الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ ومَن تَوَلّى فَما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ .
والمَعْنى أنَّ مَن أطاعَ الرَّسُولَ لِكَوْنِهِ رَسُولًا مُبَلِّغًا إلى الخَلْقِ أحْكامَ اللَّهِ فَهو في الحَقِيقَةِ ما أطاعَ إلّا اللَّهَ، وذَلِكَ في الحَقِيقَةِ لا يَكُونُ إلّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، ومَن تَوَلّى فَما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا، فَإنَّ مَن أعْماهُ اللَّهُ عَنِ الرُّشْدِ وأضَلَّهُ عَنِ الطَّرِيقِ، فَإنَّ أحَدًا مِنَ الخَلْقِ لا يَقْدِرُ عَلى إرْشادِهِ.
واعْلَمْ أنَّ مَن أنارَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِنُورِ الهِدايَةِ قَطَعَ بِأنَّ الأمْرَ كَما ذَكَرْنا، فَإنَّكَ تَرى الدَّلِيلَ الواحِدَ تَعْرِضُهُ عَلى شَخْصَيْنِ في مَجْلِسٍ واحِدٍ، ثُمَّ إنَّ أحَدَهُما يَزْدادُ إيمانًا عَلى إيمانٍ عِنْدَ سَماعِهِ، والآخَرُ يَزْدادُ كُفْرًا عَلى كُفْرٍ عِنْدَ سَماعِهِ، ولَوْ أنَّ المُحِبَّ لِذَلِكَ الكَلامِ أرادَ أنْ يُخْرِجَ عَنْ قَلْبِهِ حُبَّ ذَلِكَ الكَلامِ واعْتِقادَ صِحَّتِهِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، ولَوْ أنَّ المُبْغِضَ لَهُ أرادَ أنْ يُخْرِجَ عَنْ قَلْبِهِ بُغْضَ ذَلِكَ الكَلامِ واعْتِقادَ فَسادِهِ لَمْ يَقْدِرْ، ثُمَّ بَعْدَ أيّامٍ رُبَّما انْقَلَبَ المُحِبُّ مُبْغِضًا والمُبْغِضُ مُحِبًّا، فَمَن تَأمَّلَ لِلْبُرْهانِ القاطِعِ الَّذِي ذَكَرْناهُ في أنَّهُ لا بُدَّ مِن إسْنادِ جَمِيعِ المُمْكِناتِ إلى واجِبِ الوُجُودِ، ثُمَّ اعْتَبَرَ مِن نَفْسِهِ الِاسْتِقْراءَ الَّذِي ذَكَرْناهُ، ثُمَّ لَمْ يَقْطَعْ بِأنَّ الكُلَّ بِقَضاءِ اللَّهِ وقَدَرِهِ، فَلْيَجْعَلْ واقِعَتَهُ مِن أدَلِّ الدَّلائِلِ عَلى أنَّهُ لا تَحْصُلُ الهِدايَةُ إلّا بِخَلْقِ اللَّهِ مِن جِهَةِ أنَّ مَعَ العِلْمِ بِمِثْلِ هَذا الدَّلِيلِ، ومَعَ العِلْمِ بِمِثْلِ هَذا الِاسْتِقْراءِ لَمّا لَمْ يَحْصُلْ في قَلْبِهِ هَذا الِاعْتِقادُ، عَرَفَ أنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ إلّا بِأنَّ اللَّهَ صَدَّهُ عَنْهُ ومَنَعَهُ مِنهُ. بَقِيَ في الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ مِن أقْوى الدَّلائِلِ عَلى أنَّهُ مَعْصُومٌ في جَمِيعِ الأوامِرِ والنَّواهِي وفي كُلِّ ما يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ، لِأنَّهُ لَوْ أخْطَأ في شَيْءٍ مِنها لَمْ تَكُنْ طاعَتُهُ طاعَةَ اللَّهِ وأيْضًا وجَبَ أنْ يَكُونَ مَعْصُومًا في جَمِيعِ أفْعالِهِ، لِأنَّهُ تَعالى أمَرَ بِمُتابَعَتِهِ في قَوْلِهِ: (فاتَّبِعُوهُ) [الأنعام: ١٥٣] والمُتابَعَةُ عِبارَةٌ عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِ فِعْلِ الغَيْرِ لِأجْلِ أنَّهُ فِعْلُ ذَلِكَ الغَيْرِ، فَكانَ الآتِي بِمِثْلِ ذَلِكَ الفِعْلِ مُطِيعًا لِلَّهِ في قَوْلِهِ: (فاتَّبِعُوهُ) [الأنعام: ١٥٣] فَثَبَتَ أنَّ الِانْقِيادَ لَهُ في جَمِيعِ أقْوالِهِ وفي جَمِيعِ أفْعالِهِ، إلّا ما خَصَّهُ الدَّلِيلُ، طاعَةٌ لِلَّهِ وانْقِيادٌ لِحُكْمِ اللَّهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في كِتابِ الرِّسالَةِ في بابِ فَرْضِ الطّاعَةِ لِلرَّسُولِ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ تَكْلِيفٍ كَلَّفَ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ في بابِ الوُضُوءِ والصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّوْمِ والحَجِّ وسائِرِ الأبْوابِ في القُرْآنِ، ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ التَّكْلِيفُ مُبَيَّنًا في القُرْآنِ، فَحِينَئِذٍ لا سَبِيلَ لَنا إلى القِيامِ بِتِلْكَ التَّكالِيفِ إلّا بِبَيانِ الرَّسُولِ، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ لَزِمَ القَوْلُ بِأنَّ طاعَةَ الرَّسُولِ عَيْنُ طاعَةِ اللَّهِ، هَذا مَعْنى كَلامِ الشّافِعِيِّ.
(p-١٥٥)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا طاعَةَ إلّا لِلَّهِ البَتَّةَ، وذَلِكَ لِأنَّ طاعَةَ الرَّسُولِ لِكَوْنِهِ رَسُولًا فِيما هو فِيهِ رَسُولٌ لا تَكُونُ إلّا طاعَةً لِلَّهِ، فَكانَتِ الآيَةُ دالَّةً عَلى أنَّهُ لا طاعَةَ لِأحَدٍ إلّا لِلَّهِ. قالَ مُقاتِلٌ في هَذِهِ الآيَةِ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَقُولُ: ”«مَن أحَبَّنِي فَقَدْ أحَبَّ اللَّهَ ومَن أطاعَنِي فَقَدْ أطاعَ اللَّهَ» “ فَقالَ المُنافِقُونَ: لَقَدْ قارَبَ هَذا الرَّجُلُ الشِّرْكَ وهو أنْ يَنْهى أنْ نَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ، ويُرِيدُ أنْ نَتَّخِذَهُ رَبًّا كَما اتَّخَذَتِ النَّصارى عِيسى، فَأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
واعْلَمْ أنّا بَيَّنّا كَيْفِيَّةَ دَلالَةِ الآيَةِ عَلى أنَّهُ لا طاعَةَ البَتَّةَ لِلرَّسُولِ، وإنَّما الطّاعَةُ لِلَّهِ.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿ومَن تَوَلّى فَما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ مِنَ التَّوَلِّي هو التَّوَلِّي بِالقَلْبِ، يَعْنِي يا مُحَمَّدُ حُكْمُكَ عَلى الظَّواهِرِ، أمّا البَواطِنُ فَلا تَتَعَرَّضْ لَها.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِهِ التَّوَلِّي بِالظّاهِرِ.
ثُمَّ هَهُنا فَفي قَوْلِهِ: ﴿فَما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: مَعْناهُ فَلا يَنْبَغِي أنْ تَغْتَمَّ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّوَلِّي وأنْ تَحْزَنَ، فَما أرْسَلْناكَ لِتَحْفَظَ النّاسَ عَنِ المَعاصِي، والسَّبَبُ في ذَلِكَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ يَشْتَدُّ حُزْنُهُ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وإعْراضِهِمْ، فاللَّهُ تَعالى ذَكَرَ هَذا الكَلامَ تَسْلِيَةً لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْ ذَلِكَ الحُزْنِ.
الثّانِي: أنَّ المَعْنى فَما أرْسَلْناكَ لِتَشْتَغِلَ بِزَجْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ التَّوَلِّي وهو كَقَوْلِهِ: ﴿لا إكْراهَ في الدِّينِ﴾ [البقرة: ٢٥٦] ثُمَّ نُسِخَ هَذا بَعْدَهُ بِآيَةِ الجِهادِ.
{"ayah":"مَّن یُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ عَلَیۡهِمۡ حَفِیظࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











