الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ ما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ﴾ ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ ﴿ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بَعْدَ حِينٍ﴾
اعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى خَتَمَ هَذِهِ السُّورَةَ بِهَذِهِ الخاتِمَةِ الشَّرِيفَةِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى ذَكَرَ طُرُقًا كَثِيرَةً دالَّةً عَلى وُجُوبِ الِاحْتِياطِ في طَلَبِ الدِّينِ، ثُمَّ قالَ عِنْدَ الخَتْمِ: هَذا الَّذِي أدْعُو النّاسَ إلَيْهِ، يَجِبُ أنْ يُنْظَرَ في حالِ الدّاعِي، وفي حالِ الدَّعْوَةِ لِيَظْهَرَ أنَّهُ حَقٌّ أوْ باطِلٌ. أمّا الدّاعِي وهو أنا، فَأنا لا أسْألُكم عَلى هَذِهِ الدَّعْوَةِ أجْرًا ومالًا، ومِنَ الظّاهِرِ أنَّ الكَذّابَ لا يَنْقَطِعُ طَمَعُهُ عَنْ طَلَبِ المالِ ألْبَتَّةَ، وكانَ مِنَ الظّاهِرِ أنَّهُ ﷺ كانَ بَعِيدًا عَنِ الدُّنْيا عَدِيمَ الرَّغْبَةِ فِيها، وأمّا كَيْفِيَّةُ الدَّعْوَةِ، فَقالَ: وما أنا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ، والمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا، والَّذِي يَغْلِبُ عَلى الظَّنِّ أنَّ المُرادَ أنَّ هَذا الَّذِي أدْعُوكم إلَيْهِ دِينٌ لَيْسَ يَحْتاجُ في مَعْرِفَةِ صِحَّتِهِ إلى التَّكَلُّفاتِ (p-٢٠٦)الكَثِيرَةِ، بَلْ هو دِينٌ يَشْهَدُ صَرِيحُ العَقْلِ بِصِحَّتِهِ، فَإنِّي أدْعُوكم إلى الإقْرارِ بِوُجُودِ اللَّهِ أوَّلًا، ثُمَّ أدْعُوكم ثانِيًا إلى تَنْزِيهِهِ وتَقْدِيسِهِ عَنْ كُلِّ ما لا يَلِيقُ بِهِ، يُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] وأمْثالُهُ، ثُمَّ أدْعُوكم ثالِثًا إلى الإقْرارِ بِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِكَمالِ العِلْمِ والقُدْرَةِ والحِكْمَةِ والرَّحْمَةِ، ثُمَّ أدْعُوكم رابِعًا إلى الإقْرارِ بِكَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَنِ الشُّرَكاءِ والأضْدادِ، ثُمَّ أدْعُوكم خامِسًا إلى الِامْتِناعِ عَنْ عِبادَةِ هَذِهِ الأوْثانِ الَّتِي هي جَماداتٌ خَسِيسَةٌ ولا مَنفَعَةَ في عِبادَتِها ولا مَضَرَّةَ في الإعْراضِ عَنْها، ثُمَّ أدْعُوكم سادِسًا إلى تَعْظِيمِ الأرْواحِ الطّاهِرَةِ المُقَدَّسَةِ، وهُمُ المَلائِكَةُ والأنْبِياءُ. ثُمَّ أدْعُوكم سابِعًا إلى الإقْرارِ بِالبَعْثِ والقِيامَةِ: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءُوا بِما عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أحْسَنُوا بِالحُسْنى﴾ [النجم: ٣١] ثُمَّ أدْعُوكم ثامِنًا إلى الإعْراضِ عَنِ الدُّنْيا والإقْبالِ عَلى الآخِرَةِ، فَهَذِهِ الأُصُولُ الثَّمانِيَةُ هي الأُصُولُ القَوِيَّةُ المُعْتَبَرَةُ في دِينِ اللَّهِ تَعالى ودِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ وبِداءَةِ العُقُولِ، وأوائِلُ الأفْكارِ شاهِدَةٌ بِصِحَّةِ هَذِهِ الأُصُولِ الثَّمانِيَةِ، فَثَبَتَ أنِّي لَسْتُ مِنَ المُتَكَلِّفِينَ في الشَّرِيعَةِ الَّتِي أدْعُو الخَلْقَ إلَيْها، بَلْ كُلُّ عَقْلٍ سَلِيمٍ وطَبْعٍ مُسْتَقِيمٍ فَإنَّهُ يَشْهَدُ بِصِحَّتِها وجَلالَتِها وبُعْدِها عَنِ الباطِلِ والفَسادِ، وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ ولَمّا بَيَّنَ هَذِهِ المُقَدِّماتِ قالَ: ﴿ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ والمَعْنى: أنَّكم إنْ أصْرَرْتُمْ عَلى الجَهْلِ والتَّقْلِيدِ وأبَيْتُمْ قَبُولَ هَذِهِ البَياناتِ الَّتِي ذَكَرْناها، فَسَتَعْلَمُونَ بَعْدَ حِينٍ أنَّكم كُنْتُمْ مُصِيبِينَ في هَذا الإعْراضِ أوْ مُخْطِئِينَ، وذِكْرُ مِثْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ بَعْدَ تِلْكَ البَياناتِ المُتَقَدِّمَةِ مِمّا لا مَزِيدَ عَلَيْهِ في التَّخْوِيفِ والتَّرْهِيبِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
قالَ المُصَنِّفُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الخَمِيسِ في آخِرِ الثُّلاثاءِ، الثّانِي مِن شَهْرِ ذِي القِعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاثٍ وسِتِّمِائَةٍ، والحَمْدُ لِلَّهِ عَلى نَعْمائِهِ، والصَّلاةُ عَلى المُطَهَّرِينَ مِن عِبادِهِ في أرْضِهِ وسَمائِهِ، والمَدْحُ والثَّناءُ كَما يَلِيقُ بِصِفاتِهِ وأسْمائِهِ، والتَّعْظِيمُ التّامُّ لِأنْبِيائِهِ وأوْلِيائِهِ، وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلى يَوْمِ الدِّينِ.
{"ayahs_start":86,"ayahs":["قُلۡ مَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرࣲ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُتَكَلِّفِینَ","إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ","وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِینِۭ"],"ayah":"وَلَتَعۡلَمُنَّ نَبَأَهُۥ بَعۡدَ حِینِۭ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق