الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ويَقُولُونَ سَمِعْنا وعَصَيْنا واسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وراعِنا لَيًّا بِألْسِنَتِهِمْ وطَعْنًا في الدِّينِ ولَوْ أنَّهم قالُوا سَمِعْنا وأطَعْنا واسْمَعْ وانْظُرْنا لَكانَ خَيْرًا لَهم وأقْوَمَ ولَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلًا﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنْهم أنَّهم يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ شَرَحَ كَيْفِيَّةَ تِلْكَ الضَّلالَةِ وهي أُمُورٌ:
أحَدُها: أنَّهم كانُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في مُتَعَلِّقِ قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الَّذِينَ﴾ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ بَيانًا لِلَّذِينِ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ، والتَّقْدِيرُ: ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ مِنَ الَّذِينَ هادُوا.
والثّانِي: أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: ﴿نَصِيرًا﴾ والتَّقْدِيرُ: وكَفى بِاللَّهِ نَصِيرًا مِنَ الَّذِينَ هادُوا، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿ونَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ [الأنبياء: ٧٧] .
الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، و”يُحَرِّفُونَ“ صِفَتَهُ، تَقْدِيرُهُ: مِنَ الَّذِينَ هادُوا قَوْمٌ يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ، فَحُذِفَ المَوْصُوفُ وأُقِيمَ الوَصْفُ مَكانَهُ.
الرّابِعُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ﴾ [النساء: ٤٤] بَقِيَ ذَلِكَ مُجْمَلًا مِن وجْهَيْنِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: ومِن ذَلِكَ الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتابِ ؟ فَأُجِيبَ وقِيلَ: مِنَ الَّذِينَ هادُوا، ثُمَّ قِيلَ: وكَيْفَ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ ؟ فَأُجِيبَ وقِيلَ: يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ.
(p-٩٥)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: الجَمْعُ مُؤَنَّثٌ، فَكانَ يَنْبَغِي أنْ يُقالَ: يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِها.
والجَوابُ: قالَ الواحِدِيُّ: هَذا جَمْعٌ حُرُوفُهُ أقَلُّ مِن حُرُوفِ واحِدِهِ، وكُلُّ جَمْعٍ يَكُونُ كَذَلِكَ فَإنَّهُ يَجُوزُ تَذْكِيرُهُ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: كَوْنُ الجَمْعِ مُؤَنَّثًا لَيْسَ أمْرًا حَقِيقِيًّا، بَلْ هو أمْرٌ لَفْظِيٌّ، فَكانَ التَّذْكِيرُ والتَّأْنِيثُ فِيهِ جائِزًا، وقُرِئَ: يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ.
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: في كَيْفِيَّةِ التَّحْرِيفِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّهم كانُوا يُبَدِّلُونَ اللَّفْظَ بِلَفْظٍ آخَرَ مِثْلَ تَحْرِيفِهِمُ اسْمَ ”رَبْعَةٍ“ عَنْ مَوْضِعِهِ في التَّوْراةِ بِوَضْعِهِمْ ”آدَمُ طَوِيلٌ“ مَكانَهُ، ونَحْوَ تَحْرِيفِهِمُ ”الرَّجْمَ“ بِوَضْعِهِمُ ”الحَدَّ“ بَدَلَهُ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتابَ بِأيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذا مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٩] .
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ هَذا في الكِتابِ الَّذِي بَلَغَتْ آحادُ حُرُوفِهِ وكَلِماتِهِ مَبْلَغَ التَّواتُرِ المَشْهُورِ في الشَّرْقِ والغَرْبِ ؟
قُلْنا لَعَلَّهُ يُقالُ: القَوْمُ كانُوا قَلِيلِينَ، والعُلَماءُ بِالكِتابِ كانُوا في غايَةِ القِلَّةِ، فَقَدَرُوا عَلى هَذا التَّحْرِيفِ.
والثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالتَّحْرِيفِ: إلْقاءُ الشُّبَهِ الباطِلَةِ، والتَّأْوِيلاتِ الفاسِدَةِ، وصَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْناهُ الحَقِّ إلى مَعْنًى باطِلٍ بِوُجُوهِ الحِيَلِ اللَّفْظِيَّةِ، كَما يَفْعَلُهُ أهْلُ البِدْعَةِ في زَمانِنا هَذا بِالآياتِ المُخالِفَةِ لِمَذاهِبِهِمْ، وهَذا هو الأصَحُّ.
الثّالِثُ: أنَّهم كانُوا يَدْخُلُونَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ ويَسْألُونَهُ عَنْ أمْرٍ فَيُخْبِرُهم لِيَأْخُذُوا بِهِ، فَإذا خَرَجُوا مِن عِنْدِهِ حَرَّفُوا كَلامَهُ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى هَهُنا: ﴿عَنْ مَواضِعِهِ﴾ وفي المائِدَةِ ﴿مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾ [المائدة: ٤١] والفَرْقُ أنّا إذا فَسَّرْنا التَّحْرِيفَ بِالتَّأْوِيلاتِ الباطِلَةِ، فَهَهُنا قَوْلُهُ: ﴿يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ﴾ مَعْناهُ: أنَّهم يَذْكُرُونَ التَّأْوِيلاتِ الفاسِدَةِ لِتِلْكَ النُّصُوصِ، ولَيْسَ فِيهِ بَيانُ أنَّهم يُخْرِجُونَ تِلْكَ اللَّفْظَةَ مِنَ الكِتابِ.
وأمّا الآيَةُ المَذْكُورَةُ في سُورَةِ المائِدَةِ، فَهي دالَّةٌ عَلى أنَّهم جَمَعُوا بَيْنَ الأمْرَيْنِ، فَكانُوا يَذْكُرُونَ التَّأْوِيلاتِ الفاسِدَةَ، وكانُوا يُخْرِجُونَ اللَّفْظَ أيْضًا مِنَ الكِتابِ، فَقَوْلُهُ: ﴿يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ﴾ إشارَةٌ إلى التَّأْوِيلِ الباطِلِ، وقَوْلُهُ: ﴿مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾ إشارَةٌ إلى إخْراجِهِ عَنِ الكِتابِ.
* * *
النَّوْعُ الثّانِي: مِن ضَلالاتِهِمْ: ما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿ويَقُولُونَ سَمِعْنا وعَصَيْنا﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ إذا أمَرَهم بِشَيْءٍ قالُوا في الظّاهِرِ: سَمِعْنا، وقالُوا في أنْفُسِهِمْ: وعَصَيْنا.
والثّانِي: أنَّهم كانُوا يُظْهِرُونَ قَوْلَهم: سَمِعْنا وعَصَيْنا، إظْهارًا لِلْمُخالَفَةِ، واسْتِحْقارًا لِلْأمْرِ.
النَّوْعُ الثّالِثُ: مِن ضَلالَتِهِمْ قَوْلُهُ: ﴿واسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ ذُو وجْهَيْنِ يَحْتَمِلُ المَدْحَ والتَّعْظِيمَ، ويَحْتَمِلُ الإهانَةَ والشَّتْمَ. أمّا أنَّهُ يَحْتَمِلُ المَدْحَ فَهو أنْ يَكُونَ المُرادُ: اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ مَكْرُوهًا، وأمّا أنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلشَّتْمِ والذَّمِّ فَذاكَ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهم كانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اسْمَعْ، ويَقُولُونَ في أنْفُسِهِمْ: لا سَمِعْتَ، فَقَوْلُهُ: (﴿غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ مَعْناهُ: غَيْرَ سامِعٍ، فَإنَّ السّامِعَ مُسْمَعٌ، والمُسْمَعَ سامِعٌ.
الثّانِي: غَيْرَ مُسْمَعٍ، أيْ غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنكَ، ولا تُجابُ إلى ما تَدْعُو إلَيْهِ، ومَعْناهُ غَيْرَ مُسْمَعٍ جَوابًا يُوافِقُكَ، فَكَأنَّكَ ما أسْمَعْتَ شَيْئًا.
الثّالِثُ: اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ كَلامًا تَرْضاهُ، ومَتى كانَ كَذَلِكَ فَإنَّ الإنْسانَ لا يَسْمَعُهُ لِنُبُوِّ سَمْعِهِ عَنْهُ، فَثَبَتَ بِما ذَكَرْنا أنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِلذَّمِّ والمَدْحِ، فَكانُوا يَذْكُرُونَها لِغَرَضِ الشَّتْمِ.(p-٩٦)
النَّوْعُ الرّابِعُ: مِن ضَلالاتِهِمْ قَوْلُهم: ﴿وراعِنا لَيًّا بِألْسِنَتِهِمْ وطَعْنًا في الدِّينِ﴾ أمّا تَفْسِيرُ ﴿راعِنا﴾ فَقَدْ ذَكَرْناهُ في سُورَةِ البَقَرَةِ وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ كانَتْ تَجْرِي بَيْنَهم عَلى جِهَةِ الهُزْءِ والسُّخْرِيَةِ؛ فَلِذَلِكَ نَهى المُسْلِمُونَ أنْ يَتَلَفَّظُوا بِها في حَضْرَةِ الرَّسُولِ ﷺ .
الثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿راعِنا﴾ مَعْناهُ أرْعِنا سَمْعَكَ، أيِ اصْرِفْ سَمْعَكَ إلى كَلامِنا وأنْصِتْ لِحَدِيثِنا وتَفَهَّمْ، وهَذا مِمّا لا يُخاطَبُ بِهِ الأنْبِياءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، بَلْ إنَّما يُخاطَبُونَ بِالإجْلالِ والتَّعْظِيمِ.
الثّالِثُ: كانُوا يَقُولُونَ راعِنا، ويُوهِمُونَهُ في ظاهِرِ الأمْرِ أنَّهم يُرِيدُونَ أرْعِنا سَمْعَكَ، وكانُوا يُرِيدُونَ سَبَّهُ بِالرُّعُونَةِ في لُغَتِهِمْ.
الرّابِعُ: أنَّهم كانُوا يَلْوُونَ ألْسِنَتَهم حَتّى يَصِيرَ قَوْلُهم: ﴿راعِنا﴾ راعَيْنا، وكانُوا يُرِيدُونَ أنَّكَ كُنْتَ تَرْعى أغْنامًا لَنا، وقَوْلُهُ: ﴿لَيًّا بِألْسِنَتِهِمْ﴾ قالَ الواحِدِيُّ: أصْلُ ”لَيًّا“ لَوْيًا، لِأنَّهُ مَن لَوَيْتُ، ولَكِنَّ الواوَ أُدْغِمَتْ في الياءِ لِسَبْقِها بِالسُّكُونِ، ومِثْلُهُ الطَّيُّ. وفي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: قالَ الفَرّاءُ: كانُوا يَقُولُونَ: راعِنا ويُرِيدُونَ بِهِ الشَّتْمَ، فَذاكَ هو اللَّيُّ، وكَذَلِكَ قَوْلُهم: ﴿غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ وأرادُوا بِهِ لا سَمِعْتَ، فَهَذا هو اللَّيُّ.
الثّانِي: أنَّهم كانُوا يَصِلُونَ بِألْسِنَتِهِمْ ما يُضْمِرُونَهُ مِنَ الشَّتْمِ إلى ما يُظْهِرُونَهُ مِنَ التَّوْقِيرِ عَلى سَبِيلِ النِّفاقِ.
الثّالِثُ: لَعَلَّهم كانُوا يَفْتِلُونَ أشْداقَهم وألْسِنَتَهم عِنْدَ ذِكْرِ هَذا الكَلامِ عَلى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ، كَما جَرَتْ عادَةُ مَن يَهْزَأُ بِإنْسانٍ بِمِثْلِ هَذِهِ الأفْعالِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّهم إنَّما يُقْدِمُونَ عَلى هَذِهِ الأشْياءِ لِطَعْنِهِمْ في الدِّينِ؛ لِأنَّهم كانُوا يَقُولُونَ لِأصْحابِهِمْ: إنَّما نَشْتُمُهُ ولا يَعْرِفُ، ولَوْ كانَ نَبِيًّا لَعَرَفَ ذَلِكَ، فَأظْهَرَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ فَعَرَّفَهُ خُبْثَ ضَمائِرِهِمْ، فانْقَلَبَ ما فَعَلُوهُ طَعْنًا في نُبُوَّتِهِ دَلالَةً قاطِعَةً عَلى نُبُوَّتِهِ؛ لِأنَّ الإخْبارَ عَنِ الغَيْبِ مُعْجِزٌ.
فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ جاءُوا بِالقَوْلِ المُحْتَمِلِ لِلْوَجْهَيْنِ بَعْدَما حَرَّفُوا وقالُوا: سَمِعْنا وعَصَيْنا ؟
والجَوابُ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنّا حَكَيْنا عَنْ بَعْضِ المُفَسِّرِينَ أنَّهُ قالَ: إنَّهم ما كانُوا يُظْهِرُونَ قَوْلَهم: ﴿وعَصَيْنا﴾ بَلْ كانُوا يَقُولُونَهُ في أنْفُسِهِمْ.
والثّانِي: هَبْ أنَّهم أظْهَرُوا ذَلِكَ إلّا أنَّ جَمِيعَ الكَفَرَةِ كانُوا يُواجِهُونَهُ بِالكُفْرِ والعِصْيانِ، ولا يُواجِهُونَهُ بِالسَّبِّ والشَّتْمِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولَوْ أنَّهم قالُوا سَمِعْنا وأطَعْنا واسْمَعْ وانْظُرْنا لَكانَ خَيْرًا لَهم وأقْوَمَ﴾ والمَعْنى أنَّهم لَوْ قالُوا بَدَلَ قَوْلِهِمْ سَمِعْنا وعَصَيْنا: سَمِعْنا وأطَعْنا لِعِلْمِهِمْ بِصِدْقِكَ ولِإظْهارِكَ الدَّلائِلَ والبَيِّناتِ مَرّاتٍ بَعْدَ مَرّاتٍ، وبَدَلَ قَوْلِهِمْ: ﴿واسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ قَوْلَهم: واسْمَعْ، وبَدَلَ قَوْلِهِمْ: ﴿راعِنا﴾ قَوْلَهم: ﴿انْظُرْنا﴾ أيِ اسْمَعْ مِنّا ما نَقُولُ، وانْظُرْنا حَتّى نَتَفَهَّمَ عَنْكَ لَكانَ خَيْرًا لَهم عِنْدَ اللَّهِ وأقْوَمَ، أيْ أعْدَلَ وأصْوَبَ، ومِنهُ يُقالُ: رُمْحٌ قَوِيمٌ أيْ مُسْتَقِيمٌ؛ وقَوَّمْتُ الشَّيْءَ مِن عِوَجٍ فَتَقَوَّمَ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿ولَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ والمُرادُ أنَّهُ تَعالى إنَّما لَعَنَهم بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿فَلا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلًا﴾ وفِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّ القَلِيلَ صِفَةٌ لِلْقَوْمِ، والمَعْنى فَلا يُؤْمِنُ مِنهم إلّا أقْوامٌ قَلِيلُونَ. ثُمَّ مِنهم مَن قالَ: كانَ ذَلِكَ القَلِيلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ وأصْحابَهُ، وقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ عَلِمَ اللَّهُ مِنهم أنَّهم يُؤْمِنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ القَلِيلَ صِفَةٌ لِلْإيمانِ، والتَّقْدِيرُ: فَلا يُؤْمِنُونَ إلّا إيمانًا قَلِيلًا، فَإنَّهم كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والتَّوْراةِ ومُوسى، ولَكِنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِسائِرِ الأنْبِياءِ، ورَجَّحَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ هَذا القَوْلَ عَلى الأوَّلِ، قالَ: لِأنَّ ”قَلِيلًا“ لَفْظٌ مُفْرَدٌ، ولَوْ أُرِيدَ بِهِ ناسٌ لَجُمِعَ نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ [الشعراء: ٥٤] ويُمْكِنُ أنْ (p-٩٧)يُجابَ عَنْهُ بِأنَّهُ قَدْ جاءَ فَعِيلٌ مُفْرَدًا، والمُرادُ بِهِ الجَمْعُ، قالَ تَعالى: ﴿وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] وقالَ: ﴿ولا يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [المعارج: ١١] فَدَلَّ عَوْدُ الذِّكْرِ مَجْمُوعًا إلى القَبِيلَيْنِ عَلى أنَّهُ أُرِيدَ بِهِما الكَثْرَةُ.
{"ayah":"مِّنَ ٱلَّذِینَ هَادُوا۟ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَیَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَیۡرَ مُسۡمَعࣲ وَرَ ٰعِنَا لَیَّۢا بِأَلۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنࣰا فِی ٱلدِّینِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا یُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق