الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكافِرِينَ أوْلِياءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ . الَّذِينَ: نَصْبٌ عَلى الذَّمِّ، بِمَعْنى أُرِيدُ الَّذِينَ، أوْ رَفْعٌ بِمَعْنى هُمُ الَّذِينَ، واتَّفَقَ المُفَسِّرُونَ عَلى أنَّ المُرادَ بِالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ المُنافِقُونَ، وبِالكافِرِينَ اليَهُودُ، وكانَ المُنافِقُونَ يُوالُونَهم، ويَقُولُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: إنَّ أمْرَ مُحَمَّدٍ لا يَتِمُّ، فَيَقُولُ اليَهُودُ: بِأنَّ العِزَّةَ والمَنَعَةَ لَهم. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ﴾ قالَ الواحِدِيُّ: أصْلُ العِزَّةِ في اللُّغَةِ: الشِّدَّةُ، ومِنهُ قِيلَ لِلْأرْضِ الصُّلْبَةِ الشَّدِيدَةِ: عَزازٌ، ويُقالُ: قَدِ اسْتَعَزَّ المَرَضُ عَلى المَرِيضِ: إذا اشْتَدَّ مَرَضُهُ وكادَ أنْ يَهْلِكَ، وعَزَّ الهَمُّ: اشْتَدَّ، ومِنهُ عَزَّ عَلَيَّ أنْ يَكُونَ كَذا: بِمَعْنى اشْتَدَّ، وعَزَّ الشَّيْءُ: إذا قَلَّ حَتّى لا يَكادَ يُوجَدُ؛ لِأنَّهُ اشْتَدَّ مَطْلَبُهُ، واعْتَزَّ فُلانٌ بِفُلانٍ: إذا اشْتَدَّ ظَهْرُهُ بِهِ، وشاةٌ عَزُوزٌ: الَّتِي يَشْتَدُّ حَلْبُها ويَصْعُبُ، والعِزَّةُ: القُوَّةُ مَنقُولَةٌ مِنَ الشِّدَّةِ؛ لِتَقارُبِ مَعْنَيَيْهِما، والعَزِيزُ: القَوِيُّ المَنِيعُ بِخِلافِ الذَّلِيلِ. إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: إنَّ المُنافِقِينَ كانُوا يَطْلُبُونَ العِزَّةَ والقُوَّةَ بِسَبَبِ اتِّصالِهِمْ بِاليَهُودِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أبْطَلَ عَلَيْهِمْ هَذا الرَّأْيَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ . فَإنْ قِيلَ: هَذا كالمُناقِضِ لِقَوْلِهِ: ﴿ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المُنافِقُونَ: ٨] . قُلْنا: القُدْرَةُ الكامِلَةُ لِلَّهِ، وكُلُّ مَن سِواهُ فَبِإقْدارِهِ صارَ قادِرًا، وبِإعْزازِهِ صارَ عَزِيزًا، فالعِزَّةُ الحاصِلَةُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولِلْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَحْصُلْ إلّا مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَكانَ الأمْرُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ أنَّ العِزَّةَ جَمِيعًا لِلَّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب