الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ أيْ لا مُغِيثَ لَهم يَمْنَعُ عَنْهُمُ الغَرَقَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا هم يُنْقَذُونَ﴾ إذا أدْرَكَهُمُ الغَرَقُ؛ وذَلِكَ لِأنَّ الخَلاصَ مِنَ العَذابِ، إمّا أنْ يَكُونَ بِدَفْعِ العَذابِ مِن أصْلِهِ أوْ بِرَفْعِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَقالَ: لا صَرِيخَ لَهم يَدْفَعُ، ولا هم يُنْقَذُونَ بَعْدَ الوُقُوعِ فِيهِ، وهَذا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهم شَيْئًا ولا يُنْقِذُونِ﴾ . فَقَوْلُهُ: ﴿فَلا صَرِيخَ لَهم ولا هم يُنْقَذُونَ﴾ فِيهِ فائِدَةٌ أُخْرى غَيْرُ الحَصْرِ، وهي أنَّهُ تَعالى قالَ: لا صَرِيخَ، ولَمْ يَقُلْ: ولا مُنْقِذَ لَهم؛ وذَلِكَ لِأنَّ مَن لا يَكُونُ مِن شَأْنِهِ أنْ يَنْصُرَ لا يَشْرَعُ في النَّصْرِ مَخافَةَ أنْ يُغْلَبَ ويَذْهَبَ ماءُ وجْهِهِ، وإنَّما يَنْصُرُ ويُغِيثُ مَن يَكُونُ مِن شَأْنِهِ أنْ يُغِيثَ، فَقالَ: لا صَرِيخَ لَهم، وأمّا مَن لا يَكُونُ مِن شَأْنِهِ أنْ يُنْقِذَ إذا رَأى مَن يَعِزُّ عَلَيْهِ في ضُرٍّ يَشْرَعُ في الإنْقاذِ، وإنْ لَمْ يَثِقْ بِنَفْسِهِ في الإنْقاذِ ولا يَغْلِبْ عَلى ظَنِّهِ. وإنَّما يَبْذُلُ المَجْهُودَ، فَقالَ: ﴿ولا هم يُنْقَذُونَ﴾ ولَمْ يَقُلْ: ولا مُنْقِذَ لَهم. ثُمَّ اسْتَثْنى فَقالَ: ﴿إلّا رَحْمَةً مِنّا ومَتاعًا إلى حِينٍ﴾ وهو يُفِيدُ أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: انْقِسامُ الإنْقاذِ إلى قِسْمَيْنِ: الرَّحْمَةِ والمَتاعِ، أيْ فِيمَن عَلِمَ اللَّهُ مِنهُ أنَّهُ يُؤْمِنُ فَيُنْقِذُهُ اللَّهُ رَحْمَةً، وفِيمَن عَلِمَ أنَّهُ لا يُؤْمِنُ فَلِيَتَمَتَّعَ زَمانًا ويَزْدادَ إثْمًا. وثانِيهِما: أنَّهُ بَيانٌ لِكَوْنِ الإنْقاذِ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلدَّوامِ، بَلِ الزَّوالُ في الدُّنْيا لا بُدَّ مِنهُ، فَيُنْقِذُهُ اللَّهُ رَحْمَةً ويُمَتِّعُهُ إلى حِينٍ ثُمَّ يُمِيتُهُ، فالزَّوالُ لازِمٌ أنْ يَقَعَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب