيْ بَعِيدَةُ القَعْرِ، وفِيها أعْظَمُ أقْسامِ الكُفّارِ عُقُوبَةً، وخَزَنَةُ ذَلِكَ المَوْضِعِ تَكُونُ أعْظَمَ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ عِنْدَ اللَّهِ دَرَجَةً، فَإذا عَرَفَ الكُفّارُ أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ اسْتَغاثُوا بِهِمْ، فَأُولَئِكَ المَلائِكَةُ يَقُولُونَ لَهم ﴿أوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكم رُسُلُكم بِالبَيِّناتِ﴾ والمَقْصُودُ أنَّ قَبْلَ إرْسالِ الرُّسُلِ كانَ لِلْقَوْمِ أنْ يَقُولُوا إنَّهُ ﴿ما جاءَنا مِن بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ﴾ [المائدة: ١٩] أمّا بَعْدَ مَجِيءِ الرُّسُلِ فَلَمْ يَبْقَ عُذْرٌ ولا عِلَّةٌ كَما قالَ تَعالى: ﴿وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] وهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الواجِبَ لا يَتَحَقَّقُ إلّا بَعْدَ مَجِيءِ الشَّرْعِ. ثُمَّ إنَّ أُولَئِكَ المَلائِكَةَ يَقُولُونَ لِلْكُفّارِ: ادْعُوا أنْتُمْ فَإنّا لا نَجْتَرِئُ عَلى ذَلِكَ ولا نُشَفَّعُ إلّا بِشَرْطَيْنِ أحَدَهُما: كَوْنُ المَشْفُوعِ لَهُ مُؤْمِنًا، والثّانِي: حُصُولُ الإذْنِ في الشَّفاعَةِ ولَمْ يُوجَدْ واحِدٌ مِن هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فَإقْدامُنا عَلى هَذِهِ الشَّفاعَةِ مُمْتَنِعٌ لَكِنِ ادْعُوا أنْتُمْ، ولَيْسَ قَوْلُهم فادْعُوا لِرَجاءِ المَنفَعَةِ، ولَكِنْ لِلدَّلالَةِ عَلى الخَيْبَةِ، فَإنَّ المَلَكَ المُقَرَّبَ إذا لَمْ يُسْمَعْ دُعاؤُهُ فَكَيْفَ يُسْمَعُ دُعاءُ الكُفّارِ ؟ ثُمَّ يُصَرِّحُونَ لَهم بِأنَّهُ لا أثَرَ لِدُعائِهِمْ فَيَقُولُونَ ﴿وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلّا في ضَلالٍ﴾ فَإنْ قِيلَ: إنَّ الحاجَةَ عَلى اللَّهِ مُحالٌ، وإذا كانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ تَأذّى مِن هَؤُلاءِ المُجْرِمِينَ بِسَبَبِ جُرْمِهِمْ، وإذا كانَ التَّأذِّي مُحالًا عَلَيْهِ كانَتْ شَهْوَةُ الِانْتِقامِ مُمْتَنِعَةً في حَقِّهِ، إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: إيصالُ هَذِهِ المَضارِّ العَظِيمَةِ إلى أُولَئِكَ الكُفّارِ إضْرارٌ لا مَنفَعَةَ فِيهِ إلى اللَّهِ تَعالى ولا لِأحَدٍ مِنَ العَبِيدِ، فَهو إضْرارٌ خالٍ عَنْ جَمِيعِ الجِهاتِ المُنْتَفِعَةِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالرَّحِيمِ الكَرِيمِ أنْ يُبْقِيَ عَلى ذَلِكَ الإيلامِ أبَدَ الآبادِ ودَهْرَ الدّاهِرِينَ، مِن غَيْرِ أنْ يَرْحَمَ حاجَتَهم، ومِن غَيْرِ أنْ يَسْمَعَ دُعاءَهم، ومِن غَيْرِ أنْ يَلْتَفِتَ إلى تَضَرُّعِهِمْ (p-٦٦)وانْكِسارِهِمْ، ولَوْ أنَّ أقْسى النّاسِ قَلْبًا فَعَلَ مِثْلَ هَذا التَّعْذِيبِ بِبَعْضِ عَبِيدِهِ لَدَعاهُ كَرَمُهُ ورَحْمَتُهُ إلى العَفْوِ عَنْهُ مَعَ أنَّ هَذا السَّيِّدَ في مَحَلِّ النَّفْعِ والضَّرَرِ والحاجَةِ، فَأكْرَمُ الأكْرَمِينَ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ هَذا الإضْرارُ ؟ قُلْنا: أفْعالُ اللَّهِ لا تُعَلَّلُ و﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهم يُسْألُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] فَلَمّا جاءَ الحُكْمُ الحَقُّ بِهِ في الكِتابِ الحَقِّ وجَبَ الإقْرارُ بِهِ، واللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب