الباحث القرآني
(p-٢٠٧)سُورَةُ الزُّمَرِ
سَبْعُونَ وخَمْسُ آياتٍ، مَكِّيَّةٌ
﷽
﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ ﴿ألا لِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهم في ما هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ ﴿لَوْ أرادَ اللَّهُ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هو اللَّهُ الواحِدُ القَهّارُ﴾
﷽
﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ ﴿ألا لِلَّهِ الدِّينُ الخالِصُ والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ ما نَعْبُدُهم إلّا لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهم في ما هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ ﴿لَوْ أرادَ اللَّهُ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هو اللَّهُ الواحِدُ القَهّارُ﴾
اعْلَمْ أنَّ في الآيَةِ مَسائِلَ:
المَسْألَةُ الأُولى: ذَكَرَ الفَرّاءُ والزَّجّاجُ في رَفْعِ ”تَنْزِيلُ“ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿تَنْزِيلُ﴾ مُبْتَدَأً، وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ خَبَرٌ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: هَذا تَنْزِيلُ الكِتابِ، فَيُضْمَرُ المُبْتَدَأُ كَقَوْلِهِ: ﴿سُورَةٌ أنْزَلْناها﴾ [النور: ١] أيْ: هَذِهِ سُورَةٌ، قالَ بَعْضُهم بِالوَجْهِ الأوَّلِ لِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ الإضْمارَ خِلافُ الأصْلِ، فَلا يُصارُ إلَيْهِ إلّا لِضَرُورَةٍ، ولا ضَرُورَةَ هَهُنا.
الثّانِي: أنّا إذا قُلْنا: ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ﴾ جُمْلَةٌ تامَّةٌ مِنَ المُبْتَدَأِ والخَبَرِ أفادَ فائِدَةً شَرِيفَةً، وهي أنَّ تَنْزِيلَ الكِتابِ يَكُونُ مِنَ اللَّهِ، لا مِن غَيْرِهِ، وهَذا (p-٢٠٨)الحَصْرُ مَعْنًى مُعْتَبَرٌ، أمّا إذا أضْمَرْنا المُبْتَدَأ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الفائِدَةُ.
الثّالِثُ: أنّا إذا أضْمَرْنا المُبْتَدَأ صارَ التَّقْدِيرُ: هَذا تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ، وحِينَئِذٍ يَلْزَمُنا مَجازٌ آخَرُ، لِأنَّ هَذا إشارَةٌ إلى السُّورَةِ، والسُّورَةُ لَيْسَتْ نَفْسَ التَّنْزِيلِ، بَلِ السُّورَةُ مُنَزَّلَةٌ، فَحِينَئِذٍ يُحْتاجُ إلى أنْ نَقُولَ: المُرادُ مِنَ المَصْدَرِ المَفْعُولُ، وهو مُجازٌ تَحَمَّلْناهُ لا لِضَرُورَةٍ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: القائِلُونَ بِخَلْقِ القُرْآنِ احْتَجُّوا بِأنْ قالُوا: إنَّهُ تَعالى وصَفَ القُرْآنَ بِكَوْنِهِ تَنْزِيلًا ومُنَزَّلًا، وهَذا الوَصْفُ لا يَلِيقُ إلّا بِالمُحْدَثِ المَخْلُوقِ. والجَوابُ: أنّا نَحْمِلُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَلى الصِّيَغِ والحُرُوفِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الآياتُ الكَثِيرَةُ تَدُلُّ عَلى وصْفِ القُرْآنِ بِكَوْنِهِ تَنْزِيلًا، وآياتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ مُنَزَّلًا.
أمّا الأوَّلُ: فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٢]، وقالَ: ﴿تَنْزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢]، وقالَ: ﴿حم﴾ ﴿تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [فصلت: ٢] .
وأمّا الثّانِي: فَقَوْلُهُ: ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ﴾ [الحجر: ٩]، وقالَ: ﴿وبِالحَقِّ أنْزَلْناهُ وبِالحَقِّ نَزَلَ﴾ [الإسراء: ١٠٥]، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ كَوْنَهُ مُنَزَّلًا أقْرَبُ إلى الحَقِيقَةِ مِن كَوْنِهِ تَنْزِيلًا، فَكَوْنُهُ مُنَزَّلًا مَجازٌ أيْضًا، لِأنَّهُ إنْ كانَ المُرادُ مِنَ القُرْآنِ الصِّفَةَ القائِمَةَ بِذاتِ اللَّهِ فَهو لا يَقْبَلُ الِانْفِصالَ والنُّزُولَ، وإنْ كانَ المُرادُ مِنهُ الحُرُوفَ والأصْواتَ فَهي أعْراضٌ لا تَقْبَلُ الِانْتِقالَ والنُّزُولَ، بَلِ المُرادُ مِنَ النُّزُولِ نُزُولُ المَلَكِ الَّذِي بَلَّغَها إلى الرَّسُولِ ﷺ .
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: العَزِيزُ هو القادِرُ الَّذِي لا يُغْلَبُ، فَهَذا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلى كَوْنِهِ تَعالى قادِرًا عَلى ما لا نِهايَةَ لَهُ، والحَكِيمُ هو الَّذِي يَفْعَلُ لِداعِيَةِ الحِكْمَةِ لا لِداعِيَةِ الشَّهْوَةِ، وهَذا إنَّما يَتِمُّ إذا ثَبَتَ أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ، وأنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ جَمِيعِ الحاجاتِ، إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: كَوْنُهُ تَعالى ”عَزِيزًا حَكِيمًا“ يَدُلُّ عَلى هَذِهِ الصِّفاتِ الثَّلاثِ: العِلْمِ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ، والقُدْرَةِ عَلى كُلِّ المُمْكِناتِ، والِاسْتِغْناءِ عَنْ كُلِّ الحاجاتِ، فَمَن كانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أنْ يَفْعَلَ القَبِيحَ وأنْ يَحْكُمَ بِالقَبِيحِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ ما يَفْعَلُهُ يَكُونُ حِكْمَةً وصَوابًا، إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: الِانْتِفاعُ بِالقُرْآنِ يَتَوَقَّفُ عَلى أصْلَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يُعْلَمَ أنَّ القُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّهُ ثَبَتَ بِالمُعْجِزِ كَوْنُ الرَّسُولِ صادِقًا، وثَبَتَ بِالتَّواتُرِ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: القُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ، فَيَحْصُلُ مِن مَجْمُوعِ هاتَيْنِ المُقَدِّمَتَيْنِ أنَّ القُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ.
والأصْلُ الثّانِي: أنَّ اللَّهَ أرادَ بِهَذِهِ الألْفاظِ المَعانِيَ الَّتِي هي مَوْضُوعَةٌ لَها، إمّا بِحَسَبِ اللُّغَةِ أوْ بِحَسَبِ القَرِينَةِ العُرْفِيَّةِ أوِ الشَّرْعِيَّةِ، لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ بِها ذَلِكَ لَكانَ تَلْبِيسًا، وذَلِكَ لا يَلِيقُ بِالحَكِيمِ، فَثَبَتَ بِما ذَكَرْنا أنَّ الِانْتِفاعَ بِالقُرْآنِ لا يَحْصُلُ إلّا بَعْدَ تَسْلِيمِ هَذَيْنِ الأصْلَيْنِ، وثَبَتَ أنَّهُ لا سَبِيلَ إلى إثْباتِ هَذَيْنِ الأصْلَيْنِ إلّا بِإثْباتِ كَوْنِهِ تَعالى حَكِيمًا، وثَبَتَ أنْ لا سَبِيلَ إلى إثْباتِ كَوْنِهِ حَكِيمًا إلّا بِالبِناءِ عَلى كَوْنِهِ تَعالى عَزِيزًا، فَلِهَذا السَّبَبِ قالَ: ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ .
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ فَفِيهِ سُؤالانِ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: لَفْظُ التَّنْزِيلِ يُشْعِرُ بِأنَّهُ تَعالى أنْزَلَهُ عَلَيْهِ نَجْمًا نَجْمًا عَلى سَبِيلِ التَّدْرِيجِ، ولَفْظُ الإنْزالِ يُشْعِرُ بِأنَّهُ تَعالى أنْزَلَهُ عَلَيْهِ دُفْعَةً واحِدَةً، فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَهُما ؟ والجَوابُ: إنْ صَحَّ الفَرْقُ بَيْنَ التَّنْزِيلِ وبَيْنَ الإنْزالِ مِنَ الوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ، فَطَرِيقُ الجَمْعِ أنْ يُقالَ: المَعْنى إنّا حَكَمْنا حُكْمًا كُلِّيًّا جَزْمًا بِأنْ يُوصَلَ إلَيْكَ هَذا الكِتابُ، وهَذا هو الإنْزالُ، ثُمَّ أوْصَلْناهُ نَجْمًا إلَيْكَ عَلى وفْقِ المَصالِحِ، وهَذا هو التَّنْزِيلُ.
(p-٢٠٩)السُّؤالُ الثّانِي: ما المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ ؟ والجَوابُ: فِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: المُرادُ أنْزَلْنا الكِتابَ إلَيْكَ مُلْتَبِسًا بِالحَقِّ والصِّدْقِ والصَّوابِ، عَلى مَعْنى: كُلُّ ما أوْدَعْناهُ فِيهِ مِن إثْباتِ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ والمَعادِ وأنْواعِ التَّكالِيفِ فَهو حَقٌّ وصِدْقٌ، يَجِبُ العَمَلُ بِهِ والمَصِيرُ إلَيْهِ.
الثّانِي: أنْ يَكُونَ المُرادُ ”إنّا أنْزَلَنا إلَيْكَ الكِتابَ“ بِناءً عَلى دَلِيلٍ حَقٍّ دَلَّ عَلى أنَّ الكِتابَ نازِلٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وذَلِكَ الدَّلِيلُ هو أنَّ الفُصَحاءَ عَجَزُوا عَنْ مُعارَضَتِهِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْجِزًا لَما عَجَزُوا عَنْ مُعارَضَتِهِ.
{"ayah":"تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق