الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ويُؤْتِ مِن لَدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا﴾
اعْلَمْ أنَّ تَعَلُّقَ هَذِهِ الآيَةِ هو بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ وأنْفَقُوا مِمّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ﴾ فَكَأنَّهُ قالَ: فَإنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مَن هَذِهِ حالُهُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، فَرَغِبَ بِذَلِكَ في الإيمانِ والطّاعَةِ.
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلى الوَعْدِ بِأُمُورٍ ثَلاثَةٍ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: الذَّرَّةُ: النَّمْلَةُ الحَمْراءُ الصَّغِيرَةُ في قَوْلِ أهْلِ اللُّغَةِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ أدْخَلَ يَدَهُ في التُّرابِ ثُمَّ رَفَعَها ثُمَّ نَفَخَ فِيها، ثُمَّ قالَ: كُلُّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الأشْياءِ ذَرَّةٌ، و”مِثْقالٌ“ مِفْعالٌ مِنَ الثِّقَلِ، يُقالُ: هَذا عَلى مِثْقالِ هَذا، أيْ وزْنِ هَذا، ومَعْنى ”مِثْقالَ ذَرَّةٍ“ أيْ ما يَكُونُ وزْنُهُ وزْنَ الذَّرَّةِ.
واعْلَمْ أنَّ المُرادَ مِنَ الآيَةِ أنَّهُ تَعالى لا يَظْلِمُ قَلِيلًا ولا كَثِيرًا، ولَكِنَّ الكَلامَ خَرَجَ عَلى أصْغَرِ ما يَتَعارَفُهُ النّاسُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئًا﴾ [يونس: ٤٤] .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ تَعالى لَيْسَ خالِقًا لِأعْمالِ العِبادِ؛ لِأنَّ مِن جُمْلَةِ تِلْكَ الأعْمالِ ظُلْمَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَلَوْ كانَ مُوجِدُ ذَلِكَ الظُّلْمِ هو اللَّهُ تَعالى لَكانَ الظّالِمُ هو اللَّهُ، وأيْضًا لَوْ خَلَقَ الظُّلْمَ في الظّالِمِ ولا قُدْرَةَ لِذَلِكَ الظّالِمِ عَلى تَحْصِيلِ ذَلِكَ الظُّلْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ ولا عَلى دَفْعِهِ بَعْدَ وُجُودِهِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى يَقُولُ لِمَن هَذا شَأْنُهُ وصِفَتُهُ: لِمَ ظَلَمْتَ ؟ ثُمَّ يُعاقِبُهُ عَلَيْهِ، كانَ هَذا مَحْضَ الظُّلْمِ، والآيَةُ دالَّةٌ عَلى كَوْنِهِ تَعالى مُنَزَّهًا عَنِ الظُّلْمِ.
والجَوابُ: المُعارَضَةُ بِالعِلْمِ والدّاعِي عَلى ما سَبَقَ مِرارًا لا حَدَّ لَها، وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ اسْتِدْلالاتِ هَؤُلاءِ المُعْتَزِلَةِ وإنْ كَثُرَتْ وعَظُمَتْ، إلّا أنَّها تَرْجِعُ إلى حَرْفٍ واحِدٍ، وهو التَّمَسُّكُ بِالمَدْحِ والذَّمِّ والثَّوابِ والعِقابِ، والسُّؤالُ عَلى هَذا الحَرْفِ مُعَيَّنٌ، وهو المُعارَضَةُ بِالعِلْمِ والدّاعِي، فَكُلَّما أعادُوا ذَلِكَ الِاسْتِدْلالَ أعَدْنا عَلَيْهِمْ هَذا السُّؤالَ.
(p-٨٣)
* * *
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ قادِرٌ عَلى الظُّلْمِ؛ لِأنَّهُ تَمَدَّحَ بِتَرْكِهِ، ومَن تَمَدَّحَ بِتَرْكِ فِعْلٍ قَبِيحٍ، لَمْ يَصِحَّ مِنهُ ذَلِكَ التَّمَدُّحُ إلّا إذا كانَ هو قادِرًا عَلَيْهِ، ألا تَرى أنَّ الزَّمِنَ لا يَصِحُّ مِنهُ أنْ يَتَمَدَّحَ بِأنَّهُ لا يَذْهَبُ في اللَّيالِي إلى السَّرِقَةِ.
والجَوابُ أنَّهُ تَعالى تَمَدَّحَ بِأنَّهُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ، ولَمْ يَلْزَمْ أنْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وتَمَدَّحَ بِأنَّهُ لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ، ولَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عِنْدَ المُعْتَزِلَةِ عَلى أنَّهُ يَصِحُّ أنْ تُدْرِكَهُ الأبْصارُ.
* * *
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: الآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ العَبْدَ يَسْتَحِقُّ الثَّوابَ عَلى طاعَتِهِ، وأنَّهُ تَعالى لَوْ لَمْ يُثِبْهُ لَكانَ ظالِمًا؛ لِأنَّهُ تَعالى بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لَوْ لَمْ يُثِبْهم عَلى أعْمالِهِمْ لَكانَ قَدْ ظَلَمَهم، وهَذا لا يَصِحُّ إلّا إذا كانُوا مُسْتَحِقِّينَ لِلثَّوابِ عَلى أعْمالِهِمْ.
والجَوابُ: أنَّهُ تَعالى وعَدَهم بِالثَّوابِ عَلى تِلْكَ الأفْعالِ، فَلَوْ لَمْ يُثِبْهم عَلَيْها لَكانَ ذَلِكَ في صُورَةِ ظُلْمٍ؛ فَلِهَذا أطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الظُّلْمِ، والَّذِي يَدُلُّ عَلى أنَّ الظُّلْمَ مُحالٌ مِنَ اللَّهِ أنَّ الظُّلْمَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَهْلِ والحاجَةِ عِنْدَكم، وهُما مُحالانِ عَلى اللَّهِ، ومُسْتَلْزِمُ المُحالِ مُحالٌ، والمُحالُ غَيْرُ مَقْدُورٍ. وأيْضًا الظُّلْمُ عِبارَةٌ عَنِ التَّصَرُّفِ في مِلْكِ الغَيْرِ، والحَقُّ سُبْحانَهُ لا يَتَصَرَّفُ إلّا في مِلْكِ نَفْسِهِ، فَيَمْتَنِعُ كَوْنُهُ ظالِمًا. وأيْضًا: الظّالِمُ لا يَكُونُ إلَهًا، والشَّيْءُ لا يَصِحُّ إلّا إذا كانَتْ لَوازِمُهُ صَحِيحَةً، فَلَوْ صَحَّ مِنهُ الظُّلْمُ لَكانَ زَوالُ إلَهِيَّتِهِ صَحِيحًا، ولَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَتْ إلَهِيَّتُهُ جائِزَةَ الزَّوالِ، وحِينَئِذٍ يَحْتاجُ في حُصُولِ صِفَةِ الإلَهِيَّةِ لَهُ إلى مُخَصِّصٍ وفاعِلٍ، وذَلِكَ عَلى اللَّهِ مُحالٌ.
* * *
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: إنَّ عِقابَ قَطْرَةٍ مِنَ الخَمْرِ يُزِيلُ ثَوابَ الإيمانِ والطّاعَةِ مُدَّةَ مِائَةِ سَنَةٍ. وقالَ أصْحابُنا: هَذا باطِلٌ؛ لِأنّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أنَّ ثَوابَ كُلِّ تِلْكَ الطّاعاتِ العَظِيمَةِ تِلْكَ السِّنِينَ المُتَطاوِلَةَ أزْيَدُ مِن عِقابِ شُرْبِ هَذِهِ القَطْرَةِ، فَإسْقاطُ ذَلِكَ الثَّوابِ العَظِيمِ بِعِقابِ هَذا القَدْرِ مِنَ المَعْصِيَةِ ظُلْمٌ، وإنَّهُ مَنفِيٌّ بِهَذِهِ الآيَةِ.
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: قالَ الجُبّائِيُّ: إنَّ عِقابَ الكَبِيرَةِ يُحْبِطُ ثَوابَ جُمْلَةِ الطّاعاتِ، ولا يَنْحَبِطُ مِن ذَلِكَ العِقابِ شَيْءٌ. وقالَ ابْنُهُ أبُو هاشِمٍ: بَلْ يَنْحَبِطُ. واعْلَمْ أنَّ هَذا المَشْرُوعَ صارَ حُجَّةً قَوِيَّةً لِأصْحابِنا في بُطْلانِ القَوْلِ بِالإحْباطِ فَإنّا نَقُولُ: لَوِ انْحَبَطَ ذَلِكَ الثَّوابُ لَكانَ إمّا أنْ يُحْبَطَ مِثْلُهُ مِنَ العِقابِ أوْ لا يُحْبَطُ، والقِسْمانِ باطِلانِ، فالقَوْلُ بِالإحْباطِ باطِلٌ. إنَّما قُلْنا: إنَّهُ لا يَجُوزُ انْحِباطُ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِالآخَرِ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ سَبَبُ عَدَمِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما وُجُودَ الآخَرِ فَلَوْ حَصَلَ العَدَمانِ مَعًا لَحَصَلَ الوِجْدانُ مَعًا ضَرُورَةَ أنَّ العِلَّةَ لا بُدَّ وأنْ تَكُونَ حاصِلَةً مَعَ المَعْلُولِ، وذَلِكَ مُحالٌ. وإنَّما قُلْنا: إنَّهُ لا يَجُوزُ انْحِباطُ الطّاعَةِ بِالمَعْصِيَةِ مَعَ أنَّ المَعْصِيَةَ لا تَنْحَبِطُ بِالطّاعَةِ؛ لِأنَّ تِلْكَ الطّاعاتِ لَمْ يَنْتَفِعِ العَبْدُ بِها البَتَّةَ، لا في جَلْبِ ثَوابٍ ولا في دَفْعِ عِقابٍ، وذَلِكَ ظُلْمٌ، وهو يُنافِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ ولَمّا بَطَلَ القِسْمانِ ثَبَتَ القَوْلُ بِفَسادِ الإحْباطِ عَلى ما تَقُولُهُ المُعْتَزِلَةُ.
* * *
المَسْألَةُ السّابِعَةُ: احْتَجَّ أصْحابُنا بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ المُؤْمِنِينَ يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ إلى الجَنَّةِ، فَقالُوا: لا شَكَّ أنَّ ثَوابَ الإيمانِ، والمُداوَمَةَ عَلى التَّوْحِيدِ، والإقْرارَ بِأنَّهُ هو المَوْصُولُ بِصِفاتِ الجَلالِ والإكْرامِ، والمُواظَبَةَ عَلى وضْعِ الجَبِينِ عَلى تُرابِ العُبُودِيَّةِ مِائَةَ سَنَةٍ - أعْظَمُ ثَوابًا مِن عِقابِ شُرْبِ الجُرْعَةِ مِنَ الخَمْرِ، (p-٨٤)فَإذا حَضَرَ هَذا الشّارِبُ يَوْمَ القِيامَةِ وأُسْقِطَ عَنْهُ قَدْرُ عِقابِ هَذِهِ المَعْصِيَةِ مِن ذَلِكَ الثَّوابِ العَظِيمِ فَضَلَ لَهُ مِنَ الثَّوابِ قَدْرٌ عَظِيمٌ، فَإذا أُدْخِلَ النّارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ القَدْرِ مِنَ العِقابِ فَلَوْ بَقِيَ هُناكَ لَكانَ ذَلِكَ ظُلْمًا، وهو باطِلٌ، فَوَجَبَ القَطْعُ بِأنَّهُ يَخْرُجُ إلى الجَنَّةِ.
* * *
النَّوْعُ الثّانِي: مِنَ الأُمُورِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْها هَذِهِ الآيَةُ:
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ ”حَسَنَةٌ“ بِالرَّفْعِ عَلى تَقْدِيرِهِ ”كانَ“ التّامَّةَ، والمَعْنى: وإنْ حَدَثَتْ حَسَنَةٌ، أوْ وقَعَتْ حَسَنَةٌ، والباقُونَ بِالنَّصْبِ عَلى تَقْدِيرِ ”كانَ“ النّاقِصَةِ والتَّقْدِيرِ: وإنْ تَكْ زِنَةُ الذَّرَّةِ حَسَنَةً. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وابْنُ عامِرٍ ”يُضَعِّفْها“ بِالتَّشْدِيدِ مِن غَيْرِ ألِفٍ، مِنَ التَّضْعِيفِ، والباقُونَ ”يُضاعِفْها“ بِالألِفِ والتَّخْفِيفِ، مِنَ المُضاعَفَةِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: تَكُ: أصْلُهُ مِن ”كانَ يَكُونُ“، وأصْلُهُ ”تَكُونُ“ سَقَطَتِ الضَّمَّةُ لِلْجَزْمِ، وسَقَطَتِ الواوُ لِسُكُونِها وسُكُونِ النُّونِ، فَصارَ ”تَكُنْ“، ثُمَّ حَذَفُوا النُّونَ أيْضًا لِأنَّها ساكِنَةٌ. وهي تُشْبِهُ حُرُوفَ اللِّينِ، وحُرُوفُ اللِّينِ إذا وقَعَتْ طَرَفًا سَقَطَتْ لِلْجَزْمِ، كَقَوْلِكَ: لَمْ أدْرِ، أيْ لا أدْرِي، وجاءَ القُرْآنُ بِالحَذْفِ والإثْباتِ، أمّا الحَذْفُ فَهَهُنا، وأمّا الإثْباتُ، فَكَقَوْلِهِ: ﴿إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا﴾ [النساء: ١٣٥] .
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: أنَّ اللَّهَ تَعالى بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ أنَّهُ لا يَبْخَسُهم حَقَّهم أصْلًا، وبَيَّنَ بِهَذِهِ الآيَةِ أنَّ اللَّهَ تَعالى يَزِيدُهم عَلى اسْتِحْقاقِهِمْ.
واعْلَمْ أنَّ المُرادَ مِن هَذِهِ المُضاعَفَةِ لَيْسَ هو المُضاعَفَةُ في المُدَّةِ؛ لِأنَّ مُدَّةَ الثَّوابِ غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ، وتَضْعِيفُ غَيْرِ المُتَناهِي مُحالٌ، بَلِ المُرادُ أنَّهُ تَعالى يُضَعِّفُهُ بِحَسَبِ المِقْدارِ: مَثَلًا يَسْتَحِقُّ عَلى طاعَتِهِ عَشَرَةَ أجْزاءٍ مِنَ الثَّوابِ، فَيَجْعَلُهُ عِشْرِينَ جُزْءًا، أوْ ثَلاثِينَ جُزْءًا، أوْ أزْيَدَ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ قالَ: يُؤْتى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيامَةِ ويُنادِي مُنادٍ عَلى رُءُوسِ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ: هَذا فُلانُ ابْنُ فُلانٍ، مَن كانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إلى حَقِّهِ، ثُمَّ يُقالُ لَهُ: أعْطِ هَؤُلاءِ حُقُوقَهم، فَيَقُولُ: يا رَبِّ مِن أيْنَ وقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيا ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: انْظُرُوا في أعْمالِهِ الصّالِحَةِ فَأعْطُوهم مِنها، فَإنْ بَقِيَ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن حَسَنَةٍ ضَعَّفَها اللَّهُ تَعالى لِعَبْدِهِ وأدْخَلَهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِهِ ورَحْمَتِهِ. مِصْداقُ ذَلِكَ في كِتابِ اللَّهِ تَعالى: ﴿وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها﴾ وقالَ الحَسَنُ: قَوْلُهُ: ﴿وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها﴾ هَذا أحَبُّ إلى العُلَماءِ مِمّا لَوْ قالَ: في الحَسَنَةِ الواحِدَةِ مِائَةُ ألْفِ حَسَنَةٍ؛ لِأنَّ ذَلِكَ الكَلامَ يَكُونُ مِقْدارُهُ مَعْلُومًا، أمّا عَلى هَذِهِ العِبارَةِ، فَلا يَعْلَمُ كَمِّيَّةُ ذَلِكَ التَّضْعِيفِ إلّا اللَّهُ تَعالى، وهو كَقَوْلِهِ في لَيْلَةِ القَدْرِ إنَّها خَيْرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ. وقالَ أبُو عُثْمانَ النَّهْدِيُّ: بَلَغَنِي عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قالَ: إنَّ اللَّهَ لَيُعْطِي عَبْدَهُ المُؤْمِنَ بِالحَسَنَةِ الواحِدَةِ ألْفَ ألْفَ حَسَنَةٍ، فَقَدَّرَ اللَّهُ أنْ ذَهَبْتُ إلى مَكَّةَ حاجًّا أوْ مُعْتَمِرًا، فَألْفَيْتُهُ، فَقُلْتُ: بَلَغَنِي عَنْكَ أنَّكَ تَقُولُ: إنَّ اللَّهَ يُعْطِي عَبْدَهُ المُؤْمِنَ بِالحَسَنَةِ الواحِدَةِ ألْفَ ألْفَ حَسَنَةٍ، قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أقُلْ ذَلِكَ، ولَكِنْ قُلْتُ: إنَّ الحَسَنَةَ تُضاعَفُ بِألْفَيْ ألْفِ ضِعْفٍ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ وقالَ: إذا قالَ اللَّهُ: ﴿أجْرًا عَظِيمًا﴾ فَمَن يُقَدِّرُ قَدْرَهُ.
* * *
النَّوْعُ الثّالِثُ: مِنَ الأُمُورِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَيْها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُؤْتِ مِن لَدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
(p-٨٥)المَسْألَةُ الأُولى: لَدُنْ: بِمَعْنى ”عِنْدَ“ إلّا أنَّ ”لَدُنْ“ أكْثَرُ تَمْكِينًا، يَقُولُ الرَّجُلُ: عِنْدِي مالٌ، إذا كانَ مالُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ، ولا يُقالُ: لَدَيَّ مالٌ، ولا لَدُنِّي، إلّا ما كانَ حاضِرًا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اعْلَمْ أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الفَرْقِ بَيْنَ هَذا وبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها﴾ والَّذِي يَخْطُرُ بِبالِي - والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ - أنَّ ذَلِكَ التَّضْعِيفَ يَكُونُ مِن جِنْسِ ذَلِكَ الثَّوابِ، وأمّا هَذا الأجْرُ العَظِيمُ فَلا يَكُونُ مِن جِنْسِ ذَلِكَ الثَّوابِ، والظّاهِرُ أنَّ ذَلِكَ التَّضْعِيفَ يَكُونُ مِن جِنْسِ اللَّذّاتِ المَوْعُودِ بِها في الجَنَّةِ، وأمّا هَذا الأجْرُ العَظِيمُ الَّذِي يُؤْتِيهِ مِن لَدُنْهُ فَهو اللَّذَّةُ الحاصِلَةُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وعِنْدَ الِاسْتِغْراقِ في المَحَبَّةِ والمَعْرِفَةِ، وإنَّما خَصَّ هَذا النَّوْعَ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن لَدُنْهُ﴾؛ لِأنَّ هَذا النَّوْعَ مِنَ الغِبْطَةِ والسَّعادَةِ والبَهْجَةِ والكَمالِ لا يُنالُ بِالأعْمالِ الجَسَدانِيَّةِ، بَلْ إنَّما يُنالُ بِما يُودِعُ اللَّهُ في جَوْهَرِ النَّفْسِ القُدْسِيَّةِ مِنَ الإشْراقِ والصَّفاءِ والنُّورِ، وبِالجُمْلَةِ فَذَلِكَ التَّضْعِيفُ إشارَةٌ إلى السَّعادَةِ الجُسْمانِيَّةِ، وهَذا الأجْرُ العَظِيمُ إشارَةٌ إلى السَّعادَةِ الرُّوحانِيَّةِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةࣰ یُضَـٰعِفۡهَا وَیُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق