الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلْيُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ ومَن يُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَمَّ المُبْطِئِينَ في الجِهادِ عادَ إلى التَّرْغِيبِ فِيهِ فَقالَ: ﴿فَلْيُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ ولِلْمُفَسِّرِينَ في قَوْلِهِ: ﴿يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّ (يَشْرُونَ) مَعْناهُ يَبِيعُونَ.
قالَ ابْنُ مُفَرِّغٍ:
؎وشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي مِن بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هامَهْ
قالَ: وبُرْدٌ هو غُلامُهُ، وشَرَيْتُهُ بِمَعْنى بِعْتُهُ، وتَمَنّى المَوْتَ بَعْدَ بَيْعِهِ، فَكانَ مَعْنى الآيَةِ: فَلْيُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَبِيعُونَ الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] إلى قَوْلِهِ: ﴿فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ﴾ [التوبة: ١١١] .
والقَوْلُ الثّانِي: مَعْنى قَوْلِهِ: (يَشْرُونَ) أيْ يَشْتَرُونَ قالُوا: والمُخاطَبُونَ بِهَذا الخِطابِ هُمُ المُنافِقُونَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ أُحُدٍ، وتَقْرِيرُ الكَلامِ: فَلْيُقاتِلِ الَّذِينَ يَخْتارُونَ الحَياةَ الدُّنْيا عَلى الآخِرَةِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا بُدَّ مِن حَذْفٍ تَقْدِيرُهُ: آمَنُوا ثُمَّ قاتَلُوا لِاسْتِحالَةِ حُصُولِ الأمْرِ بِشَرائِعِ الإسْلامِ قَبْلَ حُصُولِ الإسْلامِ. وعِنْدِي في الآيَةِ احْتِمالاتٌ أُخْرى:
أحَدُها: أنَّ الإنْسانَ لَمّا أرادَ أنْ يَبْذُلَ هَذِهِ الحَياةَ الدُّنْيا في سَبِيلِ اللَّهِ بَخِلَتْ نَفْسُهُ بِها، فاشْتَراها مِن نَفْسِهِ بِسَعادَةِ الآخِرَةِ لِيَقْدِرَ عَلى بَذْلِها في سَبِيلِ اللَّهِ بِطِيبَةِ النَّفْسِ.
وثانِيها: أنَّهُ تَعالى أمَرَ بِالقِتالِ مَقْرُونًا بِبَيانِ فَسادِ ما لِأجْلِهِ يَتْرُكُ الإنْسانُ القِتالَ، فَإنَّ مَن تَرَكَ القِتالَ فَإنَّما يَتْرُكُهُ رَغْبَةً في الحَياةِ الدُّنْيا، وذَلِكَ يُوجِبُ فَواتَ سَعادَةِ الآخِرَةِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ لَهُ: اشْتَغِلْ بِالقِتالِ واتْرُكْ تَرْجِيحَ الفانِي عَلى الباقِي.
وثالِثُها: كَأنَّهُ قِيلَ: الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ إنَّما رَجَّحُوا الحَياةَ الدُّنْيا عَلى الآخِرَةِ إذا كانَتْ مَقْرُونَةً بِالسَّعادَةِ والغِبْطَةِ والكَرامَةِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَلْيُقاتِلُوا، فَإنَّهم بِالمُقاتَلَةِ يَفُوزُونَ بِالغِبْطَةِ والكَرامَةِ في الدُّنْيا، لِأنَّهم بِالمُقاتَلَةِ يَسْتَوْلُونَ عَلى الأعْداءِ ويَفُوزُونَ بِالأمْوالِ، فَهَذِهِ وُجُوهٌ خَطَرَتْ بِالبالِ واللَّهُ أعْلَمُ بِمُرادِهِ.
(p-١٤٥)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ومَن يُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ والمَعْنى مَن يُقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَسَواءٌ صارَ مَقْتُولًا لِلْكُفّارِ أوْ صارَ غالِبًا لِلْكُفّارِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا، وهو المَنفَعَةُ الخالِصَةُ الدّائِمَةُ المَقْرُونَةُ بِالتَّعْظِيمِ، ومَعْلُومٌ أنَّهُ لا واسِطَةَ بَيْنَ هاتَيْنِ الحالَتَيْنِ، فَإذا كانَ الأجْرُ حاصِلًا عَلى كِلا التَّقْدِيرَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَمَلٌ أشْرَفَ مِنَ الجِهادِ. وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ المُجاهِدَ لا بُدَّ وأنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلى أنَّهُ لا بُدَّ مِن أحَدِ أمْرَيْنِ، إمّا أنْ يَقْتُلَهُ العَدُوُّ، وإمّا أنْ يَغْلِبَ العَدُوَّ ويَقْهَرَهُ، فَإنَّهُ إذا عَزَمَ عَلى ذَلِكَ لَمْ يَفِرَّ عَنِ الخَصْمِ ولَمْ يُحْجِمْ عَنِ المُحارَبَةِ، فَأمّا إذا دَخَلَ لا عَلى هَذا العَزْمِ فَما أسْرَعَ ما يَقَعُ في الفِرارِ، فَهَذا مَعْنى ما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى مِنَ التَّقْسِيمِ في قَوْلِهِ: ﴿فَيُقْتَلْ أوْ يَغْلِبْ﴾ .
{"ayah":"۞ فَلۡیُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یَشۡرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡـَٔاخِرَةِۚ وَمَن یُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیُقۡتَلۡ أَوۡ یَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











