الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَنْزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ قُرِئَ بِالجَرِّ عَلى أنَّهُ بَدَلٌ مِنَ القُرْآنِ، كَأنَّهُ قالَ: (والقُرْآنِ الحَكِيمِ، تَنْزِيلِ العَزِيزِ الرَّحِيمِ، إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ لِتُنْذِرَ) وقُرِئَ بِالنَّصْبِ، وفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ مَصْدَرٌ فِعْلُهُ مَنوِيٌّ كَأنَّهُ قالَ: نُزِّلَ تَنْزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ ويَكُونُ تَقْدِيرُهُ: نَزَلَ القُرْآنُ أوِ الكِتابُ الحَكِيمُ.
والثّانِي: أنَّهُ مَفْعُولُ فِعْلٍ مَنوِيٍّ كَأنَّهُ قالَ: (والقُرْآنِ الحَكِيمِ أعْنِي تَنْزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ لِتُنْذِرَ)، وهَذا ما اخْتارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
وقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَنوِيٍّ، كَأنَّهُ قالَ: هَذا تَنْزِيلُ العَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ، ويَحْتَمِلُ وجْهًا آخَرَ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ، وهو أنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ (لِتُنْذِرَ)، كَأنَّهُ قالَ: تَنْزِيلُ العَزِيزِ لِلْإنْذارِ، وقَوْلُهُ: ﴿العَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ إشارَةٌ إلى أنَّ المَلِكَ إذا أرْسَلَ رَسُولًا، فالمُرْسَلُ إلَيْهِمْ إمّا أنْ يُخالِفُوا المُرْسِلَ ويُهِينُوا المُرْسَلَ، وحِينَئِذٍ لا يَقْدِرُ المَلِكُ عَلى الِانْتِقامِ مِنهم إلّا إذا كانَ عَزِيزًا، أوْ يَخافُوا المُرْسِلَ ويُكْرِمُوا المُرْسَلَ وحِينَئِذٍ يَرْحَمُهُمُ المَلِكُ، أوْ نَقُولُ: المُرْسَلُ يَكُونُ مَعَهُ في رِسالَتِهِ مَنعٌ عَنْ أشْياءَ وإطْلاقٌ لِأشْياءَ، فالمَنعُ يُؤَكِّدُ العِزَّةَ والإطْلاقُ يَدُلُّ عَلى الرَّحْمَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهم فَهم غافِلُونَ﴾ .
قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ في قَوْلِهِ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ﴾ (القَصَصِ: ٤٦) وقِيلَ: المُرادُ الإثْباتُ، وهو عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهم، فَتَكُونُ ما مَصْدَرِيَّةً.
الثّانِي: أنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً؛ مَعْناهُ: لِتُنْذِرَ قَوْمًا، الَّذِينَ أُنْذِرَ آباؤُهم فَهم غافِلُونَ، فَعَلى قَوْلِنا: ما نافِيَةٌ تَفْسِيرُهُ ظاهِرٌ، فَإنَّ مَن لَمْ يُنْذَرْ آباؤُهُ وبَعُدَ الإنْذارُ عَنْهُ، فَهو يَكُونُ غافِلًا، وعَلى قَوْلِنا: هي لِلْإثْباتِ كَذَلِكَ لِأنَّ مَعْناهُ لِتُنْذِرَهم إنْذارَ آبائِهِمْ فَإنَّهم غافِلُونَ، وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: كَيْفَ يُفْهَمُ التَّفْسِيرانِ، وأحَدُهُما يَقْتَضِي أنْ لا يَكُونَ آباؤُهم مُنْذَرِينَ، والآخَرُ يَقْتَضِي أنْ يَكُونُوا مُنْذَرِينَ وبَيْنَهُما تَضادٌّ ؟ نَقُولُ: عَلى قَوْلِنا: ما نافِيَةٌ مَعْناهُ ما أُنْذِرَ آباؤُهم، وإنْذارُ آبائِهِمُ الأوَّلِينَ لا يُنافِي أنْ يَكُونَ المُتَقَدِّمُونَ مِن آبائِهِمْ مُنْذَرِينَ، والمُتَأخِّرُونَ مِنهم غَيْرَ مُنْذَرِينَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ﴾ يَقْتَضِي أنْ لا يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ مَأْمُورًا بِإنْذارِ اليَهُودِ؛ لِأنَّ آباءَهم أُنْذِرُوا، نَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، أمّا عَلى قَوْلِنا: ما لِلْإثْباتِ لا لِلنَّفْيِ فَظاهِرٌ، وأمّا عَلى قَوْلِنا هي نافِيَةٌ فَكَذَلِكَ، وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلْ هو الحَقُّ مِن رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أتاهم مِن نَذِيرٍ مِن قَبْلِكَ﴾ [السَّجْدَةِ: ٣] وقُلْنا: إنَّ المُرادَ أنَّ آباءَهم قَدْ أُنْذِرُوا بَعْدَ ضَلالِهِمْ وبَعْدَ إرْسالِ مَن تَقَدَّمَ، فَإنَّ اللَّهَ إذا أرْسَلَ رَسُولًا، فَما دامَ في القَوْمِ مَن يُبَيِّنُ دِينَ ذَلِكَ النَّبِيِّ ويَأْمُرُ بِهِ لا يُرْسَلُ الرَّسُولُ في أكْثَرِ الأمْرِ، فَإذا لَمْ يَبْقَ فِيهِمْ مَن يُبَيِّنُ، ويَضِلُّ الكُلُّ، ويَتَباعَدُ العَهْدُ، ويَفْشُو الكُفْرُ يَبْعَثُ رَسُولًا آخَرَ مُقَرِّرًا لِدِينِ مَن كانَ قَبْلَهُ، أوْ واضِعًا لِشَرْعٍ آخَرَ، فَمَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ﴾ أيْ ما أُنْذِرُوا بَعْدَما ضَلُّوا عَنْ طَرِيقِ الرَّسُولِ المُتَقَدِّمِ، واليَهُودُ والنَّصارى دَخَلُوا فِيهِ؛ لِأنَّهم لَمْ تُنْذَرْ آباؤُهُمُ الأدْنَوْنَ بَعْدَما ضَلُّوا، فَهَذا دَلِيلٌ عَلى كَوْنِ النَّبِيِّ ﷺ مَبْعُوثًا بِالحَقِّ إلى الخَلْقِ كافَّةً.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿فَهم غافِلُونَ﴾ دَلِيلٌ عَلى أنَّ البَعْثَةَ لا تَكُونُ إلّا عِنْدَ الغَفْلَةِ، أمّا إنْ حَصَلَ لَهُمُ العِلْمُ بِما أنْزَلَ اللَّهُ بِأنْ يَكُونَ مِنهم مَن يُبَلِّغُهم شَرِيعَةً ويُخالِفُونَهُ، فَحَقَّ عَلَيْهِمُ الهَلاكُ، ولا يَكُونُ ذَلِكَ تَعْذِيبًا مِن (p-٣٩)قَبْلِ أنْ يَبْعَثَ اللَّهُ رَسُولًا، وكَذَلِكَ مَن خالَفَ الأُمُورَ الَّتِي لا تَفْتَقِرُ إلى بَيانِ الرُّسُلِ يَسْتَحِقُّ الإهْلاكَ مِن غَيْرِ بَعْثَةٍ، ولَيْسَ هَذا قَوْلًا بِمَذْهَبِ المُعْتَزِلَةِ مِنَ التَّحْسِينِ والتَّقْبِيحِ العَقْلِيِّ بَلْ مَعْناهُ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَوْ خَلَقَ في قَوْمٍ عِلْمًا بِوُجُوبِ الأشْياءِ وتَرَكُوهُ لا يَكُونُونَ غافِلِينَ، فَلا يَتَوَقَّفُ تَعْذِيبُهم عَلى بَعْثَةِ الرُّسُلِ.
{"ayah":"لِتُنذِرَ قَوۡمࣰا مَّاۤ أُنذِرَ ءَابَاۤؤُهُمۡ فَهُمۡ غَـٰفِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











