الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في تَعَلُّقِ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها، وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّهُ لَمْ يَتَّخِذِ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلًا لِاحْتِياجِهِ إلَيْهِ في أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ، كَما تَكُونُ خُلَّةُ الآدَمِيِّينَ، وكَيْفَ يُعْقَلُ ذَلِكَ ولَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ، وما كانَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ أنْ يَكُونَ مُحْتاجًا إلى البَشَرِ الضَّعِيفِ ؟ وإنَّما اتَّخَذَهُ خَلِيلًا بِمَحْضِ الفَضْلِ والإحْسانِ والكَرَمِ؛ ولِأنَّهُ لَمّا كانَ مُخْلِصًا في العُبُودِيَّةِ لا جَرَمَ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَذا التَّشْرِيفِ، والحاصِلُ أنَّ كَوْنَهُ خَلِيلًا يُوهِمُ الجِنْسِيَّةَ، فَهو سُبْحانُهُ أزالَ وهْمَ المُجانَسَةِ والمُشاكَلَةِ بِهَذا الكَلامِ.
والثّانِي: أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هَذا المَوْضِعِ أنْواعًا كَثِيرَةً مِنَ الأمْرِ والنَّهْيِ والوَعْدِ والوَعِيدِ، فَبَيَّنَ هَهُنا أنَّهُ إلَهُ المُحْدَثاتِ ومُوجِدُ الكائِناتِ والمُمْكِناتِ، ومَن كانَ كَذَلِكَ كانَ مَلِكًا مُطاعًا، فَوَجَبَ عَلى كُلِّ عاقِلٍ أنْ يَخْضَعَ لِتَكالِيفِهِ، وأنْ يَنْقادَ لِأمْرِهِ ونَهْيِهِ.
الثّالِثُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الوَعْدَ والوَعِيدَ ولا يُمْكِنُ الوَفاءُ بِهِما إلّا عِنْدَ حُصُولِ أمْرَيْنِ:
أحَدُهُما: القُدْرَةُ التّامَّةُ المُتَعَلِّقَةُ بِجَمِيعِ الكائِناتِ والمُمْكِناتِ.
والثّانِي: العِلْمُ التّامُّ المُتَعَلِّقُ بِجَمِيعِ الجُزْئِيّاتِ والكُلِّيّاتِ حَتّى لا يُشْتَبَهَ عَلَيْهِ المُطِيعُ والعاصِي والمُحْسِنُ والمُسِيءُ، فَدَلَّ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ . وعَلى كَمالِ عِلْمِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ .
الرّابِعُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا وصَفَ إبْراهِيمَ بِأنَّهُ خَلِيلُهُ بَيَّنَ أنَّهُ مَعَ هَذِهِ الخُلَّةِ عَبْدٌ لَهُ؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ، ويَجْرِي هَذا مَجْرى قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُلُّ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ إلّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مَرْيَمَ: ٩٣] . ومَجْرى قَوْلِهِ: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ولا المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ﴾ [النِّساءِ: ١٧٢] . يَعْنِي: أنَّ المَلائِكَةَ مَعَ كَمالِهِمْ في صِفَةِ القُدْرَةِ والقُوَّةِ في صِفَةِ العِلْمِ والحِكْمَةِ، لَمّا لَمْ يَسْتَنْكِفُوا عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ مَعَ ضَعْفِ بَشَرِيَّتِهِ عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ ؟ ! كَذا هَهُنا، يَعْنِي: إذا كانَ كُلُّ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ مُلْكَهُ في تَسْخِيرِهِ ونَفاذِ إلَهِيَّتِهِ فَكَيْفَ يُعْقَلُ أنْ يُقالَ: إنَّ اتِّخاذَ اللَّهِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ خَلِيلًا يُخْرِجُهُ عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ ؟ ! وهَذِهِ الوُجُوهُ كُلُّها حَسَنَةٌ مُتَناسِبَةٌ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: إنَّما قالَ: ﴿ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ . ولَمْ يَقُلْ: ”مَن“؛ لِأنَّهُ ذَهَبَ مَذْهَبَ الجِنْسِ، والَّذِي يَعْقِلُ إذا ذُكِّرَ، وأُرِيدَ بِهِ الجِنْسُ ذُكِّرَ بِـ ”ما“ .
(p-٤٩)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: المُرادُ مِنهُ الإحاطَةُ في العِلْمِ.
والثّانِي: المُرادُ مِنهُ الإحاطَةُ بِالقُدْرَةِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ [الفَتْحِ: ٢١] . قالَ القائِلُونَ بِهَذا القَوْلِ: ولَيْسَ لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: لَمّا دَلَّ قَوْلُهُ: ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ، فَلَوْ حَمَلْنا قَوْلَهُ: ﴿وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ لَزِمَ التَّكْرارُ، وذَلِكَ لِأنّا نَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ لا يُفِيدُ ظاهِرُهُ إلّا كَوْنَهُ تَعالى قادِرًا مالِكًا لِكُلِّ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ، ولا يُفِيدُ كَوْنَهُ قادِرًا عَلى ما يَكُونُ خارِجًا عَنْهُما ومُغايِرًا لَهُما، فَلَمّا قالَ: ﴿وكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا﴾ دَلَّ عَلى كَوْنِهِ قادِرًا عَلى ما لا نِهايَةَ لَهُ مِنَ المَقْدُوراتِ خارِجًا عَنْ هَذِهِ السَّماواتِ والأرْضِ، عَلى أنَّ سِلْسِلَةَ القَضاءِ والقَدَرِ في جَمِيعِ الكائِناتِ والمُمْكِناتِ إنَّما تَنْقَطِعُ بِإيجادِهِ وتَكْوِينِهِ وإبْداعِهِ، فَهَذا تَقْرِيرُ هَذا القَوْلِ، إلّا أنَّ القَوْلَ الأوَّلَ أحْسَنُ؛ لِما بَيَّنّا أنَّ الإلَهِيَّةَ والوَفاءَ بِالوَعْدِ والوَعِيدِ إنَّما يَحْصُلُ ويَكْمُلُ بِمَجْمُوعِ القُدْرَةِ والعِلْمِ، فَلا بُدَّ مِن ذِكْرِهِما مَعًا، وإنَّما قَدَّمَ ذِكْرَ القُدْرَةِ عَلى ذِكْرِ العِلْمِ؛ لِما ثَبَتَ في عِلْمِ الأُصُولِ أنَّ العِلْمَ بِاللَّهِ: هو العِلْمُ بِكَوْنِهِ قادِرًا، ثُمَّ بَعْدَ العِلْمِ بِكَوْنِهِ قادِرًا يُعْلَمُ كَوْنُهُ عالِمًا، لِما أنَّ الفِعْلَ بِحُدُوثِهِ يَدُلُّ عَلى القُدْرَةِ، وبِما فِيهِ مِنَ الإحْكامِ والإتْقانِ يَدُلُّ عَلى العِلْمِ، ولا شَكَّ أنَّ الأوَّلَ مُقَدَّمٌ عَلى الثّانِي.
{"ayah":"وَلِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءࣲ مُّحِیطࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق