الباحث القرآني
القِصَّةُ الأُولى - قِصَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ﴾ ﴿ونَجَّيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ ﴿وجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقِينَ﴾ (p-١٢٦)﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ﴾ ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمِينَ﴾ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ﴿إنَّهُ مِن عِبادِنا المُؤْمِنِينَ﴾ ﴿ثُمَّ أغْرَقْنا الآخَرِينَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ مِن قَبْلُ: ﴿ولَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهم أكْثَرُ الأوَّلِينَ﴾ وقالَ: ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُنْذَرِينَ﴾ أتْبَعَهُ بِشَرْحِ وقائِعِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ.
فالقِصَّةُ الأُولى: حِكايَةُ حالِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ. وقَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ﴾ فِيهِ مَباحِثُ:
الأوَّلُ: أنَّ اللّامَ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ﴾ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٌ والمَخْصُوصُ بِالمَدْحِ مَحْذُوفٌ، أيْ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ نَحْنُ.
البَحْثُ الثّانِي: أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أنَّ نُوحًا نادى، ولَمْ يَذْكُرْ أنَّ ذَلِكَ النِّداءَ في أيِّ الوَقائِعِ كانَ ؟ لا جَرَمَ حَصَلَ فِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: وهو المَشْهُورُ عِنْدَ الجُمْهُورِ أنَّهُ نادى الرَّبَّ تَعالى في أنْ يُنْجِيَهُ مِن مِحْنَةِ الغَرَقِ وكَرْبِ تِلْكَ الواقِعَةِ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا اشْتَغَلَ بِدَعْوَةِ قَوْمِهِ إلى الدِّينِ الحَقِّ بالَغُوا في إيذائِهِ وقَصَدُوا قَتْلَهُ، ثُمَّ إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ نادى رَبَّهُ واسْتَنْصَرَهُ عَلى كُفّارِ قَوْمِهِ، فَأجابَهُ اللَّهُ تَعالى ومَنَعَهم مِن قَتْلِهِ وإيذائِهِ، واحْتَجَّ هَذا القائِلُ عَلى ضَعْفِ القَوْلِ الأوَّلِ بِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّما دَعا عَلَيْهِمْ لِأجْلِ أنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ تَعالى وأهْلَهُ، وأجابَ اللَّهُ دُعاءَهُ فِيهِ فَكانَ حُصُولُ تِلْكَ النَّجاةِ كالمَعْلُومِ المُتَيَقَّنِ في دُعائِهِ، وذَلِكَ يَمْنَعُ مِن أنْ يُقالَ: المَطْلُوبُ مِن هَذا النِّداءِ حُصُولُ هَذِهِ النَّجاةِ.
ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنْ نُوحٍ أنَّهُ ناداهُ قالَ بَعْدَهُ: ﴿فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ﴾ وهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ تِلْكَ الإجابَةَ كانَتْ مِنَ النِّعَمِ العَظِيمَةِ، وبَيانُهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى عَبَّرَ عَنْ ذاتِهِ بِصِيغَةِ الجَمْعِ فَقالَ: ﴿ولَقَدْ نادانا نُوحٌ﴾ والقادِرُ العَظِيمُ لا يَلِيقُ بِهِ إلّا الإحْسانُ العَظِيمُ.
والثّانِي: أنَّهُ أعادَ صِيغَةَ الجَمْعِ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ﴾ وذَلِكَ أيْضًا يَدُلُّ عَلى تَعْظِيمِ تِلْكَ النِّعْمَةِ، لا سِيَّما وقَدْ وصَفَ تِلْكَ الإجابَةَ بِأنَّها نِعْمَتِ الإجابَةُ.
والثّالِثُ: أنَّ الفاءَ في قَوْلِهِ: ﴿فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ حُصُولَ هَذِهِ الإجابَةِ مُرَتَّبٌ عَلى ذَلِكَ النِّداءِ، والحُكْمُ المُرَتَّبُ عَلى الوَصْفِ المُناسِبِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُعَلَّلًا بِهِ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ النِّداءَ بِالإخْلاصِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الإجابَةِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ سُبْحانَهُ نِعْمَ المُجِيبُ عَلى سَبِيلِ الإجْمالِ، بَيَّنَ أنَّ الإنْعامَ حَصَلَ في تِلْكَ الإجابَةِ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونَجَّيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ وهو عَلى القَوْلِ الأوَّلِ الكَرْبُ الحاصِلُ بِسَبَبِ الخَوْفِ مِنَ الغَرَقِ، وعَلى الثّانِي الكَرْبُ الحاصِلُ مِن أذى قَوْمِهِ.
والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿وجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقِينَ﴾ يُفِيدُ الحَصْرَ، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ مَن سِواهُ وسِوى ذُرِّيَّتِهِ فَقَدْ فَنُوا، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ذُرِّيَّتُهُ بَنُوهُ الثَّلاثَةُ: سامٌ وحامٌ ويافِثُ، فَسامٌ أبُو العَرَبِ وفارِسَ والرُّومِ، وحامٌ أبُو السُّودانِ، ويافِثُ أبُو التُّرْكِ.
النِّعْمَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ﴾ ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمِينَ﴾ يَعْنِي يَذْكُرُونَ هَذِهِ الكَلِمَةَ، فَإنْ قِيلَ: فَما مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فِي العالَمِينَ﴾ قُلْنا: مَعْناهُ الدُّعاءُ بِثُبُوتِ هَذِهِ التَّحِيَّةِ فِيهِمْ جَمِيعًا أيْ لا يَخْلُو أحَدٌ مِنهم مِنها، كَأنَّهُ قِيلَ: أثْبَتَ اللَّهُ التَّسْلِيمَ عَلى نُوحٍ وأدامَهُ في المَلائِكَةِ والثَّقَلَيْنِ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ بِكُلِّيَّتِهِمْ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ تَفاصِيلَ إنْعامِهِ عَلَيْهِ قالَ: ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ والمَعْنى أنّا إنَّما خَصَصْنا نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ بِتِلْكَ التَّشْرِيفاتِ الرَّفِيعَةِ مِن جَعْلِ الدُّنْيا مَمْلُوءَةً مِن ذُرِّيَّتِهِ ومِن تَبْقِيَةِ ذِكْرِهِ الحَسَنِ (p-١٢٧)فِي ألْسِنَةِ جَمِيعِ العالَمِينَ لِأجْلِ أنَّهُ كانَ مُحْسِنًا، ثُمَّ عَلَّلَ كَوْنَهُ مُحْسِنًا بِأنَّهُ كانَ عَبْدًا لِلَّهِ مُؤْمِنًا، والمَقْصُودُ مِنهُ بَيانُ أنَّ أعْظَمَ الدَّرَجاتِ وأشْرَفَ المَقاماتِ الإيمانُ بِاللَّهِ والِانْقِيادُ لِطاعَتِهِ.
{"ayahs_start":76,"ayahs":["وَنَجَّیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ","وَجَعَلۡنَا ذُرِّیَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِینَ","وَتَرَكۡنَا عَلَیۡهِ فِی ٱلۡـَٔاخِرِینَ","سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحࣲ فِی ٱلۡعَـٰلَمِینَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡـَٔاخَرِینَ","۞ وَإِنَّ مِن شِیعَتِهِۦ لَإِبۡرَ ٰهِیمَ","إِذۡ جَاۤءَ رَبَّهُۥ بِقَلۡبࣲ سَلِیمٍ"],"ayah":"إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق