الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ: ﴿واتَّبِعُوا أحْسَنَ ما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكُمْ﴾ واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا وعَدَ بِالمَغْفِرَةِ أمَرَ بَعْدَ هَذا الوَعْدِ بِأشْياءَ؛ فالأوَّلُ: أمَرَ بِالإنابَةِ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ﴾ . والثّانِي: أمَرَ بِمُتابَعَةِ الأحْسَنِ.
وفِي المُرادِ بِهَذا الأحْسَنِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّهُ القُرْآنُ ومَعْناهُ واتَّبِعُوا القُرْآنَ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا﴾ [الزُّمَرِ: ٢٣] .
الثّانِي: قالَ الحَسَنُ: مَعْناهُ والتَزِمُوا طاعَةَ اللَّهِ واجْتَنِبُوا مَعْصِيَةَ اللَّهِ، فَإنَّ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: ذِكْرُ القَبِيحِ لِيُجْتَنَبَ عَنْهُ، والأدْوَنِ لِئَلّا يُرْغَبَ فِيهِ، والأحْسَنِ لِيُتَقَوّى بِهِ ويُتَّبَعَ.
الثّالِثُ: المُرادُ بِالأحْسَنِ النّاسِخُ دُونَ المَنسُوخِ؛ لِأنَّ النّاسِخَ أحْسَنُ مِنَ المَنسُوخِ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما نَنْسَخْ مِن آيَةٍ أوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنها أوْ مِثْلِها﴾ [البَقَرَةِ: ١٠٦] ولِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا نَسَخَ حُكْمًا وأثْبَتَ حُكْمًا آخَرَ كانَ اعْتِمادُنا عَلى المَنسُوخِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَكُمُ العَذابُ بَغْتَةً وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ والمُرادُ مِنهُ التَّهْدِيدُ والتَّخْوِيفُ، والمَعْنى أنَّهُ يَفْجَأُ العَذابُ وأنْتُمْ غافِلُونَ عَنْهُ، واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا خَوَّفَهم بِالعَذابِ بَيَّنَ تَعالى أنَّ بِتَقْدِيرِ نُزُولِ العَذابِ عَلَيْهِمْ ماذا يَقُولُونَ، فَحَكى اللَّهُ تَعالى عَنْهم ثَلاثَةَ أنْواعٍ مِنَ الكَلِماتِ، فالأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ وإنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ ﴿أنْ تَقُولَ﴾ مَفْعُولٌ لَهُ أيْ كَراهَةَ أنْ تَقُولَ: ﴿أنْ تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ﴾ وأمّا تَنْكِيرُ لَفْظِ النَّفْسِ فَفِيهِ وجْهانِ؛ الأوَّلُ: يَجُوزُ أنْ تُرادَ نَفْسٌ مُمْتازَةٌ عَنْ سائِرِ النُّفُوسِ لِأجْلِ اخْتِصاصِها بِمَزِيدِ إضْرارٍ بِما لا يَنْفِي رَغْبَتَها في المَعاصِي. والثّانِي: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ الكَثْرَةُ، وذَلِكَ لِأنَّهُ ثَبَتَ في عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ أنَّ الحُكْمَ المَذْكُورَ عَقِيبَ وصْفٍ يُناسِبُهُ يُفِيدُ الظَّنَّ بِأنَّ ذَلِكَ الحُكْمَ مُعَلَّلٌ بِذَلِكَ الوَصْفِ، فَقَوْلُهُ: ﴿ياحَسْرَتا﴾ يَدُلُّ عَلى غايَةِ الأسَفِ ونِهايَةِ الحُزْنِ، وأنَّهُ مَذْكُورٌ عَقِيبَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ﴾ والتَّفْرِيطُ في طاعَةِ اللَّهِ تَعالى يُناسِبُ شِدَّةَ الحَسْرَةِ، وهَذا يَقْتَضِي حُصُولَ تِلْكَ الحَسْرَةِ عِنْدَ حُصُولِ هَذا التَّفْرِيطِ، وذَلِكَ يُفِيدُ العُمُومَ بِهَذا الطَّرِيقِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: القائِلُونَ بِإثْباتِ الأعْضاءِ لِلَّهِ تَعالى اسْتَدَلُّوا عَلى إثْباتِ الجَنْبِ بِهَذِهِ الآيَةِ، واعْلَمْ أنَّ دَلائِلَنا عَلى نَفْيِ الأعْضاءِ قَدْ كَثُرَتْ، فَلا فائِدَةَ في الإعادَةِ، ونَقُولُ: بِتَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن هَذا الجَنْبِ عُضْوًا مَخْصُوصًا لِلَّهِ تَعالى، فَإنَّهُ يَمْتَنِعُ وُقُوعُ التَّفْرِيطِ فِيهِ، فَثَبَتَ أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ المَصِيرِ إلى التَّأْوِيلِ، ولِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ عِباراتٌ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرِيدُ ضَيَّعْتُ مِن ثَوابِ اللَّهِ. وقالَ مُقاتِلٌ: ضَيَّعْتُ مِن ذِكْرِ اللَّهِ. وقالَ مُجاهِدٌ: في أمْرِ اللَّهِ. وقالَ الحَسَنُ: في طاعَةِ اللَّهِ. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: في حَقِّ اللَّهِ. واعْلَمْ أنَّ الإكْثارَ مِن هَذِهِ العِباراتِ لا يُفِيدُ شَرْحَ الصُّدُورِ وشِفاءَ الغَلِيلِ، فَنَقُولُ: الجَنْبُ سُمِّيَ جَنْبًا؛ لِأنَّهُ جانِبٌ مِن جَوانِبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، والشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ مِن لَوازِمِ الشَّيْءِ وتَوابِعِهِ يَكُونُ كَأنَّهُ جُنْدٌ مِن جُنُودِهِ وجانِبٌ مِن جَوانِبِهِ، فَلَمّا حَصَلَتْ هَذِهِ المُشابَهَةُ بَيْنَ الجَنْبِ الَّذِي هو العُضْوُ وبَيْنَ ما يَكُونُ لازِمًا لِلشَّيْءِ وتابِعًا لَهُ، لا جَرَمَ حَسُنَ إطْلاقُ لَفْظِ الجَنْبِ عَلى الحَقِّ والأمْرِ والطّاعَةِ، قالَ الشّاعِرُ: (p-٧)
؎أما تَتَّقِينَ اللَّهَ جَنْبَ وامِقٍ لَهُ كَبِدٌ حَرّى عَلَيْكِ تَقَطَّعُ
{"ayahs_start":55,"ayahs":["وَٱتَّبِعُوۤا۟ أَحۡسَنَ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةࣰ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ","أَن تَقُولَ نَفۡسࣱ یَـٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِی جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِینَ","أَوۡ تَقُولَ لَوۡ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَىٰنِی لَكُنتُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِینَ","أَوۡ تَقُولَ حِینَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِی كَرَّةࣰ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"],"ayah":"أَوۡ تَقُولَ حِینَ تَرَى ٱلۡعَذَابَ لَوۡ أَنَّ لِی كَرَّةࣰ فَأَكُونَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق