الباحث القرآني
قِصَّةُ مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَّلامُ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ مَنَنّا عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ ﴿ونَجَّيْناهُما وقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ ﴿ونَصَرْناهم فَكانُوا هُمُ الغالِبِينَ﴾ ﴿وآتَيْناهُما الكِتابَ المُسْتَبِينَ﴾ ﴿وهَدَيْناهُما الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما في الآخِرِينَ﴾ ﴿سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ ﴿إنَّهُما مِن عِبادِنا المُؤْمِنِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذا هو القِصَّةَ الثّالِثَةَ مِنَ القِصَصِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ، واعْلَمْ أنَّ وُجُوهَ الإنْعامِ وإنْ كانَتْ كَثِيرَةً إلّا أنَّها مَحْصُورَةٌ في نَوْعَيْنِ: إيصالُ المَنافِعِ إلَيْهِ، ودَفْعُ المَضارِّ عَنْهُ، واللَّهُ تَعالى ذَكَرَ القِسْمَيْنِ هَهُنا، فَقَوْلُهُ: ﴿ولَقَدْ مَنَنّا عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ إشارَةٌ إلى إيصالِ المَنافِعِ إلَيْهِما، وقَوْلُهُ: ﴿ونَجَّيْناهُما وقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ إشارَةٌ إلى دَفْعِ المَضارِّ عَنْهُما.
أمّا القِسْمُ الأوَّلُ: وهو إيصالُ المَنافِعِ، فَلا شَكَّ أنَّ المَنافِعَ عَلى قِسْمَيْنِ: مَنافِعُ الدُّنْيا ومَنافِعُ الدِّينِ، أمّا مَنافِعُ الدُّنْيا فالوُجُودُ والحَياةُ والعَقْلُ والتَّرْبِيَةُ والصِّحَّةُ وتَحْصِيلُ صِفاتِ الكَمالِ في ذاتِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما، وأمّا مَنافِعُ الدِّينِ فالعِلْمُ والطّاعَةُ، وأعْلى هَذِهِ الدَّرَجاتِ النُّبُوَّةُ الرَّفِيعَةُ المَقْرُونَةُ بِالمُعْجِزاتِ الباهِرَةِ القاهِرَةِ، ولَمّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ التَّفاصِيلَ في سائِرِ السُّوَرِ، لا جَرَمَ اكْتَفى هَهُنا بِهَذا الرَّمْزِ.
وأمّا القِسْمُ الثّانِي: وهو دَفْعُ الضَّرَرِ فَهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ونَجَّيْناهُما وقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ: قِيلَ إنَّهُ الغَرَقُ، أغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وقَوْمَهُ، ونَجّى اللَّهُ بَنِي إسْرائِيلَ، وقِيلَ: المُرادُ أنَّهُ تَعالى نَجّاهم مِن إيذاءِ فِرْعَوْنَ حَيْثُ كانَ يُذَبِّحُ أبْناءَهم ويَسْتَحْيِي نِساءَهم.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ أنَّهُ مَنَّ عَلى مُوسى وهارُونَ، فَصَّلَ أقْسامَ تِلْكَ المِنَّةِ. والهاءُ في قَوْلِهِ: ﴿ونَصَرْناهُمْ﴾ أيْ نَصَرْنا مُوسى وهارُونَ وقَوْمَهُما: ﴿فَكانُوا هُمُ الغالِبِينَ﴾ في كُلِّ الأحْوالِ بِظُهُورِ الحُجَّةِ وفي آخِرِ الأمْرِ بِالدَّوْلَةِ والرِّفْعَةِ.
وثانِيهِما: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وآتَيْناهُما الكِتابَ المُسْتَبِينَ﴾ والمُرادُ مِنهُ التَّوْراةُ، وهو الكِتابُ المُشْتَمِلُ عَلى جَمِيعِ العُلُومِ الَّتِي يُحْتاجُ إلَيْها في مَصالِحِ الدِّينِ والدُّنْيا، كَما قالَ: ﴿إنّا أنْزَلْنا التَّوْراةَ فِيها هُدًى ونُورٌ﴾ (المائِدَةِ: ٤٤) .
وثالِثُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهَدَيْناهُما الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ أيْ دَلَلْناهُما عَلى طَرِيقِ الحَقِّ عَقَلًا وسَمْعًا، وأمْدَدْناهُما بِالتَّوْفِيقِ العِصْمَةَ، وتَشْبِيهُ الدَّلائِلِ الحَقَّةِ بِالطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ واضِحٌ.
ورابِعُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما في الآخِرِينَ﴾ وفِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما في الآخِرِينَ﴾ وهم أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، قَوْلُهم: ﴿سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ .
والثّانِي: أنَّ المُرادَ ﴿وتَرَكْنا عَلَيْهِما في الآخِرِينَ﴾ وهم أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ الثَّناءُ الحَسَنُ والذِّكْرُ الجَمِيلُ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ هو كَلامُ اللَّهِ تَعالى، ولَمّا ذَكَرَ تَعالى هَذِهِ الأقْسامَ الأرْبَعَةَ مِن أبْوابِ التَّعْظِيمِ والتَّفْضِيلِ قالَ: ﴿إنّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ﴾ وقَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّهُما مِن عِبادِنا المُؤْمِنِينَ﴾ والمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ (p-١٤٠)الفَضِيلَةَ الحاصِلَةَ بِسَبَبِ الإيمانِ أشْرَفُ وأعْلى وأكْمَلُ مِن كُلِّ الفَضائِلِ، ولَوْلا ذَلِكَ لَما حَسُنَ خَتْمُ فَضائِلِ مُوسى وهارُونَ بِكَوْنِهِما مِنَ المُؤْمِنِينَ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":115,"ayahs":["وَنَجَّیۡنَـٰهُمَا وَقَوۡمَهُمَا مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ","وَنَصَرۡنَـٰهُمۡ فَكَانُوا۟ هُمُ ٱلۡغَـٰلِبِینَ","وَءَاتَیۡنَـٰهُمَا ٱلۡكِتَـٰبَ ٱلۡمُسۡتَبِینَ","وَهَدَیۡنَـٰهُمَا ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ","وَتَرَكۡنَا عَلَیۡهِمَا فِی ٱلۡـَٔاخِرِینَ","سَلَـٰمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ","إِنَّهُمَا مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"إِنَّهُمَا مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق