الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ها أنْتُمْ هَؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهم في الحَياةِ الدُّنْيا فَمَن يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهم يَوْمَ القِيامَةِ﴾ (ها) لِلتَّنْبِيهِ في: (ها أنْتُمْ)، و(هَؤُلاءِ) وهُما مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ، (جادَلْتُمْ) جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِوُقُوعِ (أُولاءِ) خَبَرًا، كَما تَقُولُ لِبَعْضِ الأسْخِياءِ: أنْتَ حاتِمٌ تَجُودُ بِمالِكَ وتُؤْثِرُ عَلى نَفْسِكَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ: (أُولاءِ) اسْمًا مَوْصُولًا بِمَعْنى الَّذِي، و(جادَلْتُمْ) صِلَةً، وأمّا الجِدالُ فَهو في اللُّغَةِ: عِبارَةٌ عَنْ شِدَّةِ المُخاصَمَةِ، وجَدْلُ الحَبْلِ: شِدَّةُ فَتْلِهِ، ورَجُلٌ مَجْدُولٌ: كَأنَّهُ فُتِلَ، والأجْدَلُ: الصَّقْرُ؛ لِأنَّهُ مِن أشَدِّ الطُّيُورِ قُوَّةً. هَذا قَوْلُ الزَّجّاجِ. وقالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَتِ المُخاصَمَةُ جِدالًا؛ لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ الخَصْمَيْنِ يُرِيدُ مَيْلَ صاحِبِهِ عَمّا هو عَلَيْهِ وصَرْفَهُ عَنْ رَأْيِهِ.
إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: هَذا خِطابٌ مَعَ قَوْمٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ، كانُوا يَذُبُّونَ عَنْ طُعْمَةَ، وعَنْ قَوْمِهِ؛ بِسَبَبِ أنَّهم كانُوا في الظّاهِرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، والمَعْنى: هَبُوا أنَّكم خاصَمْتُمْ عَنْ طُعْمَةَ وقَوْمِهِ في الدُّنْيا، فَمَنِ الَّذِينَ يُخاصِمُونَ عَنْهم في الآخِرَةِ إذا أخَذَهُمُ اللَّهُ بِعَذابِهِ. وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: ها أنْتُمْ هَؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُ، يَعْنِي: عَنْ طُعْمَةَ، وقَوْلُهُ: ﴿فَمَن يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ﴾ اسْتِفْهامٌ بِمَعْنى التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ.
* *
* * *
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿أمْ مَن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وكِيلًا﴾ فَقَوْلُهُ: (أمْ مَن يَكُونُ) عَطْفٌ عَلى الِاسْتِفْهامِ السّابِقِ، والوَكِيلُ: هو الَّذِي وُكِلَ إلَيْهِ الأمْرُ في الحِفْظِ والحِمايَةِ، والمَعْنى: مَنِ الَّذِي يَكُونُ مُحافِظًا ومُحامِيًا لَهم مِن عَذابِ اللَّهِ ؟ .
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الوَعِيدَ في هَذا البابِ أتْبَعَهُ بِالدَّعْوَةِ إلى التَّوْبَةِ، وذَكَرَ فِيهِ ثَلاثَةَ أنْواعٍ مِنَ التَّرْغِيبِ.
فالأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ .
والمُرادُ بِالسُّوءِ: القَبِيحُ الَّذِي يَسُوءُ بِهِ غَيْرَهُ، كَما فَعَلَ طُعْمَةُ مِن سَرِقَةِ الدِّرْعِ، ومِن رَمْيِ اليَهُودِيِّ بِالسَّرِقَةِ، والمُرادُ بِظُلْمِ النَّفْسِ: ما يَخْتَصُّ بِهِ الإنْسانُ كالحَلِفِ الكاذِبِ، وإنَّما خَصَّ ما يَتَعَدّى إلى الغَيْرِ بِاسْمِ السُّوءِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يَكُونُ في الأكْثَرِ إيصالًا لِلضَّرَرِ إلى الغَيْرِ، والضَّرَرُ سُوءٌ حاضِرٌ، فَأمّا الذَّنْبُ الَّذِي يَخُصُّ الإنْسانَ فَذَلِكَ في الأكْثَرِ لا يَكُونُ ضَرَرًا حاضِرًا؛ لِأنَّ الإنْسانَ لا يُوَصِلُ الضَّرَرَ إلى نَفْسِهِ.
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ دالَّةٌ عَلى حُكْمَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ عَنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ سَواءٌ كانَتْ كُفْرًا أوْ قَتْلًا، عَمْدًا أوْ غَصْبًا لِلْأمْوالِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ومَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ﴾ عَمَّ الكُلَّ.
الثّانِي: أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَقْتَضِي أنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِغْفارِ كافٍ، وقالَ بَعْضُهم: أنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأنَّهُ لا يَنْفَعُ الِاسْتِغْفارُ مَعَ الإصْرارِ، وقَوْلُهُ: ﴿يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ مَعْناهُ: غَفُورًا رَحِيمًا لَهُ، وحُذِفَ هَذا القَيْدُ لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ، فَإنَّهُ لا مَعْنى لِلتَّرْغِيبِ (p-٣١)فِي الِاسْتِغْفارِ إلّا إذا كانَ المُرادُ ذَلِكَ.
والنَّوْعُ الثّانِي: مِنَ الكَلِماتِ المُرَغِّبَةِ في التَّوْبَةِ:
{"ayahs_start":109,"ayahs":["هَـٰۤأَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ جَـٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَمَن یُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَم مَّن یَكُونُ عَلَیۡهِمۡ وَكِیلࣰا","وَمَن یَعۡمَلۡ سُوۤءًا أَوۡ یَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ یَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ یَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا","وَمَن یَكۡسِبۡ إِثۡمࣰا فَإِنَّمَا یَكۡسِبُهُۥ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا"],"ayah":"وَمَن یَعۡمَلۡ سُوۤءًا أَوۡ یَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ یَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ یَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق