الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهم ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ . (p-١٣١)فِيهِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: وهو قَوْلُ عَطاءٍ ومُجاهِدٍ والشَّعْبِيِّ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نازِلَةٌ في قِصَّةِ اليَهُودِيِّ والمُنافِقِ، فَهَذِهِ الآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِما قَبْلَها، وهَذا القَوْلُ هو المُخْتارُ عِنْدِي. والثّانِي: أنَّها مُسْتَأْنَفَةٌ نازِلَةٌ في قِصَّةٍ أُخْرى، وهو ما رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ «أنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ خاصَمَ الزُّبَيْرَ في ماءٍ يَسْقِي بِهِ النَّخْلَ، فَقالَ ﷺ لِلزُّبَيْرِ: ”اسْقِ أرْضَكَ ثُمَّ أرْسِلِ الماءَ إلى أرْضِ جارِكَ“ فَقالَ الأنْصارِيُّ: لِأجْلِ أنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قالَ لِلزُّبَيْرِ: ”اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الماءَ حَتّى يَبْلُغَ الجُدُرَ» “ . واعْلَمْ أنَّ الحُكْمَ في هَذا أنَّ مَن كانَتْ أرْضُهُ أقْرَبَ إلى فَمِ الوادِي فَهو أوْلى بِأوَّلِ الماءِ وحَقُّهُ تَمامُ السَّقْيِ، فالرَّسُولُ ﷺ أذِنَ لِلزُّبَيْرِ في السَّقْيِ عَلى وجْهِ المُسامَحَةِ، فَلَمّا أساءَ خَصْمُهُ الأدَبَ ولَمْ يَعْرِفْ حَقَّ ما أمَرَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِنَ المُسامَحَةِ لِأجْلِهِ أمَرَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِاسْتِيفاءِ حَقِّهِ عَلى سَبِيلِ التَّمامِ، وحَمْلِ خَصْمِهِ عَلى مُرِّ الحَقِّ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ”لا“ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا ورَبِّكَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: مَعْناهُ فَوَرَبِّكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٩٢] و”لا“ مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنى القَسَمِ، كَما زِيدَتْ في (لِئَلّا يَعْلَمَ) لِتَأْكِيدِ وُجُوبِ العِلْمِ و(لا يُؤْمِنُونَ) جَوابُ القَسَمِ. والثّانِي: أنَّها مُفِيدَةٌ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ ذَكَرَ الواحِدِيُّ فِيهِ وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ أمْرٍ سَبَقَ، والتَّقْدِيرُ: لَيْسَ الأمْرُ كَما يَزْعُمُونَ أنَّهم آمَنُوا وهم يُخالِفُونَ حُكْمَكَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ القَسَمَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ﴾ . والثّانِي: أنَّها لِتَوْكِيدِ النَّفْيِ الَّذِي جاءَ فِيما بَعْدُ، لِأنَّهُ إذا ذُكِرَ في أوَّلِ الكَلامِ وفي آخِرِهِ كانَ أوْكَدَ وأحْسَنَ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: يُقالُ شَجَرَ يَشْجُرُ شُجُورًا وشَجَرًا إذا اخْتَلَفَ واخْتَلَطَ، وشاجَرَهُ إذا نازَعَهُ وذَلِكَ لِتَداخُلِ كَلامِ بَعْضِهِمْ في بَعْضٍ عِنْدِ المُنازَعَةِ، ومِنهُ يُقالُ لِخَشَباتِ الهَوْدَجِ شِجارٌ، لِتَداخُلِ بَعْضِها في بَعْضٍ. قالَ أبُو مُسْلِمٍالأصْفَهانِيُّ: وهو مَأْخُوذٌ عِنْدِي مِنَ التِفافِ الشَّجَرِ، فَإنَّ الشَّجَرَ يَتَداخَلُ بَعْضُ أغْصانِهِ في بَعْضٍ، وأمّا الحَرَجُ فَهو الضِّيقُ. قالَ الواحِدِيُّ: يُقالُ لِلشَّجَرِ المُلْتَفِّ الَّذِي لا يَكادُ يُوصَلُ إلَيْهِ: حَرَجٌ، وجَمْعُهُ حَراجٌ، وأمّا التَّسْلِيمُ فَهو تَفْعِيلٌ يُقالُ: سَلِمَ فُلانٌ أيْ عُوفِيَ ولَمْ يَنْشَبْ بِهِ نائِبَةٌ، وسَلِمَ هَذا الشَّيْءُ لِفُلانٍ، أيْ خَلُصَ لَهُ مِن غَيْرِ مُنازِعٍ، فَإذا ثَقَّلْتَهُ بِالتَّشْدِيدِ فَقُلْتَ: سَلَّمَ لَهُ فَمَعْناهُ أنَّهُ سَلَّمَهُ لَهُ وخَلَّصَهُ لَهُ، هَذا هو الأصْلُ في اللُّغَةِ، وجَمِيعُ اسْتِعْمالاتِ التَّسْلِيمِ راجِعٌ إلى الأصْلِ فَقَوْلُهم: سَلَّمَ عَلَيْهِ، أيْ دَعا لَهُ بِأنْ يَسْلَمَ، وسَلَّمَ إلَيْهِ الوَدِيعَةَ، أيْ دَفَعَها إلَيْهِ بِلا مُنازَعَةٍ، وسَلَّمَ إلَيْهِ أيْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ، وسَلَّمَ إلى فُلانٍ في كَذا، أيْ تَرَكَ مُنازَعَتَهُ فِيهِ، وسَلَّمَ إلى اللَّهِ أمْرَهُ أيْ فَوَّضَ إلَيْهِ حُكْمَ نَفْسِهِ، عَلى مَعْنى أنَّهُ لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ في أمْرِهِ أثَرًا ولا شَرِكَةً، وعَلِمَ أنَّ المُؤَثِّرَ الصّانِعَ هو اللَّهُ تَعالى وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. * * * المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى عَلى أنَّهم لا يَصِيرُونَ مَوْصُوفِينَ بِصِفَةِ الإيمانِ إلّا عِنْدَ حُصُولِ شَرائِطَ: أوَّلُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ الرَّسُولِ لا يَكُونُ مُؤْمِنًا. واعْلَمْ أنَّ مَن يَتَمَسَّكُ بِهَذِهِ الآيَةِ في بَيانِ أنَّهُ لا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى إلّا بِإرْشادِ النَّبِيِّ المَعْصُومِ قالَ: (p-١٣٢)لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ تَصْرِيحٌ بِأنَّهُ لا يَحْصُلُ لَهُمُ الإيمانُ إلّا بِأنْ يَسْتَعِينُوا بِحُكْمِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في كُلِّ ما اخْتَلَفُوا فِيهِ، ونَرى أهْلَ العِلْمِ مُخْتَلِفِينَ في صِفاتِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، فَمِن مُعَطِّلٍ ومِن مُشَبِّهٍ، ومِن قَدَرِيٍّ ومِن جَبْرِيٍّ، فَلَزِمَ بِحُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لا يَحْصُلُ الإيمانُ إلّا بِحُكْمِهِ وإرْشادِهِ وهِدايَتِهِ، وحَقَّقُوا ذَلِكَ بِأنَّ عُقُولَ أكْثَرِ الخَلْقِ ناقِصَةٌ وغَيْرُ وافِيَةٍ بِإدْراكِ هَذِهِ الحَقائِقِ ؟ وعَقْلُ النَّبِيِّ المَعْصُومِ كامِلٌ مُشْرِقٌ، فَإذا اتَّصَلَ إشْراقُ نُورِهِ بِعُقُولِ الأُمَّةِ قَوِيَتْ عُقُولُهم وانْقَلَبَتْ مِنَ النَّقْصِ إلى الكَمالِ، ومِنَ الضَّعْفِ إلى القُوَّةِ، فَقَدَرُوا عِنْدَ ذَلِكَ عَلى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الأسْرارِ الإلَهِيَّةِ. والَّذِي يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أنَّ الَّذِينَ كانُوا في زَمانِ الرَّسُولِ ﷺ كانُوا جازِمِينَ مُتَيَقِّنِينَ كامِلِي الإيمانِ والمَعْرِفَةِ، والَّذِينَ بَعُدُوا عَنْهُ اضْطَرَبُوا أوِ اخْتَلَفُوا، وهَذِهِ المَذاهِبُ ما تَوَلَّدَتْ إلّا بَعْدَ زَمانِ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ، فَثَبَتَ أنَّ الأمْرَ كَما ذَكَرْنا، والتَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الآيَةِ رَأيْتُهُ في كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الكَرِيمِ الشَّهْرَسْتانِيِّ، فَيُقالُ لَهُ: فَهَذا الِاسْتِقْلالُ الَّذِي ذَكَرْتَهُ إنَّما اسْتَخْرَجْتَهُ مِن عَقْلِكَ، فَإذا كانَ عُقُولُ الأكْثَرِينَ ناقِصَةً فَلَعَلَّكَ ذَكَرْتَ هَذا الِاسْتِدْلالَ لِنُقْصانِ عَقْلِكَ، وإذا كانَ هَذا الِاحْتِمالُ قائِمًا وجَبَ أنْ يُشَكَّ في صِحَّةِ مَذْهَبِكَ وصِحَّةِ هَذا الدَّلِيلِ الَّذِي تَمَسَّكْتَ بِهِ، ولِأنَّ مَعْرِفَةَ النُّبُوَّةِ مَوْقُوفَةٌ عَلى مَعْرِفَةِ الإلَهِ، فَلَوْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ الإلَهِ عَلى مَعْرِفَةِ النُّبُوَّةِ لَزِمَ الدَّوْرُ، وهو مُحالٌ. الشَّرْطُ الثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمّا قَضَيْتَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: لا تَضِيقُ صُدُورُهم مِن أقْضِيَتِكَ. واعْلَمْ أنَّ الرّاضِيَ بِحُكْمِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَدْ يَكُونُ راضِيًا بِهِ في الظّاهِرِ دُونَ القَلْبِ فَبَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لا بُدَّ مِن حُصُولِ الرِّضا بِهِ في القَلْبِ، واعْلَمْ أنَّ مَيْلَ القَلْبِ ونُفْرَتَهُ شَيْءٌ خارِجٌ عَنْ وُسْعِ البَشَرِ، فَلَيْسَ المُرادُ مِنَ الآيَةِ ذَلِكَ، بَلِ المُرادُ مِنهُ أنْ يَحْصُلَ الجَزْمُ واليَقِينُ في القَلْبِ بِأنَّ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ الرَّسُولُ هو الحَقُّ والصِّدْقُ. الشَّرْطُ الثّالِثُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ واعْلَمْ أنَّ مَن عَرَفَ بِقَلْبِهِ كَوْنَ ذَلِكَ الحُكْمِ حَقًّا وصِدْقًا قَدْ يَتَمَرَّدُ عَنْ قَبُولِهِ عَلى سَبِيلِ العِنادِ أوْ يَتَوَقَّفُ في ذَلِكَ القَبُولِ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ كَما لا بُدَّ في الإيمانِ مِن حُصُولِ ذَلِكَ اليَقِينِ في القَلْبِ. فَلا بُدَّ أيْضًا مِنَ التَّسْلِيمِ مَعَهُ في الظّاهِرِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمّا قَضَيْتَ﴾ المُرادُ بِهِ الِانْقِيادُ في الباطِنِ، وقَوْلُهُ: ﴿ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ المُرادُ مِنهُ الِانْقِيادُ في الظّاهِرِ واللَّهُ أعْلَمُ. * * * المَسْألَةُ الخامِسَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعْصُومُونَ عَنِ الخَطَأِ في الفَتْوى وفي الأحْكامِ، لِأنَّهُ تَعالى أوْجَبَ الِانْقِيادَ لِحُكْمِهِمْ وبالَغَ في ذَلِكَ الإيجابِ وبَيَّنَ أنَّهُ لا بُدَّ مِن حُصُولِ ذَلِكَ الِانْقِيادِ في الظّاهِرِ وفي القَلْبِ، وذَلِكَ يَنْفِي صُدُورَ الخَطَأِ عَنْهم، فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿عَفا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣] وأنَّ فَتْواهُ في أُسارى بَدْرٍ، وأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ ما أحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ [التحريم: ١] وأنَّ قَوْلَهُ: ﴿عَبَسَ وتَوَلّى﴾ [عبس: ١] كُلُّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلى الوُجُوهِ الَّتِي لَخَّصْناها في هَذا الكِتابِ. المَسْألَةُ السّادِسَةُ: مِنَ الفُقَهاءِ مَن تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمّا قَضَيْتَ﴾ عَلى أنَّ ظاهِرَ الأمْرِ لِلْوُجُوبِ، وهو ضَعِيفٌ لِأنَّ القَضاءَ هو الإلْزامُ، ولا نِزاعَ في أنَّهُ لِلْوُجُوبِ. * * * المَسْألَةُ السّابِعَةُ: ظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ تَخْصِيصُ النَّصِّ بِالقِياسِ، لِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ يَجِبُ (p-١٣٣)مُتابَعَةُ قَوْلِهِ وحُكْمِهِ عَلى الإطْلاقِ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ العُدُولُ عَنْهُ إلى غَيْرِهِ، ومِثْلُ هَذِهِ المُبالَغَةِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآيَةِ قَلَّما يُوجَدُ في شَيْءٍ مِنَ التَّكالِيفِ، وذَلِكَ يُوجِبُ تَقْدِيمَ عُمُومِ القُرْآنِ والخَبَرِ عَلى حُكْمِ القِياسِ، وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمّا قَضَيْتَ﴾ مُشْعِرٌ بِذَلِكَ لِأنَّهُ مَتى خَطَرَ بِبالِهِ قِياسٌ يُفْضِي إلى نَقِيضِ مَدْلُولِ النَّصِّ فَهُناكَ يَحْصُلُ الحَرَجُ في النَّفْسِ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّهُ لا يَكْمُلُ إيمانُهُ إلّا بَعْدَ أنْ لا يَلْتَفِتَ إلى ذَلِكَ الحَرَجِ، ويُسَلِّمَ النَّصَّ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا، وهَذا الكَلامُ قَوِيٌّ حَسَنٌ لِمَن أنْصَفَ. * * * المَسْألَةُ الثّامِنَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: لَوْ كانَتِ الطّاعاتُ والمَعاصِي بِقَضاءِ اللَّهِ تَعالى لَزِمَ التَّناقُضُ، وذَلِكَ لَأنَّ الرَّسُولَ إذا قَضى عَلى إنْسانٍ بِأنَّهُ لَيْسَ لَهُ أنْ يَفْعَلَ الفِعْلَ الفُلانِيَّ وجَبَ عَلى جَمِيعِ المُكَلَّفِينَ الرِّضا بِذَلِكَ لِأنَّهُ قَضاءُ الرَّسُولِ، والرِّضا بِقَضاءِ الرَّسُولِ واجِبٌ لِدَلالَةِ هَذِهِ الآيَةِ، ثُمَّ لَوْ أنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَعَلَ ذَلِكَ الفِعْلَ عَلى خِلافِ فَتْوى الرَّسُولِ، فَلَوْ كانَتِ المَعاصِي بِقَضاءِ اللَّهِ لَكانَ ذَلِكَ الفِعْلُ بِقَضاءِ اللَّهِ، والرِّضا بِقَضاءِ اللَّهِ واجِبٌ، فَيَلْزَمُ أنْ يَجِبَ عَلى المُكَلَّفِينَ الرِّضا بِذَلِكَ الفِعْلِ، لِأنَّهُ قَضاءُ اللَّهِ، فَوَجَبَ أنْ يَلْزَمَهُمُ الرِّضا بِالفِعْلِ والتَّرْكِ مَعًا، وذَلِكَ مُحالٌ. والجَوابُ: أنَّ المُرادَ مِن قَضاءِ الرَّسُولِ الفَتْوى المَشْرُوعَةُ، والمُرادُ مِن قَضاءِ اللَّهِ التَّكْوِينُ والإيجادُ، وهُما مَفْهُومانِ مُتَغايِرانِ، فالجَمْعُ بَيْنَهُما لا يُفْضِي إلى التَّناقُضِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب