الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتّى إذا جاءُوها فُتِحَتْ أبْوابُها وقالَ لَهم خَزَنَتُها ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكم يَتْلُونَ عَلَيْكم آياتِ رَبِّكم ويُنْذِرُونَكم لِقاءَ يَوْمِكم هَذا قالُوا بَلى ولَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذابِ عَلى الكافِرِينَ﴾ ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوى المُتَكَبِّرِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ أحْوالَ أهْلِ القِيامَةِ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ فَقالَ: ﴿ووُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ﴾ بَيَّنَ بَعْدَهُ كَيْفِيَّةَ أحْوالِ أهْلِ العِقابِ، ثُمَّ كَيْفِيَّةَ أحْوالِ أهْلِ الثَّوابِ وخَتَمَ السُّورَةَ.
أمّا شَرْحُ أحْوالِ أهْلِ العِقابِ فَهو المَذْكُورُ في هَذِهِ الآيَةِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿وسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ قالَ ابْنُ زَيْدانٍ: سَوْقُ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يَكُونُ بِالعُنْفِ والدَّفْعِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطُّورِ: ١٣] أيْ يُدْفَعُونَ دَفْعًا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ﴾ [الماعُونِ: ٢] أيْ يَدْفَعُهُ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونَسُوقُ المُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مَرْيَمَ: ٨٦] .
وأمّا الزُّمَرُ، فَهي الأفْواجُ المُتَفَرِّقَةُ، بَعْضٌ في إثْرِ بَعْضٍ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّهم يُساقُونَ إلى جَهَنَّمَ فَإذا جاءُوها فُتِحَتْ أبْوابُها، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ أبْوابَ جَهَنَّمَ إنَّما تُفْتَحُ عِنْدَ وُصُولِ أُولَئِكَ إلَيْها، فَإذا دَخَلُوا جَهَنَّمَ قالَ لَهم خَزَنَةُ جَهَنَّمَ: ﴿ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكُمْ﴾ أيْ مِن جِنْسِكم ﴿يَتْلُونَ عَلَيْكم آياتِ رَبِّكم ويُنْذِرُونَكم لِقاءَ يَوْمِكم هَذا﴾ فَإنْ قِيلَ: فَلِمَ أُضِيفَ اليَوْمُ إلَيْهِمْ؟ قُلْنا: أرادَ لِقاءَ وقْتِكم هَذا، وهو وقْتُ دُخُولِهِمُ النّارَ، لا يَوْمَ القِيامَةِ، واسْتِعْمالُ لَفْظِ اليَوْمِ والأيّامِ في أوْقاتِ الشِّدَّةِ مُسْتَفِيضٌ، فَعِنْدَ هَذا تَقُولُ الكُفّارُ: بَلى قَدْ أتَوْنا وتَلَوْا عَلَيْنا ﴿ولَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذابِ عَلى الكافِرِينَ﴾ وفي هَذِهِ الآيَةِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: تَقْدِيرُ الكَلامِ أنَّهُ حَقَّتْ عَلَيْنا كَلِمَةُ العَذابِ، ومَن حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ الخَلاصُ مِنَ العَذابِ، وهَذا صَرِيحٌ في أنَّ السَّعِيدَ لا يَنْقَلِبُ شَقِيًّا، والشَّقِيُّ لا يَنْقَلِبُ سَعِيدًا، وكَلِماتُ المُعْتَزِلَةِ في دَفْعِ هَذا الكَلامِ مَعْلُومَةٌ، وأجْوِبَتُنا عَنْها أيْضًا مَعْلُومَةٌ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ لا وُجُوبَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّرْعِ؛ لِأنَّ المَلائِكَةَ بَيَّنُوا أنَّهُ ما بَقِيَ لَهم عِلَّةٌ ولا عُذْرٌ بَعْدَ مَجِيءِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ مَجِيءُ الأنْبِياءِ شَرْطًا في اسْتِحْقاقِ العَذابِ لَما بَقِيَ في هَذا الكَلامِ فائِدَةٌ، ثُمَّ إنَّ المَلائِكَةَ إذا سَمِعُوا مِنهم هَذا الكَلامَ قالُوا لَهم: ﴿ادْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوى المُتَكَبِّرِينَ﴾ قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: لَوْ كانَ دُخُولُهُمُ النّارَ لِأجْلِ أنَّهُ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ العَذابِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِ المَلائِكَةِ: ﴿فَبِئْسَ مَثْوى المُتَكَبِّرِينَ﴾ فائِدَةٌ، بَلْ هَذا الكَلامُ إنَّما يَبْقى مُفِيدًا إذا قُلْنا: إنَّهم إنَّما دَخَلُوا النّارَ لِأنَّهم تَكَبَّرُوا عَلى الأنْبِياءِ ولَمْ يَقْبَلُوا قَوْلَهم، ولَمْ يَلْتَفِتُوا إلى دَلائِلِهِمْ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِنا، واللَّهُ أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
{"ayahs_start":71,"ayahs":["وَسِیقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَاۤ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَتۡلُونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِ رَبِّكُمۡ وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَـٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ","قِیلَ ٱدۡخُلُوۤا۟ أَبۡوَ ٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِینَ"],"ayah":"وَسِیقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَ ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَاۤ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَتۡلُونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِ رَبِّكُمۡ وَیُنذِرُونَكُمۡ لِقَاۤءَ یَوۡمِكُمۡ هَـٰذَاۚ قَالُوا۟ بَلَىٰ وَلَـٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











