الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وقالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ إنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ . فِي الحَزَنِ أقْوالٌ كَثِيرَةٌ، والأوْلى أنْ يُقالَ: المُرادُ إذْهابُ كُلِّ حَزَنٍ، والألِفُ واللّامُ لِلْجِنْسِ واسْتِغْراقِهِ وإذْهابِ الحَزَنِ بِحُصُولِ كُلِّ ما يَنْبَغِي وبَقائِهِ دائِمًا، فَإنَّ شَيْئًا مِنهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَكانَ الحَزَنُ مَوْجُودًا بِسَبَبِهِ وإنْ حَصَلَ ولَمْ يَدُمْ لَكانَ الحَزَنُ غَيْرَ ذاهِبٍ بَعْدُ بِسَبَبِ زَوالِهِ وخَوْفِ فَواتِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهم أُمُورًا كُلُّها تُفِيدُ الكَرامَةَ مِنَ اللَّهِ. الأوَّلُ: الحَمْدُ فَإنَّ الحامِدَ مُثابٌ. الثّانِي: قَوْلُهم: رَبَّنا، فَإنَّ اللَّهَ لَمْ يُنادَ بِهَذا اللَّفْظِ إلّا واسْتَجابَ لَهم، اللَّهُمَّ إلّا أنْ يَكُونَ المُنادِي قَدْ ضَيَّعَ الوَقْتَ الواجِبَ أوْ طَلَبَ ما لا يَجُوزُ كالرَّدِّ إلى الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ. الثّالِثُ: قَوْلُهم: ﴿لَغَفُورٌ﴾ . الرّابِعُ: قَوْلُهم: ﴿شَكُورٌ﴾ والغَفُورُ إشارَةٌ إلى ما غَفَرَ لَهم في الآخِرَةِ بِما وجَدَ لَهم مِنَ الحَمْدِ في الدُّنْيا، والشَّكُورُ إشارَةٌ إلى ما يُعْطِيهِمْ ويَزِيدُ لَهم بِسَبَبِ ما وجَدَ لَهم في الآخِرَةِ مِنَ الحَمْدِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿الَّذِي أحَلَّنا دارَ المُقامَةِ مِن فَضْلِهِ﴾ أيْ دارَ الإقامَةِ، لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ سُرُورَهم وكَرامَتَهم بِتَحْلِيَتِهِمْ وإدْخالِهِمُ الجَنّاتِ بَيَّنَ سُرُورَهم بِبَقائِهِمْ فِيها وأعْلَمَهم بِدَوامِها حَيْثُ قالُوا: ﴿الَّذِي أحَلَّنا دارَ المُقامَةِ﴾ أيِ الإقامَةِ والمَفْعُولُ رُبَّما يَجِيءُ لِلْمَصْدَرِ مِن كُلِّ بابٍ يُقالُ ما لَهُ مَعْقُولٌ أيْ عَقْلٌ، وقالَ تَعالى: ﴿مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ (الإسْراءِ: ٨٠) وقالَ تَعالى: ﴿ومَزَّقْناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ (سَبَأٍ: ١٩) وكَذَلِكَ مُسْتَخْرَجٌ لِلِاسْتِخْراجِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ المَصْدَرَ هو المَفْعُولُ في الحَقِيقَةِ، فَإنَّهُ هو الَّذِي فُعِلَ، فَجازَ إقامَةُ المَفْعُولِ مَقامَهُ، وفي قَوْلِهِ: ﴿دارَ المُقامَةِ﴾ إشارَةٌ إلى أنَّ الدُّنْيا مَنزِلَةٌ يَنْزِلُها المُكَلَّفُ، ويَرْتَحِلُ عَنْها إلى مَنزِلَةِ القُبُورِ، ومِنها إلى مَنزِلَةِ العَرْصَةِ الَّتِي فِيها الجَمْعُ ومِنها التَّفْرِيقُ، وقَدْ تَكُونُ النّارُ لِبَعْضِهِمْ مَنزِلَةً أُخْرى والجَنَّةُ دارَ المُقامَةِ، وكَذَلِكَ النّارُ لِأهْلِها، وقَوْلُهم: ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ أيْ بِحُكْمِ وعْدِهِ لا بِإيجابِ مَن عِنْدَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب