الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأجْرٍ كَرِيمٍ﴾ والتَّرْتِيبُ ظاهِرٌ، وفي التَّفْسِيرِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ مِن قَبْلُ: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ وذَلِكَ يَقْتَضِي الإنْذارَ العامَّ عَلى ما بَيَّنا، وقالَ هُنا: ﴿إنَّما تُنْذِرُ﴾ وهو يَقْضِي التَّخْصِيصَ فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَهُما ؟ نَقُولُ: مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: هو أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ (السَّجْدَةِ: ٣) أيْ كَيْفَما كانَ سَواءٌ كانَ مُفِيدًا أوْ لَمْ يَكُنْ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّما تُنْذِرُ﴾ أيِ الإنْذارُ المُفِيدُ لا يَكُونُ إلّا بِالنِّسْبَةِ إلى مَن يَتَّبِعُ الذِّكْرَ ويَخْشى.
الثّانِي: هو أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا قالَ: إنَّ الإرْسالَ والإنْزالَ، وذَكَرَ أنَّ الإنْذارَ وعَدَمَهُ سِيّانِ بِالنِّسْبَةِ إلى أهْلِ العِنادِ قالَ لِنَبِيِّهِ: لَيْسَ إنْذارُكَ غَيْرَ مُفِيدٍ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ، فَأنْذِرْ عَلى سَبِيلِ العُمُومِ، وإنَّما تُنْذِرُ بِذَلِكَ الإنْذارِ العامِّ مَن يَتَّبِعُ الذِّكْرَ، كَأنَّهُ يَقُولُ: يا مُحَمَّدُ إنَّكَ بِإنْذارِكَ تَهْدِي ولا تَدْرِي مَن تَهْدِي، فَأنْذِرِ الأسْوَدَ والأحْمَرَ ومَقْصُودُكَ مَن يَتَّبِعُ إنْذارَكَ ويَنْتَفِعُ بِذِكْراكَ.
الثّالِثُ: هو أنْ نَقُولَ قَوْلُهُ: ﴿لِتُنْذِرَ﴾ أيْ أوَّلًا فَإذا أنْذَرْتَ وبالَغْتَ وبَلَّغْتَ واسْتَهْزَأ البَعْضُ وتَوَلّى واسْتَكْبَرَ ووَلّى، فَأعْرِضْ بَعْدَ ذَلِكَ فَإنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ.
الرّابِعُ: وهو قَرِيبٌ مِنَ الثّالِثِ إنَّكَ تُنْذِرُ الكُلَّ بِالأُصُولِ، وإنَّما تُنْذِرُ بِالفُرُوعِ مِن تَرْكِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وآمَنَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا:
الأوَّلُ: وهو المَشْهُورُ مَنِ اتَّبَعَ القُرْآنَ.
الثّانِي: مَنِ اتَّبَعَ ما في القُرْآنِ مِنَ الآياتِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ (ص: ١) فَما جَعَلَ القُرْآنَ نَفْسَ الذِّكْرِ.
الثّالِثُ: مَنِ اتَّبَعَ البُرْهانَ، فَإنَّهُ ذِكْرٌ يُكْمِلُ الفِطْرَةَ وعَلى كُلِّ وجْهٍ فَمَعْناهُ: إنَّما تُنْذِرُ العُلَماءَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ، وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما يَخْشى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ﴾ (فاطِرٍ: ٢٨) وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ (العَنْكَبُوتِ: ٩) فَقَوْلُهُ: ﴿اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾ أيْ آمَنَ، وقَوْلُهُ: ﴿وخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ أيْ عَمِلَ صالِحًا، وهَذا الوَجْهُ يَتَأيَّدُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأجْرٍ كَرِيمٍ﴾ لِأنّا ذَكَرْنا مِرارًا أنَّ الغُفْرانَ جَزاءُ الإيمانِ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مَغْفُورٌ، والأجْرُ الكَرِيمُ جَزاءُ العَمَلِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (سَبَأٍ: ٤) وتَفْسِيرُ الذِّكْرِ بِالقُرْآنِ يَتَأيَّدُ بِتَعْرِيفِ الذِّكْرِ بِالألِفِ واللّامِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ القُرْآنِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والقُرْآنِ الحَكِيمِ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿وخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ فِيهِ لَطِيفَةٌ وهي أنَّ الرَّحْمَةَ تُورِثُ الِاتِّكالَ والرَّجاءَ، فَقالَ مَعَ أنَّهُ رَحْمَنٌ ورَحِيمٌ فالعاقِلُ لا يَنْبَغِي أنْ يَتْرُكَ الخَشْيَةَ فَإنَّ كُلَّ مَن كانَتْ نِعْمَتُهُ بِسَبَبِ رَحْمَتِهِ أكْثَرَ فالخَوْفُ مِنهُ أتَمُّ مَخافَةَ أنْ يَقْطَعَ عَنْهُ النِّعَمَ المُتَواتِرَةَ، وتَكْمِلَةُ اللَّطِيفَةِ: وهي أنَّ مِن أسْماءِ اللَّهِ اسْمَيْنِ يَخْتَصّانِ بِهِ هُما اللَّهُ والرَّحْمَنُ كَما قالَ تَعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ (الإسْراءِ: ١١٠) حَتّى قالَ بَعْضُ الأئِمَّةِ: هُما عَلَمانِ إذا عَرَفْتَ هَذا فاللَّهُ اسْمٌ يُنْبِئُ عَنِ الهَيْبَةِ والرَّحْمَنُ يُنْبِئُ عَنِ العاطِفِيَّةِ، فَقالَ في مَوْضِعٍ: يَرْجُو اللَّهَ، وقالَ هَهُنا: ﴿وخَشِيَ الرَّحْمَنَ﴾ يَعْنِي مَعَ كَوْنِهِ ذا هَيْبَةٍ لا تَقْطَعُوا عَنْهُ رَجاءَكم، ومَعَ كَوْنِهِ ذا رَحْمَةٍ لا تَأْمَنُوهُ، وقَوْلُهُ: ﴿بِالغَيْبِ﴾ يَعْنِي بِالدَّلِيلِ، وإنْ لَمْ يَنْتَهِ إلى دَرَجَةِ المَرْئِيِّ المُشاهَدِ فَإنَّ عِنْدَ الِانْتِهاءِ إلى تِلْكَ الدَّرَجَةِ لا يَبْقى لِلْخَشْيَةِ فائِدَةٌ، والمَشْهُورُ أنَّ المُرادَ بِالغَيْبِ ما غابَ عَنّا وهو أحْوالُ القِيامَةِ، وقِيلَ: إنَّ الوَحْدانِيَّةَ تَدْخُلُ فِيهِ، (p-٤٣)وقَوْلُهُ: ﴿فَبَشِّرْهُ﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى الأمْرِ الثّانِي مِن أمْرَيِ الرِّسالَةِ، فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَشِيرٌ ونَذِيرٌ، وقَدْ ذَكَرَ أنَّهُ أُرْسِلَ لِيُنْذِرَ، وذَكَرَ أنَّ الإنْذارَ النّافِعَ عِنْدَ اتِّباعِ الذِّكْرِ، فَقالَ: بَشِّرْ كَما أنْذَرْتَ ونَفَعْتَ، وقَوْلُهُ: ﴿بِمَغْفِرَةٍ﴾ عَلى التَّنْكِيرِ أيْ بِمَغْفِرَةٍ واسِعَةٍ تَسْتُرُ مِن جَمِيعِ الجَوانِبِ حَتّى لا يُرى عَلَيْهِ أثَرٌ مِن آثارِ النَّفْسِ، ويَظْهَرُ عَلَيْهِ أنْوارُ الرُّوحِ الزَّكِيَّةِ ﴿وأجْرٍ كَرِيمٍ﴾ أيْ ذِي كَرَمٍ، وقَدْ ذَكَرْنا ما في الكَرِيمِ في قَوْلِهِ: ﴿ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (سَبَأٍ: ٤) وفي قَوْلِهِ: ﴿رِزْقًا كَرِيمًا﴾ (الأحْزابِ: ٣١) .
{"ayah":"إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِیَ ٱلرَّحۡمَـٰنَ بِٱلۡغَیۡبِۖ فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةࣲ وَأَجۡرࣲ كَرِیمٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











