الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم في الكَلالَةِ إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وهو يَرِثُها إنْ لَمْ يَكُنْ لَها ولَدٌ فَإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ فَلَهُما الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالًا ونِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم أنْ تَضِلُّوا واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى تَكَلَّمَ في أوَّلِ السُّورَةِ في أحْكامِ الأمْوالِ وخَتَمَ آخِرَها بِذَلِكَ لِيَكُونَ الآخِرُ مُشاكِلًا لِلْأوَّلِ، ووَسَطُ السُّورَةِ مُشْتَمِلٌ عَلى المُناظَرَةِ مَعَ الفِرَقِ المُخالِفِينَ لِلدِّينِ. قالَ أهْلُ العِلْمِ: إنَّ اللَّهَ تَعالى أنْزَلَ في الكَلالَةِ آيَتَيْنِ إحْداهُما في الشِّتاءِ وهي الَّتِي في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ، والأُخْرى في الصَّيْفِ وهي هَذِهِ الآيَةُ، ولِهَذا تُسَمّى هَذِهِ الآيَةُ آيَةَ الصَّيْفِ وقَدْ ذَكَرْنا أنَّ الكَلالَةَ اسْمٌ يَقَعُ عَلى الوارِثِ وعَلى المَوْرُوثِ، فَإنْ وقَعَ عَلى الوارِثِ فَهو مَن سِوى الوالِدِ والوَلَدِ، وإنْ وقَعَ عَلى المَوْرُوثِ فَهو الَّذِي ماتَ ولا يَرِثُهُ أحَدُ الوالِدَيْنِ ولا أحَدٌ مِنَ الأوْلادِ، ثُمَّ قالَ: ﴿إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ﴾ ارْتَفَعَ امْرُؤٌ بِمُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ الظّاهِرُ، ومَحَلُّ ﴿لَيْسَ لَهُ ولَدٌ﴾ الرَّفْعُ عَلى الصِّفَةِ، أيْ: إنْ هَلَكَ امْرُؤٌ غَيْرُ ذِي ولَدٍ.
واعْلَمْ أنَّ ظاهِرَ هَذِهِ الآيَةِ فِيهِ تَقْيِيداتٌ ثَلاثٌ:
الأوَّلُ: أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَقْتَضِي أنَّ الأُخْتَ تَأْخُذُ النِّصْفَ عِنْدَ عَدَمِ الوَلَدِ، فَأمّا عِنْدَ وُجُودِ الوَلَدِ فَإنَّها لا تَأْخُذُ النِّصْفَ، ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ شَرْطُ كَوْنِ الأُخْتِ تَأْخُذُ النِّصْفَ أنْ لا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ولَدُ ابْنٍ، فَإنْ كانَ لَهُ بِنْتٌ فَإنَّ الأُخْتَ تَأْخُذُ النِّصْفَ.
الثّانِي: أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَقْتَضِي أنَّهُ إذا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ ولَدٌ فَإنَّ الأُخْتَ تَأْخُذُ النِّصْفَ ولَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الشَّرْطُ أنْ لا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ ولَدٌ ولا والِدٌ، وذَلِكَ أنَّ الأُخْتَ لا تَرِثُ مَعَ الوالِدِ بِالإجْماعِ.
الثّالِثُ: أنَّ قَوْلَهُ ﴿ولَهُ أُخْتٌ﴾ المُرادُ مِنهُ الأُخْتُ مِنَ الأبِ والأُمِّ، أوْ مِنَ الأبِ، لِأنَّ الأُخْتَ مِنَ الأُمِّ والأخَ مِنَ الأُمِّ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُ في أوَّلِ السُّورَةِ بِالإجْماعِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وهُوَ يَرِثُها إنْ لَمْ يَكُنْ لَها ولَدٌ﴾ يَعْنِي أنَّ الأخَ يَسْتَغْرِقُ مِيراثَ الأُخْتِ إذا لَمْ يَكُنْ لِلْأُخْتِ ولَدٌ، إلّا أنَّ هَذا الأخَ مِنَ الأبِ والأُمِّ أوْ مِنَ الأبِ، أمّا الأخُ مِنَ الأُمِّ فَإنَّهُ لا يَسْتَغْرِقُ المِيراثَ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ فَلَهُما الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وإنْ كانُوا إخْوَةً رِجالًا ونِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ﴾ (p-٩٦)﴿الأُنْثَيَيْنِ﴾ وهَذِهِ الآيَةُ دالَّةٌ عَلى أنَّ الأُخْتَ المَذْكُورَةَ لَيْسَتْ هي الأُخْتُ مِنَ الأُمِّ فَقَطْ، ورُوِيَ أنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قالَ في خُطْبَتِهِ: ألا إنَّ الآيَةَ الَّتِي أنْزَلَها اللَّهُ في سُورَةِ النِّساءِ في الفَرائِضِ:
فَأوَّلُها: في الوَلَدِ والوالِدِ.
وثانِيها: في الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ والإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ، والآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِها سُورَةَ النِّساءِ أنْزَلَها في الإخْوَةِ والأخَواتِ مِنَ الأبِ والأُمِّ، والآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِها سُورَةَ الأنْفالِ أنْزَلَها في أُولِي الأرْحامِ.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم أنْ تَضِلُّوا﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: قالَ البَصْرِيُّونَ: المُضافُ هَهُنا مَحْذُوفٌ وتَقْدِيرُهُ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم كَراهَةَ أنْ تَضِلُّوا، إلّا أنَّهُ حَذَفَ المُضافَ كَقَوْلِهِ: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يُوسُفَ: ٨٢] .
الثّانِي: قالَ الكُوفِيُّونَ: حَرْفُ النَّفْيِ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم لِئَلّا تَضِلُّوا، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ والأرْضَ أنْ تَزُولا﴾ [فاطِرٍ: ٤١] أيْ: لِئَلّا تَزُولا.
الثّالِثُ: قالَ الجُرْجانِيُّ صاحِبُ ”النَّظْمِ“: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الضَّلالَةَ لِتَعْلَمُوا أنَّها ضَلالَةٌ فَتَجَنَّبُوها.
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فَيَكُونُ بَيانُهُ حَقًّا وتَعْرِيفُهُ صِدْقًا.
واعْلَمْ أنَّ في هَذِهِ السُّورَةِ لَطِيفَةً عَجِيبَةً، وهي أنَّ أوَّلَها مُشْتَمِلٌ عَلى بَيانِ كَمالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى فَإنَّهُ قالَ: ﴿ياأيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ [النِّساءِ: ١] وهَذا دالٌّ عَلى سَعَةِ القُدْرَةِ، وآخِرَها مُشْتَمِلٌ عَلى بَيانِ كَمالِ العِلْمِ وهو قَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ وهَذانِ الوَصْفانِ هُما اللَّذانِ بِهِما تَثْبُتُ الرُّبُوبِيَّةُ والإلَهِيَّةُ والجَلالَةُ والعِزَّةُ، وبِهِما يَجِبُ عَلى العَبْدِ أنْ يَكُونَ مُطِيعًا لِلْأوامِرِ والنَّواهِي مُنْقادًا لِكُلِّ التَّكالِيفِ.
قالَ المُصَنِّفُ: فَرَغْتُ مِن تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الثُّلاثاءِ ثانِيَ عَشَرَ جُمادى الآخِرَةِ مِن سَنَةِ خَمْسٍ وتِسْعِينَ وخَمْسِمِائَةٍ.
{"ayah":"یَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ یُفۡتِیكُمۡ فِی ٱلۡكَلَـٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌا۟ هَلَكَ لَیۡسَ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَهُۥۤ أُخۡتࣱ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ یَرِثُهَاۤ إِن لَّمۡ یَكُن لَّهَا وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَیۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوۤا۟ إِخۡوَةࣰ رِّجَالࣰا وَنِسَاۤءࣰ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۗ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّوا۟ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمُۢ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











