الباحث القرآني
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وما يَسْتَوِي البَحْرانِ هَذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وهَذا مِلْحٌ أُجاجٌ ومِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وتَرى الفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ .
قالَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ: إنَّ المُرادَ مِنَ الآيَةِ ضَرْبُ المَثَلِ في حَقِّ الكُفْرِ والإيمانِ أوِ الكافِرِ والمُؤْمِنِ، فالإيمانُ لا يَشْتَبِهُ بِالكُفْرِ في الحُسْنِ والنَّفْعِ كَما لا يَشْتَبِهُ البَحْرانِ العَذْبُ الفُراتُ والمِلْحُ الأُجاجُ.
ثُمَّ عَلى هَذا، فَقَوْلُهُ: ﴿ومِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ لِبَيانِ أنَّ حالَ الكافِرِ والمُؤْمِنِ أوِ الكُفْرِ والإيمانِ دُونَ حالِ البَحْرَيْنِ؛ لِأنَّ الأُجاجَ يُشارِكُ الفُراتَ في خَيْرٍ ونَفْعٍ إذِ اللَّحْمُ الطَّرِيُّ يُوجَدُ فِيهِما والحِلْيَةُ تُوجَدُ مِنهُما والفُلْكُ تَجْرِي فِيهِما، ولا نَفْعَ في الكُفْرِ والكافِرِ، وهَذا عَلى نَسَقِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ﴾ (الأعْرافِ: ١٧٩) وقَوْلِهِ: ﴿كالحِجارَةِ أوْ أشَدُّ قَسْوَةً وإنَّ مِنَ الحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنهُ الأنْهارُ﴾ (البَقَرَةِ: ٧٤) والأظْهَرُ أنَّ المُرادَ مِنهُ ذِكْرُ دَلِيلٍ آخَرَ عَلى قُدْرَةِ اللَّهِ، وذَلِكَ مِن حَيْثُ إنَّ البَحْرَيْنِ يَسْتَوِيانِ في الصُّورَةِ ويَخْتَلِفانِ في الماءِ، فَإنَّ أحَدَهُما عَذْبٌ فُراتٌ والآخَرَ مِلْحٌ أُجاجٌ، ولَوْ كانَ بِإيجابٍ لَما اخْتَلَفَ المُتَساوِياتُ، ثُمَّ إنَّهُما بَعْدَ اخْتِلافِهِما يُوجَدُ مِنهُما أُمُورٌ مُتَشابِهَةٌ، فَإنَّ اللَّحْمَ الطَّرِيَّ يُوجَدُ فِيهِما، والحِلْيَةَ تُؤْخَذُ مِنهُما، ومَن يُوجِدُ في المُتَشابِهَيْنِ اخْتِلافًا وفي المُخْتَلِفَيْنِ اشْتِباهًا لا يَكُونُ إلّا قادِرًا مُخْتارًا.
وقَوْلُهُ: ﴿وما يَسْتَوِي البَحْرانِ﴾ إشارَةٌ إلى أنَّ عَدَمَ اسْتِوائِهِما دَلِيلٌ عَلى كَمالِ قُدْرَتِهِ ونُفُوذِ إرادَتِهِ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
(p-١١)المَسْألَةُ الأُولى: قالَ أهْلُ اللُّغَةِ: لا يُقالُ في ماءِ البَحْرِ - إذا كانَ فِيهِ مُلُوحَةٌ -: مالِحٌ، وإنَّما يُقالُ لَهُ: مِلْحٌ، وقَدْ يُذْكَرُ في بَعْضِ كُتُبِ الفِقْهِ: يَصِيرُ بِها ماءُ البَحْرِ مالِحًا، ويُؤاخَذُ قائِلُهُ بِهِ، وهو أصَحُّ مِمّا يَذْهَبُ إلَيْهِ القَوْمُ؛ وذَلِكَ لِأنَّ الماءَ العَذْبَ إذا أُلْقِيَ فِيهِ مِلْحٌ حَتّى مَلُحَ لا يُقالُ لَهُ إلّا مالِحٌ، وماءٌ مِلْحٌ يُقالُ لِلْماءِ الَّذِي صارَ مِن أصْلِ خِلْقَتِهِ كَذَلِكَ، لِأنَّ المالِحَ شَيْءٌ فِيهِ مِلْحٌ ظاهِرٌ في الذَّوْقِ، والماءُ المِلْحُ لَيْسَ ماءً ومِلْحًا بِخِلافِ الطَّعامِ المالِحِ، فالماءُ العَذْبُ المُلْقى فِيهِ المِلْحُ ماءٌ فِيهِ مِلْحٌ ظاهِرٌ في الذَّوْقِ، بِخِلافِ ما هو مِن أصْلِ خِلْقَتِهِ كَذَلِكَ، فَلَمّا قالَ الفَقِيهُ: المِلْحُ أجْزاءٌ أرْضِيَّةٌ سَبِخَةٌ يَصِيرُ بِها ماءُ البَحْرِ مالِحًا راعى فِيهِ الأصْلَ، فَإنَّهُ جَعَلَهُ ماءً جاوَرَهُ مِلْحٌ، وأهْلُ اللُّغَةِ حَيْثُ قالُوا في البَحْرِ: ماؤُهُ مِلْحٌ جَعَلُوهُ كَذَلِكَ مِن أصْلِ الخِلْقَةِ، والأُجاجِ المُرِّ، وقَوْلُهُ: ﴿ومِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ مِنَ الطَّيْرِ والسَّمَكِ وتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها مِنَ اللُّؤْلُؤِ والمَرْجانِ ﴿وتَرى الفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ﴾ أيْ ماخِراتٍ تَمْخُرُ البَحْرَ بِالجَرَيانِ أيْ تَشُقُّ، وقَوْلُهُ: ﴿لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ يَدُلُّ عَلى ما ذَكَرْناهُ مِن أنَّ المُرادَ مِنَ الآيَةِ الِاسْتِدْلالُ بِالبَحْرَيْنِ وما فِيهِما عَلى وُجُودِ اللَّهِ ووَحْدانِيَّتِهِ وكَمالِ قُدْرَتِهِ.
{"ayah":"وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡبَحۡرَانِ هَـٰذَا عَذۡبࣱ فُرَاتࣱ سَاۤىِٕغࣱ شَرَابُهُۥ وَهَـٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجࣱۖ وَمِن كُلࣲّ تَأۡكُلُونَ لَحۡمࣰا طَرِیࣰّا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡیَةࣰ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِیهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











