الباحث القرآني
(p-١٧٦)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿فَتَكُونُونَ سَواءً﴾ رُفِعَ بِالنَّسَقِ عَلى ﴿تَكْفُرُونَ﴾ والمَعْنى: ودُّوا لَوْ تَكُونُونَ، والفاءُ عاطِفَةٌ ولا يَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ جَوابَ التَّمَنِّي، ولَوْ أرادَ ذَلِكَ عَلى تَأْوِيلِ إذا كَفَرُوا اسْتَوَوْا لَكانَ نَصْبًا، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ: ﴿ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] ولَوْ قِيلَ: ”فَيُدْهِنُوا“ عَلى الجَوابِ لَكانَ ذَلِكَ جائِزًا في الإعْرابِ، ومِثْلُهُ: ﴿ودَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أسْلِحَتِكم وأمْتِعَتِكم فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ١٠٢] ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَتَكُونُونَ سَواءً﴾ أيْ في الكُفْرِ، والمُرادُ فَتَكُونُونَ أنْتُمْ وهم سَواءٌ إلّا أنَّهُ اكْتَفى بِذِكْرِ المُخاطَبِينَ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِمْ لِوُضُوحِ المَعْنى بِسَبَبِ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِمْ، واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ لِلْمُؤْمِنِينَ كُفْرَهم وشِدَّةَ غُلُوِّهم في ذَلِكَ الكُفْرِ.
* * *
فَبَعْدَ ذَلِكَ شَرَحَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَيْفِيَّةَ المُخالَطَةِ مَعَهم فَقالَ: ﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنهم أوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ مُوالاةُ المُشْرِكِينَ والمُنافِقِينَ والمُشْتَهِرِينَ بِالزَّنْدَقَةِ والإلْحادِ، وهَذا مُتَأكِّدٌ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكم أوْلِياءَ﴾ [الممتحنة: ١] والسَّبَبُ فِيهِ أنَّ أعَزَّ الأشْياءِ وأعْظَمَها عِنْدَ جَمِيعِ الخَلْقِ هو الدِّينُ، لِأنَّ ذَلِكَ هو الأمْرُ الَّذِي بِهِ يُتَقَرَّبُ إلى اللَّهِ تَعالى، ويُتَوَسَّلُ بِهِ إلى طَلَبِ السَّعادَةِ في الآخِرَةِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ كانَتِ العَداوَةُ الحاصِلَةُ بِسَبَبِهِ أعْظَمَ أنْواعِ العَداوَةِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ طَلَبُ المَحَبَّةِ والوِلايَةِ في المَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ أعْظَمُ مُوجِباتِ العَداوَةِ حاصِلًا فِيهِ واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنهم أوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا﴾ قالَ أبُو بَكْرٍ الرّازِيُّ: التَّقْدِيرُ حَتّى يُسْلِمُوا ويُهاجِرُوا، لِأنَّ الهِجْرَةَ في سَبِيلِ اللَّهِ لا تَكُونُ إلّا بَعْدَ الإسْلامِ، فَقَدْ دَلَّتِ الآيَةُ عَلى إيجابِ الهِجْرَةِ بَعْدَ الإسْلامِ، وأنَّهم وإنْ أسْلَمُوا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنا وبَيْنَهم مُوالاةٌ إلّا بَعْدَ الهِجْرَةِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ما لَكم مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢] .
واعْلَمْ أنَّ هَذا التَّكْلِيفَ إنَّما كانَ لازِمًا حالَ ما كانَتِ الهِجْرَةُ مَفْرُوضَةً قالَ ﷺ: ”«أنا بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ أقامَ بَيْنَ أظْهُرِ المُشْرِكِينَ وأنا بَرِيءٌ مَن كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ» “ فَكانَتِ الهِجْرَةُ واجِبَةً إلى أنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ، ثُمَّ نُسِخَ فَرْضُ الهِجْرَةِ. عَنْ طاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ”«لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ» “ ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ حُكْمَ الآيَةِ ثابِتٌ في كُلِّ مَن أقامَ في دارِ الحَرْبِ فَرَأى فَرْضَ الهِجْرَةِ إلى دارِ الإسْلامِ قائِمًا.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اعْلَمْ أنَّ الهِجْرَةَ تارَةً تَحْصُلُ بِالِانْتِقالِ مِن دارِ الكُفْرِ إلى دارِ الإيمانِ، وأُخْرى تَحْصُلُ بِالِانْتِقالِ عَنْ أعْمالِ الكُفّارِ إلى أعْمالِ المُسْلِمِينَ، قالَ ﷺ: ”«المُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ» “ وقالَ المُحَقِّقُونَ: الهِجْرَةُ في سَبِيلِ اللَّهِ عِبارَةٌ عَنِ الهِجْرَةِ عَنْ تَرْكِ مَأْمُوراتِهِ وفِعْلِ مَنهِيّاتِهِ، ولَمّا كانَ كُلُّ هَذِهِ الأُمُورِ مُعْتَبَرًا لا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى لَفْظًا عامًّا يَتَناوَلُ الكُلَّ فَقالَ: ﴿حَتّى يُهاجِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فَإنَّهُ تَعالى لَمْ يَقُلْ: حَتّى يُهاجِرُوا عَنِ الكُفْرِ، بَلْ قالَ: ﴿حَتّى يُهاجِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ مُهاجِرَةُ دارِ الكُفْرِ ومُهاجِرَةُ شِعارِ الكُفْرِ، ثُمَّ لَمْ يَقْتَصِرْ تَعالى عَلى ذِكْرِ الهِجْرَةِ، بَلْ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَإنَّهُ رُبَّما كانَتِ الهِجْرَةُ مِن دارِ الكُفْرِ إلى دارِ الإسْلامِ، ومِن شِعارِ الكُفْرِ إلى شِعارِ الإسْلامِ لِغَرَضٍ مِن أغْراضِ الدُّنْيا، إنَّما المُعْتَبَرُ وُقُوعُ تِلْكَ الهِجْرَةِ لِأجْلِ أمْرِ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"وَدُّوا۟ لَوۡ تَكۡفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا۟ فَتَكُونُونَ سَوَاۤءࣰۖ فَلَا تَتَّخِذُوا۟ مِنۡهُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ حَتَّىٰ یُهَاجِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَخُذُوهُمۡ وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡۖ وَلَا تَتَّخِذُوا۟ مِنۡهُمۡ وَلِیࣰّا وَلَا نَصِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











