الباحث القرآني

ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ثُمَّ أخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ . أيْ مَن كَذَّبَ بِالكِتابِ المُنَزَّلِ مِن قَبْلُ وبِالرَّسُولِ أخَذَهُ اللَّهُ تَعالى، فَكَذَلِكَ مَن يُكَذِّبُ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وقَوْلُهُ: ﴿فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ سُؤالٌ لِلتَّقْرِيرِ، فَإنَّهم عَلِمُوا شِدَّةَ إنْكارِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وإتْيانُهُ بِالأمْرِ المُنْكَرِ مِنَ الِاسْتِئْصالِ. * * * ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفًا ألْوانُها﴾ . وهَذا اسْتِدْلالٌ بِدَلِيلٍ آخَرَ عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ وقُدْرَتِهِ، وفي تَفْسِيرِها مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: ذَكَرَ هَذا الدَّلِيلَ عَلى طَرِيقَةِ الِاسْتِخْبارِ، وقالَ: ﴿ألَمْ تَرَ﴾ وذَكَرَ الدَّلِيلَ المُتَقَدِّمَ عَلى طَرِيقَةِ الإخْبارِ وقالَ: ﴿واللَّهُ الَّذِي أرْسَلَ الرِّياحَ﴾ وفِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّ إنْزالَ الماءِ أقْرَبُ إلى النَّفْعِ، والمَنفَعَةُ فِيهِ أظْهَرُ، فَإنَّهُ لا يَخْفى عَلى أحَدٍ في الرُّؤْيَةِ أنَّ الماءَ مِنهُ حَياةُ الأرْضِ، فَعَظَّمَ دَلالَتَهُ بِالِاسْتِفْهامِ؛ لِأنَّ الِاسْتِفْهامَ الَّذِي لِلتَّقْرِيرِ لا يُقالُ إلّا في الشَّيْءِ الظّاهِرِ جِدًّا، كَما أنَّ مَن أبْصَرَ الهِلالَ وهو خَفِيٌ جِدًّا، فَقالَ لَهُ غَيْرُهُ: أيْنَ هو، فَإنَّهُ يَقُولُ لَهُ: في المَوْضِعِ الفُلانِيِّ، فَإنْ لَمْ يَرَهُ، يَقُولُ لَهُ: الحَقُّ مَعَكَ إنَّهُ خَفِيٌّ وأنْتَ مَعْذُورٌ، وإذا كانَ بارِزًا يَقُولُ لَهُ: أما تَراهُ، هَذا هو ظاهِرٌ. والثّانِي: وهو أنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَما قَرَّرَ المَسْألَةَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وظَهَرَ بِما تَقَدَّمَ لِلْمَدْعُوِّ بِصارَةٌ بِوُجُوهِ الدَّلالاتِ، فَقالَ لَهُ: أنْتَ صِرْتَ بَصِيرًا بِما ذَكَرْناهُ ولَمْ يَبْقَ لَكَ عُذْرٌ، ألا تَرى هَذِهِ الآيَةَ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المُخاطَبُ مَن هو ؟ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: النَّبِيُّ ﷺ، وفِيهِ حِكْمَةٌ؛ وهي أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الدَّلائِلَ، ولَمْ تَنْفَعْهم قَطَعَ الكَلامَ مَعَهم والتَفَتَ إلى غَيْرِهِمْ، كَما أنَّ السَّيِّدَ إذا نَصَحَ بَعْضَ العَبِيدِ، ومَنَعَهم مِنَ الفَسادِ ولا يَنْفَعُهُمُ الإرْشادُ، يَقُولُ لِغَيْرِهِ: اسْمَعْ ولا تَكُنْ مِثْلَ هَذا ويُكَرِّرُ مَعَهُ ما ذَكَرَهُ مَعَ الأوَّلِ، ويَكُونُ فِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ الأوَّلَ فِيهِ نَقِيصَةٌ لا يَسْتَأْهِلُ لِلْخِطابِ، فَيَتَنَبَّهُ لَهُ ويَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ تِلْكَ النَّقِيصَةَ. والآخَرُ: أنْ لا يَخْرُجَ إلى كَلامٍ أجْنَبِيٍّ عَنِ الأوَّلِ، بَلْ يَأْتِي بِما يُقارِبُهُ لِئَلّا يُسْمِعَ الأوَّلَ كَلامًا آخَرَ، فَيَتْرُكَ التَّفَكُّرَ فِيما كانَ فِيهِ مِنَ النَّصِيحَةِ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: هَذا اسْتِدْلالٌ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ واخْتِيارِهِ حَيْثُ أخْرَجَ مِنَ الماءِ الواحِدِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفَةً، وفِيهِ لِطائِفُ: الأُولى: قالَ: أنْزَلَ، وقالَ: أخْرَجْنا. وقَدْ ذَكَرْنا فائِدَتَهُ ونُعِيدُها، فَنَقُولُ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ﴾ فَإنْ كانَ جاهِلًا يَقُولُ: نُزُولُ الماءِ بِالطَّبْعِ لِثِقَلِهِ، فَيُقالُ لَهُ: فالإخْراجُ لا يُمْكِنُكَ أنْ تَقُولَ فِيهِ إنَّهُ بِالطَّبْعِ فَهو بِإرادَةِ اللَّهِ، فَلَمّا كانَ ذَلِكَ أظْهَرَ أسْنَدَهُ إلى المُتَكَلِّمِ. ووَجْهٌ آخَرُ: هو أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ﴾ عُلِمَ اللَّهُ بِدَلِيلٍ، وقَرُبَ المُتَفَكَّرُ فِيهِ إلى اللَّهِ تَعالى فَصارَ مِنَ الحاضِرِينَ، فَقالَ لَهُ: أخْرَجْنا لِقُرْبِهِ. ووَجْهٌ ثالِثٌ: (p-١٩)الإخْراجُ أتَمُّ نِعْمَةً مِنَ الإنْزالِ، لِأنَّ الإنْزالَ لِفائِدَةِ الإخْراجِ، فَأسْنَدَ الأتَمَّ إلى نَفْسِهِ بِصِيغَةِ المُتَكَلِّمِ، وما دُونَهُ بِصِيغَةِ الغائِبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب