الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنْ كانَتْ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإذا هم جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ﴾ .
أيْ ما كانَتِ النَّفْخَةُ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً، يَدُلُّ عَلى النَّفْخَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ﴾ ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: إنْ كانَتِ الواقِعَةُ، وقُرِئَتِ الصَّيْحَةُ مَرْفُوعَةً عَلى أنَّ كانَ هي التّامَّةُ، بِمَعْنى ما وقَعَتْ إلّا صَيْحَةٌ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ الأحْسَنُ أنْ يُقالَ: إنْ كانَ، لِأنَّ المَعْنى حِينَئِذٍ ما وقَعَ شَيْءٌ إلّا صَيْحَةٌ، لَكِنَّ التَّأْنِيثَ جائِزٌ إحالَةً عَلى الظّاهِرِ، ويُمْكِنُ أنْ يَقُولَ الَّذِي قَرَأ بِالرَّفْعِ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إذا وقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الواقعة: ١] تَأْنِيثُ تَهْوِيلٍ ومُبالَغَةٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ﴾ [الواقعة: ٢] فَإنَّها لِلْمُبالَغَةِ فَكَذَلِكَ هَهُنا قالَ: ﴿إنْ كانَتْ إلّا صَيْحَةً﴾ مُؤَنَّثَةٌ تَأْنِيثَ تَهْوِيلٍ، ولِهَذا جاءَتْ أسْماءُ يَوْمِ الحَشْرِ كُلُّها مُؤَنَّثَةً كالقِيامَةِ والقارِعَةِ والحاقَّةِ والطّامَّةِ والصّاخَّةِ إلى غَيْرِها، والزَّمَخْشَرِيُّ يَقُولُ: كاذِبَةٌ بِمَعْنى لَيْسَ لِوَقْعَتِها نَفْسٌ كاذِبَةٌ، وتَأْنِيثُ أسْماءِ الحَشْرِ لِكَوْنِ الحَشْرِ مُسَمًّى بِالقِيامَةِ، وقَوْلُهُ: (﴿مُحْضَرُونَ﴾ دَلَّ عَلى كَوْنِهِمْ ﴿يَنْسِلُونَ﴾ إجْبارِيٌّ لا اخْتِيارِيٌّ.
ثُمَّ بَيَّنَ ما يَكُونُ في ذَلِكَ اليَوْمِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاليَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولا تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ .
(p-٨٠)فَقَوْلُهُ: ﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ﴾ لِيَأْمَنَ المُؤْمِنُ ﴿ولا تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ لِيَيْأسَ المُجْرِمُ الكافِرُ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ما الفائِدَةُ في الخِطابِ عِنْدَ الإشارَةِ إلى يَأْسِ المُجْرِمِ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تُجْزَوْنَ﴾ وتَرْكِ الخِطابِ في الإشارَةِ إلى أمانِ المُؤْمِنِ مِنَ العَذابِ بِقَوْلِهِ: ﴿لا تُظْلَمُ﴾ ولَمْ يَقُلْ ولا تُظْلَمُونَ أيُّها المُؤْمِنُونَ ؟ نَقُولُ: لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ يُفِيدُ العُمُومَ وهو كَذَلِكَ فَإنَّها لا تُظْلَمُ أبَدًا ﴿ولا تُجْزَوْنَ﴾ مُخْتَصٌّ بِالكافِرِ، فَإنَّ اللَّهَ يَجْزِي المُؤْمِنَ وإنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإنَّ لِلَّهِ فَضْلًا مُخْتَصًّا بِالمُؤْمِنِ وعَدْلًا عامًّا، وفِيهِ بِشارَةٌ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ما المُقْتَضِي لِذِكْرِ فاءِ التَّعْقِيبِ ؟ نَقُولُ لَمّا قالَ: ﴿مُحْضَرُونَ﴾ مَجْمُوعُونَ، والجَمْعُ لِلْفَصْلِ والحِسابِ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: إذا جُمِعُوا لَمْ يُجْمَعُوا إلّا لِلْفَصْلِ بِالعَدْلِ، فَلا ظُلْمَ عِنْدَ الجَمْعِ لِلْعَدْلِ، فَصارَ عَدَمُ الظُّلْمِ مُتَرَتِّبًا عَلى الإحْضارِ لِلْعَدْلِ، ولِهَذا يَقُولُ القائِلُ لِلْوالِيِّ أوْ لِلْقاضِي: جَلَسْتَ لِلْعَدْلِ فَلا تَظْلِمْ، أيْ ذَلِكَ يَقْتَضِي هَذا ويَسْتَعْقِبُهُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: لا يُجْزَوْنَ عَيْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، بَلْ يُجْزَوْنَ بِما كانُوا أوْ عَلى ما كانُوا وقَوْلُهُ: ﴿ولا تُجْزَوْنَ إلّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ الجَزاءَ بِعَيْنِ العَمَلِ، لا يُقالُ: جَزى يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ وبِالباءِ، يُقالُ: جَزَيْتُهُ خَيْرًا وجَزَيْتُهُ بِخَيْرٍ، لِأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن هَذا لِأنَّكَ إذا قُلْتَ: جَزَيْتُهُ بِخَيْرٍ لا يَكُونُ الخَيْرُ مَفْعُولَكَ، بَلْ تَكُونُ الباءُ لِلْمُقابَلَةِ والسَّبَبِيَّةِ كَأنَّكَ تَقُولُ: جَزَيْتُهُ جَزاءً بِسَبَبِ ما فَعَلَ، فَنَقُولُ: الجَوابُ عَنْهُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إشارَةً عَلى وجْهِ المُبالَغَةِ إلى عَدَمِ الزِّيادَةِ، وذَلِكَ لِأنَّ الشَّيْءَ لا يَزِيدُ عَلى عَيْنِهِ، فَنَقُولُ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُجْزَوْنَ إلّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٤٧] في المُساواةِ كَأنَّهُ عَيْنُ ما عَمِلُوا يُقالُ: فُلانٌ يُجاوِبُنِي حَرْفًا بِحَرْفٍ أيْ لا يَتْرُكُ شَيْئًا، وهَذا يُوجِبُ اليَأْسَ العَظِيمَ.
الثّانِي: هو أنَّ ما غَيْرُ راجِعٍ إلى الخُصُوصِ، وإنَّما هي لِلْجِنْسِ تَقْدِيرُهُ ولا تُجْزَوْنَ إلّا جِنْسَ العَمَلِ أيْ إنْ كانَ حَسَنَةً فَحَسَنَةً، وإنْ كانَتْ سَيِّئَةً فَسَيِّئَةً، فَتُجْزَوْنَ ما تَعْمَلُونَ مِنَ السَّيِّئَةِ والحَسَنَةِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠] .
{"ayahs_start":54,"ayahs":["فَٱلۡیَوۡمَ لَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔا وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِنَّ أَصۡحَـٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡیَوۡمَ فِی شُغُلࣲ فَـٰكِهُونَ","هُمۡ وَأَزۡوَ ٰجُهُمۡ فِی ظِلَـٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ مُتَّكِـُٔونَ"],"ayah":"هُمۡ وَأَزۡوَ ٰجُهُمۡ فِی ظِلَـٰلٍ عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ مُتَّكِـُٔونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











